العين على الشارع.. كيف تمهد استقالات التيار الصدري لمرحلة جديدة بالعراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

وضعت استقالة نواب الكتلة الصدرية البرلمانية في 12 يونيو/ حزيران 2022، العراق أمام مفترق طريقين، الأول تشكيل حكومة توافقية تنهي الانسداد السياسي المتواصل منذ إجراء الانتخابات التشريعية المبكرة قبل 8 أشهر، أما الثاني فهو حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة.

ولم يتمكن الصدر الذي حل أولا في انتخابات 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، من تشكيل حكومة أغلبية وطنية مع حلفائه السنة والأكراد، في ظل إصرار قوى الإطار التنسيقي الشيعي الموالية لإيران، على حكومة توافقية تضم الجميع.

"تضحية للوطن"

وعلى ضوء ذلك، عقد "الإطار التنسيقي" (56 مقعدا من أصل 329) اجتماعا مع حلفائه من تحالف العزم (السنة) والاتحاد الوطني الكردستاني، وكتلة بابليون المسيحية، لتدارس التطورات الجديدة بعد استقالة كتلة التيار الصدري (73 مقعدا).

وقال "الإطار" خلال بيان في 14 يونيو 2022 إن "الاجتماع بحث تطورات الوضع السياسي الراهن وسبل الإسراع في استكمال الاستحقاقات الدستورية بمشاركة كل القوى الوطنية".

وأكد المجتمعون أن "المرحلة المقبلة مهمة وتستدعي الإسراع في بدء الخطوات العملية لاستكمال الاستحقاقات الدستورية وانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة منسجمة قادرة على تلبية مطالب العراقيين وتؤمن الحياة الكريمة وتحفظ الأمن والاستقرار للجميع".

ودعا الإطار "جميع القوى الفاعلة في المشهد السياسي إلى المشاركة في الحوارات، معربا عن "استعداده لمفاتحة جميع الأطراف لإيمانه بأن الحكومة القادمة يجب أن تكون قوية ومقتدرة وتقدم الخدمات وتحافظ على وحدة وسيادة البلاد وتسهم في حفظ مكانة ودور العراق".

وقبل ذلك، أعلن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، من عمان خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأردني عبد الكريم الدغمي في 13 يونيو 2022، أن "عضوية أي نائب من أعضاء البرلمان تنتهي بشكل مباشر عند تقديم الاستقالة أو الوفاة أو المشاركة في عمل تنفيذي".

وأفاد الحلبوسي بأن "الكتلة الصدرية ارتأت أن تكون أول المضحين بترك خيار تشكيل الحكومة والمشاركة بالبرلمان للقوى السياسية الأخرى، وأن الصدر يؤمن بالأغلبية أو المعارضة".

وعن الخطوة اللاحقة، قال: "سنمضي في الإجراءات القانونية، وحسب قانون الانتخاب وآليات العمل الانتخابي"، مشيرا إلى أن "الخاسرين (الذين حصلوا على العدد) الأعلى (من الأصوات) في كل دائرة انتخابية سيعوضون بدلا من نواب الكتلة الصدرية الذين استقالوا".

وأشار الحلبوسي إلى أن الإجراءات الدستورية لاختيار رئيس للحكومة والبرلمان، ستمضي تباعا، حال اكتمال أعضاء مجلس النواب بقدوم البدلاء.

وكان الصدر قد قدم الشكر لنواب كتلته، وحلفائه في تحالف "إنقاذ الوطن" (170 مقعدا) "لما أبدوه من وطنية وثبات، وهم الآن في حِل مني"، كما أنه شكر ابن عمه جعفر الصدر، الذي رشحه لرئاسة الوزراء.

وعد أن هذه الخطوة "تضحية من أجل الوطن، لتخليصه من المصير المجهول"، حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية في 12 يونيو/ حزيران 2022.

وعلى إثر ذلك أعلن السفير العراقي في لندن، المرشح الوحيد لتشكيل الحكومة الجديدة، جعفر الصدر، انسحابه هو الآخر من هذه المهمة، قائلا على "تويتر" في 12 يونيو 2022 إنه وافق عليها بناء على رغبة ابن عمه مقتدى الصدر، ضمن مشروع وطني يتبناه الأخير.

منعطفات صعبة

وتعليقا على المشهد، أكد الباحث العراقي بالشأن السياسي لؤي أحمد، لـ"الاستقلال"، أن "استقالة نواب الكتلة الصدرية يمكن أن تزيد من شعبية الصدر في الشارع العراقي، لأنه أظهر ثباتا واضحا على موقفه من حكومة الأغلبية السياسية ورفض التوافقية".

وأضاف أن "الصدر يعلم جيدا أن أي تراجع عما طرحه طيلة الحملة الانتخابية وما بعدها من رفض للحكومة التوافقية والتمسك بحكومة الأغلبية سيفقده الكثير من شعبيته في الشارع، لا سيما بعد تحقيقه نجاحا منقطع النظير في الانتخابات الأخيرة لينال المرتبة الأولى بفارق كبير عن خصومه من الشيعة".

وأعرب أحمد عن اعتقاده أن "الصدر وضع الخصوم في موقف حرج كونه رمى الكرة في ملعبهم كما فعل في المرات السابقة حين طلب منهم تشكيل الحكومة وأن يذهب هو إلى المعارضة بعدما أخفق في تشكيل حكومة الأغلبية، لكن الجديد هذه المرة أنهم سيجبرون على تشكيل الحكومة أو حل البرلمان".

ولفت إلى أن "القوى السياسية الشيعية المناوئة للصدر تتخوف كثيرا من عدم احتواء الصدر وبقائه خارج الإجماع السياسي الشيعي، لأن ذلك يعني أنه سيحرك الشارع ضدهم في أي لحظة، كونه الوحيد الذي يستطيع أن يفعل هذا ويطيح بالحكومة".

ورأى أن "الصدر لن يكتفي باستقالة نوابه من البرلمان، وإنما هذه بداية إستراتيجية جديدة قد يتبعها مع خصومه خلال المرحلة المقبلة، كونهم لم يتيحوا له المجال أن يشكل حكومة أغلبية أو أن يذهب إلى المعارضة، وهذا سيجعلهم في قلق دائم من أي خطوة يتخذونها".

وتوقع الباحث أن "تتفق القوى السياسية على إبقاء رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي في منصبه لمدة عام كامل أو ستة أشهر لإجراء انتخابات برلمانية جديدة تفرز نتائج غير التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة".

واستبعد أحمد أن "تشكل قوى الإطار التنسيقي الشيعي أي حكومة في المرحلة المقبلة من دون إجراء تسوية مع زعيم التيار الصدري، لذلك هم طلبوا من المرجعية الدينية في النجف التدخل بعد استقالة نواب الكتلة الصدرية".

وطالب هادي العامري، زعيم ائتلاف "الفتح" أحد تشكيلات قوى الإطار التنسيقي الشيعي، من المرجعية الدينية في النجف "التدخل"، بحسب بيان له نقلته وسائل إعلام عراقية في 14 يونيو 2022.

وقال العامري في البيان "اليوم نحن بحاجة إلى رعاية المرجعية لتقول كلمتها الفصل بشأن ما يمر به العراق من منعطفات سياسية صعبة"، محذرا من أن "أي طارئ يهدد العملية السياسية معناه وضع تأريخ كامل من التضحيات والانتصارات ودماء الشهداء على كف عفريت، وتسجيل انتكاسات تسر العدو وتؤلم الصديق".

مساران اثنان

من جهته، رأى الكاتب العراقي مهدي عبدالله التميمي في مقال نشره موقع "كتابات" في 14 يونيو، أن "طلب مقتدى الصدر من أعضاء كتلته النيابية كتابة استقالاتهم رسم ملامح مرحلة جديدة في المشهد السياسي عبر التلويح بخيار حل البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة".

وتابع التميمي أن "الصدر يؤكد أن الذهاب للمعارضة أفضل من المشاركة بحكومة توافقية من جانب.. ومن جانب آخر، تأكيد حليف الصدر (الحزب الديمقراطي الكردستاني) أن القوى السياسية الكردية والسنية المتحالفة مع الصدر ليست بصدد الدخول بأي مفاوضات مع الكتل الأخرى وقررت المضي بتحالفها مع الصدر من دون تراجع".

وأشار الكاتب إلى أن "نص المادة 64 من الدستور تشير إلى أن حل البرلمان يكون بالتصويت على ذلك من أغلبية عدد أعضائه الإجمالي (329 نائبا)، ومن خلال طلب موقع من ثلث أعضاء البرلمان (126 نائبا)".

وخلص التميمي إلى أن "المعطيات تؤكد أن استمرار حكومة تصريف الأعمال يتناسب طرديا مع استمرار الانسداد السياسي، وأن معيار بقائها مرهون ببقاء الأزمة السياسية التي تنعكس وتتشظى إلى أزمات تطحن المواطن العراقي لفترة أخرى قد تمتد إلى عام كامل ثم التوجه نحو حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة".

"طالما أن فرص الاتفاق بين (الإطار- التيار) باتت شبه معدومة لعدم وجود فسحة لقاء أو تفاهم يقضي بتنازل أحد الطرفين، والاعتراف بأحدهما بأنه الكتلة الأكبر في البرلمان" يوضح الكاتب.

من جانبه، قال المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي  خلال تصريح نقله موقع "جسور" في 13 يونيو، إن "انسحاب التيار الصدري ينهي الانسداد السياسي بالعراق، فهو يجعل الإطار التنسيقي الذي يصر على التوافقية، يشكل حكومة بعيدة عنهم".

وأضاف الدعمي، أن العملية السياسية فيها مساران فقط لا ثالث لها، إما أن يذهب التيار الصدري إلى المعارضة الشعبية ويشكل ضغطا على العملية السياسية كلها والإطار التنسيقي يشكل حكومة توافقية مع الكرد والسنة بدون التيار الصدري".

وتابع: "أو أن الإطار التنسيقي يقدم بعض التنازلات نحو تشكيل حكومة عراقية فيها أغلبية على أن يذهب قسم من الإطار إلى المعارضة وقسم يأتي مع التيار"".

وأردف: "قد يحصل التنازل من الإطار التنسيقي بأن يذهب جزء من الإطار إلى المعارضة ويأتي جزء آخر إلى التيار ما قد يجعل التيار يتراجع عن تنازله بمعنى أنه يحقق إرادته بتشكيل حكومة أغلبية".

وتوقع زعيم ائتلاف الوطنية رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، لجوء التيار الصدري إلى تحريك الشارع والخروج في تظاهرات من أجل انتزاع حقوقه، مبينا أن "زعيم التيار شعر بالحرج من عدم تشكيل الحكومة واضطر إلى الاستقالة".

وأفاد علاوي خلال مقابلة تلفزيونية في 14 يونيو/ بأن "خيارات (الكتلة الصدرية) المقبلة قد تكون اللجوء إلى الشارع، وأن الصدر شعر بالحرج من عدم تشكيل الحكومة رغم امتلاكه 73 مقعدا".