السعودية استغلت الأزمة.. ما رسائل الحوثيين بتبنيهم قصف العمق الإماراتي؟

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

على حين غرة وبأكبر هجوم تتعرض له الإمارات، كانت العاصمة أبوظبي على موعد مع استهداف مباشر من قبل مليشيا الحوثي اليمنية طال أهدافا حيوية في "العمق الإماراتي".

وشهدت إمارة أبو ظبي، انفجار ثلاثة صهاريج نقل محروقات بترولية، في 17 يناير/ كانون الثاني 2022، بمنطقة مصفح الصناعية قرب خزانات شركة بترول أبو ظبي الوطنية "أدنوك"، ما أدى لمقتل 3 أشخاص، اثنان هنديان، والثالث باكستاني، وإصابة ستة آخرين.

كما وقع حريق في منطقة الإنشاءات الجديدة قرب مطار أبوظبي الدولي، فيما أشارت التحقيقات الأولية إلى رصد أجسام طائرة مسيرة وقعت بالمنطقتين قد تكون السبب في الحريقين.

ويجمع مراقبون على أن مليشيا الحوثي أرادت من قصف أبوظبي إرسال عدة رسائل، أهما تخفيف الضغط على قواتها التي تخوض منذ مدة معارك شديدة في المحافظات الجنوبية مع قوات تدعمها الإمارات.

فيما لا يستبعد آخرون أن يكون قصف أبوظبي تم عبر أذرع إيران في العراق وليس من اليمن، والتحالف السعودي الإماراتي تبنى الرواية الحوثية رغبة منه في توجيه رد عسكري شامل سيفسر على أنه مشروع.

الإمارات والحوثي

وسرعان ما اتهمت الخارجية الإماراتية، مليشيا الحوثي باستهداف "مناطق و منشآت مدنية على الأراضي الإماراتية"، فيما كشف الحوثيون أنهم سيصدرون بيانا عن "عملية عسكرية نوعية في العمق الإماراتي"

وقال الوزير  عبد الله بن زايد في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية: "ندين استهداف مليشيا الحوثي الإرهابية لمناطق ومنشآت مدنية على الأراضي الإماراتية اليوم".

وشدد على أن "هذا الاستهداف الآثم لن يمر دون عقاب، وأن الإمارات تحتفظ بحقها في الرد على تلك الهجمات".

ولم يتأخر البيان الحوثي، إذ كشف المتحدث العسكري باسم المليشيا يحيى سريع تفاصيل العملية، قائلا إنهم نفذوا عملية "نوعية وناجحة" تحت اسم "إعصار اليمن"، ردا على التصعيد الأميركي السعودي الإماراتي.

وأوضح في بيان مصور أن العملية استهدفت "مطاري دبي وأبو ظبي ومصفاة النفط في المصفح في أبوظبي وعددا من المواقع والمنشآت الإماراتية الهامة والحساسة".

وأضاف سريع أن العملية التي وصفها بـ"الموفقة"، جرت "بخمسة صواريخ بالسيتية ومجنحة وعدد كبير من الطائرات المسيرة".

وشكل هذا الهجوم على أبوظبي التي تشاطر الرياض في التحالف الذي يحارب الحوثيين منذ 26 مارس/ آذار 2015، أول اعتراف إماراتي بتنفيذ الحوثيين هجمات على البلاد.

إذ نفت سابقا الإمارات ثلاثة هجمات تعرضت لها من مليشيا الحوثيين، الأول في 3 ديسمبر/كانون الأول 2017، حينما أعلن الحوثيون استهداف مفاعل براكة للطاقة النووية في أبو ظبي بصاروخ كروز، والثاني حينما جرى استهداف مطار أبو ظبي الدولي في 26 يوليو/ تموز 2018 بطائرة مسيرة.

وفي 27 أغسطس/ آب 2018، أعلن الحوثيون استهداف مطار دبي الدولي بطائرة مسيرة أيضا، وتبعها في 1 سبتمبر/ أيلول 2018، قصف محطة المسافرين رقم واحد في المطار نفسه بطائرة مسيرة من طراز "صماد 3".

ويتزامن نقل الحوثيين هجماتهم بالطائرات المسيرة من السعودية إلى الإمارات مع اشتداد المعارك مع قوات "ألوية العمالقة" الجنوبية التي يتبع غالبيتها أبوظبي، وتحظى بتسليح نوعي يفوق مثيله لدى قوات الحكومة.

ونجحت هذه القوات مع الجيش اليمني في 10 يناير 2022 بالسيطرة على كامل محافظة شبوة النفطية جنوب شرقي البلاد، بعد معارك مع الحوثيين، وبدأت تركز على المواجهات في الجارة مأرب بمساندة التحالف والإمارات.

فك الضغط

وقبل ذلك تصاعدت هجمات الحوثيين ضد الأهداف السعودية والإماراتية، ففي 3 يناير، أعلن الحوثيون "احتجاز سفينة شحن إماراتية قبالة سواحل محافظة الحديدة، على متنها معدات عسكرية وتمارس أعمالا عدائية".

فيما رد المتحدث باسم التحالف تركي المالكي، في بيان آنذاك، بقوله إن "السفينة كانت تقوم بمهمة من جزيرة سقطرى جنوب شرقي اليمن إلى ميناء جازان السعودي، وتحمل على متنها معدات خاصة بتشغيل المستشفى السعودي الميداني في الجزيرة".

وقبل الهجوم الحوثي على أبوظبي، هددت مليشيا الحوثي الإمارات باستهدافها "في العمق" إذا استمرت في "التصعيد"، لا سيما عقب التقدم الميداني للقوات الموالية للحكومة اليمنية في محافظتي البيضاء وشبوة.

وفي هذا السياق، يوضح أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني، عبد الباقي شمسان، أن "مليشيا الحوثي حاولت التأثير على المعركة الدائرة في المناطق الجنوبية بقصف السعودية لدفعها للحوار المباشر معها وتوقيع اتفاق لإيقاف التقدم العسكري، لكنها فشلت في تحقيق هذا الهدف الإستراتيجي".

وأضاف لـ"الاستقلال"، لهذا "عمد الحوثيون لقصف الإمارات لأن القوات العسكرية في الجنوب اليمني المتمثلة بألوية العمالقة والنخب أو الأحزمة، تتحرك ضد الحوثيين، لأهداف إماراتية بحتة، وليس لعودة السلطة الشرعية في اليمن".

وأكد شمسان أن "الحوثيين يسعون إلى نقل المعركة حاليا إلى أبوظبي، وكذلك إلى البحر بعد استهداف السفينة الأخيرة، ما أعطى دلالات على امتلاك الحوثيين تفوقا تقنيا للتحرك في المياه البحرية عبر زوارق بدعم إيراني".

وكذلك "الاقتراب من المياه الإقليمية وساحل عمان ومضيق هرمز، بما يرمز إلى إمكانية تنفيذ عمليات إيرانية ويتبناها الحوثيون"، وفق الأكاديمي اليمني.

وذهب شمسان للقول إن "إيران من المحتمل أن تضغط على الإمارات عبر المصالح الاقتصادية، لوضعها أمام خيارين الأول مواصلة المواجهة، والثاني الانفصال عن السعودية وترك معارك الجنوب".

مصالح متصارعة

كما لفت أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني إلى أن "هناك معركة دائرة بين إيران ودول المنطقة تستخدم فيها طهران كل إمكانياتها وأدواتها، وهناك خشية أن تدفع هذه التطورات المجتمع الدولي إلى الضغط وإيقاف المعارك، ما يخدم الحوثيين باعتبار أنهم سيحافظون على مكتسباتهم".

وأوضح شمسان أن "كل المؤشرات تؤدي إلى أن ما يجري في اليمن لن يقود إلى إنهاء انقلاب الحوثي وعودة السلطة الشرعية، فالتحالف يرغب فقط في تحقيق مصالحه الإستراتيجية، وإيران تنفذ من خلال هذه الفراغات كونها تدرك ذلك".

وأشار إلى أن "الحوثيين وسعوا مجال المواجهة والمعركة وهذا كان واضحا من خلال التصريحات الأخيرة لزعيم مليشيا حزب الله اللبناني حسن نصر الله (في 3 يناير) بقوله إن المعركة ستكون بحرية وسيجري ربط ما يجري في المنطقة والحوار الحاصل بين إيران والقوى الدولية حول الاتفاق النووي في فيينا".

وأضاف شمسان: "ستبقى الأيام القادمة مفتوحة على كل الاحتمالات، نظرا لتخوف الإمارات من استدراجها لمواجهات مع إيران في منطقة هشة في ظل اعتمادها على التجارة الدولية".

وفي اتجاه آخر لا يستبعد كثير من المحللين أن يكون قصف أبوظبي تم عبر أذرع إيران في العراق وليس من اليمن عبر مليشيا الحوثي. 

ويشير هؤلاء إلى مهاجمة عشرات الطائرات المسيرة من قواعد المليشيات العراقية الموالية لإيران في جنوب العراق، شركة أرامكو في السعودية في سبتمبر/ أيلول 2019، خاصة أن المسافة بين تلك القواعد والمنشآت النفطية لا تزيد عن 800 كيلومتر.

وهذا ما رمى إليه المحلل والباحث اليمني ياسين التميمي بقوله لـ"الاستقلال" إن "هناك شكوكا كبيرة بشأن مصدر الطائرات المسيرة التي استهدفت أبوظبي".

ومضى التميمي يقول: "هناك سوابق تثبت تورط إيران في استهداف منشآت حيوية في شرق المملكة، في سبتمبر 2019 فيما جرى تبني تلك الهجمات من قبل الحوثيين، وحينها جاء بيان الحوثيين بشأن الهجمات عاما وسياسيا ودعائيا ولم يكن تفصيليا ولم يضف شيئا مفيدا ما يعني أن الهجمات لم تنطلق من صنعاء".

ونوه الباحث اليمني إلى أن "التحالف تبنى الرواية الحوثية رغبة منه في توجيه رد عسكري شامل سيفسر على أنه رد مشروع على الهجمات الحوثية، إذ لا يفيد أن يدخل التحالف في مواجهة أكثر تعقيدا مع إيران التي تدير الحرب بطريقة مؤذية للغاية لليمن ولدول التحالف".

كما يشار إلى أن هذا القصف يأتي بعد أقل من شهر على قصف التحالف مطار صنعاء الإستراتيجي بالنسبة للحوثيين، وإعلان وفاة السفير الإيراني لدى الحوثي حسن إيرلو، وسط أنباء غير مؤكدة عن إصابته بالقصف.

ولطالما وجه التحالف غارات جوية على مطار صنعاء، مؤكدا أنه تهديد كبير لدول الخليج خاصة أن قادة من الحرس الثوري الإيراني ينتشرون فيه، وهو نقطة انطلاق رئيسة للطائرات المسيرة تجاه السعودية.

المنطق العسكري

من جانبه، توقع الخبير العسكري الإستراتيجي فايز الدويري، أن "تشهد الأيام المقبلة تصعيدا ضد الحوثيين، سيأخذ بعدين الأول حسب المنطق العسكري يتجه نحو زيادة الطلعات الجوية للتحالف التي كان معدلها خلال 15 يوما من 50 إلى 60 طلعة جوية"

وأضاف الدويري في تصريحات تلفزيونية عقب قصف أبوظبي: "سيكون التركيز منصبا على مستودعات الحوثيين ونقاط انطلاق المسيرات في مطار صنعاء ومنطقة القصر الرئاسي ومنطقة النهدين والجبال والقواعد".

والبعد الثاني: "عبر زيادة التحالف العربي الدعم البري ما سيعني مزيدا من المعارك وخاصة في منطقة حريب باتجاه مأرب؛ لدفع الحوثيين إلى التراجع إلى ما وراء صرواح وسنحان، ومن ثم إضعاف الموقف العملياتي للحوثيين ودفعه إلى مسار سياسي"، وفق الدويري.

ورأى الخبير العسكري الأردني أن "التصعيد الجديد ضد الإمارات يدل على أن هناك طائرات مسيرة هي الأبعد مدى لما يملكه الحوثيون وتصل إلى 170 كيلومترا وهي طائرات انتحارية ويمكن أن تحمل صواريخ ومتفجرات تزن 50 كيلوغراما، تمكنت بلوغ الهدف وهذا ما أوقع قتلى وإصابات".

وما كان لافتا هو أن "المسيرات هاجمت أهدافا صناعية ومرافق حيوية، يوجد فيها 150 ألف شخص، لم تغط بالدفاعات الجوية الإماراتية، ما يعني أن التهديد أصبح أكثر من أي وقت مضى"، حسب الخبير نفسه.

وأرجع الدويري أسباب الخرق الحوثي للإمارات "لأن احتمالية التدمير تبقى متدنية من قبل الدفاعات الجوية الإماراتية، فطرق الاقتراب للمسيرات غير مغطاة راداريا حتى تدخل في البعد الجغرافي الإماراتي".

وأضاف: "وخاصة أن صحراء الربع الخالي غير مغطاة دفاعيا وبالتالي إمكانية الاختراق واردة، فضلا عن صغر حجم الطائرة ومعدل ارتفاع الطيران، ما يعني أن الحوثي إذا أراد أن يصعد دون مراعاة الانعكاسات السياسية فسيكون حاصلا".

ووفقا لمراقبين فإن الحكومة الشرعية في اليمن والتحالف سيكثفان التحرك العسكري ضد الحوثيين، لإجبارهم للقدوم إلى طاولة الحوار، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2216 الذي لم يحقق منه شيء على الأرض، المعلن في 14 إبريل/ نيسان 2015.

خارج السرب

كما يأتي قصف أبوظبي من قبل ذراع إيران في اليمن، بعد زيارة لافتة بتاريخ 6 ديسمبر 2021 قام بها طحنون بن زايد مستشار الأمن القومي الإماراتي إلى طهران التقى خلالها مسؤولين بينهم الرئيس إبراهيم رئيسي.

وحينها قيل إن أبوظبي باتت مضطرة لتحييد الخلافات جانبا مع طهران وفتح صفحة جديدة من السياسة الخارجية تماشيا مع عهد جديد من العلاقات مع دول كانت تناصبها الإمارات العداء.

وهذا ما ذكرته مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المعنية بشؤون الاستخبارات، في عددها الصادر 17 ديسمبر، وأوردت فيه أن "الإمارات بدأت أخيرا عملية تقارب مع إيران".

لكن "هجوم أبوظبي" الجديد قلب الطاولة على رأس الجميع، أولا الإمارات التي هزتها الهجمات، وكذلك السعودية التي تدخلت في الحرب منذ أكثر من سبع سنوات إلى جانب القوات الموالية للحكومة ضد الحوثيين المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014.

وفي أواخر 2019، بدأت الإمارات الانسحاب من اليمن جزئيا لتجنب الهجمات على أراضيها، لكنها أبقت على دعم تشكيلات انفصالية، وتحديدا "ألوية العمالقة" التي تأسست أواخر عام 2015 في منطقة الساحل الغربي.

وتؤكد تقارير صحفية أن قوام "ألوية العمالقة" يبغ نحو 15 ألف مقاتل، وخاضت في السابق معارك على طول شريط ساحلي يبلغ طوله 300 كيلومتر ضد الحوثيين من منطقة باب المندب حتى الحديدة على ساحل البحر الأحمر.

وقدم المحلل السياسي اللبناني يوسف دياب، تفصيلا حول هذه الجزئية بقوله إن "ثمة تقاربا إماراتيا إيرانيا على أكثر من صعيد، والهجوم يظهر كأنه خروج لأدوات طهران (الحوثي) عن قواعد اللعبة".

وأضاف دياب في تصريحات تلفزيونية عقب هجوم أبو ظبي أن "قصف الإمارات يأتي في ظل المعلومات التي تقول إن الاتفاق النووي بين طهران والقوى الدولية في فيينا التي انطلقت أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2021 اجتاز أكثر من 90 بالمئة من مباحثاته وكذلك قرب افتتاح السفارات بين إيران والسعودية".

واعتبر دياب أن "المليشيات التي أسستها طهران في اليمن أو العراق أو سوريا أو لبنان، ليس غرضها فقط الانقلاب على النظام الشرعي في كل دولة توجد فيها، بل لتحقيق طهران مكاسب على دول المنطقة".

وختم بالقول إن هذا "التصعيد على الإمارات ليس منفصلا عما يدور في المفاوضات الإيرانية النووية في فيينا مع القوى الغربية، وهو داخل في محاولة طهران تحسين ظروف التفاوض وإعطاء دور لتلك المليشيات في الدول التي توجد فيها".