مع الفقر والحرب والنزوح.. لماذا يطلق الأسد شبكة هاتف خلوي ثالثة في سوريا؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يصر النظام السوري على الترويج لتنفيذ مشاريع اقتصادية جديدة على الرغم من أن نصف الشعب وأكثر، بين نازح داخليا ولاجئ خارج الحدود.

وجديد ذلك، إعلان وزارة الاتصالات والتقانة التابعة للنظام السوري، في 21 فبراير/شباط 2022 إطلاق المشغل الثالث لشركة وفا للاتصالات تيليكوم "المساهمة المغفلة" الخاصة لتشغيل الاتصالات العمومية الخلوية في سوريا.

التمهيد للمشغل

واستبق النظام هذه الخطوة بالتضييق على شركتي الاتصالات الخليوية الوحيدتين في البلاد، وهما "سيريتل" و"MTN"، اللتين تعرضتا عام 2020، لمطالبة هيئة الاتصالات الحكومية لهما، بدفع "233.8" مليار ليرة كمستحقات لخزينة الدولة، قبل أن يجري فرض الحراسة القضائية عليهما لرفضهما دفع المبلغ.

واعتبر وزير الاتصالات والتقانة إياد الخطيب، أن إطلاق المشغل الثالث تبنى عليه آمال كبيرة في تحسين واقع الاتصالات الخلوية في سوريا، فضلا عن أثره الإيجابي المتوقع على الاقتصاد السوري، حسب زعمه.

وأوضح الخطيب، أن إجراء أول مكالمة على شبكة المشغل الثالث سيكون بعد تسعة أشهر من تاريخ منح الترخيص وقد يكون قبل هذا التاريخ.

بدوره بين مدير عام الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، منهل جنيدي أنه يسمح للمشغل الثالث الجديد، بالعمل على التجوال المحلي على الشبكتين الموجودتين حاليا خلال السنتين الأولى والثانية ريثما تستكمل شبكته.

وأضاف جنيدي، أن إطلاق المشغل الثالث يسهم في تعزيز المنافسة بسوق الهواتف النقالة وزيادة معدل انتشار الخدمات وخلق فرص عمل جديدة.

وحسب توضيحات الهيئة، فإن أحد شروط المشغل الثالث أن تكون الشركة السورية للاتصالات شريكة به.

ويأتي منح مشغل شركة وفاتيليكوم التي تأسست عام 2017، امتيازات إضافية على حساب شركتي "سيريتل" و"MTN"، كمحاولة من النظام السوري لإظهارها كمستثمر كبير، وإعلان غير مباشر على استيلاء أسماء الأخرس، زوجة رئيس النظام بشار الأسد، على قطاع الاتصالات الخلوية في سوريا.

فلم تحتج الأخرس سوى عام واحد لإقصاء رامي مخلوف، ابن خال زوجها عن المشهد الاقتصادي السوري، بعد قرار حكومة الأسد بالحجز احتياطيا على أمواله، وأموال زوجته، وأولاده، في مايو/أيار 2020.

ثم تبع ذلك توجيه الصفعة الكبرى لمخلوف بإسقاط عضوية شركته "راماك للمشاريع التنموية والإنسانية المساهمة المغفلة القابضة الخاصة"، من عضوية مجلس إدارة شركة الاتصالات "سيريتل" المشغل الخليوي الأول، في البلاد والمملوكة أيضا لمخلوف والتي تأسست عام 2001.

وبذلك أصبح الطريق سالكا ووفق "خطة القصر المدروسة"، لأن تتربع شركة "وفا تيليكوم" على عرش قطاع الاتصالات بسوريا، بحصولها على ترخيص المشغل الثالث للخليوي في سوريا لمدة 22 عاما.

وبحسب موقع "اقتصاد مال وأعمال السوريين" المعارض، فإنه تبين أن إيران تملك حصة 52 بالمئة من شركة "وفا إنفيست"، وهي إحدى أكبر الشركاء في شركة الاتصالات الجديدة "وفا تيليكوم".

ويملك بنسبة 20 بالمئة من "وفا إنفيست"، يسار إبراهيم الذي بات يوصف بأنه أحد "خازني أموال بيت الأسد"، بعدما عينه رئيس النظام، مديرا للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية، وبذلك أصبح البديل الشرعي عن رامي مخلوف.

ترويج جديد

كما أنه منذ عام 2018 عملت أسماء الأسد على تأهيل يسار إبراهيم وزجه إلى الواجهة الاقتصادية التي تتبع بيت العائلة.

وبهذا أصبح إبراهيم يتلقى الأوامر بشكل مباشر وينفذها مستندا على منصبه الرسمي المذكور آنفا، مما يجعل الجميع يخاف عصيان طلباته من قبل أصحاب الأموال الذين يدركون أنه وسيط بين جيوبهم وجيب الأسد.

ورغم أن "MTN" ما تزال ترفض بيع أسهمها، وكذلك تمسك رامي مخلوف بـ "سيريتل" ورفضه التفريط بأسهمه فيها، فإن ذلك لن يغير من معادلة منظومة الاتصالات الجديدة التي يسعى النظام لإحداثها في سوريا.

وشركة "MTN"، هي فرع الشركة الأم العالمية التي تحمل نفس الاسم، إذ أصدرت حكومة النظام قرارا في 25 فبراير/شباط 2021، يقضي بفرض حراسة قضائية، فدفعها نحو بيع حصتها إلى الجانب السوري.

وعقب ذلك حددت مجموعة "MTN" العالمية في 28 من الشهر المذكور مبلغ 65 مليون دولار ثمنا لبيع حصتها في سوريا، لكن إلى الآن لم تنجح أذرع أسماء الأسد في شراء هذ الحصة.

ويدخل المشغل الخلوي الثالث ضمن المرحلة الجديدة، تحت عنوان "اقتصاد العائلة"، والمشتملة على إعادة ضبط "اقتصاد الحرب" وجعله يدار من غرفة واحدة في القصر الجمهوري لبشار الأسد وزوجته الواقع على سفح "جبل قاسيون" والمطل على العاصمة دمشق.

ووفقا لموقع "اقتصادي" المعارض، فإن النظام السوري، يريد بخطوة المشغل الخلوي الثالث، إظهار وجود بيئة تنافسية في البلاد وعدم احتكار قطاع الاتصالات.

وأوضح الموقع خلال تقرير له في 22 فبراير/شباط 2022، أن النظام يريد كذلك إظهار أن الاقتصاد السوري ذو طبيعة متنوعة تمهيدا للحصول على تمويل دولي.

وكذلك إرسال إشارة للطبقة التجارية في سوريا، بأن أسماء الأسد هي المسيطر الجديد وليس رامي مخلوف، فضلا عن محاولة الالتفاف على العقوبات الاقتصادية المفروضة على شركة "سيريتل".

احتكار القلة

وحول حصة حكومة الأسد من أرباح مشغل الموبايل الثالث في سوريا، أوضح غسان سابا رئيس المديرية التنفيذية لشركة "وفا تيليكوم" أنه سيجري تقاسم الإيرادات مع الحكومة "أول سبع سنوات بنسبة 13.5 بالمئة، وفيما بعد ستصبح حصتها 20 بالمئة".

وبين سابا أن الكلفة التقديرية للبنى التحتية مع البرمجيات والأنظمة للمشغل الخلوي الجديد، بلغت مئات ملايين الدولارات، مضيفا أن الشركة سددت في البداية 112 مليون دولار دفعة واحدة.

 ونقل موقع "هاشتاغ سيريا" الموالي للنظام، عن سابا، قوله إن نسب المساهمين في المشغل الخلوي هم: 20 بالمئة للشركة السورية للاتصالات الحكومية، و28 بالمئة لشركة وفا، و58 لشركة ABC.

ويؤكد الأكاديمي والباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، أن "قطاع الاتصالات في سوريا يعد سوق احتكار للقلة، فالمنافسة ممنوعة فيه".

ويقول لـ "الاستقلال" إنه "خلال عقدين بقي هذا القطاع تحتكره شركتان فقط وهما سيريتيل و MTN، واللتين تعدان شبه شركة واحدة، وفي ظل انعدام التنافسية شهدت نوعية الخدمات تراجعا واضحا".

أضاف السيد عمر أنه "حاليا وبعد الإعلان عن دخول مشغل ثالث لن يتغير الوضع بشكل جذري".

فمن المتوقع أن يلتزم المشغل الثالث بذات السياسة السعرية التي يتبعها المشغلان الحاليان، كما أن الخدمات الجديدة لن تخرج في جوهرها عن الخدمات الحالية، وفق تقديره.

وذهب الباحث الاقتصادي للقول: "لا تحتاج سوريا حاليا خدمات اتصال جديدة بقدر حاجتها لتمويل العملية الإنتاجية وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية للسوريين".

ولكن يبدو أن القرارات الاقتصادية تفرض من قبل أمراء الحرب لتحقيق مصالحهم بغض النظر عن مصالح السوريين والدولة، كما قال.

واستدل على ذلك بأن "هذا القطاع كان يدار من قبل رامي مخلوف الذي تربطه صلة قربى بالأسد، وحاليا جرى تسليم القطاع لرجال أعمال موالين له".

دعم إيراني

يحاول النظام السوري الادعاء بأن المشغل الجديد "وطني بامتياز" والحقيقة هي أن 51 بالمئة منه يتبع لشركة إيرانية تابعة للحرس الثوري الإيراني الموجودة بسوريا، و49 بالمئة لشركات تديرها أسماء الأسد، كما يؤكد مطلعون على المشهد السوري.

وسلط فراس طلاس وهو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق، مصطفى طلاس، الضوء على ذلك في منشور له على صفحته الشخصية بـ "فيسبوك"، كاشفا عن الأمر بحكم علاقاته بدوائر صنع القرار في سوريا سابقا.

واللافت بحسب طلاس أن "الترخيص منح الحق في استخدام أبراج البث والتقوية العائدة لسيريتل وMTN، وهذا غريب فمن المعروف الآن أن الكلفة الكبرى لأي شبكة هاتف هي ثمن الرخصة، وهي تقارب الصفر في حالة وفا تل، ومن ثم الأبراج وصيانتها وحمايتها".

وأضاف أنه "في ضوء ثورة الاتصالات القادمة من الـ G 5 الآن أو الـ G6 بعد عدة سنوات، فقد منحت الحكومة السورية إلى وفا تل هذه الحقوق، أي أنها لن تحتاج لأي استثمار الآن وفي المستقبل ستكون أول من يركب موجة الاتصالات القادمة".

وبين أن "وفا تل تخطط للتوسع في منطقة الولاء الإيراني وفريق أسماء الأسد يحضر شركاء مستقبليين لبيع جزء من حصته".

ومن المتوقع أن تفوز شركات من صناعة الاتصالات الإيرانية بعطاءات لتوريد بعض مكونات البنية التحتية للمشغل الخلوي الثالث، وفقا لما قاله رجلا أعمال في دمشق مطلعان على الصفقة، حسبما نقلت وكالة رويترز البريطانية.

وكانت إيران دخلت في مفاوضات رسمية مع النظام السوري من أجل إدخال المشغل الثالث للاتصالات الخلوية، إلا أن المشروع لم يكتمل.

وحينما زار رئيس حكومة الأسد السابق عماد خميس، طهران في بداية عام 2017، وقع مذكرات تفاهم تتعلق بتشغيل شركة إيرانية يدعمها الحرس الثوري، مشغلا ثالثا للهاتف الجوال بسوريا، وهي شركة "إم سي آي" والتي تشكل جزءا من مؤسسة تحتكر الاتصالات في إيران، والتي باتت في 2009 مرتبطة بالحرس الثوري.

لكن عقب ذلك تحدثت تقارير صحفية عن اعتراض روسي على أن تتولى الشركة الإيرانية البدء بتشغيل المشغل الثالث، لأسباب كثيرة، أبرزها حساسية هذا المجال الذي سيسمح لطهران بمراقبة الاتصالات داخل سوريا.

وفي هذا الإطار يرى المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، أن "دخول إيران بقطاع الاتصالات في سوريا مهم بالنسبة لها نظرا لوجودها العسكري ومن أجل السياحة الدينية للشيعة القادمين ومنح هؤلاء عروضا خاصة على الاتصال والإنترنت".

وأضاف لـ "الاستقلال"، أن "طهران تتلطى خلف وفا تيليكوم، من ناحية وجود أسهم لها في المشغل الجديد، وهذا مرتبط بالتغلغل الإيراني على المدى الطويل بسوريا واستمالة الأهالي في مناطق نفوذها عبر منحهم مزايا خاصة وعروضا في الاتصالات".

وختم بالقول: "إن طهران منذ عام 2010 كانت تنافس شركات اتصالات عربية وتركية للدخول في سوق الاتصالات السورية، إلا أن اندلاع الثورة أوقف جميع المفاوضات حول دخول مشغل جديد".