تطورات سريعة.. هكذا توسع الصين نفوذها في إقليم كردستان العراق

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

توسع صيني ملحوظ في كردستان العراق، رغم أن الأخير لم يفتتح قنصلية له في بكين بعد 7 سنوات من فتح الأخيرة لقنصلية في أربيل، وذلك أثار تساؤلات عدة عن أسباب الاهتمام المتنامي للصين الشعبية بالإقليم الكردي، والذي وصفته بأنه "منجم ذهب".

وتتنافس الصين حاليا مع إيران وتركيا، لإغراق السوق الكردي المحلي بالسلع، وكذلك تزداد أهمية الشركات الصينية أكثر فأكثر لتتفوق على نظيرتها القائمة منذ مدة طويلة، ولا سيما الغربية منها، بعد توقيع عقود في مجالات مختلفة، ولا سيما في قطاع النفط.  

منجم ذهب

الصين وسعت من علاقاتها في إقليم كردستان العراق، لتتجاوز  سوق النفط التقليدية، فقد صدرت إمدادات طبية إلى الإقليم. ووقعت شركات صينية عقودا لبناء مدارس في أرجاء العراق وأصبح تعليم اللغة الصينية شائعا على نحو متزايد في أربيل.

ووقعت وزارة الزراعة في حكومة الإقليم والمجموعة الدولية لشركة "باور تشاينا" مذكرة تفاهم لبناء أربعة سدود في أربيل.

وصرحت وزيرة الزراعة والموارد المائية في إقليم كردستان بيكرد الطالباني، في 16 مارس/آذار 2022 أن "الشركة الصينية قدمت صفقة أفضل تكبد الإقليم تكاليف أقل".

وفي عام 2020، وقعت الصين عقدا لتطوير مشروع سكني وترفيهي بقيمة خمسة مليارات دولار في مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق أطلق عليه اسم هابي ستي (المدينة السعيدة).

وأكد القنصل التجاري الصيني لي تشينغ شينغ، في الأول من سبتمبر/ أيلول 2021 أن "كردستان كانت جزءا من طريق الحرير التجاري التاريخي"، موضحا أن العراق والإقليم يمثلان جزءا من "مبادرة حزام واحد طريق واحد" الصينية التي تعرف بـ"طريق الحرير الجديد".

تستورد كردستان العراق من الصين بضائع بقيمة 2.5 مليار دولار سنويا، وزادت بكين مؤخرا حجم استثماراتها في الإقليم، حسبما كشفت شبكة "رووداو" الكردية في الأول من سبتمبر/ أيلول 2021.

ونقلت الشبكة عن القنصل التجاري لجمهورية الصين الشعبية: "في الأشهر الستة الأولى من السنة (2021)، بلغ حجم التجارة بين الصين والعراق 16.38 مليار دولار".

إذ كانت قيمة الصادرات الصينية إلى العراق 4.93 مليارات دولار، وقيمة ما استوردته منها 11.45 مليار دولار، إقليم كردستان بمثابة منجم ذهب للمستثمرين الأجانب، وفق تعبيره.

 وشهدت مدينة أربيل في 31 أغسطس/آب 2021، إقامة معرض تصوري مشترك بين فرع أربيل لاتحاد المستوردين والمصدرين في إقليم كردستان وبين تجار صينيين، شاركت فيه 188 شركة، وسلط المعرض الضوء على تطوير العلاقات التجارية بين الجانبين.

وأوضح رئيس فرع أربيل لاتحاد المستوردين والمصدرين في كردستان، كيلان حاجي سعيد، أن ظروف تفشي كورونا حالت دون إقامة معرض حقيقي بين الإقليم والصين.

وبين أنه "ستستمر إقامة معارض مشابهة عبر النت في إقليم كردستان، وسيجري العمل على تنمية التجارة بين الجانبين ويعمل اتحادهم كجسر رابط بين الجانبين".

 من جانبه، كشف مدير التجارة بوزارة التجارة والصناعة في الإقليم، نوزاد شيخ كامل، خلال المعرض أن ما بين 70 و80 شركة صينية تمارس أعمالا تجارية وتستثمر في كردستان.

وأكد أن "العلاقات بين الصين وإقليم كردستان تاريخية ولطالما قدمت حكومة الصين الشعبية مساعدات له".

علاقة أحادية

في تقرير نشره منتدى "فكرة" التابع لمعهد واشنطن في 31 مايو/ أيار 2022 قال فيه إنه في حين تتوسع الصين في المجالات كافة ضمن الإقليم، تبقى العلاقة أحادية الجانب بشكل ملحوظ.

وفتحت الصين قنصليتها العامة في أربيل عام 2014 حين كان "إقليم كردستان العراق" يحارب تنظيم الدولة. وبالنسبة إلى الصينيين، شكلت هذ الخطوة فرصة لإظهار التضامن.

وفي المقابل، وصف مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية الخطوة بأنها استغلال صيني لضعف الإقليم في وقت يبذل فيه جهوده كافة للبقاء والاستمرار".

ولكن بغض النظر عن الدافع، تكتسي العلاقات الثنائية مع بكين أهمية بالنسبة إلى النخبة الدبلوماسية في الإقليم التي تدرك أهمية عضوية الصين الدائمة في مجلس الأمن، بحسب التقرير.

ولكن بعد مرور سبع سنوات على افتتاح القنصلية العامة للصين في أربيل، لم يفتح "إقليم كردستان العراق" بعد مكتبا له في بكين. وتشرح النخبة التي تعنى باتخاذ القرارات هذا التباين بطرق مختلفة.

وفي هذه النقطة، يوضح السفير العراقي السابق لدى الصين، محمد صابر، للمنتدى أنه" بعد طلب الأكراد من بكين السماح بتمثيل سياسي كردي فيها عام 2007، أجاب المسؤولون الصينيون الرئيس العراقي وقتها جلال الطالباني، الذي طالما أعلن انتماءه للفكر الماوي، أن الإقليم يستطيع أن يفتح مكتبا تجاريا ليس إلا، مسجلا باسم شركة".

والصين لم تكن ترغب بفتح المكتب، ولكنها أرادت إنشاء قناة تواصل مع كردستان العراق، في إطار علاقة لا تقوم على الاعتراف بالإقليم.

وتنبع التحفظات الصينية إزاء الروابط الدبلوماسية الرسمية مع "كردستان العراق" من المخاوف بشأن انعكاسات الاعتراف بحكومة إقليمية ضمن دولة.

غير أن الدبلوماسيين الصينيين يروون قصة مختلفة تماما لدى سؤالهم عن هذا التباين. ففي عام 2021، قال القنصل العام الصيني لدى أربيل، ني روتشي، إن الإقليم لم يفتح مكتبا في بكين لأنه لم يقدم طلبا بهذا الخصوص. لكن السفير السابق محمد صابر أفاد بأن هذا الحديث دبلوماسي أكثر منه واقعا.

وفي حين لا تزال الصين حذرة من إقامة علاقات رسمية مع الإقليم، تسعى قنصليتها في أربيل إلى تمتين علاقتها معه من خلال قنوات غير رسمية، إذ تصب تركيزها على إقامة روابط مع الأحزاب السياسية أكثر من الحكومة.

 وتسعى الحكومة الصينية بشكل خاص إلى استقطاب كوادر الأحزاب السياسية البارزة، أمثال "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني وحركة التغيير المعروفة باسم "كۆڕان".

وبحسب مقابلات مع كبار المسؤولين الحزبيين، تجري دعوة وفدين كل سنة إلى الصين، أحدهما يضم كبار أفراد الحزب والآخر مسؤولين حزبيين من المستوى المتوسط. وفي الواقع تحيط شكوك متزايدة بوجود بكين وتوسعها في كردستان والعراق.

تطورات سريعة

وعلى الصعيد ذاته، نشر مركز دراسات الشرق الأوسط التركي في 13 فبراير/ شباط 2021 مقالا للباحث سيرجان تشاليشكان، تحدث فيه عن تعزيز الصين وجودها في العراق.

وقال إن "الصين أحد الفاعلين الرئيسين في الاقتصاد العراقي اليوم، إثر زيادة فعاليتها بعد الإعلان عن مشروع الحزام والطريق عام 2013".

وبحسب تشاليشكان، لم تتطور علاقات الصين مع حكومة إقليم كردستان بالسرعة التي تطورت بها علاقاتها مع بغداد، لذا تعود بداية العلاقات بينهما بشكل رئيس إلى افتتاح القنصلية العامة الصينية في أربيل عام 2014.

وأوضح ذلك بالقول: "فبينما كانت الصين تحقق مكاسب مالية كبيرة من خلال تسريع استثماراتها مع العلاقات الدبلوماسية التي أقامتها في الشرق الأوسط مع مشروع الطريق والحزام؛ لم تكن ترغب في التخلي عن المكاسب التي ستحققها من إقامة علاقات مع الإدارة الإقليمية في شمال العراق".

وأضاف: "من ناحية أخرى، يحمل عام 2014 معنى مهما كونه أحد الفترات التي زاد فيها تنظيم الدولة نفوذه في المنطقة؛ فرغم الدمار الهائل الذي أحدثه التنظيم وانسحاب البعثات الدبلوماسية للعديد من الدول من شمال العراق، فتحت الصين قنصلية وأعطت حكومة الإقليم رسالة مفادها أنها صديق في وقت الضيق".

ولفت الكاتب إلى أنه "رغم أن هذه الأرضية تحمل بعض الرسائل والمزايا، فإنها تتمتع أيضا بالهشاشة في العديد من النقاط المهمة".

وأشار إلى أنه "قبل كل شيء لا تميل الصين نحو أي حركة انفصالية في السياسة الخارجية، ولا شك أن هذا يرتبط ارتباطا وثيقا بسياساتها تجاه تايوان ومنطقة شينجيانغ الإيغورية المتمتعة بالحكم الذاتي (تركستان الشرقية)".

وأوضح تشاليشكان قائلا: أن "وزارة الخارجية الصينية أكدت بعد إعلان حكومة إقليم كردستان إجراء استفتاء على الاستقلال عام 2017، أنهم لا يؤيدون الخطوة وأنهم مع وحدة العراق وسلامة أراضيه، وقد تسبب هذا الموقف الواضح من الصين في بناء العلاقات الثنائية بذاكرة سلبية".

واستدرك: "لكن رغم ذلك فإن اهتمام الطرفين بمصالحهما طور من العلاقات الثنائية بشكل ملحوظ منذ عام 2014 وعزز نفوذ الصين في الإقليم، خاصة وأن العراق يملك أهمية حاسمة في مشروع الحزام والطريق، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى احتياطياته من الطاقة ومن ثم موقعه الإستراتيجي باتجاه الخليج ومضيق هرمز".

وأردف: "كما أن للعراق أهمية جيولوجية وإستراتيجية مهمة كونه يقع على خط (الحزام الاقتصادي لطريق الحرير) الذي سيربط إيران والعراق من الشرق الأوسط بأوروبا مرورا بتركيا".

لكن تشاليشكان رأى أن التأكيد على فكرة "الصديق وقت الضيق" مهم في تصوير منظور السياسة الخارجية للصين تجاه المنطقة، لأنها تحاول تعزيز وجودها كمنافس أساسي للولايات المتحدة في حكومة إقليم كردستان، بما أن الإدارة الأميركية هي الفاعل المهيمن في كل من السياسة والاقتصاد وهيكلة الأمن.

وأضاف أن "القوة المتزايدة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبشكل خاص في العراق وكردستان، ستؤدي بلا شك إلى تضارب حاد في مصالح البلدين في المستقبل، لكن علامة الاستفهام الكبيرة ستكون حول مدى إمكانية استمرار الوجود الصيني من خلال الاستثمار والقوة الناعمة فقط.

وعد الكاتب أن "تعزيز القواعد العسكرية الأميركية في كردستان ونقل سفارتها في بغداد إلى أربيل بعد مقتل القيادي الإيراني قاسم سليماني سيعزز من وجود الولايات المتحدة، التي تعد تأمينا على وجود حكومة الإقليم في المنطقة".