نيويورك تايمز: الديمقراطيون محبطون من احترام بايدن "المفرط" للسعوديين

سلط مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في البيت الأبيض الضوء على قرار تحالف "أوبك بلس" خفض إنتاج النفط، في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قبل نحو شهر من الانتخابات النصفية المصيرية للرئيس الأميركي جو بايدن وحزبه الديمقراطي.
وعدّ "بيتر بيكر" في مقال بالصحيفة الأميركية، القرار السعودي بخفض الإنتاج مليوني برميل يوميا، يمثل خيانة كبيرة للنهج التصالحي الذي تبناه بايدن تجاه ولي العهد الشاب محمد بن سلمان، مشيرا في الوقت ذاته إلى احتمالية فرض عقوبات على الرياض تصل لسحب القوات العسكرية الأميركية من هناك.
و"أوبك بلس" تحالف تقوده السعودية وروسيا يضم 23 دولة مصدرة للنفط منها 13 دولة عضوا في منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" جرى تشكيله في 2016، لضبط إنتاج النفط ومن ثم الأسعار.
طعنة في الظهر
وقال بيكر، إن إعلان أوبك بلس أنها ستضخ أقل من مليوني برميل يوميا بات يُنظر إليه على نطاق واسع في واشنطن على أنه طعنة في ظهر بايدن، الذي يواجه منعطفا خطيرا في الوقت الحالي.
فقبل 3 أشهر فقط تخلى بايدن عن تعهده بجعل السعودية دولة منبوذة، وسافر إلى المملكة لملاقاة ولى العهد المستبد محمد بن سلمان.
ولم يكن لقرار أوبك بلس أن يأتي في وقت أسوأ من هذا الوقت بالنسبة لبايدن، الذي كان تعويله الأساسي في حملة انتخابات التجديد النصفي على انخفاض أسعار الطاقة.
والسؤال الذي يواجه بايدن الآن هو ما الذي يجب فعله حيال تلك "الخيانة الجلية".
وفي هذا السياق، تحدث بايدن بلهجة هادئة إلى الصحفيين قائلا إنه يشعر "بخيبة أمل"، ويفكر في بدائل لم يحددها.
غير أن زملاء بايدن في الحزب الديمقراطي مارسوا عليه ضغوطا متزايدة لمعاقبة الرياض؛ ذلك أنهم محبطون مما يرونه "احتراما مفرطا" من بايدن للسعوديين.
إذ صرح عضو الكونغرس، توم مالينوفسكي، أنه "يجب أن يبدأ الآن سحب المعدات العسكرية من السعودية. فهذا من شأنه أن يسترعي انتباههم، ويُفهمهم أن لكل فعل عواقبه. علينا الآن تحدي ما يهددوننا بفعله".
وأوضح مالينوفسكي أن السعودية لن تستطيع التخلي عن الحماية الأميركية، إذ يقول: "يعتقدون حقا أنهم يستطيعون استبدال شريكهم الأمني الأميركي بشريك أمني روسي أو صيني؟ إنهم يعرفون أنهم ليس بمقدورهم فعل ذلك".
بدوره، رأى كبير الديمقراطيين في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر، أن "قرار السعودية بالتحالف مع "روسيا فلاديمير بوتين" فيما يخص أسعار النفط "خطأ فادح".
وأضاف أن "ما فعلته السعودية لمساعدة بوتين على الاستمرار في شن حربه الشنيعة الضارية ضد أوكرانيا لن ينساه الأميركيون لفترات طويلة"، موضحا: "نحن ننظر في كل الأدوات التشريعية للتعامل بالطريقة المثلى مع هذا القرار المزري والمعيب للغاية".
قرار معيب
ورأى "بيكر" أن بايدن بالفعل أصدر عدة إشارات يُفهم منها المدى المتوقع لرده. فلدى سؤاله عن خفض الإنتاج، قال/ "إننا نبحث عن بدائل للنفط من دول أخرى، غير تلك المنضوية تحت مظلة أوبك بلس، مؤكدا: "لم نحسم أمرنا بعد".
وقال الكاتب إنه "بدلا من معاقبة السعودية، بدا أن تركيز مساعدي بايدن منصب أكثر على مواجهة القرار عبر الإفراج عن المزيد من الاحتياطي البترولي الإستراتيجي، وربما السعي إلى التقارب مع فنزويلا صاحبة الاحتياطات النفطية الكبيرة".
كما يبدو أن الإدارة الأميركية تفكر في اتخاذ خطوات للضغط على شركات الطاقة المحلية لخفض أسعار البيع بالتجزئة، بالإضافة إلى فرض قيود على تصدير المنتجات البترولية.
فيما تصر القيادة السعودية على أنها لم تقصد بخفض الإنتاج ضرب بايدن، وأنها أرسلت خطابات تتضمن رسوما بيانية إلى إدارة بايدن، لتبرير قرارها.
وأخبر المسؤولون السعوديون نظراءهم الأميركان أنهم قلقون من أن تهوي أسعار النفط إلى ما دون الـ70 وربما الـ60 دولارا للبرميل، الأمر الذي لن تتحمله ميزانية بلادهم المعتمدة على الطاقة.
وتخفيف العقوبات عن إيران وفنزويلا يمكن أن يوفر أكثر من مليون برميل يوميا من النفط، ما سيساعد في خفض الأسعار. ويحتمل أيضا أن يحل محل بعض البراميل الروسية التي تباع الآن لمصافي التكرير الصينية والهندية.
غير أن مراسل نيويورك تايمز استدرك بأن المحادثات النووية مع إيران تعثرت مع تضاؤل الأمل في تحقيق انفراجة، وكذلك فإن آفاق التوصل إلى اتفاق مع فنزويلا غامضة.
وأشار إلى ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال -نقلا عن مصادر مطلعة- أن الولايات المتحدة تستعد لتخفيف بعض العقوبات على فنزويلا للسماح لشركة شيفرون باستئناف ضخ النفط، مقابل مناقشة الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية حرة ونزيهة في 2024.
ولكن صدر بيان عن البيت الأبيض يؤكد عدم وجود تغيير في خطط الولايات المتحدة نحو فنزويلا، قبل أن يتخذ نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، خطوات بناءة.
وفي تصريحات مقتضبة للصحفيين، لم ينف بايدن أي تغيير محتمل تجاه فنزويلا، قائلا إن "هناك الكثير من البدائل، ولم نحسم أمرنا بعد". وردا على سؤال عما يتعين على فنزويلا القيام به لإقناع واشنطن بتخفيف العقوبات، قال بايدن: "الكثير".
قبضة مخزية
وأشار "بيكر" إلى أن الرئيس بايدن ما زال يدافع عن قراره بزيارة السعودية في يوليو/ تموز 2022، حيث صافح ابن سلمان –الحاكم الفعلي للمملكة- بقبضة اليد.
وفعل بايدن ذلك رغم تعهده أثناء حملته الانتخابية بجعل المملكة منبوذة؛ بسبب قتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي كان يحمل الإقامة الأميركية، والذي قُتل بناء على أوامر ابن سلمان، وفق ما خلصت إليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
وعلى الرغم من عدم الإعلان الرسمي، فإن مسؤولين أميركيين قالوا في أحاديثهم الخاصة في وقت الزيارة إن لديهم اتفاقا مفاده أن السعودية والدول الأخرى المنتجة للطاقة سوف ترفع إنتاجها بحلول الخريف.
لكن بايدن أصر مرة أخرى في تصريحاته، في 6 أكتوبر 2022، على أنه قصد من زيارته للسعودية أهدافا أخرى، مثل تشجيع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، قائلا: "لم تكن الرحلة في الأساس من أجل النفط، بل كانت حول الشرق الأوسط وإسرائيل".
وفي الوقت الذي وصف فيه بايدن قرار السعودية بأنه "مخيب للآمال"، قال مالينوفسكي ونواب آخرون منتمون للحزب الديمقراطي إن "على الرئيس أن يذهب إلى ما هو أبعد من مجرد التعبير عن خيبة الأمل".
وعلى هذا، قدم مالينوفسكي مع النائبين شون كاستن وسوزان وايل، مشروع قانون يطلب سحب القوات الأميركية وأنظمة الدفاع الأميركية من السعودية والإمارات.
ورأى مراسل نيويورك تايمز أن مشروع القانون بمثابة بيان أكثر من أي شيء آخر، لأن الكونغرس لن ينعقد حتى الانتخابات، لكن مالينوفسكي صرح أنه صاغه بعد إجراء مماثل قدمه الجمهوريون في عام 2020.
واستخدم حينها الرئيس دونالد ترامب، هذا الإجراء للضغط على السعودية لتقليص الإنتاج، في وقت شكّل فيه انخفاض أسعار النفط مصدر قلق بالنسبة له.
وبالمثل، فإن على بايدن أن يستخدم مشروع القانون للضغط على السعودية، وفق رؤية مالينوفسكي، الذي قال أيضا إن "الهدف من مشروع القانون هو منح بايدن الذخيرة التي يحتاجها وآمل أن يستخدمها".
واختتم بيكر مقاله بنقل تشديد مالينوفسكي على أن "بايدن خاطر من أجل العلاقات مع السعودية، وضحى في سبيل ذلك، وأن هذه ليست الطريقة التي يتجاوب بها الصديق. لذا فإنه ربما ينبغي على المملكة البحث عن حلفاء جدد".