"الخروف الأسود".. لهذا توحد العرب في مونديال قطر وتخلفت الإمارات

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لم يرق حفل افتتاح كأس العالم 2022 في قطر، لبعض القوى الإقليمية المنافسة لها، خاصة الجارة الإمارات، رغم عبارات المدح البروتوكولية والثناء البارد من حكام الدولة في أبوظبي. 

فأجواء الدوحة الصاخبة، والتنظيم الاستثنائي للمونديال، استفز الإمارات، التي أطلقت وسائل إعلامها للنيل من المونديال وتنظيمه، فأخذت تعزف لحنا نشازا بين التناغم العربي، وباتت تمثل حالة "الخروف الأسود".

و"الخروف الأسود" أو "البطة السوداء" مصطلح ذو دلالة سلبية، يستخدم لوصف عضو غريب وناشز داخل مجموعة ما، خاصة داخل الأسرة، غالبا ما يكون متمردا عن صفاتها وقيمها.

القريب الغائب

رئيس الدولة محمد بن زايد كان غائبا عن الافتتاح في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في ظل حضور كثير من قادة العالم والدول العربية. 

وقد تجاهل ابن زايد المونديال وقتها وغرد بدلا منه عن سباق "فورمولا 1" الذي استضافته العاصمة أبوظبي.

ونشر ابن زايد صورا من ختام البطولة، وعلق عليها بالقول: "شهدت وضيوف الدولة ختاما ناجحا للجولة النهائية من بطولة العالم للفورمولا 1 في العاصمة أبوظبي". 

وهو ما جعله محل تندر على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد انتشار تغريدته على نطاق واسع، مشوبة بتعليقات تستنكر تفاعله السلبي مع كأس العالم.

وزار ابن زايد في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022 الدوحة ذرا للرماد في العيون، في أول زيارة له إلى قطر (بعد أزمة الحصار)، لكنه ترك خلفه جيشا من الإعلام الرسمي والإلكتروني لمهاجمة المونديال. 

هذا الأمر جعل الإمارات تمثل حالة النشاز العربي الوحيدة في الحدث، خاصة أن العرب من المحيط إلى الخليج عدّوا أن الأمر أكبر من كرة القدم، إذ يمس هويتهم الدينية والثقافية، ويثبت أنهم قادرون على الوجود بثقل في الأحداث العالمية. 

مؤامرات الجار 

حين كانت قطر على أهبة الاستعداد لاستقبال الوفود القادمة للمشاركة في المونديال، انشغلت الإمارات بحياكة مؤامرات بالجملة ضد الدوحة. 

في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، كشف المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط، عن تمويل أبو ظبي حملة تحريضية ممنهجة ضد مونديال كأس العالم في دولة قطر

وأورد المجهر (مؤسسة أوروبية تعنى برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط) أنه جرى رصد منظمات تدعي أنها حقوقية وأعضاء في روابط مشجعي أندية في عدة بلدان أوروبية بينها ألمانيا وفرنسا تنشط في الدعوة إلى مقاطعة كأس العالم بعد تلقيها مبالغ مالية بشكل سري من الإمارات.

وقال المجهر إن تلك الجهات تحاول إطلاق حملات بين جمهور أندية أوروبية مثل (برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد) تحظى بمتابعة شعبية كبيرة في أوروبا من أجل الترويج لحملات مقاطعة كأس العالم بتحريض إماراتي.

وذكر أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (ويفا) والاتحادات المحلية ولا سيما في الدوريات الخمس الكبرى (الإنجليزي- الإسباني- الألماني- الإيطالي- الفرنسي)، على علم بمثل هذه الأنشطة المسيسة.

ذهبت الإمارات إلى أبعد من ذلك، وهو ما كشفه اتحاد الصحفيين الأفارقة في 25 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، بشأن تحريضها اتحادات صحفية على مقاطعة بطولة كأس العالم المقررة في قطر.

وندد اتحاد الصحفيين الأفارقة في بيان بتدخل الإمارات واتصالها بنقابات صحفية إفريقية لمقاطعة كأس العالم والتحريض على الدوحة.

وصدر البيان عقب اجتماع اتحاد الصحفيين الأفارقة في العاصمة الغانية "أكرا" على مدار يومين.

وجاء فيه: "ندين بشدة محاولات الإمارات العربية المتحدة التلاعب بمنظمات الصحفيين في إفريقيا لإصدار بيانات عامة أو حملة ضد كأس العالم لكرة القدم 2022 التي تستضيفها قطر". 

وشدد البيان على رفض محاولات الإمارات إقحام الصحفيين الأفارقة في الخلافات السياسية والتلاعب بهم وبمنظماتهم فيما يتعلق بكأس العالم  2022 في الدوحة.

حيلة الإمارات 

ومما حاكته الإمارات من حيل لتشويه كأس العالم في قطر، ما كشفه المغرد الإماراتي حمد المزروعي المقرب من ابن زايد، (عن غير قصد) عن خطة إماراتية محكمة لإظهار عدم الإقبال على البطولة.

ومنذ انطلاق المونديال انبرى المزروعي لكتابة تغريدات تحاول وسم مونديال قطر بالفاشل، وأن كأس العالم هناك لم تنجح في حشد المشجعين، مع محاولة إظهار المدرجات فارغة.

ونشر موقع "الخليج 24" في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أن الإمارات حاكت خطة لإفشال كأس العالم في قطر، عبر سيناريوهات كان أهمها شراء التذاكر لاحتجازها، ومن ثم عدم الذهاب لتظهر المدرجات المونديالية وكأنها فارغة. 

وكان موقع "إمارات ليكس" قد نشر في 6 نوفمبر 2022، أن الإمارات وأبواقها الإعلامية أطلقت حملة تحريض ضد مونديال قطر قبل أيام معدودة من انطلاقه رسميا.

وجرى رصد موقع مغربي ممول إماراتيا، انخرط في حملة التشويه والتحريض ضد الدوحة في ظل موجة تضامن عربية واسعة وإشادة باستعداداتها لاستضافة الحدث العالمي.

وعمد موقع (هسبريس) الذي اشترته أبوظبي بمبلغ 25 مليون دولار ومجلس إدارته يقيم على أراضيها، إلى نشر سلسلة مواد إعلامية تهاجم كأس العال في قطر.

وعلى النسق نفسه مضت صحيفة “العرب” الإماراتية، في الحملة ضد المونديال، والانخراط في التشويه، ونشرت تقريرا بعنوان "ضاعت كرة القدم: مونديال الدوحة ينقلب إلى مونديال حقوق العمال".

وهي حملة مماثلة تماما للشيطنة الغربية ضد قطر، لا سيما في الإعلام الألماني وقناة "دويتشه فيله" وغيرها من المنصات الإعلامية الغربية التي حرضت على الدوحة. 

رفض التطبيع 

الحرب الإماراتية على مونديال قطر ومخالفتها الإجماع العربي، لم تكن فقط على صعيد الدوحة، بل سارت أبعد من ذلك إلى رحاب آخر، حيث قضية التطبيع.

فالإمارات هي التي تقود قاطرة التطبيع العربي منذ توقيع اتفاقية أبرهام مع دولة الاحتلال في أغسطس/ آب 2020. 

لكن جاءت كأس العالم في قطر 2022 لتتحول إلى مهرجان لرفض التطبيع، الأمر الذي أزعج إسرائيل والإمارات معا، بعد عدم الترحيب بالإسرائيليين من قبل الجماهير العربية والأجنبية.

لكنه أزعج أيضا الإمارات التي استثمرت الكثير من أموالها وجهدها السياسي والإقليمي في فرض وإرساء دعائم التطبيع.

وقد اصطدمت أبوظبي بردة فعل الجمهور العربي العريض الذي حضر مونديال قطر بشكل واسع، ورفض التطبيع ورفع الأعلام الفلسطينية.

وانتشرت المقاطع والصور والمواقف التي تدعم فلسطين، وترفض الاحتلال والحديث مع قنواته الإعلامية ومراسليه.

ولعل ما صدم محمد بن زايد نفسه، الفيديوهات المتداولة التي أظهرت الجماهير العربية تغني لفلسطين خلال احتفالات فوز المغرب على إسبانيا، بحسب ناشطين. 

ووصل الحال إلى أن رفع المنتخب المغربي علم فلسطين على أراضي المونديال، وهي ضربة موجهة للتطبيع ولسدنته في العالم العربي، على رأسهم الإمارات. 

تاريخ لا ينسى 

السبب الرئيس الذي يجعل الإمارات في حالة "نشاز" عن الإجماع العربي الداعم لقطر في مونديال 2022، هو التاريخ القريب من السعي المضني لمنع إقامة كأس العالم فيها، وكذلك العمل على تشويه الدولة نفسها. 

ومما حدث أن شركة الاستخبارات السويسرية "بلوتيو أيه جي" التي يترأسها الممول السويسري "صموئيل دانيلوفيتش" كشفت أنها تدير عقدا بملايين الدولارات لتنسيق حملات التأثير والتشويه المضادة لقطر في أوروبا لصالح الإمارات، خاصة فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم.

وفي عددها الصادر بتاريخ 13 يناير/ كانون الثاني 2021، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، دور الشركة، ورئيسها "دانيلوفيتش" المقيم في مدينة لوسيرن السويسرية، في شن حملات مشبوهة لصالح أبو ظبي، ضد الدوحة أشد خصومها في الخليج العربي.

وذكرت المجلة الفرنسية أن الشركة السويسرية تتمتع بنفوذ واسع في أوروبا، ويشغل عضوية مجلس إدارتها، كل من "أوجست هانينج" الرئيس السابق لدائرة الاستخبارات الاتحادية الألمانية، و"هانس ويجمويلر"، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الإستراتيجية في سويسرا.

إضافة إلى المحقق الخاص "ثورستن ميليس"، مؤسس شركة "بريفنت أيه جي"، الرائدة في مجال الاستخبارات الهجومية في ألمانيا، والأخير مقرب من "هانز جورج ماسن"، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الداخلية في ذات الدولة الأوروبية، ويتمتع بنفوذ كبير في بلاده.

وذكر التقرير أن بين شركة "بلوتيو أيه جي" وأبو ظبي، علاقات أبعد من حملات الدعاية ضد قطر، وذلك من خلال شركة "أكويلا أيروسبيس" المتخصصة في تكامل الطائرات، والتي أسسها الحرس المقرب من رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.

في نوفمبر 2017، كشف موقع "إنترسبت" الاستخباري الأميركي، أن واحدا من الأهداف الرئيسة لحصار الدوحة، تكمن في عرقلة مشاريع المونديال الجارية على قدم وساق.

ومن ثم استخدام حملة علاقات واسعة حتى داخل "فيفا"، للتأكيد على أن قطر لن تكون قادرة على استضافة الحدث.

وأفصح الموقع الأميركي عن وثائق خطيرة حول سعي الإمارات لسحب تنظيم كأس العالم من قطر، مستندا إلى وثائق حصل عليها من البريد الإلكتروني لسفير أبوظبي في واشنطن، يوسف العتيبة.

وأظهرت تلك المستندات أدلة على سعي أبوظبي لسحب تنظيم المونديال من قطر، باستخدام ملايين الدولارات، وفتح عدة جبهات ضد ملف قطر، وصولا إلى إجبار الدوحة على التخلي عن استضافة مونديال 2022. 

حقد تاريخي

الباحث السياسي طارق محمد، يعلق بالقول: "عندما نتحدث عن شعور الإمارات بالغيرة والحقد جراء تنظيم قطر لكأس العالم 2022، فإننا لا نتكلم عن واقع حالي، أو ظرف لحظي".

بل نتكلم عن معركة طويلة خاضتها الإمارات على مدار عقد كامل للحيلولة دون مشاهدة المونديال يعقد في الدوحة، ويجذب الأنظار والجماهير من مختلف دول العالم، وفق ما قال لـ "الاستقلال".

وأردف: "تلك لحظة استثنائية فريدة سعت أبوظبي بكل قوتها وما تمتلكه لمنعها، ولكنها حدثت". 

واستطرد: "كان صعبا للغاية على رئيس الإمارات محمد بن زايد، أن يرى أمير قطر تميم بن حمد، وهو يصول ويجول ويستقبل وفود العالم في أهم حدث تاريخي استثنائي شهدته المنطقة العربية منذ عقود طويلة". 

وأضاف: "لن أبالغ إذا قلت إن كأس العالم 2022، هي أهم حدث شهدته المنطقة العربية، منذ اتفاقية كوينسي عام 1945 في الإسكندرية بين رئيس الولايات المتحدة وقتها فرانكلين روزفلت، وكل من ملوك مصر والسعودية فاروق الأول، وعبد العزيز آل سعود".

وقتها ذهب حكام العالم إلى الإسكندرية، والآن يذهب حكام وجماهير العالم بالملايين إلى قطر، بحسب تعبيره. 

وأورد: "الأمر لا يتعلق بالاقتصاد فقط، بل بالقوة الناعمة، والقيمة التسويقية، ورفع اسم قطر، من خلال أهم لعبة شعبية في التاريخ، إضافة إلى التعرف على ثقافة الدولة ونظامها الاجتماعي والسياسي". 

وعقب: "قطر كانت تدرك ذلك تماما وبالغت بشدة في استعراض قدرتها، ولم تبخل في الإنفاق على الحدث، حتى إن تكلفة كأس العالم (220 مليار دولار) تفوق تكلفة جميع بطولات العالم منذ بداية البطولة عام 1930".

 وهو ما جعل الدوحة في أبهى حللها، وطغت على أضواء دبي التي كانت مهيمنة على المنطقة حتى سنوات قليلة ماضية، كما قال. 

وتابع: "لم يكن ذلك سهلا على ابن زايد ولا حكام الإمارات، والجميع يعرف أن الهدف الأساسي لحصار قطر عام 2017، كان توجيه ضربة قاصمة لها تعود بها عقود للوراء".

والأهم هو منع استضافة كأس العالم 2022، وهي حسابات تختلف في مضمونها عن الخلاف المصري القطري من جهة، والسعودي القطري من جهة أخرى.

وفسر ذلك بالقول: "ما بين الدوحة وأبوظبي من خلافات تاريخية لا يماثله شيء في منطقة الخليج العربي، بما في ذلك الصراع اليمني السعودي".

ولو كان الوضع الإقليمي يسمح للإمارات، فلن تألو جهدا في الإضرار بقطر لأقصى درجة ممكنة، وفق تقديره.