رشحه حزب الله وحركة أمل.. هل يتخطى سليمان فرنجية رفض السعودية ويترأس لبنان؟

12

طباعة

مشاركة

بعد صمت طويل وإبقاء باب التكهنات مفتوحا، حسم الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل اسم مرشحهما لقصر بعبدا في لبنان، وملء الفراغ الرئاسي المستمر منذ نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأعلن حزب الله على لسان زعيمه حسن نصر الله دعمهم ترشيح النائب والوزير السابق ورئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية في سباق انتخابات الرئاسة اللبنانية، بعد أكثر من 4 أشهر على شغور المنصب.

حسم المرشح

وقال نصر الله في كلمة ألقاها عبر الشاشة خلال احتفال حزبي بتاريخ 6 مارس/آذار 2023: "عندما نسمي شخصية للرئاسة فإنه التزام جدي فلا نناور ولا نغير مرشحنا في المستقبل، والمرشح الذي يدعمه حزب الله في الانتخابات الرئاسية ونعتبر أن المواصفات تنطبق عليه هو سليمان فرنجية".

ومضى يقول: "نقترح بأن يسمي كل طرف مرشحه للرئاسة ونذهب إلى مجلس النواب فإن حضر النصاب ننتخب الرئيس مباشرة، ليس هناك شيء اسمه مرشح حزب الله بل من يدعمه الحزب، وهدف هذه التسمية هو القضاء على الشخص الذي ندعمه".

وفشل البرلمان اللبناني منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون نهاية أكتوبر 2022، خلال 11 جلسة عقدها في انتخاب رئيس، وسط انقسام سياسي بين فريق مؤيد لحزب الله وآخر معارض له.

وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان والذي يهيمن عليه بقوة السلاح، تأييده بشكل علني وصول فرنجية إلى سدة الرئاسة.

 وسبق ذلك بيومين موقف مماثل من حليف حزب الله، رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي كشف رسميا عن تبني ترشيح فرنجية​ لرئاسة الجمهورية.

ولعب حزب الله وحليفه "التيار الوطني الحر" بقيادة جبران باسيل صهر ميشال عون، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية دورا متحدا بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس.

إذ سبق أن وضع نصر الله في كلمة خلال احتفال أقامه حزب الله في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 بمناسبة "يوم الشهيد"، شرطه لمرشح الرئاسة بقوله إنه "يرغب بأن يكون للبنان رئيس جمهورية غير خاضع للولايات المتحدة ومطمئنا للمقاومة".

ويأتي الفراغ الرئاسي هذه المرة مع وجود حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات مهمة في وقت يشهد لبنان منذ 2019 انهيارا اقتصاديا صنفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم.

ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية (57 عاما) يعد حليفا أساسيا لحزب الله والنظام السوري، وغالبا ما يطرح اسمه كمرشح عند كل استحقاق رئاسي.

ومع إعلان الحزب دعمه، أصبح فرنجية المرشح الثاني للرئاسة بعد النائب ميشال معوض (50 عاما) الذي أعلن خوضه السباق الرئاسي ويصفه حزب الله بمرشح "تحد" نظرا لقربه من واشنطن.

ومعوض وفرنجية ينحدران من منطقة زغرتا ذات الغالبية المسيحية المارونية في شمال لبنان. ولا يملك أي منهما حتى الآن أكثرية تضمن وصوله إلى قصر بعبدا، في وقت يحظى فيه معوض بدعم رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، أشد خصوم حزب الله.

مرحلة جديدة

لكن "التسوية المؤجلة" حول ملء الفراغ الرئاسي، دخلت مرحلة جديدة في ظل صراعات القوى السياسية الداخلية حول الاتفاق على اسم المرشح الرئاسي، مما يعني أن "الثنائي الشيعي" وضعوا "الفيتو العلني" على الطاولة.

ولا سيما أن القراءة لهذه الوقائع الجديدة تشير وفق مصادر سياسية إلى "معادلة ثابتة في ​الاستحقاق الرئاسي​ الحالي، تقوم على أساس عدم إمكانية إنضاج أي تسوية من دون موافقة ​حزب الله​ والسعودية، نظرا إلى أن الحزب يملك القدرة على تعطيل ما لا يرضى عنه".

وبناء على ذلك، تلفت المصادر المذكورة إلى أن "المعطيات الراهنة تصب في اتجاه رفض الحزب لترشيح قائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، الأمر الذي عبر عنه رئيس المجلس النيابي بشكل واضح من خلال الإشارة إلى عدم توفر الإمكانية لتعديل الدستور"، وفق ما نقل موقع "النشرة" اللبناني بتاريخ 4 مارس/آذار 2023.

ويحضر اسم جوزيف عون بقوة كقائد في لبنان، ويرى فيه سياسيون أنه "رئيس عاقل حكيم"، على الرغم من كونه قادما من خلفية عسكرية.

وينظر محللون إلى عون بوصفه مرشح تسوية في حال فشل التوافق على مرشح آخر، وقد حدث في عام 2008 أن عدل البرلمان الدستور وانتخب قائد الجيش آنذاك ميشال سليمان مرشحا توافقيا بعد أزمة طويلة وانقسامات سياسية حادة.

وحذر زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع خلال مارس من أنه في حال تمكن حزب الله من جمع الأصوات الضرورية لانتخاب فرنجية "سندخل في عزلة عربية أعمق".

وفي هذا إشارة على الأرجح إلى السعودية، التي طالما لعبت دورا بارزا في لبنان، وترجح تقارير أنها تعارض انتخاب مرشح قريب من حزب الله.

وتدعو دول عدة على رأسها فرنسا والولايات المتحدة إلى الإسراع في انتخاب رئيس على أمل أن تبدأ البلاد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لتجاوز الأزمة الاقتصادية التي بدأت منذ عام 2019 وخسرت الليرة نحو 95 في المئة من قيمتها وضعفت القدرة الشرائية للمواطنين.

وحذر ممثلو خمس دول، هي فرنسا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ومصر، والتي عقدت اجتماعا لمناقشة الوضع في لبنان في العاصمة باريس، من تداعيات التأخر في انتخاب رئيس للجمهورية.

وأكدت تلك الدول، وفق بيان صدر عن رئاسة الحكومة اللبنانية في 6 فبراير/شباط 2023، أن "عدم انتخاب رئيس جديد سيرتّب إعادة النظر بمجمل العلاقات مع لبنان".

وقال مصدر دبلوماسي غربي لوكالة الأنباء الفرنسية إن المجتمعين اتفقوا على ضرورة أن يكون الرئيس المقبل للبنان شخصا "لا يثير انقساما، صادقا وقادرا على استعادة ثقة المجتمع الدولي وضمان وحدة البلاد وتماسكها".

وبحسب المصدر، توقف اجتماع باريس عند أسماء المرشحين البارزين للرئاسة، من دون اتخاذ موقف من مرشّح دون آخر، لكنّه تداول في "أدوات ضغط" على القيادات السياسية من دون تحديد ماهيتها.

وبحسب مصدر دبلوماسي آخر مطلع على مضمون الاجتماع رفض الكشف عن اسمه للوكالة، فقد تطرقت مجموعة الدعم الدولية خلال المحادثات إلى أسماء رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وقائد الجيش جوزيف عون الذي تربطه علاقات جيدة بغالبية الأطراف السياسية في البلاد.

بالإضافة الى الوزير السابق جهاد أزعور الذي يتولى حاليا إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، وآخرين.

خطوة استباقية

وفي هذا السياق، أكد الكاتب والمحلل السياسي اللبناني منير الربيع، لـ "الاستقلال"، بقوله: "إن خطوة الثنائي الشيعي بترشيح سليمان فرنجية استباقية تحسبا لكل التطورات التي ستحصل سواء في لبنان أو في المنطقة".

وأضاف ربيع قائلا: "لذلك حزب الله يقول إن ضمانتنا السياسية تتمثل في فرنجية ولذلك أقدم على ترشيحه في ظل المزيد من الضغوط التي تتعرض لها الساحة اللبنانية بالمعنى الاقتصادي بالإضافة إلى التوتر في العلاقات الإسرائيلية الإيرانية ولذلك تقدم الثنائي الشيعي خطوة للأمام".

ورأى أن "طرح حزب الله لا يعني وجود إمكانية لديه لإيصال فرنجية لسدة الرئاسة، بل طرح ورقة قوية على الطاولة وسيبقى متمسكا بها بانتظار فتح مسار سياسي جديد داخليا وخارجيا للوصول إلى تسوية معينة".

وذهب الكاتب للقول: "يراهن حزب الله على تغير موقف السعودية من فرنجية، وفي حال تغير موقف الرياض فإن الحزب يعتبر أنه بإمكان انتخابه رئيسا".

واستدرك: "هناك من يعتبر أن الرؤية السعودية لن تتغير بهذا الأمر لأنها لا ترتبط بأشخاص بل بمواصفات ومشروع واضح وقائم على المصلحة المشتركة بين الرياض وبيروت".

ومضى ربيع يقول: "إن السعودية لم يعد بإمكانها تقديم تنازلات دون الحصول على أي مقابل، وبالنهاية يمكن القول إن خطوة الثنائي الشيعي أدخلت لبنان في مسار سياسي جديد والكثير من التعقيدات والعقبات والتحدي السياسي ولا أحد يمكنه التوقع ما ستؤول إليه الأمور في مسألة انتخاب رئيس جديد".

وأمام ذلك، فإن كثيرا من المراقبين في الشأن اللبناني، يرون أن لبنان أمام مرحلة من التصعيد الكبير في الفترة المقبلة.

وخاصة في ظل محاولات القوى السياسية الرافضة لهيمنة حزب الله، التمسك بالمسار القانوني عبر البرلمان لتجاوز "رغبات إيران" التي لها حصة الأسد في لبنان عبر ذراعها العسكري فيه ممثلا بالحزب المذكور.

وضمن هذه الجزئية يرى الكاتب اللبناني، ألان سركيس، أن "عملية انتخاب فرنجية شبه مستحيلة، بسبب رفض السعودية له أو أي مرشح حليف لحزب الله".

وأضاف سركيس في مقال له بموقع "نداء الوطن" اللبناني" نشر بتاريخ 9 مارس 2023، أن النواب المعترضين على فرنجية "يريدون رئيسا يجمع عليه معظم اللبنانيين ويكون ضمن المحور العربي الذي يعيد ترتيب علاقات لبنان مع الدول العربية الصديقة وليس مرشحا من محور الممانعة (إيران- حزب الله- نظام الأسد)".

وختم بالقول: "إن كثيرا من النواب يشدد على دخول لبنان في مرحلة التعطيل ولا بارقة أمل من إتمام الاستحقاق الرئاسي، وربما يمتد هذا التعطيل لأكثر من سنة وسط عزم حزب الله على فرض مرشحه مثلما فعل أثناء تعطيله الجلسات لفرض العماد ميشال عون رئيسا".