مجلة فرنسية: حميدتي أكثر تهورا من أي قائد آخر محتمل

12

طباعة

مشاركة

محمد حمدان دقلو؛ هو الرجل الذي يقف وراء المجازر التي يشهدها السودان، بعد أن قرر المجلس العسكري الانتقالي إنهاء الحركة الشعبية التي أسقطت الرئيس السابق عمر البشير. مجلة "أوريون 21" الفرنسية اعتبرت الرجل المعروف باسم حميدتي هو "محور القمع"، فإلى "جانب سمعته المعروفة كمجرم حرب، فإن مسار الرجل الذي أنجبه نظام عمر البشير يجعل من الممكن فهم مقاومة الحالة العميقة للتغيير".

وقالت المجلة في تقرير لها، إن قائد قوات الدعم السريع، الذي تم ترقيته إلى منصب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، قال بعد أيام فقط من إقالة عمر البشير في 11 أبريل/ نيسان 2019: "صبري مع السياسة له حدود"، مشيرة إلى أن حميدتي أصبح شخصية لا غنى عنها في المجلس الانتقالي دون حتى الانتماء إلى الجيش النظامي المؤسسي، وما حدث هو انقلاب في نظر أغلبية السودانيين؛ لأن "هذا الرجل معروف باعتباره لصا سيء السمعة ومجرم حرب".

وأضاف التقرير، مع ميليشياته، أصبح حميدتي المزود الرئيسي لانفتاح النظام على العالم مع إدارة قضية الهجرة ومراقبة الحدود، ومع الرئيس الحالي للمجلس الانتقالي، الجنرال عبدالفتاح برهان، كان أيضا هو المشجع على مشاركة كتيبة سودانية في التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية منذ عام 2015.

"رجل الموقف"

واعتبرت المجلة أن حميدتي حصل على شكل من أشكال الشرعية الدولية من خلال لقائه منتصف أبريل/ نيسان أمام الكاميرات، مع ممثل الاتحاد الأوروبي جان ميشيل دوموند، وسفراء كل من فرنسا والمملكة المتحدة وهولندا، وممثلي الدبلوماسية الأمريكية، كما أنه زار السعودية في 24 مايو/ أيار 2019، والتقى بولي العهد محمد بن سلمان، حتى عزز شخصيته كـ"رجل الموقف".

وقد جسّد حميدتي تدريجيا السلطة "التنفيذية" في الخرطوم، بحسب التقرير، من خلال وجوده على جميع الجبهات، والمشاركة في جميع القرارات، ومضاعفة الظهور والتصريحات. وقد خرج خلال مشاركته في اجتماع وزاري -بعد إطلاق سراح مائة سجين بعد زيارة رسمية إلى سجن كوبر- ليهدد المتظاهرين وتجمع المهنيين إذا ما استمر الإضراب العام في 28 و 29 مايو/ أيار، الذي كان الملاذ الأخير لهم بعد فشل المفاوضات مع المجلس العسكري.

وظهر حميدتي وهو يمنع الصحفيين المحتجين من الوصول إلى مقر التلفزيون الوطني بمساعدة قواته، وإلقاء المحاضرات على الشرطة، وتحذير السودانيين من بعض المنظمات غير الحكومية التي من شأنها أن تحرض على الفوضى في الخرطوم ، على غرار ما حدث في دارفور.

تسلق القمة

وأفادت "أوريون 21" أنه لم تكن إشارات إلى هذا الصعود المذهل، الذي جعل حمدان نائبًا لرئيس المجلس العسكري، وكان المنحدر من قبيلة الرزيقات قد بدأ كتاجر ماشية ومراقب على القوافل التجارية بين غرب السودان وتشاد وشرق ليبيا، بحسب المجلة.

وتابعت، ابتداء من عام 2010 فرض نفسه تدريجيا كبديل عن رجل دارفور السابق القوي في الحرب، ابن عمه من بعيد موسى هلال. وبعد الإطاحة بهذا الزعيم السابق للجنجويد ومستشار الرئيس عمر البشير وقائد حرس الحدود في أعقاب تطهير داخلي حل حميدتي مكانه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017.

وأصبح حميدتي بعد ذلك، المجند الجديد المسؤول عن قوات الدعم السريع، وهي قوة تشكلت من الجنجويد، وتم الاعتراف بها كقوة وطنية منذ أغسطس/آب 2013 تحت رعاية جهاز المخابرات والأمن الوطني. ظل وضع القيادة والسيطرة في قوات الدعم السريع مشوشا نسبيًا، وأصبحت هذه الميليشيا القوة الأولى في البلاد، لقد تجاوزت صلاحياتهم بالتأكيد صلاحيات الجيش عندما عززت قوات الدعم السريع بفضل القانون المتسرع والمتنازع عليه الصادر في يناير/ كانون الثاني 2017 الذي صوّت عليه البرلمان.

وبيّنت المجلة أنه في بضع سنوات، أصبح حميدتي جنرالا وحصل على أدوار لا حصر لها داخل نظام البشير، لقد فرض نفسه بالأسلحة من خلال السيطرة الوحشية على دارفور، ومخيمات المشردين داخلياً، وكذلك مواقع مثل جبل مرة أو غيرها بقبضة العنف، وفرض نفسه كأول حارس حدود في الشرق في المنطقة المتاخمة لإريتريا وإثيوبيا، وأيضًا في الغرب، على الحدود مع ليبيا وتشاد.

كما روّج للمشاركة في الحرب اليمنية إلى جانب السعودية والإمارات وكان عليه أن يواجه التمرد داخل قواته المرسلة إلى هناك، كما أصبح قطب شركة تعمل في مناجم الذهب في جبل أمير في شمال دارفور، مما سمح له بزيادة قوة قواته.

وفي مقابلة أُجريت معه في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2016 من أم الجورة في جنوب دارفور، صرح: "لقد توليت أنا وقواتي جميع الأدوار، حتى أدوار الشرطة والجيش والإدارة المحلية أيضًا. لقد قمنا بالكثير، من الأمن إلى الإصلاح، إلى التنمية...".

وجه الانتقال

وذكرت المجلة أنه بالنسبة لبعض مراقبي المشهد السياسي، فإن حميدتي يمثل نوعًا من الصمامات بين الجيش النظامي والقوات شبه العسكرية للنظام ومختلف الاتجاهات الإسلامية داخل الدولة، وإذا تم الكشف عن كبار ضباط الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى في الدولة، منذ الحرب في دارفور (2003)، بشأن قائمة المسؤولين عن جرائم الحرب من قبل العدالة الدولية، فإن حميدتي سيكون مسؤولا.

وأكدت أن هذا الرجل تمكن من تجسيد ما نجح الرئيس المخلوع عمر البشير في تحقيقه بشكل أفضل: قدرة دائمة على اللعب مع التناقضات. وقد شكّل البشير قوات الدعم السريع كقوة موازية للجيش النظامي أو القوات المساعدة لحزبه أو جماعات أخرى وعندما تم خلعه، أصبح حميدتي هو وجه المرحلة الانتقالية.

قواته موجودة الآن على نطاق واسع في ضواحي المدينة وكذلك أمام مقر الجيش حيث اعتصام المحتجين، ويقدّر عدد رجاله المتمركزين في الخرطوم بين 5 آلاف و7 آلاف رجل، ويقال إنه يقوم بتجنيد أشخاص جدد، ولا سيما في شرق البلاد.

ونوّه التقرير بأن حميدتي  خلال الفترة الماضية ظهرت مساعيه لاستعادة السيطرة على الخرطوم ورغبته الاستبدادية هذه كانت واضحة فيما أسماه بعض المحتجين "حرب المتاريس"، التي أصبحت قضية محورية في الخلاف خلال الأسابيع الأخيرة، حتى في صفوف المحتجين، وأن فجر 3 يونيو/ حزيران يمثل بداية هجوم إرهابي ضد الثورة وحركة سلمية تدعو إلى تسليم السلطة للمدنيين.

وذكرت "أوريون 21" أن حميدتي ليس لديه قاعدة سياسية -ناهيك عن وجود قاعدة مدنية- لكنه يحاول تعويض ذلك بمشروع "الهبوط اللين"، وهو الحصول على توافق في الآراء لضمان الحصول على دعم أحزاب المعارضة وبعض الحركات المسلحة، وهو الحل الذي تفضله العديد من القوى الدولية والإقليمية.

وربما يكون هذا الجنرال لا يسيطر على أقوى قوة في الخرطوم ولا يمكنه احتلال العاصمة بالقوة لأنه يحكم هوامش البلاد، لكنه أكثر تهورًا من أي قائد محتمل آخر، إذ يمكن أن يتجاوز الكوادر العسكرية وغيرها من الأجهزة الأمنية لجعل السودان دولة أمنية بامتياز، في ظل الرئيس السابق لجهاز الأمن والمخابرات، صلاح جوش، بحسب التقرير.

وتساءلت المجلة؛ هل سيتم قبول حميدتي كشريك خلال السنوات الثلاث المقبلة في انتظار الانتخابات؟ هل سيتم تمثيله في المجلس الوطني، الذي لا يزال موضع خلاف بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير (وحتى داخل القوى المدنية)؟

وخلصت "أوريون 21 " في نهاية التقرير إلى أنه في جميع الحالات، يمثل حميدتي تهديدًا، حتى لو كان الجيش لا يزال في السلطة، إذ "يمكن أن يتحول إلى فرانكشتاين أو إله النار الجديد -في إشارة إلى رواية كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي- الذي لن يدمر فقط آمال السودان الجديد، بل سينقلب ضد أولئك الذين كانوا سببا في وجوده ويحتكر السلطة".