محمد مرسي.. هكذا قدم حياته ثمنا للدفاع عن شرف شعبه

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 3 يوليو/ تموز 2013، بينما كانت المؤامرة الكاملة تحكم قبضتها على ثورة 25 يناير، ويترنح المعقل الأخير لشرعية الشعب المصري التي انتزعها في الاستحقاقات الانتخابية المتعاقبة، شهدت أبواب قصر الاتحادية في العاصمة المصرية القاهرة، أزيز الآليات العسكرية التي تحركت بأمر وزير الدفاع حينها، عبد الفتاح السيسي، منذرة بانقلاب عسكري غاشم، أطاح بآمال عريضة لملايين المصريين، الذين وقفوا صفوفا في طوابير الانتخابات، قبل أن يصطفوا جثثا في ميادين الاعتصامات المناهضة لإسقاط الرئيس المنتخب، وانقلاب الجيش.

تبدلت أقدار الثورة على الأرض، بين انتصارات ملموسة، وهزائم وانكسارات متتالية، حينها وقف الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، يخاطب أمته وشعبه قائلا فيما عرف تاريخيا بخطاب الشرعية: "حافظوا على مصر والثورة اللي (التي) تعبنا فيها منذ سنتين ونصف، وأوعوا (احذروا) الثورة تتسرق منكم، والتحدي كبير. الحفاظ على الشرعية وتحقيق أهداف الثورة، ثمنها حياتي، حياتي أنا، أنا عايز (أريد) أحافظ على الأطفال والبنات، أمهات المستقبل والرجال، ويجب أن نمتلك غذاءنا وسلاحنا ودواءنا، والأمر يحتاج إلى جهد وتكامل ووقت".

بعدها قال مرسي كلمته الشهيرة التي جرى تداولها في جميع محافل الثورة والمظاهرات: "ليعلم أبناؤنا أن أباءهم وأجدادهم كانوا رجالاً، لا يقبلون الضيم ولا ينزلون أبداً على رأي الفسدة ولا يعطون الدنية أبداً من وطنهم أو شرعيتهم أو دينهم".

وعقب الانقلاب، أُخفي الرئيس محمد مرسي "قسريا"، قبل أن يظهر في قاعات المحكمة، وتتم محاكمته، على يد نظام عبد الفتاح السيسي، الذي عمل على التنكيل والبطش به، وأكدت العديد من المنظمات الحقوقية منها هيومن رايتس ووتش " أن مرسي يقتل بالبطيء".

وفاة الرئيس

في 17 يونيو/ حزيران الجاري، بشكل مفاجئ أعلن التلفزيون الرسمي المصري عن وفاة الرئيس محمد مرسي أثناء جلسة محاكمته، وقال التلفزيون إن "مرسي تعرض لنوبة إغماء بعد جلسة المحاكمة توفي على أثرها".

وقالت مصادر إعلامية إن "مرسي تحدث أمام المحكمة لمدة 20 دقيقة وانفعل ثم أغشي عليه ونقل إلى المستشفى حيث توفي". ونقلت المصادر، أنه في أعقاب رفع الجلسة، أُصيب مرسي بنوبة إغماء توفى على إثرها.

وهو الأمر الذي أحدث صدمة تجاوزت مصر والعالم العربي والإسلامي، إلى العالم أجمع، بداية من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي نعى مرسي، عبر حسابه على موقع "تويتر"، وقال: "مرسي أخونا أتمنى من الله أن يرحم شهيدنا، لقد بات شهيدا، أسأل الله أن يحشره مع الحبيب صلى الله عليه وسلم وجميع الذين ساروا بذات الطريق معه".

وقال الرئيس التركي في كلمة ألقاها خلال فعالية بمدينة إسطنبول: "إن العالم سيتذكر دائمًا الرئيس مرسي الذي جلس على كرسي رئاسة مصر بدعم من الشعب". وتابع أردوغان: "لم نجتمع حتى اليوم بقتلة مرسي، ولا يمكن أن نلتقيهم أبدا".

وأردف: "يمكن للظالمين أن يسعوا لقتل المظلومين أو حتى يمكن أن يكونوا وسيلة في استشهادهم بقتلهم، ولكن لا يستطيعون المساس بمجد نضالهم أبدًا".

من جانبه أعرب رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داوود أوغلو، عن حزنه العميق لوفاة الرئيس مرسي، وقال في تغريدة له: "أخي الكريم الممثل الشرعي المنتخب للشعب المصري، محمد مرسي، انتقل إلى رحمة الله تعالى شهيداً، أثناء دفاعه عن شرف شعبه في محكمة انقلاب عسكري غير قانوني محارب للديمقراطية. هذا الخزي يكفي العالم كله".

وعبّر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني عن حزنه لوقع الخبر وقال: "تلقينا ببالغ الأسى نبأ الوفاة المفاجئة للرئيس السابق الدكتور محمد مرسي. أتقدم إلى عائلته وإلى الشعب المصري الشقيق بخالص العزاء".

أما وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو فقال: "إن  الأمة لن تنسى المواقف المشرفة لمحمد مرسي".

فيما قدّم المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك  التعازي لوفاة مرسي وصرّح: "خالص تعازينا لعائلة ومحبي الرئيس محمد مرسي الذي وافته المنية اليوم".

وأعرب رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الإله بنكيران عن أسفه لخبر وفاة مرسي في المحكمة، ووصفه بأنه "شهيد"، وقال: "أنا في غاية التأثر والأسف، ونحسبه شهيدا عند الله سبحانه، ونتقدم بالعزاء الكامل لأسرته الصغيرة والكبيرة، ونحن نأسف شديد الأسف على هذه الطريقة التي تسببت في وفاة الرئيس محمد مرسي أثناء محاكمته، ونحن مؤمنون بقضاء الله وقدره وإنا لله وإنا إليه راجعون".

مرسي في سطور

  • ولد محمد مرسي في قرية العدوة بمحافظة الشرقية شمالي مصر، في 20 أغسطس/ آب 1951.
  • نشأ وسط عائلة بسيطة، إذ كان والده فلاحا، وأمه ربة منزل، إلى أن تزوج عام 1978، من زوجته السيدة نجلاء محمود، وله منها خمسة أولاد.
  • انتقل إلى القاهرة للدراسة في كلية الهندسة بين 1970 و1975، وتخرج بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وعين معيدا بها.
  • سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1978، للعمل واستكمال الدراسة، وحصل على الماجستير في الطاقة الشمسية، ثم الدكتوراه، عام 1982، في حماية محركات مركبات الفضاء من  جامعة جنوب كاليفورنيا، التي ظل بها حتى حصل على درجة أستاذ مساعد، عام 1985.
  • عاد إلى مصر، وعمل أستاذا ورئيسا لقسم هندسة المواد في كلية الهندسة بجامعة الزقازيق بين 1985 و2010.
  • انتُخب عضوا بنادي هيئة التدريس في الجامعة، وكانت له جهود بارزة في العمل الاجتماعي والخدمي.
  • اختير عضوا في لجنة مقاومة الصهيونية بمحافظة الشرقية، وعضوا بالمؤتمر الدولي للأحزاب والقوى السياسية والنقابات المهنية، وهو عضو مؤسس في اللجنة المصرية لمقاومة المشروع الصهيوني.
  • في عام 2000، انتخب عضوا في مجلس الشعب (البرلمان) عن جماعة الإخوان المسلمين، وكان رئيس كتلتها البرلمانية، والمتحدث باسمها، ومنذ ذلك الحين بدأ نجمه السياسي يسطع.
  • كان من أنشط أعضاء البرلمان وصاحب أشهر استجواب عن حادثة قطار الصعيد وأدان الحكومة وخرجت الصحف الرسمية في اليوم التالي تشيد باستجوابه. وعلى أثره تم اختياره كأفضل برلماني في العالم من خلال أدائه الفذ.
  • شارك في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، عام 2004، ثم الجمعية المصرية للتغيير، مع الدكتور محمد البرادعي في 2010 فكان له دور محوري في التمهيد لثورة ٢٥ يناير/ كانون الثاني 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك.

الطريق إلى الرئاسة

بعد ثورة يناير، شارك مرسي في تأسيس حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك التحالف الديمقراطي، الذي ضم أحزابا عدة، لينتخبه لاحقا مجلس شورى جماعة الإخوان، في 30 أبريل/ نيسان 2011، رئيسا للحزب، بجانب عصام العريان نائبا له، ومحمد سعد الكتاتني كأمين عام للحزب.

وفي يوم الأحد الموافق 24 يونيو/ حزيران 2012، أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية المصرية محمد مرسي فائزا، في أول انتخابات رئاسية بعد الثورة، ليصبح بذلك أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، وخامس رئيس لها.

وفي 29 يونيو/ حزيران 2012، أدى الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي اليمين أمام حشود من المصريين في ميدان التحرير بوسط القاهرة على نحو رمزي، مؤكدا أنه لن يتنازل عن صلاحيات رئاسة الجمهورية، وأن إرادة الشعب هي مصدر السلطة ولا سلطة أو مؤسسة فوق هذه السلطة، ومثّلت هذه الخطوة الاعتبارية في بداية مسيرته، مدى ارتباطه بالميدان الذي انطلقت منه شرارة الثورة.

وفي 30 يونيو/ حزيران 2012 تولى محمد مرسي منصب رئيس جمهورية مصر العربية بصفة رسمية، حين قام بأداء اليمين الجمهوري أمام المحكمة الدستورية العليا بالقاهرة في حضور الرؤساء والقضاة، ثم توجه إلى جامعة القاهرة في موكب رئاسة الجمهورية ليلتقي بقيادات الدولة والشخصيات العامة وسفراء الدول، بالإضافة إلى وفود شعبية، وغيرهم في مراسم رسمية.

الانقلاب العسكري

في 3 يوليو/ تموز 2013، أطاح وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي، بالرئيس مرسي، وزجّ به في السجن، بعد أن تآمرت القوى الانقلابية، بما فيها قوات الحرس الجمهوري، على الرئيس وعزلوه، قبل أن يقوموا بإخفائه قسريا.

وخضع مرسي، على مدار سنوات، لمحاكمات في قضايا عديدة، وصدرت بحقه أحكام، ومُنع لفترات طويلة من رؤية أسرته.

وفي تسريب صوتي للرئيس الراحل بتاريخ 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، قال: "أنا أحاكم غيابياً، أنا مش موجود، أنا لا أعرف أين أنا الآن"، وعقّب: "أنا عندي مشاكل في 4 ملفات أساسية تتعلق بصحتي وبحياتي في المقام الأول"، ثم أكّد: "المحاكمة بالنسبة لي محاكمة غيابية، أنا حاضر غائب، لا أرى أي خيالات، ولا أرى المحكمة، والوضع الآن، أني محاصر حصاراً عنيفاً".

وأردف: "أنا أريد أن أتحدث إلى الدفاع في حضرة المحكمة.. أين دفاعي؟ أنا لا أراه ولا أعرفه ولا أسمعه، ولم أره منذ سنين، ولا أعرف شيئاً عن أي شيء، حتى حياتي لا أعرف عنها الكثير".

وختم حديثه: "أنا مستعد أن أجلس مع المحكمة جلسة خاصة، إن كان هناك خطورة في الكلام اللي هقوله، لأقول لها ما يُقال لي، أنا مُهدد وأُهدد".

واشتكت أسرة مرسي ومنظمات محلية ودولية مرارا من سوء أوضاعه الصحية داخل السجن، ومن محبسه الانفرادي، لكن دون استجابة حقيقية من السلطات.

وفي 19 يونيو/ حزيران 2017، قال جو ستورك، نائب مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: "على مصر وقف هذا الانتقام الوحشي ضد مرسي وعائلته. يجب احترام حقوق مرسي وضمانها، مثل حقوق المعتقلين جميعا".

ومع إعلان وفاة الدكتور محمد مرسي، عقّبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية على الحدث ووصفته بأنه "أمر فظيع، لكنها متوقع في ظل عدم توفير الرعاية الصحية الكافية".

اللحظات الأخيرة

بحسب وكالة الأناضول التركية الرسمية، التي نقلت شهادة عبد المنعم عبد المقصود محامي الرئيس محمد مرسي، عن اللحظات الأخيرة في حياته، حيث اختتم محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا بمصر، حديثه بإلقاء بيت من الشعر يقول: "بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام".

وفي كلمته من خلف القفص الزجاجي، انتقد مرسي إجراءات المحاكمة معه، وفق محاميه، وقال مرسي: "حتى الآن لا أرى ما يجري في المحكمة لا أرى المحامي ولا الإعلام ولا المحكمة، وحتى المحامي المنتدب من المحكمة لن يكون لديه معلومات للدفاع عني".

وأضاف مرسي: "كنت طلبت من المحكمة جلسة سرية والمحكمة رفضت خلاص (انتهى) هذا قرار المحكمة ولكن الأسرار لن أبوح بها حتى مماتي حرصا على أمن البلد وسيادتها".

وقال عبد المنعم عبد المقصود: "مرسي تحدث من 5 إلى 7 دقائق أمام هيئة المحكمة من خلف القفص الزجاجي، وبعد دقيقة من رفع جلسة المحاكمة، كان هناك ضجة كبيرة داخل قفص المحكمة، وبعض الأطباء أرادوا التوجه لفحص الدكتور مرسي".

وعقب المحامي: "فهمنا من وسط الضجة أنه توفي، المتهمين أخبرونا عبر الإشارة بأيديهم أنه توفي، وبعدها بساعة، رأيته محمولا على نقالة حوالي الساعة الرابعة والنصف"  ثم أشار إلى أن القفص الزجاجي داخل قاعة المحكمة يعزل الصوت "لكننا تمكنا من سماع الصوت لأن صرخات المتهمين كانت مرتفعة جدا".