بعدما استخدمهم دروعا بشرية.. لماذا عاد الأسد للتغزل بمسيحيي سوريا؟

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ مطلع عام 2022، سلط النظام السوري اهتمامه على جذب رؤساء أكبر الكنائس المسيحية الأوروبية والأميركية إلى دمشق ولقاء بعضهم رئيس النظام بشار الأسد.

خطوة الأسد بشأن إعادة الانفتاح على المكون المسيحي في سوريا مجددا لم تأت من فراغ، بل هي ضمن حامل أساسي لمحاولة إعادة الاعتراف به دوليا في هذه المرحلة.

وتركز جهود النظام السوري، على الاستفادة من علاقات هؤلاء الرؤساء، مع المنظمات الدولية والإنسانية، الأمر الذي دعاه إلى إظهار وقوفه إلى جانب المسيحيين السوريين المهجرين.

لعبة الأقليات

وفي أحدث خطوة، عمد محافظ مدينة إدلب التابع للنظام السوري ثائر سلهب، في 26 أغسطس/آب 2022، إلى عقد لقاء مع المسيحيين المهجرين من قرى ذات غالبية مسيحية في صالة تتبع لكنيسة "يسوع الأقدس" بمحافظة اللاذقية.

سلهب الذي عينه الأسد محافظا في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، استمع حينها إلى مطالب ومشاكل هؤلاء المسيحيين، ودعا مديري الدوائر الرسمية والحكومية لتلبية متطلباتهم كافة، وفق ما نقلت وسائل إعلام محلية.

وحاول النظام السوري تصوير مطالب المسيحيين على أنها تتركز في الجوانب المعيشية، والمطالبة بتعويضات مالية عن الأضرار التي لحقت في ممتلكاتهم، ونقص المساعدات الغذائية التي توزع لهم.

وخلال الأشهر السبعة الأخيرة وصل إلى دمشق 5 رؤساء أكبر الكنائس الأوروبية والأميركية.

وكان من أبرزهم استقبال الأسد في 24 مايو/أيار 2022، الكاثوليكوس "آرام الأول كشيشيان" راعي الكنيسة الأرمنية في بيت كيليكيا الكبير في لبنان.

وبين الأسد خلال اللقاء أن "أهم ما يميز الشعب السوري تجانسه في كل واحد على الرغم من اختلاف الأعراق والأديان".

بينما أشار الكاثوليكوس كشيشيان والوفد المرافق إلى أن "الحرب التي تتعرض لها سوريا سواء عبر الإرهاب أو الحصار الاقتصادي تهدف إلى كسر النموذج الفريد الذي تشكله بجميع مكوناتها وأطيافها".

واللافت أن "كشيشيان" جرى تعيينه في 6 سبتمبر/أيلول 2022، رئيسا لمجلس الكنائس العالمي، ممثلا للكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وذلك عقب انتخابات خلال الدورة الحادية عشرة للجمعية العامة للمجلس في كارلسروه بألمانيا.

كما التقى الأسد في 19 مارس/آذار 2022، بممثلي الجمعيات والمؤسسات الإنسانية والاجتماعية والتنموية المشاركين في المؤتمر الكنسي الدولي في دمشق والذي جرى خلال الشهر المذكور بمشاركة عربية ودولية.

وقال الأسد في كلمته مع المشاركين إن "المواطن المسيحي في سوريا ليس ضيفا، ولا مواطنا عابرا وإنما شريك، وعنوان هذه الشراكة هو العمل والإنتاج".

وأضاف أن "تهجير المسيحيين هدف من أهداف المخططات الخارجية للمنطقة، لكنه بشكل أساسي هدف إسرائيلي".

فعندما تنقسم دول المنطقة إلى دويلات طائفية مختلفة كل واحدة لها لون، تصبح إسرائيل جزءا من النسيج الطبيعي.

لذلك فإن المحافظة على نسيج المنطقة وهويتها المتنوعة ضرورة يجب أن ندافع عنها.

وسبق ذلك، زيارة الأسد وزوجته أسماء، في 24 أبريل/نيسان 2022، "دير سيدة صيدنايا" بريف دمشق وميتم الأطفال فيه، ومتحف كنيسة آيا صوفيا.

خطة سارية

وأعطت تلك اللقاءات والزيارات مؤشرا على وجود عمل مكثف ومنظم من النظام السوري للعب "بورقة المسيحيين"، بغية الضغط على الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية عليه.

وأكد مسيحيون سوريون معارضون للأسد، أن تلك الوفود أرسلت رسائل رسمية إلى المفوضية الأوروبية، وإلى بابا الفاتيكان فرنسيس، والرئيس الأميركي جو بايدن، تطالبهم بإعادة صياغة العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام بغية تخفيف معاناة الشعب بمناطقه.

ويجتهد نظام الأسد منذ عام تقريبا في محاولة تجاوز العقوبات الغربية ونفض الغبار عن اقتصاده المنهك بفعل حربه على الثورة منذ 2011.

وأدت تلك العقوبات لتضييق الخناق على الأسد، والتي تكللت بفرض واشنطن عليه "قانون قيصر"، الذي بدأ تطبيقه في 17 يونيو/حزيران 2020، وخصص لمعاقبة الداعمين والمتعاملين مع النظام السوري.

ويجد النظام السوري ثغرة وفرصة سانحة لتلقي مساعدات وفتح علاقات جديدة باسم مساعدة المسيحيين في مناطقه.

وهو الأمر الذي يعمل مسيحيون معارضون على التصدي له وتعرية غايات النظام من طرح ورقة هذا المكون في الوقت الحالي.

ولا سيما أن رجال أعمال ومؤسسات مقربة من نظام الأسد، نجحت خلال السنوات الأخيرة، بحرف مسار المساعدات الأممية لصالحه وسرقتها دون رقيب.

وكشف تقرير لمؤسسة "FDD" للأبحاث، ومقرها واشنطن، عن عمليات مالية تجريها الأمم المتحدة خلال عملها في العاصمة السورية دمشق، تعود بالفائدة المادية على النظام.

وذكر تقرير المؤسسة المنشور في 18 يوليو/تموز 2022، أن وكالات الأمم المتحدة أنفقت 11.5 مليون دولار أميركي في فندق "فورسيزونز" بدمشق، خلال عام 2021 وحده، في حين وصل المبلغ إلى 81 مليون دولار منذ عام 2014.

وكان مدير المرصد الآشوري لحقوق الإنسان، جميل ديار بكرلي، أكد لقناة "رووداو" في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، أنه في سوريا من أصل مليون و200 ألف مسيحي قبل أكثر من 10 أعوام، لا يوجد فيها حاليا أكثر من 350 - 400 ألف مسيحي.

ويبلغ عدد سكان سوريا 23 مليون نسمة، وبات 13 مليونا منهم حاليا بين نازح داخليا أو لاجئ خارجيا؛ بسبب بطش وقمع نظام الأسد.

مسيحيون يتصدون

وفي خطوة لقطع الطريق أمام الأسد نظمت لجنة "سوريون مسيحيون لحقوق الإنسان" المعارضة، جولات على رؤساء تلك الكنائس ووزارات خارجية الدول الموجودة فيها لنقل صوت المسيحيين المعارضين مباشرة لهم، وعرض الصورة المغايرة التي يروج لها بشار.

وأجرى هؤلاء زيارات إلى النمسا في يوليو 2022، والتقوا بقادة أحزاب ومسؤولين في الخارجية، وعرضوا زيف رواية نظام الأسد في "حماية الأقليات"، على أن تشمل الزيارات أيضا فرنسا وبراغ وإيطاليا والفاتيكان.

ونجاح النظام في جذب رؤساء أكبر الكنائس المسيحية الأوروبية والأميركية لزيارة دمشق عام 2022، بعد رفض سابق لهذه الدعوات، يشي بامتلاك الأسد أوراقا جديدة يمكنه اللعب عليها.

أول تلك الأوراق، مسألة بقاء النظام السوري، ووجود رغبة لدى بعض الدول الأوروبية للتعاون مع الأسد في قضايا معينة في ظل عدم التوصل لحل سياسي بعدما نجحت حليفته روسيا في تجميده.

ويوجد نقاش سياسي في النمسا حاليا، بين مذكرات تقترح أن تبقى فيينا جزءا من الاتحاد الأوروبي بعيدة عن الانخراط المباشر مع النظام السوري والإبقاء على سفارتها مفتوحة في بيروت وليس إعادة فتحها في دمشق.

وبين من يجادل بضرورة إعادة العلاقة مع الأسد لتحقيق مصلحة النمسا السياسية ومصلحة أمنها القومي عبر فتح خطوط مباشرة.

وتقع النمسا وسط أوروبا ويبلغ عدد سكانها نحو تسعة ملايين نسمة، ويبلغ عدد اللاجئين السوريين بها أكثر من 50 ألفا.

ويعمل أعضاء اللجنة المذكورة على سحب ورقة حماية الأقليات من النظام كونها مهمة، واستطاع الأسد أن يلعب عليها بشكل نجح فيه بإقناع عدد ليس بقليل من رؤساء أكبر الكنائس المسيحية الأوروبية والأميركية لزيارة سوريا.

وكان أيمن عبد النور الإعلامي السوري ومنسق لجنة "سوريون مسيحيون لحقوق الإنسان"، نبّه في نهاية يوليو 2022 في لقاء صحفي، على وجود "مخطط مدروس ينفذ بدقة وتقدم له كل الإمكانيات لخدمته إعلاميا وماليا".

ولفت عبد النور وهو واحد من "لوبيات" المعارضة السورية في الخارج، إلى أن ذلك المخطط استطاع أن "يغير عام 2022 بروتوكولات رفض الكنائس المسيحية الأوروبية الزيارة لسوريا، كي يتمكنوا من الحضور".

وبين الإعلامي، أن "هناك فكرا وأشخاصا وجهات منظمة غير سورية تساعد نظام الأسد في إعادة العلاقات، وهنا يشك أنه يستخدم، شركات دولية في العلاقات العامة التي استطاعت أن تنسج له مثل هذه الزيارات".

واستدرك قائلا: "لا يمكن لمثل هذه الزيارات أن تجرى بعقلية هذا النظام المجرم".

وصاية جديدة

ويوجد قطاع من المسيحيين، من ضمنهم جل قيادات الكنائس السورية، يدعمون النظام بسبب تشابك مصالحهم السياسية والاقتصادية مع رموزه.

كما يدعمه مسيحيون بصفته الضمانة لأمن المسيحيين في سوريا، بحسب دراسة بعنوان "المسيحيون والثورة في سورية" صادرة عن مركز "مالكوم كير- كارينغي" للشرق الأوسط في نيسان 2016.

لكن رغم ذلك، لم يتخلف شباب المسيحيين في الالتحاق بالمظاهرات السلمية والمطالبة بإسقاط نظام الأسد.

كما انخرطوا بمختلف المبادرات الرامية إلى تعريف المجتمع بمطالب الثورة وحشد الدعم لها، وكشفوا لوسائل إعلام أجنبية "كذبة حماية النظام للأقليات بسوريا" منذ البداية.

ولم يسلم المسيحيون من القتل والتعذيب والاعتقال من قبل أجهزة مخابرات الأسد، فضلا عن قصف منازلهم وتهجيرهم من مدنهم.

ويتهم النظام السوري، بالوقوف وراء خطف وإخفاء مطران حلب للسريان الأرثوذكس يوحنا إبراهيم، المغيب هو ورفيقه بولص يازجي، منذ 22 أبريل 2013.

وبحسب "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فإن النظام قصف 33 كنيسة موجودة في 7 محافظات.

ويتوزع من بقي من المسيحيين حاليا في سوريا، بمناطق النظام والمعارضة على حد سواء، لكن الغالبية المهجرة من بيوتها تنتشر في مناطق الأول.

وضمن هذا المضمار، يرى الصحفي السوري طوني فاخوري، أن "نظام الأسد يحاول حاليا أن يحصل على ورقة الوصاية على مسيحيي سوريا وأن يأخذهم بعهدته إلى سنين قادمة وهذا ما يمنحه قبولا سياسيا من المجتمع الدولي عبر النافذة المسيحية".

وبين فاخوري لـ"الاستقلال" أن "النظام الذي قصفت طائراته الكنائس وحولها إلى ثكنات عسكرية واستخدم المسيحيين دروعا بشرية وتاجر بهم خلال السنوات الماضية، لا يمكن له أن يقنع الغرب بأنه الضامن لوجودهم لأن الذاكرة للمهجرين المسيحيين ليست من سمك".

وذهب فاخوري للقول: "هذا التلاعب السياسي للنظام بالمسيحيين الذين يعيشون بسوريا منذ ألفي عام، مرفوض كونه يضعهم في خانة التهديد من قبل باقي مكونات المجتمع السوري، وهذه رواية يروجها الأسد للغرب".

وختم قائلا: "النظام السوري في هذه المرحلة يريد أن يجعل المسيحيين يسيرون أمامه لغسل جرائمه بحق الشعب والمناداة بإعادة حمايته سياسيا من جديد".