التنفيذ بالأمر المباشر.. كيف تهيمن قيادات العسكر على المشروعات بمصر؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

المشروع: محور روض الفرج أو جسر "تحيا مصر" بمحافظة القاهرة
صاحب العمل: الهيئة الهندسية للقوات المسلحة "إدارة المهندسين العسكريين
استشارى المشروع: محرم - باخوم المهندسون الاستشاريون العرب ACE
المقاول: شركة المقاولون العرب
موعد الافتتاح: 15 مايو/ آيار 2019
الأجواء: احتفالية فلكلورية
وسائل إعلام النظام: المحور إنجاز تاريخي

المشروع الذي هللت له كل مؤسسات الدولة تقريبا ووسائل إعلام النظام واعتبروه إنجازا تاريخيا لا يقل أهمية عن قناة السويس والسد العالي هو عبارة عن كوبري يربط ميدان الخلفاوي بشبرا (شرق) ويمتد للجهة المقابلة من النيل بجزيرة الوراق (غرب)، لكنه، وحسب إعلامهم، يعد الأعرض في العالم بـ 66.8 مترا، ويتضمن 6 مسارات مرورية في كلا الاتجاهين، ويمتد على طول 540 مترا، ويربط شرق العاصمة بغربها.

حسب الموقع الرسمي للشركة المنفذة للمشروع "المقاولون العرب"، فإن محور روض الفرج يعد أحد أهم مشروعات الشبكة القومية للطرق لنقل الكثافات المرورية القادمة من شرق القاهرة إلى طريق الإسكندرية الصحراوى ومحافظة مطروح والعلمين (غرب) دون المرور بقلب القاهرة.

يبدأ المشروع من ترعة الاسماعيلية مروراً بمنطقة شبرا المظلات وحتى غرب الطريق الدائرى فى اتجاه طريق الإسكندرية الصحراوى ك 39 مروراً بنهر النيل، ويشمل 6 منازل ومطالع بمنطقة المظلات و8 مطالع ومنازل بالدائرى وكوبرى النيل الغربى يبلغ طوله حوالى 400 متر وعرضه 50 مترا وارتفاعه 14 متراً من سطح الماء وعرض الفتحة الملاحية 120 متراً مما يسمح بمرور الفنادق العائمة.

كوبرى النيل الشرقي يعد الكوبرى الملجم المار أعلى النيل أكبر كوبرى معلق على مستوى العالم، من حيث الاتساع بعرض 64 مترا في المنتصف، وسوف يسجل في موسوعة جينس حيث يضم الكوبري أكبر فتحة ملاحية عبر نهر النيل حيث يصل عرض الفتحة الملاحية إلى 300 متر وارتفاع الأعمدة إلى 100 متر ويتحمل الكوبرى أوزاناً ثقيلة تصل إلى 120 طنا، حسب الموقع الرسمي للشركة.

رسوم فادحة

الشركة الوطنية للطرق، التابعة للقوات المسلحة المصرية، فرضت ضريبة للمرور من محور روض الفرج، حسب مراقبين، غير منطقية، في ظل الحالة الاقتصادية المتردية المسيطرة على طبقات مختلفة من الشعب المصري.

الشركة حددت رسوم عبور الكوبري بتعريفة وصلت ذهابا فقط إلى 20 جنيها لمرور السيارة الخاصة (ملاكي)، و10 جنيهات لسيارة الأجرة (ميكروباص)، و20 جنيها للحافلة، و30 جنيها للنقل الثقيل (مقطورة/تريلا)، و25 جنيها للنقل الفردي، و15 جنيها "للميني باص"، و10 جنيهات للسيارات ربع النقل، و5 جنيهات للدراجة البخارية.

ثم أكدت الشركة الوطنية أنه يمكن للمواطنين عمل اشتراكات مخفضة لعبور الكوبري بقيمة 200 جنيه للسيارة "الملاكي" شهريا.

أما حصيلة رسوم عبور الكوبري سوف يتم تحويلها إلى صندوق خاص بالشركة التابعة لوزارة الدفاع، بعيدا عن خزانة الدولة الحكومية، في دأب ليس جديد على سياسة عبد الفتاح السيسي، ورغم تحمل الموازنة العامة تكاليف الإنشاء، على غرار جميع الطرق والكباري الجديدة، التي تمول من أموال دافعي الضرائب من الشعب، لكن حصيلتها تذهب إلى حسابات الجيش.

مشروع قديم

الطريف في موضوع المحور "الخارق" أنه ليس من بناة أفكار الجنرال، بل سبق ورفض المجلس العسكري إنشاءه عام 2011، عقب طرحه للمناقصة أواخر عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

المهندس ممدوح حمزة، السياسي المصري والخبير العالمي، هاجم البذخ في إنشاء المحور وقال في حسابه على "تويتر"، "محور روض الفرج من أيام حسب الله الكفراوي (وزير الإسكان الأسبق) وطرح الكوبري في مناقصة تصميم وتنفيذ عام 2010 وتم إلغاء المناقصة أيام حكم المجلس العسكري عام 2011.

حمزة أكد: "هذا الكوبري أنا صممته عام 2010 ولَم يحتاج أن يكون ملجم ولا محتاج 6 حارات لكل جهة، وكان يمكن تنفيذه بأقل من نصف التكلفة والمجلس العسكري الحاكم أوقف المشروع عام 2011".

وأضاف: "لا يوجد كوبري على النيل يحتاج أن يكون كوبري ملجم عالي التكلفة وبه جزء كبير استيراد.. كباري قصر النيل والجامعة وروض الفرج وسكة حديد الثقيل إمبابة والجيزة وأكتوبر: كباري دي ولا كفته؟ لا ملجم ولا معلق ولا مواد مستوردة".

وتساءل حمزة عن جدوى عمل كوبري معلق في ممر مائي غير ملاحي من الأساس قائلا "فتحة الملاحة لكوبري روض الفرج محكومة بفتحات الملاحة للكباري الواقعة قبله وبعده ومحكومة أيضا بالأهوسة في القناطر الخيرية وترعة الإسماعيلية وعموما لا توجد أهوسة تمرر مركبا نيليا أعرض من 16 أو 20 مترا واحدة رايحة وواحدة جاية ومسافة أمان، إذا أكبر فتحة 50 مترا أعملها 300 ليه؟؟"

انهيار الجسور

في أغسطس/ آب 2015 أعلن عبد الفتاح السيسي، إطلاق "المشروع القومي للطرق"، وتحدث عن وجود خطة إنشاء طرق جديدة بأطوال 3300 كم، منها 1300 كم تنفذها الهيئة العامة للطرق والكباري، و1200 كم تحت إشراف القوات المسلحة و800 كم تحت إشراف وزارة الإسكان.

السيسي صرح في 23 مايو/ آيار 2014، قائلا "هعملك شبكة طرق في خلال سنة تمسك مصر كده"، لكن بعض المشروعات التي تم الانتهاء منها باحتفالات ودعاية كبرى من الآلة الإعلامية للنظام، شهدت انهيارات مفاجئة عقب افتتاحها بأشهر وجيزة، لعوامل فنية وبيئية مختلفة.

هذه المشروعات "القومية" المنهارة، تم إسناد بعضها في التنفيذ إلى القوات المسلحة، من بينها انهيار جزء من مشروع القوس الغربي من الطريق الدائري الإقليمي، وسقوط كوبري علوي تحت التأسيس، عند كمين الروس بمنطقة كوم أبوراضي، وانهيار كوبري المشاة أمام سوق العبور بالقاهرة، وانهيار جزء من كوبري المنيل على طريق المنصورة/ جمصة (شمال)، وانهيار جزئي بكوبري الجامعة الجديد بمحافظة سوهاج (جنوب)، وذلك عقب افتتاحه لمرور السيارات.

أذرع الجيش

ثلاث مؤسسات متخصصة تابعة للقوات المسلحة، تكاد تهيمن على المشاريع الاقتصادية الكبرى في البلاد، ومن خلالها يهيمن الجيش على مجريات الحياة العامة، وتوفير معظم الحاجات الأساسية في البلاد، وتتمثل تلك المؤسسات في:

  1. الهيئة العربية للتصنيع

أنشئت في العام 1975، وكان الهدف الأول منها إنتاج وتطوير الصناعات العسكرية الدفاعية، ومع الوقت وجهت قدراتها في دعم مشاريع التنمية المجتمعية، والنقل وحماية البيئة، بالإضافة إلى مجالات البنية التحتية.

  1. الهيئة القومية للإنتاج الحربي

تتولى وزارة الإنتاج الحربي إدارة الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وتدير الهيئة أكثر من 15 مصنعا ينتج الأسلحة والذخيرة العسكرية، إضافة إلى بعض السلع مثل التلفزيونات والأجهزة الإلكترونية و الرياضية.

بينما هناك أيضا قائمة من المشاريع القومية ينخرط الجيش في تنفيذها، وتشمل هذه المشاريع بناء الطرق والجسور والموانئ، وترميم المستشفيات والمدارس ومراكز الشباب، ومد أنابيب المياه، وبناء محطات تحلية المياه. وكذلك لا تقتصر الصفقات التجارية التي يعقدها الجيش على المستوى القومية فحسب، بل توسعت لتشمل إقامة شراكات مع بعض الشركات العالمية مثل "جنرال إلكتريك" و"لوكهيد مارتن" و"ميتسوبيشي".

  1. جهاز مشروعات الخدمة الوطنية

في البداية تم تأسيسه عام 1979، في عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، وكانت مهمته الرئيسية تحقيق الاكتفاء الذاتي للجيش، وعدم الاعتماد على سوق القطاع الخاص في توفير السلع الأساسية، ومع الوقت أسس الجهاز شركات متعددة توغلت في الاقتصاد المحلي، بلغت نحو 21 شركة شملت تقريبا معظم القطاعات، وهم كالآتي:

الوطنية للمقاولات العامة والتوريدات

الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية

العربية العالمية للبصريات

الوطنية للبترول

مكرونة كوين

إنتاج المشمعات البلاستيك

الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية

العريش للأسمنت

مجمع إنتاج البيض المتكامل

الوطنية لاستصلاح وزراعة الأراضي

النصر للخدمات والصيانة

المصرية للرمال السوداء

الوطنية للزراعات المحمية

الوطنية للتبريدات والتوريدات

مزرعة وادي الشيح

الوطنية للبطاريات

النصر للكيماويات الوسيطة

قطاع التعدين

الوطنية للصناعات الغذائية

مصر العليا للتصنيع الغذائي واستصلاح الأراضي

قطاع الأمن الغذائي

 

وبحسب مركز "كارنيغي للشرق الأوسط"، في دراسة أعدها بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 2014، يوجد عدد كبير من الضباط السابقين في مستويات وأنحاء هيكل الحكم المحلي كافة، لتوفير الأمان الوظيفي لهم بعد التقاعد، ويساعد وجودهم على بسط نفوذ السلطة الرئاسية لتشمل كل أركان البلاد.

50:80 في المئة من المحافظين لهم خلفية عسكرية منذ التسعينيات، في حين جاء 20 % آخرين من الشرطة أو أجهزة الأمن الداخلي، ويؤكد المركز، أن التركيز عادة على عدد المحافظين الذين يتم استقدامهم من القوات المسلحة يُخفي بشكل صارخ الحجم الحقيقي لتوغل المؤسسة العسكرية في الحكم.

الضباط المتقاعدون يشغلون نسبة أكبر من المناصب الثانوية، مثل نائب المحافظ، ومدير مكتب المحافظ، والأمين العام والأمين العام المساعد للمجلس المحلي في المحافظة، ويتكرر هذا بشكل واسع النطاق في كل المستويات الإدارية الدنيا من المراكز والمدن وأحياء المدن والقرى.

كشف الوهم

الإنجازات التي يعلنها النظام المصري، تكشفها وقائع أخرى، تحمل الواقع الملموس من قبل المواطن، لا تجعله يتفاعل مع الآلة الدعائية المروجة لإنجازات الرئيس، ففي 22 مايو/ آيار 2019، كشف البنك الدولي، تضاعف نسب الفقر في مصر خلال 5 سنوات من 30 إلى 60 %، وأكد البنك أن إجراءات الإصلاحات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة، أثرت بشكل مباشر على الطبقة الوسطى التي تواجه ارتفاعا بتكاليف المعيشة، في ظل دخل محدود.

وجاء الإحصاء الأخير في وقت حدد فيه البنك الدولي، الفقر المدقع على مستوى العالم بنحو 1.9 دولار للفرد يوميا، ما يعادل 1026 جنيها مصريا، وتم تحديث خط الفقر بمصر في بحوث الإنفاق والدخل عن عام 2017، ليتراوح بين 700 و800 جنيه شهريا، بدلا من 482 جنيها شهريا ببحوث 2015.

ورغم أن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري، يجري بحوث الإنفاق والدخل مرة كل عامين، فإن آخر رقم معلن كان في يوليو/تموز 2016 ووصلت نسبة الفقر إلى 27.8% من السكان.