مع توتر علاقتها بروسيا.. إسرائيل تصعد ضرباتها ضد إيران في سوريا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تسارعت خطوات إسرائيل لتدمير ترسانة إيران من الأسلحة النوعية في سوريا بعد اتخاذ طهران المناطق القريبة من الحدود السورية اللبنانية معقلا لتخزين معدات عسكرية تشمل دفاعات جوية وطيرانا مسيرا.

وبرز منذ فبراير/شباط 2022 اتجاه تل أبيب إلى تكثيف قصفها على مواقع باتت تشكل مستودعات كبرى لتخزين الأسلحة الإيرانية القادمة إلى سوريا عبر مطار دمشق الدولي، الذي تدير طهران قسما فيه ولها مدرج خاص لطائراتها.

ضرب المخازن

وفي أحدث الشواهد، شن الطيران الإسرائيلي غارات جوية منتصف أبريل/نيسان 2022 على مواقع في الأطراف الشمالية لمدينة قطنا، وبلدة رخلة بريف دمشق الغربي القريبة من شرق الحدود السورية اللبنانية.

ولاحقا اتضح أن الموقع المستهدف اتخذته إيران في وقت سابق لتصنيع وتطوير الطائرات المسيرة، ويشرف عليه "حزب الله" اللبناني بشكل كامل، بحسب ما أكد "تجمع أحرار حوران" المعارض.

 واتبعت إيران تكتيكا عسكريا في نقل الطائرات المسيرة إلى عدة مواقع في ريف دمشق ومحيط مطار دمشق الدولي على عدة دفعات، ليجرى إعادة تركيبها وتطوير أنظمتها في الداخل السوري بهدف شن عمليات ضد مواقع المعارضة أو لاستخدامها في عمليات تهريب مخدرات خارج سوريا.

وبحسب التجمع فإن إيران لم تعد تنقل الكثير من الأسلحة إلى الداخل اللبناني بعدما باتت الحدود الباحة الخلفية لحزب الله اللبناني.

ويؤكد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أن مستودعات رخلة التي نالها قصف إسرائيل تضم صواريخ ومنظومة تشويش ورادار إنذار مبكر، وهي تابعة للحرس الثوري الإيراني وجرى نقلها من مطار دمشق الدولي قبل القصف بـ 24 ساعة تقريبا.

وتدير إيران حاليا عمليات نقل الأسلحة عبر مطار دمشق من خلال المدرج الشمالي، وفيه تهبط طائرات الشحن العسكرية الإيرانية، المحملة بأطنان من الأسلحة والذخائر.

والمدرج الشمالي في مطار دمشق يعتبر قديما نسبيا، وآخر عملية صيانة أجريت له كانت قبل نحو ثماني سنوات، وهو الآن يعمل بشكل مكثف لاستقبال الرحلات القادمة من العراق، وأخرى قادمة من طهران، تحمل بعضها وفودا من الزوار الشيعة.

ويستخدم الحرس الثوري الإيراني المدرج الجنوبي في مطار دمشق بشكل منفرد، وتعرض لقصف إسرائيلي منتصف ديسمبر/كانون الأول 2021، بثلاثة صواريخ من نوع "أرض- أرض"، وخرج عن الخدمة ما دفع طهران إلى جلب مجموعة من المهندسين الإيرانيين التابعين لوزارتي النقل والدفاع للإشراف على عملية إصلاحه.

رسالة إسرائيلية

ركزت إسرائيل عمليات القصف على مواقع إيرانية ذات طابع إستراتيجي، تهدف إلى مد منظومة متقدمة للدفاع الجوي على الحدود السورية اللبنانية بما يتقاطع مع معادلة تعزيز القوة العسكرية بالقرب من إسرائيل.

وأكدت شبكة "صوت العاصمة" أن الطائرات الإسرائيلية استهدفت بطارية دفاع جوي قرب مقر قيادة الفرقة الأولى في محيط مدينة الكسوة، في 24 فبراير 2022 لتستأنف عملياتها بغارتين على شحنة أسلحة إيرانية كانت قد وصلت إلى مطار دمشق.

ويرى مراقبون عسكريون أن الضربة على رخلة أعطت رسالة إسرائيلية مبدئية حول منع إيران من التمركز في نقاط جديدة مستغلة تخفيف روسيا لقواتها في سوريا عبر نقلها لمعركتها الجديدة في أوكرانيا.

وفي واحدة من أقوى الإدانات الروسية للعمليات الإسرائيلية، حذر السفير الروسي في سوريا ألكسندر إيفيموف في 24 مارس/آذار 2022 من أن تلك الضربات "تستفز" موسكو للرد.

واعتبر أن الضربات الإسرائيلية تهدف إلى "تصعيد التوترات والسماح للغرب بتنفيذ أنشطة عسكرية في سوريا".

وعقب ذلك، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، أن على إسرائيل أن "توازن بين مصالحها الأمنية في سوريا المنسقة مع روسيا، والتزامها الأخلاقي تجاه أوكرانيا" وسط الغزو الروسي.

وكثيرا ما صمتت روسيا عن الضربات الإسرائيلية على مواقع المليشيات الإيرانية، رغم تأكيد موسكو معارضتها تحول سوريا إلى ساحة مواجهة بين دول ثالثة، كما أنها تعارض "استخدام الأراضي السورية ضد إسرائيل أو أي جهة أخرى".

شل الدفاعات الجوية

وتؤكد صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية في تقرير نشرته في 29 مارس، أن كلا من روسيا وإيران نشرتا أنظمة دفاع جوي متطورة في دمشق بما في ذلك S-300 و S-400، مما يجعل سوريا الدولة الأكثر دفاعات جوية في العالم.

ويعد نشر البطاريات الإيرانية في سوريا محاولة لاعتراض المزيد من الذخائر الإسرائيلية أكثر من ذي قبل؛ مما أدى إلى تغيير سلاح الجو الإسرائيلي في طريقة عمله أثناء القصف.

ويتأتى ذلك من خلال وجود تشكيلات أكبر، بحيث يمكن ضرب المزيد من الأهداف في وقت واحد بدلا من عودة الطائرات إلى نفس الهدف والمخاطرة بتعرضها للإسقاط كما حدث عام 2018 حينما تحطمت طائرة إسرائيلية من طراز إف 16 بعد أن أصيبت بصاروخ SA-5 أطلقته دفاعات النظام السوري الجوية.

وتزايد التهديد الذي تشكله الطائرات بدون طيار بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، وقد صنفتها القوات الجوية الإسرائيلية كواحدة من أكبر خمسة تهديدات تواجهها، بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار.

ويعتقد أن حزب الله، وكيل إيران، لديه حوالي 2000 طائرة بدون طيار.

وبحسب الصحيفة فإن سلاح الجو الإسرائيلي ضرب على مدى السنوات الخمس الماضية، 1200 هدف بأكثر من 5500 ذخيرة خلال 408 مهام، بهدف منع إيران من الترسخ على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة وتهريب أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان.

أما في عام 2021 وحده فقد جرى تنفيذ عشرات العمليات الجوية، باستخدام 586 ذخيرة ضد 174 هدفا. بالإضافة إلى ذلك جرى إطلاق 239 صاروخا مضادا للطائرات تجاه الطائرات الإسرائيلية.

ومنذ عام 2018، كان هناك ما لا يقل عن خمس محاولات تسلل بطائرات بدون طيار من قبل إيران أحبطها سلاح الجو الإسرائيلي، وجرى إسقاطها من قبل "القبة الحديدية" وطائرات هليكوبتر أباتشي وإف 35.

أسطول المسيرات

وفي هذا الإطار يؤكد خبراء عسكريون، أن نوعية القصف الإسرائيلي على مواقع إيرانية بسوريا، يدلل على الرسالة الواضحة لطهران وأن تسلمها مواقع روسية انسحبت منها موسكو عقب غزوها لأوكرانيا فجر 24 فبراير تقع ضمن بنك أهداف تل أبيب.

وبينوا أنه ربما تضطر إسرائيل لزيادة وتيرة الهجمات في ظل سياسة السماء المفتوحة التي ما تزال تمنحها موسكو إياها.

ولهذا تدرك إسرائيل وفق مراقبين عسكريين تحدثوا لـ "الاستقلال"، أن إيران ما تزال تسير في بناء أسطول من الطائرات بدون طيار في سوريا، بما تمتلكه من باع طويل في هذا المجال منذ عام 1984.

ويضيف هؤلاء أن طهران رغم امتلاكها لمدى كبير يزيد عن ثلاثة آلاف كيلومتر للطائرات المسيرة، فإن لديها قدرات تطوير وتشغيلية متقدمة للغاية، مما يشكل تحديا لسلاح الجو الإسرائيلي.

كما أن المليشيات الإيرانية داخل سوريا جرى تزويدها من قبل طهران بالطائرات المسيرة والتي تستخدم المطارات السورية منطلقا لها كمطار الضمير بريف دمشق والشعيرات بريف حمص.

وسبق أن أكد قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء حسين سلامي، أن "إيران أصبحت لديها طائرات مسيرة يبلغ مداها 7000 كيلو متر"، وفق ما نقلت عنه وكالة تسنيم الإيرانية في 27 يونيو/ حزيران 2021.

وأوضحت الوكالة أن الطائرة قادرة على "حمل 13 قنبلة والتحليق على ارتفاع يزيد عن 10 آلاف متر بسرعة 350 كلم/س طوال 20 ساعة".

وتسعى إيران لاستكمال ترسيخ وجودها العسكري على الأراضي السورية، لاسيما وهي تمتلك نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة عام 2012.

ولذا فإن أكثر ما يقلق إسرائيل هو توريد إيران الأسلحة إلى سوريا، وهذا ما يجعل تل أبيب تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفه بمحاولات طهران الرامية إلى ترسيخ وجودها العسكري في هذا البلد.

وتتحرك إيران في سوريا ضمن جهود ضخمة لضمان وجود دائم لها هناك، وهذا ما يفسره تركيزها على إنشاء طرق برية وبحرية رغم فشلها في ذلك وفق كثير من المراقبين العسكريين.

فضلا عن تشكيل القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية في سوريا خلال السنوات الماضية اللاعب الأكبر في تعطيل هذا الطريق الملتوي إلى حلفائها في دمشق وبيروت.

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وصل إلى دمشق في 23 مارس 2022، والتقى رئيس النظام بشار الأسد، في زيارة هي الثالثة له منذ توليه منصبه قبل سبعة أشهر.

وبحسب مركز "جسور"، فإن زيارة عبد اللهيان لدمشق تحمل دلالات أخرى من حيث التوقيت، كالرغبة في توسيع دور إيران في سوريا على حساب روسيا؛ التي في حال طال صراعها مع أوكرانيا قد تكون غير قادرة على توفير دعم مستمر للنظام، وهو ما يعني فرصة لإيران لتقديم البدائل.