تذهب بعيدا وعينها على القريب.. لهذا تعزز روسيا وجودها في إفريقيا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة فورميكي الإيطالية الضوء على مساعي روسيا للانتشار في دول الساحل الإفريقي، ما يعود عليها بالنفع ماديا وإستراتيجيا، وهو أمر يزعج الولايات المتحدة وأوروبا، لا سيما فرنسا صاحبة الإرث الاستعماري هناك.

ويقصد بدول الساحل، منطقة جنوب الصحراء في إفريقيا، والتي تشمل كل من موريتانيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والنيجر.

ومنذ 2013، توجد فرنسا في منطقة الساحل عبر قوة "سيرفال"، التي تحولت في العام التالي إلى عملية "برخان"، وتضم حوالي 5100 جندي، لكنها أخفقت في تطهير المنطقة من المسلحين، رغم وجود قوات من الاتحاد الإفريقي ووصول دعم عسكري من دول أوروبية.

وعقب إعلانها مطلع يونيو/حزيران 2021 أنها ستنهي عملياتها العسكرية في مالي عقب انقلاب عسكري بالبلاد هو الثاني خلال أقل من عام، تراجعت فرنسا في يوليو/ تموز من العام نفسه وقالت إنها ستستأنف عملياتها هناك.

وفي ظل تزايد متاعب فرنسا، أطلت روسيا برأسها وباتت فاعلا رئيسا في المنطقة منذ 2016، وحققت منذ 2019 عبر مجموعة مرتزقة فاغنر، اختراقات نوعية في المنطقة التي تعد مسرح النفوذ التقليدي الفرنسي.

إدانة أوروبية

وقالت المجلة الإيطالية إن 15 دولة أوروبية أدانت في بيان مشترك في 23 ديسمبر/كانون الأول 2021، "نشر مرتزقة روس على الأراضي المالية".

وأكدت تلك الدول أن هذه الخطوة "لن تؤدي إلا إلى زيادة تدهور الوضع الأمني ​​في غرب إفريقيا وكذلك وضعية حقوق الإنسان في مالي كما أنها تهدد السلام والمصالحة في البلاد".

ووقع على البيان كل من فرنسا، وبريطانيا، وكندا، وألمانيا، وبلجيكا، والدنمارك، وإسبانيا، وإستونيا، وإيطاليا، ولتوانيا، والنرويج، وهولندا، والبرتغال، وتشيكيا، ورومانيا.

كما أعرب البيان عن أسف هذه الدول على الطريقة التي قررت بها الحكومة المالية استخدام الأموال العامة الشحيحة أصلا "لدفع أجور المرتزقة الأجانب بدلا من دعم القوات العسكرية وتعزيز الخدمات العامة في البلاد لصالح الشعب المالي".

ونددت الدول الـ15 بـ"مشاركة حكومة روسيا الاتحادية في تقديم دعم مادي لنشر مجموعة فاغنر في مالي"، ودعت موسكو للعودة إلى اتخاذ موقف "مسؤول وبناء".

عودة روسيا

وأشارت فورميكي إلى أن روسيا عادت على مدى السنوات القليلة الماضية إلى النشاط من جديد في القارة الإفريقية.

فبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، فقدت روسيا كثيرا من نفوذها الذي بنته في القارة خلال الحرب الباردة، كما أغلقت تسع سفارات وثلاث قنصليات وعديدا من البعثات وبرامج التعاون.

وبداية من منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت تتغير السياسة الإقليمية لروسيا في إطار توجه عام نحو العودة إلى الساحة الدولية.

واعتبرت المجلة أن ذلك حدث بعدما تمكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إعادة بناء القوة الداخلية التي تآكلت في التسعينيات وأوصلت الاتحاد إلى شفا الانهيار المالي عام 1998 إلى جانب تهديدات داخلية أخرى خاصة الميول الانفصالية لبعض المناطق.

ولفتت إلى أن هذا الاهتمام بإفريقيا ظهر في القمة الروسية الإفريقية، التي عقدت في سوتشي 23-24 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وأظهرت تصميم موسكو على أن تكون لاعبا رئيسا في القارة.

وأضافت أن اندلاع الأزمة الأوكرانية عام 2014، أعطى قوة دفع جديدة لروسيا لتطوير وجودها الخارجي لعدة أسباب، أهمها تأثير الوجود الروسي الخارجي البعيد على المشاكل الأمنية في الخارج القريب.

وعلى هذا النحو عززت روسيا بعد 2014 وجودها في مختلف المسارح البعيدة، مثل سوريا وليبيا وإفريقيا جنوب الصحراء، خصوصا وأن الوجود والتأثير في هذه الأماكن هام للضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالديناميكيات التي تؤثر على روسيا في جوارها المباشر.

مميزات روسية

وتتمتع روسيا في إفريقيا، وفق المجلة، بعدد من المزايا النسبية مقارنة بالدول الأخرى، فرغم أنها لا تملك القوة الاقتصادية التي تملكها كل من الولايات المتحدة أو الصين أو أوروبا أو دول الخليج، إلا أنها تداركت هذا النقص بطرق أخرى.

فهي لا تعاني من عبء آثار الفترة الاستعمارية لدول القارة السمراء على غرار الدول الأوروبية، لذلك لا تعتبر قوة استعمارية ولا ينظر إليها على أنها قوة إمبريالية، مثل الولايات المتحدة.

كما تمتلك روسيا ميزة تنافسية أخرى تتمثل في قدراتها على التعاون العسكري التقني، لذلك تعتمد في مساعيها لتحقيق أهدافها في إفريقيا على آليات التعاون العسكري التقني و"تصدير الأمن"، وإبرام صفقات أسلحة، واتفاقيات تدريب ومشورة.

وفي هذا الصدد، لفتت فورميكي إلى أن مسألة مرتزقة فاغنر مثيرة للاهتمام بشكل خاص، لاسيما وأن الشركات العسكرية الخاصة تعد كيانات محظورة بحكم القانون في روسيا، لكنها تورطت على مدى السنوات القليلة الماضية في صراعات في أوكرانيا وسوريا وليبيا حيث اكتسبت صورة القوة والنجاعة.

وبحسب المجلة، "بالنسبة لموسكو، اللعبة بسيطة نسبيا، وغالبا ما تكون مربحة للجانبين إذ لا يمكن تحميل تجاوزات المرتزقة سياسيا ودبلوماسيا لموسكو لكنها تمثل حتما أداة تأثير".

كما تدعم الأموال التي تتلقاها هذه المجموعات مقابل الخدمات التي تنفذها، شبكة القوة المرتبطة بالرئيس بوتين فضلا عن تجنب التدخلات المكلفة بواسطة القوات العسكرية التقليدية التي قد تجد روسيا صعوبة في دعمها لا سيما في المسارح البعيدة.

وجود قديم

وفي سياق متصل، أشارت فورميكي إلى أن الوجود الروسي في مالي لا يعد حديث عهد، بل يمتلك أساسا تاريخيا راسخا، حيث كان الاتحاد السوفييتي خلال الحرب الباردة واحدا من الداعمين الرئيسين للبلاد في إنجاز مشاريع البنية التحتية، إضافة إلى تقديم المساعدة العسكرية الفنية التي تواصلت أيضا بعد تفككه.

وفي عام 2003، شكل البلدان لجنة مشتركة للتعاون العسكري التقني، بينما تأسست في 2009 مجموعة عمل مشتركة لمكافحة التطرف، وفي 2012 أبرم الطرفان أول اتفاقية لشراء أسلحة.

وفي عام 2016، طلبت الحكومة المالية من روسيا علنا دعما فنيا وعسكريا ومساعدة في مكافحة التطرف خاصة في المناطق الشمالية.

كما أن العديد من الأسلحة في ترسانة مالي مصدرها سوفييتي، والعديد من الجنود والقادة الماليين درسوا أو  تدربوا في روسيا أو الاتحاد السوفييتي، لذلك، فإن الروابط موجودة منذ فترة طويلة.

وأوضحت فورميكي أن روسيا ترى وجودها في مالي له أهداف "منطقية" عديدة، خاصة محاربة التطرف، الذي لطالما شكل مشكلة تعتبر تهديدا عالميا لموسكو، وأيضا لإيجاد سوق لصناعة الأمن الخاصة سواء كانت قانونية أو شبه قانونية أو غير قانونية.

كما أن للوجود في مالي أيضا قيمة جيوسياسية أوسع، لا سيما فيما يتعلق بمشاكل غينيا المجاورة، وهي دولة أساسية بالنسبة لروسيا، نظرا للأهمية التي تحظى بها كوناكري التي تورد مادة البوكسيت للدب الروسي.

ومن ناحية شاملة أكثر، يرمي وجود فاغنر إلى استغلال الفراغات التي خلفها الآخرون، مثل فرنسا، وذلك لاكتساب مزايا في المسارح الأخرى بتدخلات تعرف بأنها فعالة من حيث التكلفة والفوائد، كما حدث في سوريا وليبيا.