السنة في برلمان لبنان بعد رحيل سعد الحريري.. تشتتت أسماؤهم أم تجددت دماؤهم؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع فرنسي الضوء على تمثيل المكون السني في البرلمان اللبناني، بعد عام على انسحاب رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري، رئيس تيار المستقبل من الحياة السياسية.

وذكر موقع "Ici Beyrouth" أن هناك 27 نائبا سنيا في البرلمان، لكنه أوضح أن ذلك قد يكون علامة إما على تشتت الجهود أو على تجديد الدماء.

وقبل نحو عام، وبالتحديد في 24 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن الحريري "تعليق" عمله السياسي ودعا "تيار المستقبل" إلى فعل الشيء نفسه، وعدم المشاركة في الانتخابات التشريعية، وبالفعل التزم التيار بتلك الدعوة.

واتخذ رئيس تيار المستقبل (سني) هذه الخطوة لاقتناعه بأن "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، على حد وصفه.

وبمناسبة عودة سعد- المؤقتة- إلى بيروت، لإحياء الذكرى الـ18 لاغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فمن الأهمية بمكان تحليل تأثير انسحابه على تركيبة مجلس النواب، الذي نتج عن انتخابات 2022.

واغتيل رفيق الحريري في 14 فبراير/شباط 2005 جراء انفجار استخدمت فيه 1800 كلغ من مادة "تي إن تي"، مع 21 شخصا آخرين، بينهم وزير الاقتصاد باسل فليحان، الذي كان برفقته في سيارته.

وعام 2020، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان غيابيا، سليم عياش، وهو عضو في "حزب الله" (حليف إيران والنظام السوري) بعملية الاغتيال، بينما برأت 3 متهمين آخرين ينتمون للحزب، ورأت أنه لا دليل على أن "قيادة الحزب" كان لها دور في الأمر.

وأضاف الموقع أنه "حتى لو كانت الكتل النيابية الكبيرة - التي ترأسها رفيق وسعد الحريري على التوالي- متعددة المشارب، فإن كلا الرجلين عُدّا أنهما قادة السنة، وزعماء الطائفة في الساحة السياسية اللبنانية بلا منازع".

وأكد الموقع أن "الحريري ما زال يحتفظ حتى اليوم بمكانة كبيرة في قلب الشارع السني، حتى لو بدأت شخصيات أخرى في كسب الشعبية بشكل تدريجي".

اتجاهات مختلفة

ووفق التقرير، هناك 4 اتجاهات رئيسة للنواب السنة، الذين انتخبوا عام 2022، والبالغ عددهم 27 نائبا تحت قبة البرلمان اللبناني.

الاتجاه الأول هو ما أطلق عليه الموقع الفرنسي "سياسيو الوسط"، وهم 6 نواب، معظمهم من "الحريريين القدامى".

وتتحالف هذه المجموعة مع نائبين سنيين من بيروت، نبيل بدر (رئيس نادي الأنصار لكرة القدم) وعماد الحوت (عضو الجماعة الإسلامية).

وأكد الموقع أن تلك المجموعة، تتحالف أحيانا مع غيرها داخل البرلمان، وتعد قريبة من السعودية وتهتم بتوجهات المملكة.

أما المجموعة الثانية فهي تحالف "8 آذار"، الذي يضم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر وأحزابا أخرى، والذي يعد قريبا من إيران.

ولفت التقرير إلى أن هذه الكتلة قد تجتذب مزيدا من النواب مثل طه ناجي وعدنان طرابلسي، مع الأخذ في الحسبان ما أشارت إليه بعض المصادر النيابية من أن الأخير يبدو وكأنه يبتعد عن حزب الله ويقترب من قوى الوسط والسعودية.

أما المجموعة الثالثة فهم "الكتلة السيادية المستقلة"، القريبة من تحالف "14 آذار"، وهؤلاء يشكلون عددا قليلا جدا في المجلس المنتخب عام 2022.

ووفق تقرير "Ici Beyrouth"، فإن هذه المجموعة تتباين آراؤها، ويمكن أن تكون إحدى نقاطها المشتركة على وجه الخصوص تصويتهم لمرشح الكتلة السيادية، ميشال معوض.

وأخيرا، هناك مجموعة رابعة ينضوي تحتها بعض النواب السنة وهي تكتل "نواب التغيير".

ونواب التغيير هو الاسم الذي يطلق على الوافدين الجدد إلى البرلمان، نظرا لكونهم يحملون أفكار انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومطالبها، والتي يعد أبرزها التخلّص من الفساد ومحاسبة المسؤولين عن الأزمات الاقتصادية والسياسية.

وحسب التقرير، فإن توزع نواب الكتلة السنية على العديد من الاتجاهات هو موقف غير مألوف منذ عام 1996.

ففي انتخابات عام 1996، كان لكتلة الحريري 25 نائبا في البرلمان، ووصل عددهم إلى 26 في انتخابات عام 2000. 

وفي عام 2005، بعد اغتيال رفيق الحريري، انضوى تحت الكتلة التي ترأسها سعد 37 نائبا منتخبا، أما في عام 2009، وبعد غزو حزب الله في 7 مايو/ أيار 2008 لعدة مناطق في بيروت، كان لكتلة تيار المستقبل 32 نائبا.

وبحلول عام 2018، وبعد إقرار قانون الانتخابات الحالي، انخفض العدد إلى 20، ثم قرر  التيار عدم المشاركة في انتخابات 2022، بعد قرار الحريري. 

قوة أم ضعف؟

وأكد الموقع أن الجهود التي بذلت لتوحيد نواب الطائفة السنية - وعلى رأسها بشكل خاص مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان والسفير السعودي وليد بخاري- فشلت، بسبب اختلاف وجهات النظر بين النواب المنتخبين.

ففي سبتمبر/أيلول 2022، وقبل شهر من انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، التقى "دريان" في دار الفتوى بالنواب السنة.

وفي الشهر نفسه، استقبل "بخاري" النواب السنة، وعشية المشاورات اللازمة لتعيين رئيس للوزراء، كان مقر إقامة السفير السعودي مليئا بالشخصيات السنية، لا سيما النواب.

وأتت هذه المساعي السعودية إيذانا بعودة الرياض إلى المشهد السياسي اللبناني بعد غياب طويل، مع العلم أن السعودية سبق لها أن حاولت التأثير في تشكيل القوائم الانتخابية قبيل الانتخابات التشريعية الأخيرة، حسب التقرير.

وباعتبار أن سحب السعودية دعمها عن الحريري أضعفه إلى حد كبير، يصر المراقبون على أهمية الدور السعودي في عملية بزوغ نجم زعيم سني جديد في لبنان، مستنكرين عدم اضطلاع الرياض بمثل هذا الدور حتى الآن.

والجدير بالذكر أن هناك جهودا مبذولة من أطراف داخلية لتوحيد صفوف النواب السنة، منها جهود النائبين فؤاد مخزومي وإيهاب مطر.

وتطرق الموقع إلى انقسام القوى السنية تحت قبة البرلمان، وعما إن كان يمكن اعتباره علامة قوة وتجديد أم علامة ضعف وتشتت؟

وأشار التقرير إلى أن ذلك في نظر الكتل النيابية الأخرى علامة ضعف، ففي الواقع، باتت هذه الكتل "أكثر انزعاجا من حقيقة أنه لم يعد هناك قائد موحد للسنة يمكنهم التحاور معه".

أما بالنسبة للنواب السنة الحاليين، فهذه نقطة قوة، إذ "يمكن لأي شخص أن يتخذ قراره بنفسه، أو بالتشاور مع عدد قليل من زملائه، دون الالتزام بقرار زعيم يقود المسيرة".

ووفقا لمحللين، فإن المشهد السياسي السني التقليدي كان في طريقه إلى الاندثار حتى لو لم يتخذ الحريري قرارا بتعليق عمله السياسي.

ونقل الموقع الفرنسي عن مصدر برلماني لبناني، أنه "حتى لو كان رئيس الوزراء السابق قد شارك في انتخابات مايو/ أيار 2022، لكان قد حصل على عشرة نواب على الأكثر".

وبالتالي، فإن الخريطة النيابية السنية في لبنان تتجه نحو بزوغ جيل جديد، يسيطر عليه الشباب بشكل أو بآخر.

ويورد التقرير أن "لدى البعض من هذا الجيل انتماءات وأفكارا واضحة، وبعضه الآخر ستتبلور أفكاره مع التجربة، دون أن يمليها عليه أحد يحتكر تمثيل السنة".

ووفق قوله، فإن "هذا التنوع صحي، لأن كل نائب يقرر بنفسه دون الحاجة إلى اتباع قائد، وهذا ما بات يميز النواب السنة عن باقي النواب".

وأضاف الموقع: "وإذا كان لدى الطوائف الأخرى نفس التنوع، فستكون البلاد في وضع أفضل، بعيدا عن هذا النظام (الطائفي) الفاشل الذي أوصل لبنان إلى حيث هي الآن".

ويؤكد ذلك النائب، وضاح صادق، الذي يرى أن "السنة حاليا أكثر ميلا من الطوائف الأخرى للتحرك نحو مشروع وطني جامع، وليس بناء على الطائفية".

لكن في المقابل، يعتقد النائب أشرف ريفي، أن المجتمع السني يمر بمرحلة انتقالية بانتظار ظهور قيادة جديدة. 

وأوضح "ريفي" أن هذه القيادة لن تكون موحدة، بل مقسمة إلى عدة أقطاب إقليمية تنسق فيما بينها، وفي حين أن لدى الطوائف الأخرى قادة "أقوياء"، فقد يرى البعض ذلك "نقطة ضعف" لدى السنة.

ومن جانبه، يقول النائب، نبيل بدر، إن السنة مشتتون إلى حد ما في الوقت الحاضر، لكنه يؤكد أنه سيكون لديهم في المستقبل ميزة تجديد أنفسهم بسرعة أكبر من الآخرين.