نقطة اللاعودة.. صحيفة إيطالية: هكذا تؤثر حرب أوكرانيا على السويد وفنلندا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رأت صحيفة إيطالية أن حياد السياسة الخارجية للسويد وفنلندا له جذور بعيدة وماض مشترك، جرت المحافظة عليه خلال الحرب الباردة، لكن لفهمه من الضروري مراقبة علاقتيهما مع جارتهم الروسية وبقية الدول الغربية. 

واعتبرت "إيل كافي جيوبوليتيكو" أن "الماضي والموقع الجغرافي للبلدين يثيران مخاوف مختلفة فيما يتعلق بعلاقتهما مع روسيا ومع حلف الشمال الأطلسي- الناتو".

 لذلك قد يكون الغزو الأخير الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022، بمثابة المسمار الأخير في نعش الحياد بالنسبة للبلدين الإسكندنافيين.

حياد ومخاوف

أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن الحياد ظل الموقف الرئيس لسياسة الأمن القومي السويدية لمدة قرنين على الأقل.

وقد بررته عوامل إستراتيجية للسياسة العسكرية مثل الموقع الجغرافي المتميز (شبه جزيرة تحدها النرويج وفنلندا من الشمال، وبحر البلطيق من الجنوب).

 وكذلك التقليل إلى أدنى حد ممكن من مخاطر الدخول في نزاعات على الأراضي الأجنبية، وأيضا التعاون الدولي الذي يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية فضلا عن الإرادة في الحفاظ على السيادة الكاملة بمسائل الإنفاق والتدخل العسكريين. 

كما حرصت المشاعر الديمقراطية القوية للشعب السويدي والطبقة الحاكمة بشكل منهجي على اتباع نهج براغماتي للسياسة الخارجية وعدم الالتزام بوضوح بأي من الأيديولوجيات التي اصطدمت ببعضها خلال الحرب الباردة والسير في طريق ثالث بديل للقطب الثنائي، وفق تحليل الصحيفة.

من ناحية أخرى، على الرغم من أن فنلندا ورثت العديد من ممارساتها السياسية من الحكم السويدي الطويل (بما في ذلك الحياد في السياسة الخارجية)، فإنها تتمتع أيضا بتاريخ حديث مرتبط ارتباطا وثيقا بروسيا.

إذ كانت دوقية (​​أراض أو إقطاعية أو منطقة نفوذ) في روسيا في آخر قرون الإمبراطورية قبل أن يعترف البلاشفة باستقلالها.

وعلى إثر سقوط الاتحاد السوفييتي قررت السويد وفنلندا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي (1995) والقطع مع سياسة الحياد الصارمة وعدم الانحياز المطبقة حتى ذلك الحين، تذكر الصحيفة الإيطالية.

ولفتت إلى أن الحروب الأخيرة التي شنتها روسيا في جورجيا (2008) وشبه جزيرة القرم (2014)، أيقظت في البلدين المخاوف من غزو  قد يأتي من الشرق، والذي أعقبه البحث عن شراكة أوثق مع الناتو وذلك على إثر انخراطها في برنامج الشراكة من أجل السلام عام 1994.

في فنلندا، يبدو أن الطبقة السائدة تظل حذرة في تأكيد رغبة ملموسة في الانضمام إلى عضوية الناتو خصوصا أن هذا النهج لا يفضله الرأي العام على الرغم من الخوف الذي تسبب في إثارته غزو أوكرانيا، تلاحظ الصحيفة.

لكن في السويد، لا تزال أحزاب التمثيل البرلماني الثمانية منقسمة بشدة حول هذه المسألة. 

تدعم الكتلة اليمينية (أربعة أحزاب) انضمام السويد إلى الناتو، بينما تظل الأحزاب اليسارية الثلاثة (الديمقراطيون الاشتراكيون، وحزب الخضر، وحزب اليسار) معارضة.

بينما يطلب القطب الثالث القومي المتطرف للديمقراطيين السويديين أن يحسم الشعب هذه المسألة عبر إجراء استفتاء.

علاوة على ذلك، يبدو أن الانقسام الأيديولوجي في البرلمان يمثل بشكل جيد الرأي العام السويدي.

من جانبها، لم تفعل روسيا الكثير لجعل جيرانها الإسكندنافيين يشعرون بالأمان من سياستها الخارجية العدوانية المتزايدة، وفق قول الصحيفة الإيطالية. 

وذكرت أنه في السنوات العشر الماضية، تضاعفت التجاوزات والانتهاكات للقوانين الدولية والحدود الإقليمية حول بحر البلطيق وحتى داخل السويد، على غرار تحليق الطائرات بدون طيار أخيرا فوق أماكن حيوية في البلاد والتي ألقت السويد باللوم فيها على الروس.

نقطة اللاعودة؟

ترجح الصحيفة احتمال أن ينهي "الغزو الروسي المقلق لأوكرانيا الحياد الراسخ للسويد وفنلندا خصوصا وأن كلتيهما تعرضتا لانتقادات شديدة القسوة في الآونة الأخيرة، على لسان مديرة دائرة الإعلام والصحافة في وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاكاروفا".

صرحت زاكاروفا أنه "من غير المقبول أن تُحاط روسيا بدول الناتو في بحر البلطيق، وأن السويد أثبتت بالفعل عدم موثوقيتها في حيادها المعلن".

علاوة على ذلك، فإن مصداقية السويد كدولة تتجنب الحرب باتت موضع تشكيك في عدة مناسبات أخيرا، تضيف الصحيفة الإيطالية.

وأشارت في هذا الصدد إلى إعادة استضافة القواعد والتدريبات العسكرية في جوتلاند (أكبر جزيرة في بحر البلطيق، الأراضي السويدية)، وعودة التجنيد الإجباري (بعد سنوات قليلة فقط من الإلغاء).

هذا فضلا عن زيادة الإنفاق العسكري بنسبة 40 بالمئة في الخمس سنوات خلال الفترة 2020-2025.

وعلى الرغم من ذلك، أعلنت السويد مطلع مارس/آذار 2022، أنها لا تريد إنهاء برنامج المساعدات الاقتصادية لصالح روسيا الذي ولد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

ويتضمن البرنامج دفع نحو 80 مليون كرون سويدي سنويا (حوالي 8 ملايين يورو) بين عامي 2020 و2024، تفيد الصحيفة.

ونوهت بالقول "في العلاقة الغريبة بين روسيا والسويد، يجب التأكيد على ميزة الموقع التي تتمتع بها الأخيرة على فنلندا، والتي على العكس من ذلك، لا تستطيع تحمل الغموض تجاه جيرانها الروس".

 يشترك البلدان في أكثر من 1300 كيلو متر من الحدود والعلاقات الاقتصادية المترابطة (روسيا هي رابع أكبر مستورد للمنتجات الفنلندية، بينما تشتري فنلندا حوالي 60 بالمئة من طاقتها من المصادر الروسية). 

علاوة على ذلك، 1.3 بالمئة من المواطنين الفنلنديين ذوو أصول روسية أو لديهم جنسية مزدوجة، وقد اشتكوا لعقود من المعاناة من التحيز الشديد من بقية المجتمع الفنلندي.

لذلك، ترى الصحيفة أن الأسباب التاريخية والعرقية والجغرافية وغيرها من الأسباب، تبقي فنلندا في موقف أكثر حذرا للغاية من السويد في تقربها من حلف الناتو وفي التصريحات السياسية المتعلقة به.

لكن الدولة مع ذلك أعربت عن نيتها مقاطعة مسابقة الأغنية الأوروبية لعام 2022 إذا سُمح لروسيا بالمنافسة.

في نهاية فبراير/شباط، جرى الترحيب بحرارة بالبلدين على طاولة مباحثات الناتو ولا يبدو أن لديهما أي نية للتنصل من مزيد من المشاركة مع الحلف، وفق تعبير إيل كافي جيوبوليتيكو. 

وترجح أن تكون نيتهما استخدام هذا التعاون كرافعة لمشاركة أوسع في توزيع واستقبال اللاجئين الأوكرانيين المتجهين الآن غربا خصوصا وأن الدول الاسكندنافية قد تأثرت بشدة بسبب الافتقار إلى آلية التضامن الأوروبي في مواجهة مشكلة مماثلة في عام 2015، نتيجة اندلاع الثورات العربية.

في الختام، ترى الصحيفة أن الشيء الوحيد المؤكد حتى الآن هو أن السويد وفنلندا ستسيران معا في نفس المسار كما فعلتا في التسعينيات فيما يتعلق بقرار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي من عدمه.