أهداف تتجاوز "الطوق الأمني".. لهذا يوطن الأسد مليشيات إيران في ريف دمشق

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أدخلت إيران خلال ديسمبر/كانون الأول 2021، تشكيلات عسكرية محصورة بعناصر من "حركة النجباء" العراقية و"حزب الله" اللبناني، إلى مدينة داريا بغوطة دمشق الغربية.

وحسب مواقع سورية معارضة، فإن تلك التشكيلات استولت على عدد من منازل الأهالي المهجرين، وحولتها إلى مقرات عسكرية.

يأتي ذلك ضمن سياسة إيران الرامية إلى دعم وجودها العسكري الضامن لعملية التغيير الديموغرافي في سوريا، تمهيدا لمشروعها الكبير في محيط العاصمة دمشق.

ونجحت طهران بدعم من قوات النظام السوري عسكريا بالسيطرة على مدن وبلدات بريف دمشق، وأحياء داخل العاصمة منذ عام 2012 تصب في مصلحة "مشروع إيراني", بدأ منذ لحظة إفراغ تلك المناطق من سكانها السنة الأصليين وانتهى منتصف عام 2018.

ويحمل الحرس الثوري الإيراني في جعبته مخطط المشروع الذي سمي بـ"الطوق الأمني" لمحيط دمشق، وانكشف تنفيذه منذ مطلع عام 2017.

اللافت أن طهران إلى الآن تعمل على إكمال هذا المشروع، عبر إدخال مزيد من مليشياتها الخارجية، إلى مدن بريف دمشق جرى تهجير سكانها منذ عام 2016 نحو الشمال السوري.

يتوازى ذلك مع تسهيل النظام السوري هذا المشروع الهادف إلى خلق حاضنة اجتماعية شيعية تطوق عنق العاصمة دمشق من خلال سلسلة مدن وبلدات وأحياء متلاصقة مع بعضها.

توطين عسكري

في مدينة داريا حاليا، يوجد ما نسبته 8 بالمئة من عدد السكان المهجرين، والبالغ أكثر من 250 ألف نسمة قبل اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011.

وانضمت داريا مبكرا إلى الحراك الشعبي قبل أن تحولها دبابات وطائرات النظام إلى كومة من الدمار.

وتقع داريا قرب مدينة دمشق، وبجوارها مطار المزة العسكري الذي يعد عقدة أمنية وبداخله سجن كبير اشتهر بعمليات التعذيب والقتل داخل أقبيته منذ اندلاع الثورة.

وتشتهر المدينة بارتكاب قوات النظام مجازر بشعة فيها، أشهرها "مجزرة داريا الكبرى" التي جرت في أغسطس/آب 2012، وراح ضحيتها أكثر من 700 قتيل بينهم أطفال ونساء وعوائل كاملة.

وبعد أعوام من الحصار وسياسة التجويع التي فرضها النظام على درايا، أجبر آلاف الأهالي في 26 أغسطس 2016 على التهجير إلى إدلب شمالي سوريا، لتصبح المدينة فارغة.

وتؤكد شبكة "صوت العاصمة" المعارضة، أن حواجز مليشيا "الفرقة الرابعة" التابعة لقوات النظام السوري المتمركزة في محيط مدينة داريا بريف دمشق، تستمر بفرض إتاوات مالية على الأهالي الراغبين بالعودة إلى منازلهم، رغم حصولهم على بطاقات الدخول الصادرة عن مجلس البلدة بإشراف الأفرع الأمنية.

وعقب عمليات التهجير مباشرة، بدأت إيران بتوطين عوائل شيعية في داريا، التي تشكل رمزية دينية فيها للشيعة بسبب وجود ما يسمى بمقام سكينة والذي بدأ إنشاؤه عام 2003 ولا سيما أنه لم يكن معروفا قبل عام 1999 واعتبره الأهالي منذ ذلك الحين دخيلا على المدينة.

إذ كان أكرم الكعبي قائد حركة النجباء العراقية التي تقاتل في أي مكان يأمر به المرشد الإيراني علي خامنئي، ومنها سوريا، أول من نقل عوائل شيعية من جنوب العراق إلى مدينتي داريا ومعضمية الشام المجاورة منذ نهاية أغسطس 2016.

وعمد النظام السوري برئاسة بشار الأسد في مدن جنوب العاصمة، والتي تقع ضمن المشروع الإيراني، إلى اتباع تكتيك أمني شديد مختلف عن بقية المناطق بريف دمشق التي استعاد السيطرة عليها وسمح للأهالي بالعودة، وذلك بهدف عدم تفكير السكان الأصليين بالرجوع إليها خشية الملاحقات من أجهزة المخابرات.

ولجأ النظام إلى تطويق تلك المدن بحواجز تتبع لمليشيا للفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق بشار الموالي لإيران، ومنع عنها الخدمات أو إعادة الترميم واشتراط الحصول على موافقة أمنية قبل الدخول إليها.

وفي ذلك كله رغبة من النظام بإبقاء وضع تلك المناطق مقيدة بالمشروع الإيراني.

طوق أمني

وبالعودة إلى "الطوق الأمني" فإنه يبدأ من معضمية الشام ودرايا ومخيم اليرموك أكبر تجمع لشتات الفلسطينيين قبل عام 2011 جنوبي دمشق مرورا بأحياء ملاصقة له وهي ببيلا ويلدا وبيت سحم، وصولا إلى بلدة السيدة زينب ذات الأهمية الدينية لدى الشيعة.

ويعد حاليا حي السيدة زينب الواقع جنوبي دمشق، أضخم معقل محصن لمليشيات إيران في العاصمة وهو تحت سيطرتها، حيث تقطنه عوائل قادتها العسكريين بينهم ضباط من الحرس الثوري.

وقدم الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، قراءة تحليلية، لما ترمي إليه إيران من زيادة تموضع مليشياتها جنوبي دمشق وريفها.

يقول علوان لـ "الاستقلال"، إن "النظام لا يملك أي قدرة على منع أو تعطيل النفوذ أو المصالح الإيرانية في سوريا، وهو أضعف من أن يتخذ قرارا بمنع تمدد مليشيات طهران في أي منطقة يريدونها".

وأضاف أن "الحرس الثوري الإيراني يحسب حسابا للضغوطات الروسية ويظهر الالتزام النسبي بها، بالتزامن مع الالتفاف عليها".

وألمح علوان إلى وجود "مشروع كبير للحرس الثوري الإيراني بتوطين محيط العاصمة دمشق، بمساعدة مباشرة من وزارة داخلية النظام التي عمدت إلى تجنيس أكثر من 20 ألفا من مختلفي الجنسيات العراقية والأفغانية والباكستانية بهدف إعادة توطين هؤلاء في داريا بريف دمشق وبأحياء القابون وجوبر الدمشقيين وفي كذلك مناطق الغوطة الغربية".

ولفت إلى أن "وجود تسهيلات يجبر النظام السوري على تقديمها إذ إن هناك فصائل عسكرية محلية أصبحت تابعة للحرس الثوري الإيراني من تشكيلات الدفاع الوطني وأخرى تربطها شراكة كبيرة مع الحرس مثل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد".

وأكد أن "إيران لديها هدف في إجراء عملية تغيير ديموغرافي عبر الحرس الثوري، في ثلاث محافظات بالتحديد وهي دمشق وحلب ودير الزور وهو مشروع إستراتيجي يعمل عليه الحرس الثوري الذي بدأ بإعادة تغيير مواقع مستودعات الأسلحة والذخيرة وتغيير مواقعها بعيدا عن الاستهداف الإسرائيلي، عبر نقلها إلى غرب حمص وجنوب حلب".

مجتمع متجانس

جلبت إيران آلاف المقاتلين الأجانب الشيعة تحت ذريعة الدفاع وحماية "المقامات الدينية" في سوريا منذ عام 2012، إلى أن بلغ تعداد أفراد تلك المليشيات ما بين أجنبية ومحلية نحو مئة ألف، ينتشرون في دمشق وريفها ودير الزور وحلب وحمص وحماة والجنوب السوري.

ويصف الناشطون السوريون العاصمة دمشق بـ "المحتلة" من إيران، ولا سيما أن وكلاءها يواصلون شراء المنازل في مناطق "الطوق الأمني"، بما يضمن إحداث التغيير الديمغرافي الذي يساهم فيه رأس النظام بشار الأسد شخصيا.

وطرح رأس النظام بشار الأسد مصطلح "المجتمع الأكثر تجانسا"، الذي زعم أنه تحقق في سوريا، خلال خطاب متلفز له في أغسطس 2017، وقصد به المليشيات الشيعية التي جنسها بطلب من طهران لقاء الدعم المقدم له في تثبيت حكمه.

في هذا الإطار، أكد مركز "حرمون" المحلي للدراسات المعاصرة، في 29 نيسان/أبريل 2018، أن النظام منح الجنسية السورية لعشرات الألوف من الإيرانيين.

وكانت الأيام كفيلة بتعرية لعب النظام خلال العقد الأخير بالبنية المجتمعية السورية لصالح إيران تحديدا.

 وأظهرت الوقائع أن بشار الأسد يسير جنبا إلى جنب مع المشروع الإيراني في سوريا من ناحية التغيير الديمغرافي.

 وهذا ما لفت إليه المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف بقوله إن "مليشيات إيران أدخلت عشرات العوائل العراقية من المكون الشيعي إلى سوريا منذ عام 2015 بدعوى الفرار من هجمات تنظيم الدولة آنذاك".

وأضاف الشريف لـ"الاستقلال"، أنه جرى "إسكان تلك العوائل ذات التركيبة الغريبة مذهبيا في بيوت بريف دمشق كداريا والمعضمية، لكن تبين لاحقا أنهم عوائل عناصر وقادة عراقيين منضوين تحت تشكيلات المليشيات الإيرانية مع تأمين كامل مصروفهم وحتى مساعدات غذائية لهم في سبيل بقائهم".

وذهب الشريف للقول: "طهران لديها مخطط جاهز للتغيير الديمغرافي بسوريا وخلق ضاحية دمشق على غرار ضاحية بيروت الجنوبية التي يتمترس بها حاليا حزب الله الحاكم الفعلي للبنان والذي يعد يد إيران هناك".

ومضى يقول: "جزء من داريا يقع ضمن مشروع عمراني وتجاري تعكف طهران على تمويله عبر رجال أعمال إيرانيين وسوريين مقرب جدا من بشار الأسد لإقامة حي كبير بدمشق يقع خلف السفارة الإيرانية بعد تهجير الأهالي الأصليين من منازلهم في حي المزة لإكمال المخطط التنظيمي الذي يعد أهم مشروع تجاري لطهران بقلب العاصمة".

وبحجة تنظيم العشوائيات السكنية أصدر رئيس النظام في 18 سبتمبر/أيلول 2012 مرسوما تشريعيا شمل منطقتين ضمن دمشق هما "خلف الرازي وكفرسوسة"، و"المتحلق الجنوبي"، حيث جرت تسمية المنطقة الأولى "ماروتا ستي"، وتعني بالآرامية (السيادة)، والثانية "باسيليا سيتي"، وتعني (الجنة).

واتضح لاحقا أن هذين المشروعين هما بؤر إيرانية داخل العاصمة ومتصلة بمشروع "الطوق الأمني" المذكور، ولا سيما بعد إصدار حكومة الأسد حزمة قرارات جديدة بينها "قانون تملك غير السوريين للعقارات، وحرية الدخول إلى سوريا والخروج منها، وتمويل المشاريع.

ورأى الشريف أن مسألة "إعادة توطين المليشيات الإيرانية جارية في مدن سورية كثيرة، لكنها تسير ببطء خوفا من القصف الإسرائيلي المتكرر لمواقعها والتي ولدت حالة من التمهل وحصر ذلك بالوجود العسكري وتثبيت التمركز، ويرجع ذلك لأسباب عدة".

وفصل تلك الأسباب بقوله: "إيران أمام الهجمات الإسرائيلية فشلت في إكمال حزام دمشق الشيعي عبر توطين الشيعة في مدن سنية بالكامل، إضافة إلى غياب الخدمات وعجز النظام السوري عن إعادة تأهيل البنى التحتية".

واستدرك الشريف قائلا: "لكن إيران عمدت إلى عمليات شراء عقارات وأراضي بريف دمشق في بلدات ومدن تشكل قوسا تحلم في جعلها موالية لها مستقبلا".

وأردف الشريف بالقول: "تدعيم مدينة داريا حاليا بمزيد من المليشيات الإيرانية يمكن أن يكون من باب التأمين العسكري لوفد السياح الشيعة الذين يأتون لزيارة المقام المخترع من قبل طهران".

وختم بالقول: "لكن ذلك تزامن مع تكليف طهران ضمن حملة التبشير الشيعي بسوريا جميل الأسد وهو عم بشار منذ عام 1981 للتنقيب عن مقامات آل البيت بدعم من جمعية الإمام المرتضى التي أسسها آنذاك".