على خطى اليمين المتطرف الأوروبي.. لماذا يثير قيس سعيد رياح العنصرية بتونس؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع فرنسي الضوء على تصريحات الرئيس التونسي، قيس سعيد، "شديدة اللهجة" ضد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء.

وقال موقع قناة "TV5 Monde"، في تقرير، إن "سعيد يهدف إلى الهروب من مشكلاته السياسية والاقتصادية عبر كيل الاتهامات للمهاجرين".

وأشارت إلى أن تصريحات سعيّد أثارت سخطا واسعا، وأعادت إحياء قضية العنصرية في تونس.

الاستبدال العظيم

وفي 21 فبراير/ شباط 2023، وخلال اجتماعه مع مجلس الأمن القومي، ذهب الرئيس التونسي إلى حد اتهام المهاجرين بالرغبة في "تغيير التركيبة السكانية لتونس من أجل جعلها دولة إفريقية".

وأفاد سعيّد في بيان صادر عن الرئاسة بأن "هناك ترتيبا إجراميا أعد منذ مطلع القرن لتغيير التركيبة السكانية لتونس".

وزعم أن "هناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس"، مطالبا بوضع حد لهذه الظاهرة.

ونقل الموقع الفرنسي تصريحات للناشطة التونسية، ذات البشرة السمراء، سعدية مصباح، التي رفضت تصريحات سعيّد.

ووفق الناشطة، فإن "العنصرية أصبحت روتينا يتعرض له بعض التونسيين ذوي البشرة السمراء، لكن لا أحد يتحدث عن ذلك، فما زال هذا السؤال يتعرض لحالة إنكار".

وشبّه الموقع الفرنسي تصريحات "سعيد" بنظرية "الاستبدال العظيم" للمفكر الفرنسي اليميني المتطرف، رينو كامو.

فمثلما تنبأ "رينو" باستبدال لا هوادة فيه لسكان أوروبا الأصليين من قبل المهاجرين، تناول سعيد المسألة كأنها استبدال للسكان العرب بالسكان السود.

وأثارت كلمة رئيس الدولة، التي نقلها حساب الرئاسة التونسية استياء واضحا، كما أدت كذلك إلى أعمال عنف وترهيب ضد السود، وفق التقرير.

وأوضحت الناشطة مصباح أنها "تلقت رسائل من نساء من جنوب الصحراء يخبرنها أنهن يرتعبن في كل مرة يطرق فيها أحد بابهن".

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يمكن مشاهدة مواطنين من كوت ديفوار أمام قنصليتهم يعربون أنهم "لم يعودوا يشعرون بالأمان هنا"، بينما يؤكد آخرون أنهم طردوا من أماكن إقامتهم.

الاتحاد الإفريقي بدوره أصدر بيانا أدان فيه تصريحات الرئيس التونسي، ودعا الدول الأعضاء فيه إلى "الامتناع عن أي خطاب كراهية ذي طابع عنصري من شأنه إلحاق الأذى بالناس، وإعطاء الأولوية لأمنهم وحقوقهم الأساسية".

حزب عنصري

ووفق الموقع، فإن سعيد ليس أول من استخدم نظرية "الاستبدال العظيم".

فمنذ أشهر، يحاول الحزب الوطني التونسي -الذي تأسس عام 2018- تغيير خطابه إلى الشعب بالتركيز على استهداف مهاجري جنوب الصحراء الكبرى بشكل صريح.

بدوره، قال الباحث والناشط المدني، مهدي العش: "لقد لعب الحزب الوطني التونسي دورا كبيرا في نشر هذه النظريات العنصرية والتآمرية، على غرار خطاب اليمين المتطرف الأوروبي، كما تمكن أعضاؤه من الاستفادة من الحضور الإعلامي الكبير الذي وفره لهم التلفزيون الحكومي".

وأضاف مهدي أنه "إذا كانت سلطة سعيد قد تعرضت لانتقادات واسعة من قبل المعارضة أخيرا متهمة إياه بالاستبداد، فإن الحزب الوطني لم يشارك أبدا في هذه الانتقادات".

وتابع مهدي: "إنه حزب لا يزال قريبا من سعيد، ولا ينتقد بأي حال من الأحوال الجنوح نحو الاستبداد الذي أظهرته السلطة، كما أن الأعضاء الحاليين في الحزب مقربون من دوائر الرئيس".

فيما أوضح الموقع الفرنسي أن "السياسات المتعلقة بالهجرة لم تكن أبدا موضوعا رئيسا يشغل الرأي العام التونسي، في الوقت تتصدر فيه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية اهتمامات الجميع".

ووصل التضخم في تونس إلى أكثر من 10 بالمئة، بينما بلغت نسبة الفقر 20 بالمئة من السكان البالغ عددهم 12 مليون نسمة.

كذلك تجاوز الدين العام 100 مليار دينار (30 مليار يورو)، كما أصبح النقص في الحليب أو السكر أو القهوة أو المعكرونة أمرا معتادا.

علاوة على ذلك، فقد وصل المسار الديمقراطي إلى طريق مسدود، وسجلت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية، التي انعقدت في 30 يناير/ كانون الثاني 2023، نسبة مشاركة بلغت 11.4 بالمئة فقط، يقول الموقع الفرنسي.

كما يكافح الشباب من أجل رسم مستقبل لهم داخل البلاد، بينما هناك ما يقرب من 40 بالمئة من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 عاما يعتزمون الهجرة، وفقا للمعهد الوطني للإحصاء.

ووفق مهدي، فإن "شعبية سعيد في أدنى مستوياتها على الإطلاق، ولذلك يعمل على خلق عدو داخلي متخيل لا علاقة له بالواقع".

وأضاف أن "هذا ليس استثناء تونسيا، فعندما يكون هناك عجز عن تلبية المطالب الداخلية لبلد ما، فإن أبسط حل هو اتهام عدو وهمي، كما يفعل سعيد حاليا مع مسألة الهجرة".

موجهة لأوروبا

ووفق المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية الاجتماعية، فإن هناك أكثر من 21 ألف مواطن من إفريقيا جنوب الصحراء يعيشون على الأراضي التونسية.

"وهؤلاء لن يبقى معظمهم في تونس بسبب العنصرية"، بحسب تقرير موقع القناة الفرنسية.

وبوصف تونس مفترق طرق للهجرة، فقد لعبت لسنوات دورا رئيسا في التنسيق مع الدول الأوروبية حيال ذلك.

بدورها، ذكرت الباحثة والمحامية المتخصصة في حقوق الأجانب، صوفي آن بيسو، أنه "في يونيو/ حزيران 2018، أعلن السفير التونسي لدى الاتحاد الأوروبي، الطاهر الشريف، رفض بلاده استضافة لاجئين على أراضيها وفق مقترح للمفوضية الأوروبية".

وكانت الخطة الأوروبية تتضمن أن تستقبل دول شمال إفريقيا – ومنها تونس- اللاجئين الذين أنقذوا في البحر الأبيض المتوسط، على أن يتم فرز ملفات هؤلاء اللاجئين وإعادة توزيعهم.

وبعد ثلاث سنوات، عاد الاتحاد الأوروبي إلى تونس بمشروع مساعدة اقتصادية لها، مقابل تكثيف الجهود لمنع مغادرة المهاجرين من سواحلها باتجاه أوروبا.

وترى بيسو أن "تونس من أكثر الدول تعاونا مع الدول الأوروبية في الهجرة غير النظامية، فالمراد منها هو أن تلعب دور شرطي الحدود، الذي يمنع المهاجرين من جنوب الصحراء وكذلك التونسيين من العبور تجاه الدول الأوروبية".

وحسب الناشط المدني "مهدي"، فإنه يمكن أيضا لسعيّد أن يستغل هذا الدور الذي تريده أوروبا من تونس حيال ملف الهجرة.

فمن خلال تعاونه في هذا الملف، يشتري سعيد صمت الدول الأوروبية على المنعطف القمعي الذي يمارسه في بلاده ضد حقوق الإنسان والمعارضة السياسية وحرية التعبير، حسب التقرير.

ونوه إلى "النهج القمعي للسلطات التونسية، واعتقالها لعشرات الصحفيين والمعارضين، والصلاحيات التي تجمعت بشكل صارخ في يد الرئيس". 

تراجع سعيّد

ورصد الموقع محاولة سعيد للتراجع عن تصريحاته، حيث سعى إلى "طمأنة" المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء المقيمين بشكل قانوني في تونس، وذلك في اليوم التالي لخطابه.

فخلال اجتماع مع وزير الداخلية توفيق شرف الدين، والمدير العام للأمن الوطني مراد سعيدان، لتناول الوضع الأمني في البلاد، قال سعيّد "فليطمئن من هو في تونس ومن هو مقيم بصفة قانونية".

وأضاف بحسب فيديو نشرته رئاسة الجمهورية على صفحتها في فيسبوك "أودّ أن أتوجه إلى كل المسؤولين في كل المستويات، أن أوصيهم خيرا بكل الأشقاء الأفارقة المقيمين في تونس بصفة قانونية، وأن لا يتعرّضوا لأحد بسوء".

لكنّ الرئيس التونسي شدّد على أنه "لا يمكن أن نسمح لأي شخص بأن يقيم بصفة غير قانونية"، وكرر حديثه بأنه "لن نسمح بالمساس بالمؤسسات، ولن نسمح بتغيير التركيبة الديمغرافية" للبلاد.

من جهته، أوضح مهدي أن "الضرر قد حدث بالفعل، حيث يوجد ارتباك كبير بين الأشخاص في الوضع العادي وطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين، لون البشرة كاف لجعلك تتساءل.. نأخذك ونطلب منك أوراقك بعد ذلك".

وحسب التقرير، فقد جاءت تصريحات سعيد في أعقاب موجات من الهجمات والاعتقالات التعسفية التي استهدفت المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى في تونس منذ أسابيع.