الإنفاق العسكري الأميركي في 2023.. ميزانية فلكية أجمع عليها المتنافسون

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة صينية الضوء على الميزانية العسكرية للولايات المتحدة التي صادق عليها الكونغرس في ديسمبر/ كانون الأول 2022، مشيرة إلى ضخامتها عند مقارنتها بمثيلاتها في السنوات الأخيرة.

وأوضحت صحيفة "الشعب" الرسمية، أنه عبر هذه الميزانية تبدو أميركا مصرة على الحفاظ على هيمنتها العالمية، مؤكدة أنها تهتم بالإنفاق العسكري أضعاف حرصها على حياة الأميركيين. 

إنفاق ضخم

وأقر مجلسا النواب والشيوخ الأميركيين في النصف الأول من ديسمبر، قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي رفع الميزانية العسكرية إلى مستوى قياسي، يبلغ نحو 858 مليار دولار خلال عام 2023.

وقانون تفويض الدفاع الوطني هو قانون سنوي يحدد سياسة وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون).

ويسمح قانون الدفاع الوطني لعام 2023 بتخصيص 858 مليار دولار للإنفاق العسكري، يتضمن زيادة قدرها 4.8 بالمئة في رواتب الجنود، وتمويل مشتريات أسلحة وسفن وطائرات، ودعم تايوان وأوكرانيا.

وقالت الصحيفة الصينية إن ميزانية 2023 تجاوزت طلب ميزانية الدفاع الذي قدمه الرئيس الأميركي جو بايدن بمقدار 45 مليار دولار، كما أنها تفوق ميزانية 2022، بنحو 80 مليار دولار.

وفي وقت سابق، صرحت لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي بأن قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2023 يركز على "المنافسة الإستراتيجية" للولايات المتحدة مع الصين وروسيا.

ويذكر أن القانون مرّر بأغلبية ساحقة داخل مجلسي النواب والشيوخ.

وفي هذا السياق، استنتج الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية تنج جيانكون، أن "الحزبين الأميركيين الديمقراطي والجمهوري، قد توصلا لاتفاق غير مسبوق في مجال الأمن".

وهو ما يعني إصرارهما على ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على هيمنتها العالمية.

وأضاف أن النخب السياسية الأميركية تركز على الحفاظ على الريادة العالمية للولايات المتحدة خلال العقدين القادمين، عبر إعطاء منطقة آسيا والمحيط الهادئ أولوية في إستراتيجياتها الأمنية وسياساتها الخارجية، وإطلاق إستراتيجية ما يسمى بـ"منافسة القوى الكبرى".

ووفقا للميزانية، ستواصل الولايات المتحدة تخصيص الأموال لإستراتيجية "الردع في المحيط الهادئ"، التي تهدف إلى توفير الأموال للمنافسة الإستراتيجية في منطقة المحيط الهادئ-الهندي، وتعزيز الجاهزية القتالية لأميركا، وتطوير قدرات استجابتها لتحديات المنطقة.

تخطيط واسع

كما تحوي الميزانية بندا ينص على منح مساعدات عسكرية ضخمة لتايوان، عبر تزويدها بـ10 مليار دولار، وما يصل إلى مليار دولار من الأسلحة والذخيرة، اعتبار من 2023 وحتى 2027، لإنشاء "مخزون طوارئ إقليمي".

أما في المنطقة الأوروبية، فتسمح الميزانية بتقديم 800 مليون دولار كمساعدة أمنية لأوكرانيا عام 2023، وهو ما يزيد بمقدار 500 مليون دولار عن عام 2022.

كما سيسرع القانون تسليم الذخيرة إلى أوزباكستان وتجديد مخزونها من الأسلحة، من خلال تبسيط متطلبات الشراء والسماح بالشراء.

كذلك ستخصص 6 مليارات دولار لـ مبادرة الردع الأوروبية" لتعزيز الاستعداد القتالي للقوات الأميركية في أوروبا.

وفي السياق، حدد لي تشنغ، الباحث بالدراسات الأميركية بمعهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، أن الميزانية العسكرية الجديدة حددت 3 مجالات رئيسة سيزداد فيها الإنفاق خلال الفترة القادمة.

أولها، البحث والتطوير العسكري، حيث زاد حجم مخصصات هذا البند بمقدار 20 بالمئة من مخصصات 2022.

وثانيها المجال البحري، حيث زاد الإنفاق الدفاعي المتعلق بالمدمرات من فئة بورتر وصواريخ كروز النووية البحرية.

أما المجال الثالث، فيتعلق بتوفير الدعم للتشغيل المستقبلي وصيانة سلاسل التوريد العسكرية العالمية للولايات المتحدة، وكذلك إصلاح النظم اللوجستية.
 

وللدلالة على مدى ضخامة الإنفاق العسكري للولايات المتحدة، يقول ستيفن سيملر، المؤسس المشارك لمعهد إصلاح السياسة الأمنية، إن "ذروة الإنفاق العسكري الأميركي في الحرب الباردة تتضاءل إذا ما قورنت بالوقت الراهن".

وأضاف أن "السياسيين الأميركيين باتوا يعطون أولوية اهتمامهم لميزانية البنتاغون وما إن كانت قادرة على الإنفاق لتعزيز قدراتها، أكثر من اهتمامهم بالطريقة التي يعيش بها الشعب الأميركي".

وحسب لي تشنغ، فإن زيادة ميزانية الدفاع الأميركية تتأثر بعدة عوامل: 

  1. مستوى التضخم المرتفع حاليا في الولايات المتحدة، ويرى أن هذا هو السبب المباشر.

  2. يرى الكونغرس أن الإنفاق العسكري قوة دافعة مهمة لتعزيز الانتعاش الاقتصادي المحلي وزيادة فرص العمل، حيث أصبحت ميزانية الدفاع السنوية مصدرا مهما للتمويل المحلي.

  3. تواجه الولايات المتحدة "ضغطا شديدا" جراء إنفاقها الخارجي، حيث إن "العمليات متعددة الجبهات"، مثل دعم أوكرانيا، ومحاربة "الإرهاب"، ومبادرة الردع في المحيط الهادئ، أدت إلى زيادة كبيرة في إجمالي الإنفاق العسكري الأميركي.

البنية العسكرية

ووفقا لتحليل "الشعب" الصينية، يكشف قانون الميزانية عن 4 خصائص مهمة بالبنية العسكرية الأميركية.

أولها، أصبحت الاستجابة لما يسمى بـ "التحديات" و"التهديدات" إجماعا بين الحزبين، وباتت قوة دافعة مهمة لزيادة المخصصات المالية.

وهو ما يوضح مواصلة أميركا للعب ما يسمى بـ"منافسة القوى الكبرى" في مجال الأمن، والغرض الأساسي هو تبرير سحب الأموال من جيوب دافعي الضرائب وتوزيعها على مجموعات المصالح الأميركية.

وثانيها، ترتبط الزيادة في ميزانية الدفاع الأميركية ارتباطا وثيقا بـ"المنافسة الإستراتيجية بين القوى الكبرى" التي وضعتها الولايات المتحدة في إستراتيجية الأمن القومي 2022.

فكما حدد القانون، ستستثمر الولايات المتحدة ما لا يقل عن 11 مليار دولار في "خطة الردع في المحيط الهادئ" لنشر أنظمة الصواريخ الهجومية والدفاعية في ألاسكا وكوريا الجنوبية وتايوان والفلبين، والغرض من ذلك هو المنافسة مع الصين.

ثالثا، بدأ الجيش الأميركي فترة تحديث الأسلحة والمعدات، بما في ذلك تحديث القوة الضاربة النووية والأسلحة والمعدات التقليدية الأخرى، وهو ما يتطلب دعما ماليا كبيرا.

رابعا، زيادة استثمار الولايات المتحدة في مجالات التكنولوجيا العسكرية العالمية، من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية في مجال التكنولوجيا العسكرية.

وفي تقرير صدر أخيرا عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في السويد، أفاد بأن 40 شركة أميركية، مدرجة في قائمة أكبر 100 شركة عالمية لإنتاج الأسلحة وتقديم الخدمات العسكرية.

مع ملاحظة أن مبيعات الشركات الأميركية تفوق نصف مبيعات هذه الشركات مجتمعة.

مسار خطير

ونقلت الصحيفة الصينية عن دانيال ديفيس، الضابط المتقاعد الذي خدم في الجيش الأميركي خلال الحرب الباردة، قوله إن الكونغرس اقترح ميزانية عسكرية فلكية، زعم أنها كانت "الحد الأدنى من المتطلبات" لضمان الحفاظ على الأمن القومي الأميركي.

ويرى ديفيس أن الولايات المتحدة تتخذ مسارا خطيرا من خلال زيادة إنفاقها العسكري، مضيفا: "إذا استمر ذلك، فإما أننا سنفلس، أو سننجر إلى حرب كبرى لا ينبغي أن نشارك فيها".

وحسب التقرير، فقد أثارت الزيادة السنوية في الميزانية العسكرية الأميركية شكوكا بين "المهنيين المحليين"؛ إذ أشار معهد كوينسي للشؤون الوطنية إلى أنه منذ نهاية حقبة الرئيس السابق باراك أوباما، زاد الإنفاق العسكري الأميركي بما يقارب الثلث، متجاوزا بذلك مؤشر أسعار المستهلك. ويرى المعهد أن هذه الزيادة تستند على ما يسمى "التهديد غير المسبوق" من الصين. 

لكن "كوينسي" يقلل من تهديد الصين، حيث ذكر أن التأكيد على أن الصين تشكل "تهديدا عسكريا شديدا" يسيء للغاية لحقيقة المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، كما أنه "يضخم بشكل خطير" القوة العسكرية الحالية للصين.

مفترضا أن المصالح الأميركية في آسيا لن تُخدم عن طريق النمو غير المسبوق في ميزانية الدفاع وزيادة الضغط على الصين من خلال الردع العسكري، ويرى ذلك "نهجا قريب النظر".

وتختتم الصحيفة تقريرها بظنها أن الترتيبات العسكرية الأميركية التي تم الكشف عنها من خلال قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي سيكون لها تأثير سلبي على الوضع الأمني العالمي.

فمن جهة، يسهم هذا النهج الأميركي في تمزيق وحدة وتعاون المجتمع الدولي بشكل أكبر. حيث إن اتباع الولايات المتحدة لعقلية الحرب الباردة، المتمثلة في استقطاب الجميع وإثارة القلاقل وتشكيل الحلفاء، وهو ما تسبب في اتجاه دولي واضح نحو زيادة الاستقطاب، للحد الذي يجعل من العسير على أي دولة أن تحافظ على حيادها.

ومن جهة أخرى، بينما تواصل الولايات المتحدة تعطيل الوضع في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وتكثيف التوترات في مضيق تايوان وشبه الجزيرة الكورية، فإنها أيضا تثير الرأي العام في الداخل الأميركي وتزيد من ميزانية الدفاع. 

لكن الأهم هو أن "الولايات المتحدة لا تكتفي بزيادة إنفاقها العسكري فقط، لكنها تحفز حلفاءها الإقليميين أيضا على زيادة الميزانيات العسكرية وتكثيف سباق التسلح الإقليمي، وهو ما سينعكس سلبا على السلام والاستقرار الدوليين".