ظروف جديدة.. صحيفة تركية تتوقع تصاعد وتيرة التطبيع بين أنقرة والقاهرة

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

توقعت صحيفة "ستار" التركية حدوث نقلة كبيرة في الروابط بين مصر وتركيا، ستسهم في تسارع وتيرة التطبيع بين البلدين التي بدأت عام 2021، بعدما وصلت العلاقات إلى أسوأ مستوياتها في تاريخهما.

وأرجعت الصحيفة ذلك في مقال للكاتب "نجم الدين أجار"، إلى عدة أسباب، في مقدمتها أزمة الطاقة التي تعصف بأوروبا حاليا وحاجتها لغاز شرق البحر المتوسط الذي تعد تركيا أفضل طرق نقله إليها، فضلا عن دور أنقرة الحساس مع موسكو في مباحثات صادرات الحبوب التي تعتمد عليها القاهرة بشكل وجودي.

مرحلة جديدة

وذكرت الصحيفة أن العلاقات بين محوري منطقة الشرق الأوسط، تركيا ومصر، شهدت تقدما على مستوى منخفض للغاية خلال السنوات العشر الماضية. 

لكن خلقت الإرادة القوية أخيرا لكلا البلدين لتطوير التعاون الثنائي مناخا إيجابيا من أن مستوى العلاقات سيتحسن قريبا، إن لم يكن على المدى القصير. 

وفي هذا السياق، أجرى وزير الخزانة والمالية التركي نور الدين نباتي زيارة إلى مصر مطلع يونيو/ حزيران 2022، للمشاركة في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية.

وتعد هذه الزيارة، الأرفع من تركيا إلى مصر في السنوات العشر الأخيرة، ويمكن توقع رد دبلوماسي مشابه من القاهرة في الأيام المقبلة.

وتصميم تركيا ومصر على تصحيح العلاقات الدبلوماسية يشجعه عدد من التطورات الإقليمية والدولية، في مقدمتها تهديدات وفرص الأمن الغذائي وأمن الطاقة.

وحقيقة أن التوتر في العلاقات على مستوى الإدارة الحاكمة، بينما لا يوجد توتر بين الشعبين التركي والمصري ستنعكس إيجابا على عملية التطبيع.

وتراجعت العلاقات بين تركيا ومصر إلى أسوأ مستوياتها في تاريخهما بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته القاهرة عام 2013.

وأظهرت تركيا أقوى رد فعل على الإطاحة بإدارة الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، بانقلاب عسكري وانتهاكات حقوق الإنسان الشديدة التي عانت منها البلاد في أعقاب عملية الانقلاب. 

وفتحت تركيا أبوابها أمام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي وصفتها الإدارة العسكرية في مصر بـ "منظمة إرهابية"، غضت الطرف عن أنشطتها في تركيا. 

وقيمت الإدارة المصرية هذا الوضع بأنه تدخل من تركيا في الشؤون الداخلية لمصر وكان رد فعلها قاسيا.

منافسة إقليمية

وأوضحت الصحيفة أنه من العوامل الأخرى التي أدت إلى تمزق العلاقات التركية المصرية سياسة أنقرة في ليبيا.

حيث دعمت تركيا ومصر جهات فاعلة مختلفة في ليبيا، وردت القاهرة بقوة على هذا الوضع على أساس أن أنقرة تحاول إنشاء هيكل سياسي معارض للنظام المصري تحت حدوده مباشرة. 

وشوهد مستوى عالي من القلق من القاهرة من أن هياكل المعارضة سوف تعشش في ليبيا ما سيضر بالاستقرار الداخلي في مصر. 

وبشكل عام، كانت لإدارة تركيا ومصر رؤى سياسية مختلفة للشرق الأوسط في فترة ما بعد عام 2010. 

وأدت سياسة الوضع الراهن في مصر وسياسة تركيا في دعم التغيير الاجتماعي والسياسي والاقتصادي إلى قدوم البلدين وجها لوجه ليس فقط في شرق البحر المتوسط​​، ولكن في جميع أنحاء المنطقة بأكملها.

واليوم، وبعد عقد من هذه الظروف، يمكن القول إن تغييرا كبيرا لوحظ في سياسات كلتا الجهتين الفاعلتين. 

وعلى وجه الخصوص، حقيقة أن التغيير الذي وعد به الربيع العربي للشرق الأوسط وتبنته بقوة شرائح اجتماعية كبيرة قد أدى إلى خيبة أمل واسعة، دفع تركيا إلى النظر بشك إلى هذه العملية. 

ففي عام 2010، اختارت تركيا دعم القطاعات الاجتماعية التي طالبت بالتغيير والتحول بدلا من إدارات الوضع الراهن. 

واليوم، لا أحد يملك أي أمل، بما في ذلك أنقرة، في حدوث التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي وعدت به عملية الربيع العربي.

ويمكن القول إن هذه التطورات دعمت أيضا تحولا جديدا في السياسة الخارجية التركية. 

وجهود تركيا لإعادة ضبط العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وأرمينيا والإمارات والسعودية وإسرائيل ومصر أهم مؤشر على تغيير رؤية سياسة أنقرة الخارجية.

كما أسفرت أزمة الغذاء والطاقة، التي أثرت على العالم بأسره في خضم الحرب الروسية الأوكرانية، عن نتائج تدعم تسارعا جديدا في العلاقات بين تركيا ومصر. 

ظروف جديدة

ولفتت الصحيفة التركية إلى أن التهديدات والمصالح المشتركة بين البلدين بشأن هذه التطورات أدت إلى تسريع التحسن في العلاقات الثنائية بين القاهرة وأنقرة.

وعند النظر إلى ملف الطاقة اليوم، يمكن القول إن الدول الأوروبية لديها إرادة قوية لإنهاء الاعتماد بنسبة 40 بالمئة على الغاز الروسي.

وهناك احتياطيات محدودة للغاية يمكن أن تلبي عجزا سنويا في الغاز الطبيعي يبلغ حوالي 200 مليار متر مكعب سيظهر في أوروبا خلال هذه الفترة. 

وفي هذه الظروف، ازدادت أهمية احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط على صعيد أمن الطاقة العالمي.

وحقيقة أن تركيا هي الطريق الوحيد لنقل موارد الطاقة من حوض البحر المتوسط إلى أوروبا تدعم التقارب بين أنقرة والقاهرة. 

لأن مشروع "إيست ميد" لنقل غاز شرق المتوسط عبر قبرص واليونان مع استبعاد تركيا، تم القضاء عليه تماما عندما سحبت الولايات المتحدة دعمها للمشروع. 

ومن المعروف أن هناك احتياطيات كبيرة جدا من الغاز الطبيعي في حقل ظهر، الذي يقع في المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر. 

وسيكون نقل هذه الاحتياطيات وغيرها من احتياطيات شرق المتوسط إلى أوروبا ممكنا من خلال العلاقات الراسخة مع تركيا.

بينما الأمن الغذائي يمثل القضية الأمنية الأكثر أهمية بالنسبة لمصر اليوم، لأنه يتعين عليها حاليا استيراد 14 مليون طن من استهلاكها السنوي البالغ 22 مليون طن، وهي أكبر مستورد للقمح في العالم. 

وفي الوقت نفسه، تستقبل مصر نحو 11 مليون طن من واردات القمح البالغ عددها 14 مليونا من روسيا وأوكرانيا، والتي تمثل نحو نصف الإنتاج العالمي للقمح. 

وفي حين أن اعتماد مصر على القمح الروسي يبلغ 50 بالمئة، فإن اعتمادها على القمح الأوكراني يبلغ حوالي 30 بالمئة. 

ومن الصعب جدا على مصر شراء هذه الكمية من القمح من بلدان أخرى على المدى القصير.

ويؤثر قمح البحر الأسود، الذي تعذر شحنه إلى الأسواق الدولية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية في الفترة الأخيرة، على مصر بشكل سلبي للغاية. 

لذا تعد مباحثات ممر الحبوب التركي المتواصلة مع روسيا مهمة لقدرتها على إنتاج حل شامل لمشكلة الأمن الغذائي التي تواجه مصر حاليا.

وختمت الصحيفة بالقول: العلاقات بين أنقرة والقاهرة عانت من جروح عميقة في السنوات العشر الماضية، وسيكون من التفاؤل للغاية توقع تحسنها من اليوم إلى الغد.