مشهد مؤسف.. الصراع السياسي بين المغرب والجزائر يطفئ أضواء "شان" إفريقيا

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أضافت الأزمة الكروية الأخيرة، ثقلا جديدا على جبل الخلافات بين المغرب والجزائر، رغم المحاولات والدعوات للتقارب وإنهاء القطيعة المتفاقمة.

وأعلنت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، في 12 يناير/ كانون ثاني 2023، تعذر سفر المنتخب الوطني إلى مدينة قسنطينة الواقعة بشمال الجزائر على البحر الأبيض المتوسط، من أجل المشاركة في بطولة إفريقيا للاعبين المحليين "شان".

وهذه البطولة تقام بين 13 يناير و4 فبراير/شباط 2023، وقد جاءت ضمن قطيعة سياسية بين البلدين الجارين بسبب خلافات متعددة.

وذكر بلاغ الجامعة المغربية، وفق وكالة المغرب العربي للأنباء، أن المكتب المديري للجامعة، أكد خلال الاجتماع الذي عقده في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022 ضرورة سفر المنتخب الوطني إلى الجزائر على متن الخطوط الملكية المغربية، الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية.

وأضاف أن الجامعة قدمت في 22 ديسمبر 2022 طلبا إلى الاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف)، بصفته الجهاز المسؤول على تنظيم بطولة إفريقيا للاعبين المحليين، من أجل الحصول على ترخيص لرحلة جوية عبر الخطوط الملكية المغربية من الرباط إلى قسنطينة، وأن الطلب قُبل من حيث المبدأ.

وأشار إلى أن الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم أشعرت الكاف بمسار الرحلة المغربية والإحداثيات من أجل الحصول على الترخيص النهائي لرحلة الخطوط الملكية المغربية من الرباط إلى قسنطينة.

وفي 13 يناير 2023، أعلن رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم فوزي لقجع، عدم مشاركة المغرب في بطولة الشان المنظمة بالجزائر، بشكل نهائي ورسمي، بسبب عدم التوصل بترخيص، من البلد المنظم للتظاهرة الرياضية، لطائرة المنتخب الوطني للتوجه إلى قسنطينة.

ورأى لقجع في تصريح لجريدة "مدار 21"، أن حرمان المنتخب الوطني من المشاركة "شيء مؤسف"، خاصة أنه استعد للمشاركة بالبطولة لمدة ستة أشهر وبشكل جدي ومتواصل.

الرد الجزائري

في ردها على القرار المغربي، أعادت المنابر الإعلامية الجزائرية تأكيد مسؤولي البلاد بأن المنتخب المغربي مرحب به في الدورة كباقي الفرق المشاركة، دون الالتزام بشرط الرحلة المباشرة، نظرا لقرار السلطات الجزائرية القاضي بمنع الطيران المغربي من دخول الأجواء الجزائرية منذ 23 سبتمبر/أيلول 2021.

وقد أتى القرار الجزائري بخصوص منع الطيران المغربي، المدني والعسكري، ليتوج مسار التصعيد في الخلاف بين البلدين بسبب النزاع حول الصحراء الغربية.

ويتهم المغرب الجزائر بدعم جبهة "البوليساريو" الانفصالية المطالبة بانفصال الصحراء عن المغرب، بينما ترى الأخيرة أن الإقليم المذكور تابع لأراضيها.

وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا على إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

في المقابل، تتهم الجزائر المغرب بدعم منظّمتين صنفتهما إرهابيتين هما "حركة تقرير مصير منطقة القبائل" الانفصالية (ماك) ومقرها في باريس، والحركة الإسلامية "رشاد" ومقرها في لندن.

وقطعت الجزائر علاقاتها مع المغرب منذ أغسطس/ آب 2021، بسبب ما قالت إنها "أعمال عدائية" من الرباط ضدها، وهو ما نفته الأخيرة.

ونهاية ديسمبر 2022، قال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إن قرار قطع العلاقات مع الجارة المغرب كان "بديلا لنشوب حرب بين الدولتين".

وأفاد تبون بأن قطع العلاقات مع المملكة المغربية صيف العام 2021 كان "نتيجة تراكمات منذ العام 1963". وأضاف أن "النظام المغربي هو من سبب المشاكل وليس الشعب".

وبشأن الأزمة الجديدة، ذكر موقع "الجزائر الآن"، في 12 يناير 2023، أن إعلان الجامعة المغربية انسحابها من البطولة الإفريقية المقامة بالجزائر، سيجعل "الكاف" يسلط عليها عقوبات قانونية.

وأوضح المصدر ذاته، أنه "حسب المادة 80 من القانون المنظم لبطولة إفريقيا للأمم للاعبين المحليين (CHAN) فإن انسحاب أي منتخب قبل أقل من 20 يوما من بداية المنافسة يعرضه للعقوبات التالية: غرامة مالية قدرها 150 ألف دولار، والإقصاء من اللعب في المنافسة ذاتها لبطولتين متتاليتين أي في كأس إفريقيا للمحليين".

كما قال المعلق الرياضي بقنوان "بين سبورت" القطرية، حفيظ دراجي، في تغريدة على حسابه بتويتر، 12 يناير 2023، إن المغرب رفض المشاركة في بطولة إفريقيا للمحليين بسبب إصراره على عبور الأجواء الجزائرية (المغلقة) مباشرة من المغرب.

وذكر المتحدث ذاته، أن "الاتحاد الإفريقي طالب المغرب بالسفر إلى الجزائر عبر إسبانيا أو موريتانيا أو تونس، لكنه أصر على كسر الحظر المفروض على الطيران المغربي والإسرائيلي بقرار سيادي من طرف الجزائر".

السياسة تنتصر

في قراءته للموضوع وتفاعلاته، أكد الكاتب الصحفي يونس مسكين، أن "ما يقع يندرج كليا، من البداية إلى النهاية، في دائرة السياسة والفعل السياسي".

وأضاف مسكين في تصريح لـ "الاستقلال": "لا يتعلق الأمر بخلاف حول قواعد رياضية أو تنظيمية، بل باختيار سيادي لدولة الجزائر يحظر مجالها الجوي عن كل ما يمت للمغرب بصلة، سواء الطائرات المغربية المدنية والعسكرية أم الطائرات المسجلة في المملكة".

وأوضح: "أي أن كل من يرغب في الالتحاق بالأراضي الجزائرية انطلاقا من المغرب، مطالب بالانتقال إلى أجواء طرف ثالث قبل التمكن من دخول الأجواء الجزائرية".

وشدد المتحدث ذاته، أن "قرارا مثل هذا لا يمكن أن يخلو من التبعات والتداعيات"، منبها إلى أن "البلد الذي يسعى إلى تسويق صورة إيجابية عنه بأنه منفتح ومستعد لاحتضان الجميع وتنظيم مختلف التظاهرات، مُطالب بدراسة متأنية للخطوة المتخذة من مثل حظر مجاله الجوي على بلد جار".

في تفاعله مع الموضوع، أكد رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، باتريس موتسيبي، رغبته في مشاركة جميع المنتخبات في كأس أمم إفريقيا للاعبين المحليين "الجزائر 2023".

ووفق موقع "البطولة"، قال موتسيبي خلال ندوة صحفية عقدها في 12 يناير 2023 في الجزائر: "نود مشاركة كل المنتخبات، وبصفتنا الكاف، يجب احترام قواعد ولوائح الدول التي تحددها بكل استقلالية".

وأردف: "حاولت خلال الأسبوعين الأخيرين الحرص على مشاركة كل الدول في هذا الحدث، ولا نريد التورط في السياسة، وعلى الساسة عدم التدخل في كرة القدم".

وأضاف: "مهما كان القرار الذي سيتخذه المغرب فسنحترم ذلك وفقا للوائح. الكاف لديه التزام لإنجاح هذا "الشان"، وهناك بعض الظروف والشروط التي نفكر فيها لتنظيم البطولة. المملكة لها تفسيراتها ووجهة نظرها والجزائر كذلك".

وتابع: "كرة القدم محور مجهوداتنا وعلينا احترام القوانين السيادية لكل دولة. مستقبلا سنحاول التركيز على الجوانب الكروية بدلا من الأمور الأخرى".

وأردف رئيس الكاف: "لست في موقف لأقول أكثر من ذلك. هناك بيان المغرب وسيكون هناك بيان جزائري لتوضيح موقفه في القضية".

وتابع: "نعرف الصعوبات والتوترات، لكننا نسعى للم الشمل بواسطة كرة القدم، وسنحاول إيجاد الحلول. الشعب الجزائري رائع وكذلك المغربي".

وعقب وصوله للمغرب في اليوم الموالي، صرح بالقول إن الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ووزير خارجيته رمطان لعمامرة أكدا له أنهما يريدان مشاركة المنتخب المغربي في بطولة إفريقيا للمحليين "الشان".

وذكر موتسيبي، في تصريحات أدلى بها بمطار الرباط سلا، أنه حزين بأن يرى شبانا تقل أعمارهم عن 23 عاما وهم في بهو المطار ينتظرون المشاركة في بطولة إفريقية لكرة القدم بالجزائر.

وأضاف المتحدث ذاته: "أريد فعلا أن يتوجه هؤلاء الشبان إلى الجزائر لتمثيل بلادهم وكافة الأفارقة"، موضحا أنه يعي جيدا أن هناك حظرا للطيران المغربي من طرف السلطات الجزائرية.

واسترسل: "قلت للجزائريين اسمحوا لهم بالمجيء في رحلة مباشرة ولكن قالوا إن المسألة سيادية ونحن منهمكون في حل الأمر".

تفاعل شعبي

في تفاعل عدد من المغاربة والجزائريين مع الموضوع، قالت أمينة ماء العينين، النائبة السابقة لرئيس مجلس النواب المغربي، إن ما يفعله النظام الجزائري تجاه المغرب معيب ومستهجن ولا يقبله عقل ولا منطق سليم.

وأضافت ماء العينين في تدوينة على فيسبوك في 12 يناير 2023، "حتى الحروب لها قواعد وأخلاق، حتى النزاعات الحقيقية تدبر بمنطق الدول".

واسترسلت: "ما الذي يدعو إلى كل هذا الحقد الكبير؟ ثم إن الرياضيين المغاربة لا يطلبون زيارة الجزائر، وإنما سيشاركون في منافسات لا تنظمها الجزائر بل تحتضنها كما تفعل باقي الدول في باقي الدورات".

وخلصت للقول: "يا لها من مرارة نحس بها وقد حول هؤلاء منطقتنا إلى أضحوكة في زمن التكتلات والاتحادات القوية".

بدوره، قال الناشط السياسي الجزائري وليد كبير، في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، في 13 يناير 2023، إن "المغرب لم ينسحب من "الشان"، بل نظام الثكنات هو من يرفض لحد الساعة تسهيل مأمورية المنتخب المغربي الذي ينتظر بالمطار أمام أنظار رئيسي فيفا وكاف".

وأردف: "العسكر شوهوا صورة الجزائر على مستوى العالم!.. إنها تبعات غباء عصابة الحكم هناك"، وفق وصفه.

من جانبه، قال الكاتب الصحفي لحسن العسيبي، إن تزامن وصول رئيس كل من رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم ورئيس الاتحاد الإفريقي للكرة إلى مطار الرباط سلا مع وجود الفريق المغربي في انتظار الإذن الجزائري هو إحضار للشهود على سلوك السلطات الجزائرية".

وذكر العسيبي في تدوينة على فيسبوك، 13 يناير 2023، أن حرمان المنتخب المغربي من "المشاركة في نهائيات الشان هو لأسباب سياسية مصدرها الحكومة الجزائرية".

ورأى المتحدث ذاته أن تسجيل الوقائع مهم جدا أمام مؤسستين دوليتين من حجم الفيفا والكاف، لبناء أطروحة قانونية في قادم الأيام.

أما الناشط السياسي الجزائري، شوقي بن زهرية، فتساءل تفاعلا مع ما جرى قائلا: "هل كنا سنقبل كجزائريين منع طائرة منتخبنا الوطني من السفر مباشرة نحو بلد مستضيف لدورة رياضية؟ بطبيعة الحال لا، فلا يمكن لوم المنتخب المغربي على عدم مشاركته في الشان التي فشلت قبل بدايتها بحكم أنه حامل لقب الدورتين السابقتين".

وأضاف بن زهرية على فيسبوك، 12 يناير 2023، "الغريب أن شعار الدورة -مرحبا-، دون أن ننسى أنه يكاد يكون مستحيلا منح تنظيم كان 2025 لبلد فيه نظام يتخذ قرارا عنصريا مثل هذا لا علاقة له بالروح الرياضية".

واقع صعب

سبق للمغرب أن شارك في دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالجزائر، والتي أقيمت ما بين 25 يونيو/حزيران و5 يوليو/تموز 2022، عبر الانتقال إلى تونس ثم منها إلى الجزائر.

وفي تعليقه على الفرق بين تلك الألعاب وبطولة "الشان"، ورد الفعل المغربي، قال الكاتب الصحفي مسكين لـ "الاستقلال"، إن الخطوة المغربية بدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط كانت للتعبير عن "الصبر والأناة وتجنب رد الفعل، وهي كلها أمور محمودة لكنها لا يمكن أن تكون دائمة ومطلقة".

واستدرك بالقول: "لكن تظاهرة رياضية مثل كأس إفريقيا للمحليين كانت لتشكل فرصة سانحة للتعبير عن وجه إنساني وحضاري مشرق للجزائر، عبر السماح استثنائيا بتنقل المنتخب المغربي في خط مباشر، وتمكين الشعبين من فرصة اللقاء بعيدا عن حسابات السياسة".

وخلص مسكين إلى أن السلوك المغربي بدوره لا يخلو من حمولة سياسية، وهذا شيء طبيعي، لأن الفعل السياسي لا يواجه إلا بفعل آخر.

وشخصيا، يردف المتحدث ذاته، "أعتقد أن السلوك المغربي كان مفهوما ومتوقعا، لأن فرض استعمال ناقل جوي أجنبي، غير شركة الخطوط الملكية الجوية، والمرور عبر بلد ثالث، أمر ينطوي على الإهانة والإذلال".

من جهتها، حاولت بعض المنابر المغربية التذكير بالعلاقات الجيدة والتاريخية للمغرب والجزائر في المجال الرياضي، بغية الدفع بعملية التصالح إلى الأمام، وإن كانت ترى أن النظام الجزائري ولاسيما الجيش، يقف حجر عثرة أمام هذا التصالح.

ففي مقال لصحيفة "الأيام 24"، في 12 يناير 2023، قال الموقع إن "التاريخ يشهد كيف عاقب الاتحاد الدولي لكرة القدم - فيفا، المنتخب المغربي سنة 1958 لتضامنه مع نضال الشعب الجزائري".

وأردف: "في تلك السنة أعلن تسعة لاعبين جزائريين يلعبون في الدوري الفرنسي تشكيل فريق جبهة التحرير الوطني واجتمعوا في تونس، وتجرأ المغرب رغم كل التحذيرات وسمح للمنتخب الوطني بإجراء لقاء معه في أول اعتراف به".

وأضاف، هذه المباراة كانت سببا في معاقبة المنتخب المغربي وحُرم من المشاركة في كأس إفريقيا لأن "الفيفا" لا تعترف بفريق جبهة التحرير الوطني وكان حينها الجزائريون يلعبون بقميص المنتخب الفرنسي".