أدخلوه الإليزيه وحرموه البرلمان.. كيف يؤثر تراجع ماكرون على مسلمي فرنسا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مثلت عناوين الصحف الفرنسية الرئيسة الصادرة غداة الانتخابات البرلمانية في 19 يونيو/ حزيران 2022، انعكاسا واضحا للأزمة التي بات يعاني منها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد خسارته لأغلبيته التشريعية.

الصحافة الفرنسية عبرت عن عمق الأزمة التي تجلت عقب ظهور نتائج الانتخابات وسط حالة تشاؤم من المستقبل، فتحدثت صحيفة "لوفيغارو" عن "صفعة ماكرون"، و"ليبراسيون" عن "الزلزال" و"لاكروا" عن أن "فرنسا مهددة بالشلل".

فبعد أقل من شهرين من إعادة انتخابه رئيسا، فقد ماكرون أغلبيته بالجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) لصالح تياري اليسار واليمين المتطرف، اللذين حلا وراءه في المركزين الثاني والثالث، بينما تراجع حليف الرئيس الفرنسي (الحزب الجمهوري) للمركز الرابع.

وهكذا خسر التحالف الحاكم الأغلبية المطلقة، ولم يحصل إلا على 245 مقعدا في انتخابات 2022، في حين كان قد حصد 350 مقعدا في انتخابات 2017، وبات يحتاج إلى أصوات 44 نائبا من الأحزاب الأخرى لدعم حكومته بأغلبية 289 من 577 إجمالي مقاعد البرلمان.

وبالمقابل، منحت صناديق الانتخابات ائتلاف الأحزاب اليسارية المركز الثاني كأول قوة معارضة تحت القبة، بـ131 مقعدا. 

وزادت مقاعد اليمين المتطرف (حزب التجمع) 11 ضعفا، ليحل ثالثا، بعد حصوله على 89 مقعدا، وذلك على حساب الحزب الجمهوري، حليف ماكرون، الذي حل رابعا بـ61 مقعدا وينوي لملمة جراحه في المعارضة ويرفض العودة للحكومة.

ووسط هذه الفوضى تصاعدت تساؤلات عن مستقبل مسلمي فرنسا الذين يقدرون بـ10 بالمئة من إجمالي سكان البلاد، في ظل صعود اليمين المتطرف، وعدم تصويتهم لماكرون بالبرلمان، رغم تأييدهم له بالرئاسيات.

تسونامي مفاجئ

وبعد الانتخابات، بات ماكرون الذي كان يتمتع بأغلبية مطلقة بولايته الأولى، في مأزق، لأن حليفه رئيس الحزب الجمهوري المحافظ كريستيان جاكوب، هاجمه واتهمه بأنه السبب في فوز حزب المتطرفة مارين لوبان بهذه المقاعد، لدعمه التطرف اليميني.

وأعلن أنه لن يشارك في الائتلاف الحاكم وسيبقى بمقاعد المعارضة، ما يعني لجوء ماكرون للتحالف مع اليسار أو اليمين المتطرف، أو الحكم بدون أغلبية، ما يعرض كل مشاريعه وخططه للفشل في البرلمان ورفض الموافقة عليها.

ويتوقع مراقبون ومسلمون فرنسيون، أن يكون التأثير الأبرز السلبي لهذه الانتخابات على المسلمين، الذين يشكلون 10 بالمئة من سكان فرنسا.

وأن يدفع استحواذ حزب لوبان اليميني المتطرف على 89 مقعدا في البرلمان، لفرض سياسات تعادي المسلمين، في ظل حالة العداء والعنصرية التي تشهدها فرنسا بالفعل ضد الإسلام.

وساعد في حالة الإحباط بين المسلمين، فشل حزب "اتحاد الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين"، الذي شارك في الانتخابات، في الحصول على أي مقعد رغم ترشيحه 85 مرشحا في انتخابات 2022 التشريعية مقابل 10 فقط في انتخابات 2017.

لكن رئيس الحزب نجيب أزرقي، فسر في بيان بتاريخ 13 يونيو، خسارة حزبه الذي أسسه عام 2012، برغبة المسلمين في دعم التحالف اليساري الأكثر قدرة على الوقوف في وجه لوبان.

لكنه، عد ترشيح 85 مسلما من حزبه لأول مرة منفردا، مكسبا للمسلمين وسعيا للظهور السياسي دون خوف من الإسلاموفوبيا، وأنه برغم خسارتهم جميعا فقد فازوا في الظهور كمحاربين للإسلاموفوبيا.


 

الاتجاه نحو "المجهول" هو أبرز ما يتوقعه الخبراء الفرنسيون وهم يتحدثون عن مستقبل بلادهم في ظل نتائج انتخابات البرلمان الأخيرة.

النتائج ستضر بالاستقرار السياسي في البلاد، وسيكون كل تصويت على مشروع قانون "مفتوحا على المجهول" لعدم وجود غالبية مطلقة، حسبما يقول الخبير السياسي، آلان دوهامل لوكالة الأنباء الفرنسية في 21 يونيو.

وحسب تحليل الوكالة، يقف تحالف ماكرون أمام خيارين: إما أن يبرم اتفاقا مع أحزاب أخرى على غرار الاتفاقات الحكومية في ألمانيا، أو أن يتفاوض على كل نص تشريعي يريد تمريره.

بينما قالت وكالة رويترز البريطانية في 20 يونيو، إن من شأن نتيجة الانتخابات أن تمهد لفترة من عدم اليقين السياسي تتطلب درجة من تقاسم السلطة بين الأحزاب أو الشلل السياسي وربما إعادة الانتخابات.

التعايش السياسي 

وستضطر نتائج الانتخابات البرلمانية ماكرون والأحزاب المنافسة للجوء لسيناريو يسمى "التعايش السياسي"، وفق مراقبين.

ويعطي نظام الحكم الرئاسي في فرنسا للرئيس سيطرة شبه كاملة على كافة النواحي التنفيذية في البلاد، ويجعله صاحب القرار الأول في قضايا السياسة الخارجية والأمن والقوات العسكرية، بالإضافة إلى السياسات الداخلية.

لكن في حالة انتماء الرئيس لتيار سياسي وفوز تيار سياسي آخر بالأغلبية في البرلمان الفرنسي، تتقلص كثيرا صلاحيات الرئيس لصالح رئيس الحكومة الذي ينتمي للأغلبية البرلمانية.

ومن هنا يأتي مصطلح "التعايش السياسي"، حيث يكون الرئيس مضطرا لأن "يتعايش" مع رئيس الوزراء المنتمي للأغلبية البرلمانية، ويتحول ضمنا لما يسمى "البطة العرجاء سياسيا"، حيث سيكون مجبرا على التخلي عن بعض بنود برنامجه.

وعرفت فرنسا هذا النوع من التعايش السياسي ثلاث مرات خلال الجمهورية الخامسة، كانت أول مرة في عهد الرئيس الأسبق فرانسوا ميتران مع جاك شيراك (بصفته رئيسا للوزراء)، في الفترة من 1986 حتى 1988. 

وكانت المرة الثانية من التعايش السياسي بين ميتران أيضا وإدوار بلادور من 1993 إلى 1995، والمرة الثالثة كانت بين الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان من 1997 إلى 2002، بحسب الوكالة الفرنسية.

ولو فشل رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في التعايش معا، يمكن لرئيس الجمهورية أن يجبر رئيس الحكومة على الاستقالة، لكن في تلك الحالة يتم حل البرلمان والذهاب لانتخابات برلمانية مبكرة وهو ما لم يحدث في مرات التعايش الثلاث السابقة.

وأمام الرئيس الفرنسي ثلاثة سيناريوهات للحكم بالاشتراك مع البرلمان، الذي بات يسيطر عليه أغلبية من معارضيه، بحسب تحليل لوكالة الأنباء الفرنسية في 21 يونيو.

أولها: التحالف مع "الجمهوريين" كونهم الحلفاء الأقرب بالنسبة إلى ماكرون، بحيث تمكن مقاعدهم الـ61، التحالف الحكومي من أغلبية مريحة هي 306 مقاعد (أغلبية البرلمان 289).

لكن هناك احتمال أن يرفض الحزب الجمهوري التحالف مع ماكرون لأنه أعلن أنه سينتقل للمعارضة وهاجم تفتيت ماكرون اليمين المعتدل لصالح اليمين المتطرف واليسار.

السيناريو الثاني: تحالف حزب ماكرون مع بعض اليساريين من تحالف "جان لوك ميلونشون"، معتمدا على أن اليسار الوسطي متمثلا في الحزب الاشتراكي، والخضر في دول أوروبية تحالفوا مع ليبراليين وشكلوا حكومة سويا.

والثالث: الاضطرار إلى التحالف مع حزب لوبان، لضمان أغلبية مريحة، تمثل 346 مقعدا داخل البرلمان، وهذه ستكون حكومة متناقضات، وقد تشهد صدامات كبيرة داخلها.

لكن وزير العدل الفرنسي إيريك ديبون موريتي، لم يستبعد هذا السيناريو في حديث لصحيفة "لوبوان" في 20 يونيو، بل وأكد بأن التحالف الحاكم "سيتفاوض مع جميع مكونات البرلمان بما فيها "التجمع الوطني".

وهناك سيناريو رابع أقل ترجيحا، هو استقالة ماكرون الذي أعيد انتخابه في 24 أبريل/نيسان 2022 لولاية ثانية من خمس سنوات والدعوة إلى انتخابات رئاسية جديدة.

لكنها ستكون مقامرة لأن الدستور يحظر تولي الرئاسة أكثر من ولايتين، وقد يتم منعه من الترشح مرة ثالثة بالتالي، كما يقول خبراء فرنسيون لوكالة الأنباء الفرنسية.

وضع المسلمين

أثار الصعود الكبير، الذي حققه اليمين المتطرف في انتخابات البرلمان الفرنسي مخاوف كبيرة لدى المسلمين والمهاجرين على حد سواء.

هذا الارتفاع الحاد في شعبية حزب لوبان سوف يمنحه نفوذا سياسيا أكبر للضغط من أجل اتخاذ تدابير متشددة أكثر ضد المسلمين، بخلاف ما فعله ماكرون، بما في ذلك الحظر التام للحجاب الذي ترتديه النساء المسلمات في فرنسا، كما وعد.

وذلك حسبما تقول "أليس بيلون غالاند"، الباحثة في السياسة الأوروبية لمجلة "تايم" الأميركية في 9 يونيو.

ويقول أستاذ السياسة الفرنسية والأوروبية في كلية لندن العالمية، فيليب مارليير، لمجلة "تايم" البريطانية، أن ماكرون الذي يزعم أنه يدافع عن الوسطية، قد يضطر، للسير مع تحول مزاج الناخبين إلى اليمين المتطرف وفوز نواب حزب التجمع.

ويرى أن ماكرون قد يزيد من إجراءاته الصارمة ضد المسلمين التي انتهجها في ولايته السابقة التي امتدت خمس سنوات.

ولو قلد ماكرون، الذي اتخذ إجراءات صارمة ضد الهجرة وتشريعات تمييزية ضد المسلمين، اليمين المتطرف في قضايا قمع الهجرة والترحيل وغيرها، فإنه سيضفي بذلك الشرعية على اليمين المتطرف ويصبح مثلهم، وفق "تايم".

من جانبه، رجح الصحفي في إذاعة مونت كارلو علاء بونجار، لموقع "عربي بوست" الإلكتروني، في 22 يونيو، أن ماكرون يسعى لقطع الطريق على اليمين المتطرف، والتماهي مع بعض أفكار ناخبيه، لاعتبارات سياسية بدرجة أولى.

وقال إنه قد يضمن بالقوانين المستقبلية بنود تغازل اليمين المتطرف، مثل فرض شروط إضافية على قانون التجنيس، أو إدخال تغيرات على قوانين الهجرة وحرية تنقل الأفراد داخل فضاء "شنغن".

وسبق لماكرون إصدار قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" المثير للجدل، والذي عرف باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي"، في البرلمان في يوليو/تموز 2021 والذي لقي انتقادات كونه يستهدف المسلمين بطريقة عنصرية.

ويؤكد رئيس مؤسسة إسلام فرنسا، رئيس المنتدى العالمي للأديان من أجل السلام، غالب بن الشيخ، أن صعود اليمين المتطرف سيزيد حدة التضييق على المغتربين من المسلمين والمهاجرين عموما، وستكون سياسات البرلمان بمختلف انتماءاته ضدهم.

وأضاف لـ "عربي بوست"، أن "على المسلمين أن ينتظروا أياما صعبة، لا سيما أن الجهات التي من الممكن أن تدافع عن مصالحهم والإطارات المدنية باعت ضميرها، وانبطحت أمام تمدد تيار اليمين المتطرف".

وهو ما يؤكده أيضا مجيد بودن، المحامي المتخصص في القانون الدولي بباريس، الذي يعد اليمين المتطرف انعكاسا للجانب الفكري للأنظمة الدكتاتورية، ويؤكد أن نتيجة الانتخابات الأخيرة تمثل زلزالا سياسيا في الحياة الديمقراطية الفرنسية.

ويرى أن وضع البرلمان الحالي وتركيبته المنتظرة، سيتركان مجالا جديدا لأقصى اليمين كي يستمر في تقويض الديمقراطية، ما سيكون له انعكاسات سلبية على المهاجرين والمسلمين خصوصا.

الصوت المسلم 

لكن الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج عبد الله بوصوف، نفى لموقع "هسبريس" المغربي في 21 يونيو، عزوف المسلمين عن المشاركة.

وأكد بوصوف "بروز الصوت المسلم المساهم بشكل كبير في دعم تحالف ميلانشون الذي حل كثاني كتلة برلمانية".

وأوضح بوصوف، وهو مؤرخ مغربي قاد لجنة التكوين في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أن "أصوات كتلة المهاجرين عموما قد أنقذت شرف فرنسا في الانتخابات".

وأشار إلى أن أصوات المسلمين والمهاجرين "قطعت الطريق على فوز لوبان بالرئاسة، ودعمت ميلانشون، الرافض للإسلاموفوبيا، ليصير قوة سياسية ذات وزن في المشهد السياسي الفرنسي".

وأضاف أن "الجاليات أظهرت أنها صمام أمان مبادئ الجمهورية الفرنسية، دفاعا منها عن فرنسا الأنوار والمساواة والإخاء والحرية".

ووفقا لشركة استطلاع الرأي العام الفرنسية (إيفوب)، أيد 69 بالمئة من الناخبين المسلمين، اليساري جان لوك ميلينشون في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، في أبريل/نيسان 2022، لأنه عارض التعصب ضد المسلمين.

وفي جولة الإعادة الثانية، التي انحصرت بين ماكرون ولوبان وكلاهما معاد للإسلام، اضطر المسلمون للتصويت بنسبة 85 بالمئة لصالح ماكرون كونه أخف الضررين وفقا لـ "إيفوب".

"في كلتا الحالتين، كان على المسلمين أن يختاروا بين الطاعون (لوبان) والكوليرا (ماكرون)، بحسب نجيب أزرقوي، رئيس حزب الديمقراطيين المسلمين الفرنسيين.

وقال، لموقع "ريليجن نيوز" في 27 أبريل/نيسان 2022: "المسلمون كانوا مجبرين على دعم من يبصق في وجوههم فقط على أقل تقدير"، في إشارة لعداء حزب لوبان الأكبر لهم.

ويسعى "ميلنشون" لتشكيل أغلبية برلمانية مع نواب من علماء البيئة والأحزاب اليسارية الصغيرة الأخرى تمكنهم من تغيير الدستور، وتحسين أحوال الفقراء وإلغاء قانون الانفصالية المعادي للمسلمين، وإصلاح أوروبا، ومغادرة فرنسا لحلف الناتو.

ويعول في ذلك أيضا على دعم المسلمين والمهاجرين له، بحسب موقع "ريليجن نيوز".