مصر والجزائر وتونس تعلن الدعوة لحوار سياسي.. ما سر التزامن المريب؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يحاول كل من نظام عبدالفتاح السيسي في مصر، وقيس سعيد في تونس، وعبدالمجيد تبون في الجزائر، استباق الأزمة الاقتصادية والتداعيات الخطيرة للحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي لبلدانهم.

وبالتالي فهم يسعون لامتصاص أي تشنج محتمل يُرجح استغلاله لإحياء الاحتجاج الشعبي وإعطائه نفسا جديدا قد يهز أسس الاستقرار ويهدد شرعية هذه النظم السياسية المذكورة، وفق ما تقول منصة كويد الإخبارية المغربية الناطقة بالفرنسية.

حوار سياسي 

ويوضح الكاتب بلال التاليدي أنه وبالتزامن تقريبا، أعلنت كل من مصر وتونس والجزائر عن مبادرات تدعو إلى حوار سياسي وطني على خلفية تحديات سياسية متفاوتة اعتمادا على السياقات المحددة لكل بلد.

في مصر، على سبيل المثال، أعلن السيسي بمناسبة "إفطار الأسرة المصرية" أنه أصدر تعليماته لقيادة المؤتمر القومي للشباب للتنسيق مع التيارات السياسية والحزبية والشبابية لبدء حوار سياسي في البلاد. 

كما أعلن عن إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي وتوسيع نطاق عملها، حيث سبق للسلطات السياسية أن أفرجت عن عدد معين من ناشطي حقوق الإنسان والحقوق المدنية المعتقلين. 

أما في تونس، فقد قرر قيس سعيد تشكيل لجنة تتولى إدارة الحوار الوطني للإعداد لتأسيس الجمهورية التونسية الجديدة وتجهيز دستور جديد للبلاد.   

غير أن الحالة التونسية تطرح مفارقة استبعاد الأحزاب السياسية المعارضة من هذا الحوار، بحجة مسؤوليتها عن الأزمة، وأن كسر الجمود السياسي الذي تجد البلاد نفسها فيه يتطلب قطيعة كاملة مع الأحزاب ومعها دستور 2014.

فمن وجهة نظر قيس سعيد، فإن إنشاء جمهورية بدستور جديد يتطلب شرعية جديدة ونخبا أخرى لم تشارك في المسار السياسي السابق لـ 25 يوليو/تموز 2021. 

 في الجزائر أيضا، أعلنت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، عن مبادرة "التجمع" دون أن تنسبها إلى الرئاسة.

وحددت يوم 5 يوليو، ذكرى الاستقلال، موعد انطلاق هذا المشروع الذي يهدف بحسب برقية أعلنت عنها وكالة الأنباء الجزائرية إلى "التحقيق مع الناس والأحزاب الذين لم يكونوا منسجمين مع الماضي".  

ولم تحدد وكالة الأنباء الجزائرية الأطراف المشاركة في المصالحة السياسية، وفق ما يقول الكاتب.   

هل هم نخب النظام القديم، أم أنهم بعض أجنحة السلطة المعادية لإعادة تعيين عبد المجيد تبون لولاية رئاسية جديدة، أو ما إذا كانت حركة ماك التي تطالب بالحكم الذاتي لمنطقة القبايل، أو حركة "رشاد" المقربة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المحظورة في الجزائر)، أو حتى لبعض المعارضين في الخارج؟

ويوضح الكاتب: "يثير اتخاذ هذه المبادرات المتزامنة في ثلاثة سياقات سياسية عربية مختلفة أسئلة عميقة حول التحديات المشتركة التي تواجه هذه الأنظمة".

كما يثير تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى إعداد وإطلاق هذا النوع من المبادرات، على الأقل في الجزائر ومصر، كجزء من مقاربة جزئية في سياق الاسترضاء السياسي (إطلاق سراح ناشطي حقوق الإنسان). 

ما الأسباب؟

 يعتقد البعض أن هذه الأنظمة الثلاثة تستبق الأزمة الاقتصادية والتداعيات الخطيرة للحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي لبلدانهم.

  وبالتالي تسعى لامتصاص أي تشنج محتمل يتوقع أن يجرى استغلاله لإحياء الاحتجاج الشعبي ومنحه نفساً جديداً من شأنه أن يطيح بالاستقرار ويهدد شرعية النظام السياسي.

 ومع ذلك، فإن أسباب هذه المبادرات، على الرغم من أهميتها، ليست متطابقة في السياقات الثلاثة، وفق تقييم الكاتب. 

ويوضح أنه "بالتأكيد الأمر خطير في حالة مصر المعرضة على المدى القصير لأزمة اقتصادية كبيرة وربما تداعيات مقلقة على أمنها الغذائي بسبب اعتمادها الشديد على واردات الحبوب من روسيا وأوكرانيا (ما يقرب من 80 بالمئة)". 

 الوضع مشابه إلى حد ما بالنسبة لتونس، التي تمر بفترة إفلاس اقتصادي وخضوع كامل لسياسة خطة التكيف الهيكلي التي يمليها صندوق النقد الدولي. لكن الأمر مختلف بالنسبة للجزائر.   

فبفضل ارتفاع أسعار الطاقة، حققت الجزائر مكاسب مالية غير مسبوقة خلال هذه الأشهر واحتفظت بمخزون من الحبوب مكنها من تلبية احتياجاتها حتى نهاية العام وذلك المخزون مستمر في التزايد.

تتزود الجزائر بالواردات بانتظام من الأسواق العالمية، وخاصة من فرنسا لتلبية احتياجاتها من هذه السلعة الحيوية (الحبوب).

وبالتالي، فإن الدعوة إلى الحوار السياسي في الحالة الجزائرية ليست مدفوعة بتأثير الأزمة الاقتصادية أو تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ولكنها جزء من أسباب أخرى خاصة بالألغاز السياسية الخاصة لهذا البلد، وفق الكاتب.

وأردف: "لا يتطلب الوضع في مصر الانغماس في التفاصيل، فالنظام احتكر السياسة والإعلام والخطاب العام، وقطع جميع قنوات حرية التعبير، وألقى بجميع الأصوات المعارضة (إسلاميين، يساريين، ليبراليين، ناشطين حقوقيين، فاعلين مدنيين، إلخ) في السجون".

كما أقام شرعيته على عقيدة "عبقرية الرئيس في قيادة الشعب المصري نحو النهضة" يعيش في حالة من المحدودية على مستوى الأداء الاقتصادي.  

ويوضح التاليدي بالقول: مصر السيسي الآن غير قادرة على تقديم استجابة مرضية لتوقعات الناس، حيث فشلت في الوفاء بالحد الأدنى من وعد برنامجه، وهو "تأمين خبز المصريين". 

 أمام السيسي اليوم فقط الترقب تحت ضغط سيناريوهات زمن الكارثة من خلال مبادرة سياسية، تسبقها إجراءات تبادل الثقة، وهي مبادرة تدور حول الإفراج الجزئي عن بعض المعتقلين، والوعد بمصالحة سياسية شاملة، بهدف تجنيبهم بطش النظام. 

لكن الوضع في تونس مختلف تماما، حيث يحاول قيس سعيد استكمال مراحل رؤيته السياسية التي تنبثق من تشخيص خاص به.

  وبحسب هذه الملاحظة، فإن الأزمة ستجد مصادرها في الرعيل السابق من السياسيين الذي حكموا تونس بعد الثورة التونسية وبالتالي فإن الحل سيكون في القطيعة الكاملة مع إرثهم.   

منذ ذلك الحين، كل ما تبقى لقيس سعيد هو أن يعهد إلى الحوار الوطني خطته الشخصية لتأسيس الجمهورية التونسية الجديدة من خلال وضع دستور وإنشاء نخب جديدة، وبناء مؤسسات وتأسيس مختلف لهذا النظام السياسي الذي سيكون الرئيس مركزه.

نتائج غير مؤكدة 

 تشترك المبادرات الثلاث في شكلها وبأنها لا تحدد الأطراف المعنية بالحوار.

 في الجزائر، لم تجرؤ الرئاسة حتى على أخذ زمام المبادرة خوفا من ردود الفعل العدائية والإحراج الذي قد يسببه ذلك، لدرجة أن وكالة الأنباء الجزائرية تركت فراغات ملحوظة حول دعوة السلطة للحوار، والأطراف المدعوة، وأسباب تلك المبادرة أساسا. 

 في مصر، سيلاحظ الجميع تغير نبرة السيسي تجاه الرئيس الراحل محمد مرسي. ولأول مرة في خطاب له لجأ أخيرا إلى عبارة "رحمه الله" عند ذكره إياه.

مع العلم أيضا أن وسائل الإعلام الرسمية لم تقدم أبدا التعازي بعد في وفاة مرسي. لذلك يجب تفسير الموقف الجديد على أنه مناشدة لـ "الإخوان المسلمين"، وفق تقديرها.

 الحوار الذي وعد به قيس سعيد في تونس يلفه غموض من نوع مختلف، فلا أحد يعرف شكل وطرق إدارة هذا الحوار. ولا نعرف ما إذا كانت سيكون إلكترونيا أو حول طاولة دائرة، أم أنه سيتخذ شكلا مؤسسيا، يقول الكاتب.   

كما أنه من غير الواضح من سيشارك فيه، وما إذا كان سيكون مفتوحا فقط للنخب الموالية، أو كيف سيجرى صياغة مخرجاته.

 كل شيء يوحي بأن القاسم المشترك بين المبادرات الثلاث هو وعي الأنظمة السياسية في تونس ومصر والجزائر بأزمة شرعيتها الحادة. لذلك يسعون إلى توقع الانفجار من خلال مبادرات سياسية تبرر الحفاظ على سلطتهم وتسمح لهم بإعادة بناء شرعيتهم، بحسب الكاتب.

 وأضاف: "لم يعد مؤشر الأداء السياسي والاقتصادي للأنظمة الثلاثة ذا فائدة لها واقتصر دوره على تعميق حالة الازدحام السياسي القائمة في سياق الأزمة التي تعيشها الدول الثلاث، وهذا هو سبب سعيهم لأي مبادرة للحوار، بطريقة غامضة وبدون رؤية واضحة ومحددة، لغرض وحيد هو إرساء أسس إعادة إعمار أو تجديد شرعيتهم".

 ويرى أن أزمة النظام الجزائري لا تكمن في ضعف أدائه السياسي والاقتصادي فحسب، بل أيضا في علاقة ووجودية دراماتيكية بغباء عمله الدبلوماسي.  

  فالدبلوماسية الجزائرية التي وعد بها تبون بعهد جديد من المجد، وكسر انهيارها في وجه التقدم في الدبلوماسية المغربية، أدت في النهاية إلى سلسلة من الانتكاسات على جميع الجبهات.

فلم تنجح في الحفاظ على علاقات قوية مع فرنسا وإسبانيا، ولا في تحقيق إنجازات تتماشى مع رؤيتها لقضية الصحراء الغربية، ولا في علاقاتها مع الولايات المتحدة، ولا في دورها المحتمل في الملف الليبي، ولا في ما وعدت به من وساطة بين مصر وإثيوبيا. 

 حتى البطاقة التي كان النظام الجزائري يعول عليها (تتويج كأس إفريقيا للأمم والتأهل لكأس العالم 2022)، التي كان من المفترض أن تكون بمثابة منفذ ولحظة سكر للجماهير الجزائرية، تبخرت مثل ندى الصباح لتتحول إلى ارتداد في هذيان جماعي يقول الكثير عن اكتئاب الشعب الجزائري.  

كل ما تبقى للرئيس تبون، الذي يحلم بتجديد شرعيته في منظور فترة رئاسية جديدة، هو محاولة التوفيق بين نخب النظام القديم ودوائر السلطة المتمردة لتهيئة الظروف لاستقرار سياسي غامض. 

 لذلك تعول مصر اليوم شأن تونس والجزائر وبسبب أزمة الشرعية السياسية على إرساء خريطة الحوار الوطني، يقول الموقع المغربي.  

لكنها ورقة غير موثوقة وغير آمنة لدرجة أنها يمكن أن تنقلب ضد الأنظمة القائمة، لا سيما في ظل غياب المناخ الداخلي الملائم (رفض الأحزاب السياسية المعارضة للانضمام) أو الدعم الخارجي (معارضة القوى الدولية بسبب الطبيعة الخاصة لهذه الأنظمة الثلاثة).