في ظل الوساطة الروسية.. ماذا يعني تصاعد انتهاكات الأسد بأحياء درعا؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بدعم من مليشيات إيران، أعاد إطباق النظام السوري الحصار على أحياء درعا البلد وتجهزه لاقتحامها بريا، لفت النظر إلى طبيعة الجهد الروسي في سوريا.

وفي 25 يونيو/حزيران 2021، فرضت قوات النظام السوري والمليشيات التابعة لها حصارا على منطقة "درعا البلد"، التي يقطنها 40 ألف نسمة بعد رفض المعارضين السابقين من أبناء المنطقة تسليم السلاح الخفيف.

وبدا جليا من خلال تراكم الوقائع وتشابهها في الجغرافية السورية، أن موسكو راحت تقنن دورها كوسيط تفاوضي "مخادع"؛ بما يخدم في نهاية الأمر ما يريده النظام السوري وإيران وفق مراقبين.

تخلي روسيا عن وعودها بمنع أي عمل عسكري على أحياء درعا بموجب اتفاقية "التسوية" المبرم في يوليو/تموز عام 2018، اعتبر انقلابا صريحا على تلك التسوية التي تنص أساسا على منع وجود مليشيا إيران مسافة 80 كم قرب الحدود السورية - الأردنية.

واليوم بعد شهر ونصف على حصار مليشيات بشار الأسد وإيران لأحياء "درعا البلد"، تحولت تلك الأحياء التي يعيش فيها أكثر من 11 ألف عائلة لـ "منطقة منكوبة" جراء قصف منازل المدنيين هناك ونفاد معظم مقومات الحياة الأساسية من وقود وطحين ومستلزمات طبية.

كما أن المفاوضات الجارية بين أهالي درعا والنظام السوري بوساطة روسية، باتت تأخذ طابع المماطلة والاستنزاف وكسب الوقت لصالح النظام.

سماح روسيا بتجميع مليشيات النظام السوري وإيران قواتهما بمحيط أحياء "درعا البلد" وحصارها، يؤشر إلى وجود رغبة بإنهاء ملف درعا مهد الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد التي انطلقت في 18 مارس/آذار 2011.

ملف جيوستراتيجي

لكن ما كان لافتا هو رغبة موسكو في دخول قوات النظام السوري أحياء "درعا البلد" دون قتال، على الرغم من ميل الكفة العسكرية لصالح الأسد على حساب المقاتلين المحاصرين والذين يمتلكون أسلحة خفيفة.

ومن هنا كانت الإستراتيجية الروسية في درعا تسير مشابهة لما حصل في الغوطة الشرقية بريفي دمشق، وحمص الشمالي عام 2018، والقائمة على الحصار والتجويع مقابل استسلام المقاتلين والأهالي.

وتستفيد موسكو من الصمت الدولي وترك مناطق المعارضة السورية تلاقي مصيرها لوحدها دون تدخل.

وفسر مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية معن طلاع، في تصريح لـ"الاستقلال" كيفية تعامل روسيا مع ملف درعا تحديدا.

وقال طلاع: "إن ملف درعا هو جيوستراتيجي ويجعل تعاطي الروس معه ذات طبيعة خاصة، كما أن له عدة سمات أولها أنها في منطقة حدودية (الأردن – إسرائيل)، وأن ما يحدث اليوم جاء عقب اتفاق التسوية".

واستدرك بالقول: "لذا فإن روسيا تريد هذه المناطق هادئة ومستقرة لتعيد حركة اللاجئين بشكل عكسي بالتزامن مع برنامجها المطروح لعودة اللاجئين".

وأردف أن "ملف عودة اللاجئين كانت تريد منه روسيا تقديم نموذج للحل والمصالحة في سوريا تحت إطار الدولة وعدم التهجير".

وبين طلاع أنه "من هنا يمكن تلمّس بعض التباينات، حيث إن إيران بعد القرار الدولي بانسحابها من الحدود الجنوبية لسوريا عملت على إعادة الانتشار داخل جيش النظام والقوى الأمنية وحتى الانتشار العقاري والتجاري والتنموي".

وتابع: "لدرجة أن طهران أصبحت توجد أفقيا في معظم مراكز القوى في بنى الدولة السورية، بينما روسيا بقيت تتعامل مع رأس المؤسسات ضمن علاقة البلدين".

فيما إيران تتقن العمل المليشياوي ولديها خبرة في هذا المجال ولا يكلفها سوى أن تنزع البدلة المليشياوية وتلبس الزي الرسمي عبر انخراطها في الفرقة الرابعة أو بعض تشكيلات العسكرية الأخرى في قوات الأسد، كما قال.

وذهب مدير البحوث في مركز عمران للقول: إن "روسيا كانت تحاول على إبقاء اتفاق التسوية بوابة محتملة لتعميمه على باقي الجغرافيا السورية".

لذا، تحاول روسيا أن تصدر فكرة أنها وسيط، وما تشكيل غرفة حميميم للمصالحة إلا لغرض المصالحات المحلية.

وبين أن الوسيط ليس طرفا بالنزاع أما في حالة روسيا فهي تمتلك شروطا أخف من شروط النظام في درعا.

وبالتالي فموسكو لا ترقى لأن تكون وسيطا لأن العلاقة مع النظام إستراتيجية وعضوية "وإن ظهرت تباينات فإنه لا يمكن تعريفها إلا ضمن الاختلاف في التكتيكات وليس في الهدف النهائي".

مبررات روسية

وحدد معن طلاع، خلال حديثه أبرز مبررات الصمت الروسي تجاه التصعيد العسكري في الجنوب السوري.

إذ أكد أن "الصمت الروسي حدث 3 مرات في سوريا بمعنى أنها لم تتدخل قواتها بالسلاح الجوي أو عن طريق مجموعات مرتزقة فاغنر (الروسية) لتغيير موازين القوى على الأرض".

وبين طلاع أن "الصمت الروسي في درعا اليوم حاضر وله عدة تبريرات وعلى رأسها أن موسكو تختبر مدى استنزافها في هذه الجغرافيا التي تعمل أحيانا على تجميد (الاستنزاف) عبر اتفاقيات المصالحة أو خفض التصعيد عندما تجد أنها أمام حل صفري يريده النظام السوري".

ومن التبريرات أيضا: "أن الروسي يريد إيصال رسائل محددة بأنه بإمكانه تغيير قواعد اللعبة وبالتالي يجب الوصول إلى صيغة غير التي تريدها إيران".

واستدرك: "لكنني أستبعد حدوث هذا الأمر لأن روسيا ستنحاز في نهاية الأمر لما يريده النظام السوري وإيران"، وفق مدير البحوث في مركز عمران.

تؤكد التقارير الأممية أن ما لا يقل عن 18 ألف مدني أجبروا على الفرار من أحياء "درعا البلد"، خوفا من حدوث عمليات اقتحام وانتقام من الأهالي المحاصرين.

ويتمسك النظام السوري بخيار الحسم العسكري رغم كل المناشدات الدولية الداعية لوقف الهجوم الفوري على درعا.

ومن هنا أكد عضو الهيئة السياسية الجديدة للائتلاف السوري المعارض، يحيى مكتبي، أن "الوقائع تشير إلى أن روسيا لم تلعب دور الوسيط بل كانت طرفا تفاوضيا".

وخاصة أن النظام السوري استبدل المفاوض الروسي برئيس اللجنة الأمنية في محافظة درعا اللواء حسام لوقا".

واعتبر مكتبي في تصريح لـ "الاستقلال" أن هناك ما سماه "إرباكا" بين الأطراف الثلاثة (النظام السوري، روسيا، إيران) حول درعا.

وشرح عضو الائتلاف ذلك بقوله: "إن كل واحد من هؤلاء الثلاثي لديه غاية فيما يتعلق بالوضع بدرعا، إذ إن موسكو لم تستطع أن تفي بوعودها أمام الدول بإرجاع إيران 80 كم عن الحدود الجنوبية".

 وفي المقابل إيران تريد تعزيز وجودها في الجنوب السوري لتخلق جيبا شبيها بحزب الله في جنوب لبنان.

ويتابع مكتبي: "بينما النظام السوري ما بعد الانتخابات الرئاسية غير الشرعية، أراد أن يستعرض أن الأمور استتبت له في درعا بعدما رفضوا إدخال صناديق المسرحية الهزلية للانتخاب وتدوير الأسد".

وألمح مكتبي إلى "أن روسيا تحاول توصيل رسالة مفادها أن قوات الأسد ليس لها قيمة على الإطلاق دون غطاء جوي روسي في ظل تصدي الثوار واستبسالهم وعدم الرضوخ للحصار والقصف".

خلط الأوراق

التأجيل المستمر للمفاوضات حول درعا؛ يؤكد أن الخطر ما يزال قائما وسط تأهب قوات النظام السوري لاجتياح الأحياء المحاصرة.

كما تحمل تصريحات النظام السوري لغة وعيد دل عليها اعتبار خارجيته أن دعوات الاتحاد الأوروبي لوقف الهجوم على درعا "لا تعدو كونها محاولة فاشلة ومكشوفة لرفع الضغط عن الإرهابيين (هناك)".

"استمرار تدفق التعزيزات العسكرية من تشكيل الفرقة الرابعة الإرهابية التي تأتمر بأوامر إيرانية، والمتمركزة بمحيط أحياء درعا البلد وتنفيذها ضربات مدفعية وصاروخية، أظهر مدى ضعف الدور الروسي كطرف في هذه المفاوضات"، وفق ما يقول القيادي في المعارضة السورية، فاتح حسون.

ورأى حسون في تصريح لـ "الاستقلال" أن المناقشات بين أهالي درعا والنظام السوري "ليست بمعنى المفاوضات، لوجود طرف مجرم يفتك بالمدنيين ويحاصرهم وهو نظام الأسد ومليشيات إيران، وطرف ضعيف هو أهالي المنطقة والوسيط الروسي".

وبين أن "نظام الأسد وضع شروطا تعجيزية، تهدف إلى فرض كامل سيطرته الأمنية والعسكرية على درعا والتي حاول تمريرها عبر الضابط الشيشاني أسد الله قبل استبداله لاحقا من قبل روسيا".

وبالمحصلة، فإن التصعيد الجديد على درعا يسير نحو إفشال دور روسيا كضامن بعد 3 سنوات من الهدوء في الجبهة الجنوبية السورية ذات الحساسية البالغة كمحافظة حدودية.

ولكن إلى الآن لا يعفي غياب الطيران الحربي الروسي عن أجواء التصعيد، من وجود قبول ضمني روسي لخلط أوراق الجنوب ورسم ملامح نفوذ جديدة هناك.

ويحكم ذلك وفق ما يشير الباحث في المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام، رشيد حوراني "عمل روسيا على تقوية نفوذ إيران في المنطقة الجنوبية السورية لتحقيق هدفين".

الأول، وفق ما يقول حوراني لـ "الاستقلال" هو "إعادة تأهيل النظام الذي فشلت به (روسيا) من البوابة الإسرائيلية على غرار وجود حزب الله جنوب لبنان والقبول بها على الحدود الإسرائيلية السورية باتفاق دولي".

والثاني، "لفت انتباه المجتمع الدولي الرافض لوجود إيران في سوريا وتحريضه لإخراجها من البلاد ولو بالقوة العسكرية، كي لا تتكلف هي عناء ذلك"، وفق الباحث.