سد النهضة.. هل يتحول حلم الإثيوبيين المتعثر إلى كابوس مخيف؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن حلم سد النهضة الذي يراود الإثيوبيين منذ سنوات سيظل بعيد المنال عنهم إلى حد كبير، بعد أن كانت آمالهم معقود على إنجاز أكبر كم من المشروع عام 2019، عقب عام مأساوي لم تكن أحداثه تبشر بالخير.

مراقبون رأوا أن تداعيات محاولة الانقلاب الفاشلة في ولاية أمهرة، قد تحمل تأثيرات سلبية على مجريات سد النهضة، في وقت تستعجل فيه القاهرة سرعة الاجتماع الثلاثي بمشاركة السودان بعد تأجيلات متواصلة أعقبت إسقاط الرئيس عمر البشير.

المخاوف المصرية من أنباء تتواتر بشأن استعداد إثيوبيا لبدء عملية ملء خزان السد، وهي أكثر  النقاط الخلافية في الأزمة بين البلدين، دفعت القاهرة لاستعجال عقد لقاء ثلاثي يضم دولة المصب الأخرى السودان.

ونقلت تقارير إعلامية عن مصدر بوزارة الري المصرية، قوله إنّ بلاده تواصلت مع الخرطوم وأديس أبابا لتحديد موعد جديد لاجتماع ثلاثي يضم وزراء المياه والخارجية وممثلي المخابرات للبلدان الثلاثة.

مصر اقترحت على البلدين استضافة القاهرة للاجتماع، بالتزامن مع استعجال تقرير فني للخبراء الدوليين بشأن ملء الخزان، على أن تتوصل البلدان الثلاثة في نهاية المناقشات إلى آلية توافقية تحافظ على حقوق الجميع.

جولة جديدة

السلطات المصرية اتفقت مع المجلس العسكري الذي يتولى مقاليد الأمور في البلاد، على الضغط على أديس أبابا لقبول دخول جولة مشاورات جديدة منتصف مايو/آيار الماضي، وتلقى جهاز المخابرات العامة المصرية التي تتولى ملف سد النهضة برفقة وزارتي الخارجية والري تعهدات إيجابية من المجلس العسكري بشأن دعم الموقف المصري في الملف.

وأنجزت إثيوبيا 66% من مراحل بناء السد حتى الآن، حسب ما أعلنت في وقت سابق من هذا العام، وتتخوف القاهرة من تأثير سلبي محتمل للسد الإثيوبي على تدفق حصتها السنوية من مياه النيل البالغة 55 مليار متر مكعب.

في المقابل يؤكد الجانب الإثيوبي، أن السد سيمثل نفعا له، خاصة في مجال توليد الطاقة، ولن يشكل ضررا على دولتي مصب النيل، السودان ومصر.

وبينما تعيش السودان على وقع مرحلة انتقالية متوترة بعد الإطاحة بالبشير وسط تخوفات من تأثر الملفات الإقليمية العالقة وعلى رأسها أزمة سد النهضة، وقعت محاولة الانقلاب الفاشلة في إثيوبيا لتزيد الطين بلة.

الطلب المصري بسرعة لعقد الاجتماع الثلاثي، سبق محاولة الانقلاب الفاشلة، فهل تأتي الرياح بما تشتهي سفن القاهرة، ويبتعد الحلم الذي راود الإثيوبيين أكثر وأكثر؟ أم تحمل الأزمة في طياتها دافعا قويا لأديس أبابا؟

"عام الأمل"

بعد عام حزين (2018) توالت أخباره السيئة بالنسبة لمشروع سد النهضة، استبقت إثيوبيا 2019، بتأكيد على عزمها المضي قدما بالمشروع، ما حدا بمديره الجديد "كيفلي هورو"، إلى التصريح بأنه سيتم الانتهاء من عمليات بناء السد عام 2022.

وأضاف أن تأخر أعمال البناء يعود لتغييرات جرت على تصميم السد، ما أدى إلى تأخير الأعمال الكهروميكانيكية، مشيرا إلى أن الخسائر الناجمة جراء التأخير قُدرت بنحو 800 مليون دولار.

الجهود الإثيوبية التي بدأت في 2019 على أمل إحياء المشروع تضمنت إجراء مناقشات مع خبراء فنيين ومسؤولين إثيوبيين، حول السد لتقييم وضع المشروع خلال الفترة الماضية، كما وقعت شركة الطاقة والكهرباء الإثيوبية، اتفاقية مع شركة "جي هيدرو" الفرنسية، لتصنيع محركات وتوربينات تستخدم لتوليد الطاقة، وتركيبها في السد.

وفي فبراير/شباط الماضي، كان الجميع على موعد مع مفاجأة فجرها رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد"، حين أعلن زيادة تكلفة بناء سد النهضة بنسبة 60% للتأخر في تنفيذ المشروع.

ورغم هذا التحدي الكبير الذي يثقل كاهل دولة تصر على تكرار أن تمويل السد يأتي من جيوب الإثيوبيين فقط، تابعت خطواتها الحثيثة نحو إنجاز المشروع فأكملت شركة الكهرباء مفاوضات لتوقيع اتفاقيات مع شركة "سينوهيدرو" الصينية للهندسة والإنشاءات الكهربائية، لبناء قنوات لتنقية المياه والتحكم وتفريغ الفيضانات.

كما وقعت شركة الكهرباء الإثيوبية اتفاقية مع مجموعة "جيزهوبا" الصينية، تقوم بموجبه الشركة بتنفيذ أعمال التشغيل الأولية لسد النهضة بكلفة نحو 40 مليون دولار أمريكي، وفي تطور مماثل، منحت الشركة لشركة "فويث هايدرو تشانغهاي"، عقدًا للقيام بالأعمال الهيكيلية والكهربائية والميكانيكية اللازمة من أجل إنشاء إتمام بناء محطة التوليد، وإنشاء قنوات لتفريغ المياه من السد.

الأمل الذي يمثله عام 2019 جاء بعد أحداث سيئة متوالية في 2018، بدأت بالعثور على جثة مدير المشروع السابق "سمنجاو بقلي" وسط أديس أبابا، لتعلن السلطات فيما بعد أنه انتحر، ثم تقر الحكومة بتأخر أعمال البناء عن الموعد المحدد بسبب إخفاقات من الشركة المنفذة.

كما خرج عمال السد في تظاهرات مطالبة بتحسين الخدمات والأجور، وفي 25 أغسطس/أغسطس الماضي، أقر رئيس الوزراء الإثيوبي بتأخر أعمال البناء، التي كان مقررا أن تنتهي في 2017، بسبب إخفاقات شركة "ميتك" الإثيوبية، إحدى شركات المقاولات التابعة للجيش.

ليعلن "آبي أحمد" بعدها أن حكومته اضطرت إلى نقل العقد لمقاول آخر، وبعدها بأقل من أسبوع، أعلن العمال في مشروع السد إضرابا عن العمل لخمسة أيام، بسبب مطالب مادية لم تلق استجابة من إدارة المشروع.

الأحزان تتجدد

وبينما كان يعول الإثيوبيون على انفراجة في أزمة السد خلال 2019، يبدو أن الرياح أتت بما لا تشتهي سفن أديس أبابا، لتشهد البلاد محاولة انقلاب رغم فشلها لكنها تبرز تحديات سياسية وعرقية وأمنية كبيرة، خاصة مع قرب الانتخابات العامة المقررة العام المقبل.

وكان لافتا غياب أية تصريحات رسمية من الجانب الإثيوبي بشأن السد في أعقاب محاولة الانقلاب، كما تجاهلت القاهرة أي ردود أفعال خاصة بالربط بين الأزمتين.

ويبدو الموقف المصري المتجاهل للأزمة متعارضا مع مخاوفها التي عمقتها تصريحات لوزير المياه والطاقة الإثيوبي، سلشي بيكيلي، إن بلاده ستبدأ إنتاج الطاقة من سد النهضة في ديسمبر/كانون الأول 2020.

كما أبلغ "بيكيلي" برلمان بلاده بأن الإنتاج الأولي المزمع سيبلغ 750 ميغاوات باستخدام توربينين اثنين، لافتا إلى أن الحكومة تتوقع أن يدخل السد الخدمة بشكل كامل بنهاية 2022.

فهل تستمر حالة الحزن الإثيوبي وتنعكس على مزيد من تعطيل المشروع، أم تدفع أزمة الانقلاب الفاشل وتداعياتها الإثيوبيين نحو إسراع وتيرة الإنجاز؟

التصميم الإثيوبي على المضي قدما بشكل متسارع، كشفته تحركات فعلية كما سبق التوضيح، فضلا عن تصريحات السياسيين، ومن بينهم نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، والأمين العام لمكتب مجلس التنسيق الوطني لبناء سد النهضة، "دميغي مكونن"، إن الحكومة حريصة على العمل بشكل وثيق للانتهاء من بناء السد حسب الجدول الزمني للانتهاء منه، مستوفيا معايير الجودة والكفاءة.

وأوضح مكونن أن الحكومة اتخذت "خطوات" لمعالجة المشاكل التي واجهها السد خلال الأشهر الماضية فيما يتعلق بالعمل الميكانيكي، كما أكد المدير التنفيذي للمشروع أنه تم اتخاذ التدابير اللازمة لضمان عدم تكرار الأخطاء السابقة المتعلقة بالأعمال الكهروميكانيكية.

هل تستفيد مصر؟

ورغم أن الوضع الحالي مأزوم بالنسبة لإثيوبيا فيما يخص السد، إلا أنه يحمل في طياته علامات إيجابية فيما يخص مصر التي تصرح دوما بمخاوفها، لكنه في الوقت ذاته يضمن احتمالية أن تعمل إثيوبيا على استغلال الأزمة لصالحها في الإسراع ببناء السد في غفلة من القاهرة.

ورغم أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقع اتفاقا إطاريا مع السودان وإثيوبيا في 2015 يضمن موافقة مصر على بناء السد، فإنه يؤكد بين الحين والآخر أنه لن يتنازل عن حقوق مصر في مياه النيل ويؤكد أنها مسألة حياة أو موت بالنسبة للمصريين.

الموقف المصري أعاد للأذهان الحديث عن تعامل رؤساء مصر المتعاقبين مع ملف مياه النيل وأزماته، والبداية بالرئيس الأسبق جمال عبدالناصر، حيث انعكس دعمه لحركات التحرر من الاستعمار في عدد من الدول الإفريقية والاتفاق السياسي معها، على عدم وجود خلاف يذكر على قضية المياه.

لكن سرعان ما نشبت الخلافات بين مصر وإثيوبيا على خلفية قيام مصر ببناء السد العالي دون أن تستشير دول المنبع، وهو ما عارضته أديس أبابا بشدة، واشتعلت أكثر عندما أعلن الرئيس أنور السادات عن مشروع لتحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدان في سيناء، وهو ما رفضته إثيوبيا باعتباره خطرا يهدد مصالحها المائية.

واحتدم الخلاف إلى حد تهديد الرئيس الإثيوبى في ذلك الوقت "منجستو" بتحويل مجرى نهر النيل، ليرد السادات بأن مياه النيل خط أحمر وأن المساس به هو مساس بالأمن القومي المصري، مما قد يدفع مصر إلى استخدام القوة المسلحة لضمان أمنها المائي.

ثم وصل الخلاف إلى ذروة العلانية عندما أعلن السادات عن فكرته لتوصيل مياه النيل إلى إسرائيل عام 1979، ليخرج منجستو مذكرا بالاتفاقات التي تمنع مصر من أن تفعل ذلك، ومهددا بأن إثيوبيا ستبني سلسلة من السدود والخزانات، ووقتها هدد السادات بالحرب، ليرد "منجستو" بأنهم على استعداد لأن يكون النهر نهرا من الدماء.

بدأت علاقة مبارك بدول حوض النيل بمبادرة أطلقتها مصر عام 1983 لتكوين تجمع (الأندوجو)، ويعنى (الإخاء) باللغة السواحلية، وذلك كإطار إقليمي للتنسيق بين دول حوض النيل.

أما بداية الصدام فكانت عندما قرر "منجستو" عام 1988 إقامة مشروع كبير يضم 5 سدود على النيل لمضاعفة الإنتاج الكهربائي الإثيوبي، فعارضت مصر وتصدت لمحاولة حصول إثيوبيا على قرض من بنك التنمية الإفريقي.

وفي يونيو/حزيران 1995 وأثناء زيارة مبارك للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الإفريقية، تعرض لمحاولة اغتيال باءت بالفشل، ومع تصاعد اللهجة السياسية نتيجة محاولة الاغتيال تصاعدت معها حدة الخلافات بين مصر ودول المنبع بشأن إعادة النظر في اتفاقيات تقسيم مياه النهر.

لكن خلال هذه الحقبة شهدت أكبر عدد من المبادرات والمشاريع المشتركة، أشهرهم مشروع التكونيل‏ عام ‏1992‏ ومبادرة حوض النيل هي تمثل الآلية الحالية التي تجمع كل دول الحوض تحت مظلة واحدة، وانطلقت عام 1999.

ورغم هذا التعاون إلا أن موقع "ويكليكس" كشف أن الرئيس السابق حسني مبارك طلب من البشير في 2010، إقامة قاعدة عسكرية صغيرة جنوبى الخرطوم، ليتمكن من مهاجمة أي منشآت مائية وذلك في حالة إصرار إثيوبيا على بناء منشآت على نهر النيل.

بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وأثناء حكم المجلس العسكري، علّق رئيس وزراء إثيوبيا السابق "ميليس زيناوي" التصديق على اتفاقية "عنتيبي" لحين انتخاب رئيس في مصر، نتيجة المبادرات والجهود الشعبية.

وعقب زيارة الرئيس الراحل محمد مرسي الأولى لأديس أبابا لحضور مؤتمر القمة الإفريقية، أعلنت إثيوبيا تدشينها المرحلة الأولى لتحويل مجرى النيل الأزرق إيذانا بالبدء في مشروع سد النهضة، لكن مرسي أكد أن مصر لن تتنازل عن نقطة مياة واحدة من نهر النيل، وقال في كلمته الشهيرة إن نقطة المياه الضائعة سيقابلها دماء المصريين.

ودعا مرسي القوى السياسية لعقد جلسات الحوار الوطني لمناقشة أزمة سد النهضة، ولوّح باحتمالية التدخل العسكري حين قال: "كل الخيارات مطروحة"، بينما اقترح بعض السياسين هدم السد، أو التدخل العسكري.

سد "الألفية"

ولدت فكرة بناء سد النهضة الإثيوبي عام 1964، وعندها حددت إثيوبيا 26 موقعًا لإنشاء السدود أهمها سد "الألفية أو الحدود" والذي سمي فيما بعد بسد "النهضة" أثبتت الدراسات وقتها وجود عقبة رئيسية  تشير إلى أن التربة في إثيوبيا غير صالحة لإنشاء السدود وأن إنشاء السد سيشكل تهديدا مائيا على مصر.

سد النهضة أو الألفية هو أكبر السدود فى قارة إفريقيا ويعرف باسم سد الألفية العظيم، حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترا وطوله حوالى 1800 متر وتقدّر تكلفة إنشائه بحوالى 5 مليارات دولار، أغلبها تمويل حكومي واستثمارات لشركات أجنبية.

يقطع السد مجرى النيل الأزرق، أكبر فروع النيل، قرب الحدود مع السودان في ولاية بنيشنقول قماز الإثيوبية وتبلغ سعته التخزينية 74 مليار متر مكعب، أي حوالي مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا.

تقدر القدرة المبدئية للسد على توليد الكهرباء بحوالى 6000-7000 ميجاوات، أي ما يعادل 3 أضعاف الطاقة الكهربائية المولدة من محطة سد أسوان الكهرومائية.

ولعل الأخطار المحدقة بمصر، تلخصها إلى حد كبير دراسة مستفيضة نشرها الدكتور جمال صيام أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة القاهرة، في يناير/كانون الثاني 2016، وحملت عنوان (الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المُحتملة لسد النهضة الإثيوبي وانعكاساتها على مستقبل الزراعة المصرية).

الدراسة تشير إلى أنه إذا ما قررت إثيوبيا أن تملأ بحيرة السد في 3 سنوات فقط فسترتفع الكمية المحجوزة سنويًا خلف سد النهضة إلى 24.7 مليار متر مكعب، نصيب مصر منها 18.5 مليار سنويًا ترتفع إلى 25.5 مليار في حال الفيضان الضعيف، الأمر الذي يعنى تبوير 4.6 ملايين فدان أي أكثر من 51.5% من الرقعة الزراعية الحالية.

الدراسة رجحت أن تصل قيمة الفقد في الإنتاج الزراعي إلى نحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، ويتوقع أن تتفاقم الفجوة الغذائية وتتجّه إلى الاتساع بشكل جوهري؛ نظرًا لأن محاصيل الحبوب وهي عصب الأمن الغذائي سوف تتأثر سلبًا بدرجة أكبر بالمقارنة بالزروع البستانية.