اتفاقية الشراكة مع أوروبا "أليكا".. تنمي أم تدمر اقتصاد تونس؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قبل نحو 24 عاما، وتحديدا في العام 1995، في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وقعت تونس اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي لإلغاء الرسوم الجمركية أمام المنتجات الصناعية من الجهتين.

الاتفاقية وصفت حينها  بـ "الكارثية" من قبل البعض، بعد أن وضعت المنتج التونسي في منافسة غير متكافئة مع المنتج الأوروبي الأكثر جودة والأقل ثمنا، في حين اعتبر آخرون أنها ساعدت الصناعة التونسية على التطور والاستفادة من تكنولوجيات الدول المتقدمة لتطوير جودة المنتجات وترفيع الإنتاج.

اليوم يعود رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد إلى طاولة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، من أجل الإعداد لاتفاقية جديدة هي اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق "الأليكا" تشمل قطاعي الفلاحة والخدمات.

هذه الاتفاقية الجديدة التي يشوبها الكثير من الكتمان والغموض من قبل الحكومة التونسية، تقابل بمعارضة شديدة واتهامات من قبل عدد من أحزاب المعارضة والمنظمات والناشطين، محذّرين من مخاطرها وضررها المنتظر على العديد من القطاعات الاقتصادية بالنظر إلى المشاكل الهيكلية التي تعانيها وبالخصوص قطاع الفلاحة.

ما هي الأليكا؟

يقصد بمختصر كلمة "أليكا" بالحروف اللاتينية حسب ما ورد في الموقع الخاص الذي بثته الحكومة التونسية مختصر "مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق"، وتهتم أليكا بمشروع اتفاق بين تونس والاتحاد الأوروبي لتوسعة وتعزيز تعاونهم الاقتصادي.

وتجسم أليكا من هذا المنطلق هدفا رئيسيا لمرتبة "الشريك المتميز" التي حصلت عليها تونس لدى الاتحاد الأوروبي منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012 وهي عبارة عن أداة اندماج فعلي للاقتصاد التونسي في السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي، ومن هذا المنطلق، لا يتعلق الأمر باتفاق تجاري جديد بل بالأحرى باندماج أعمق للاقتصاد التونسي في الفضاء الأورو- متوسطي.

وسيتم هذا الاندماج للاقتصاد التونسي داخل الفضاء الاقتصادي الأوروبي عبر ملاءمة تدريجية للنصوص المنظمة للمناخ التجاري والاقتصادي بينهما عبر التقليص من العوائق غير الجمركية، وتبسيط وتسهيل الإجراءات الديوانية (الجمركية) وتحسين شروط نفاذ المنتجات والخدمات إلى كل من السوق التونسية والأوروبية على حد السواء.

كما يهدف الاتفاق الجديد بالخصوص إلى تكملة وتوسعة الاتفاق السابق ليشمل قطاعات أخرى إضافية لمنطقة التبادل الحر الخاصة بالصناعات المعملية التي تم إرساؤها بموجب اتفاق الشراكة لسنة 1995 واستكمال تنفيذها سنة 2008.

اتفاقية الشراكة لسنة 1995 اقتصرت على حذف المعاليم (الرسوم) الجمركية فقط على المنتجات المصنعة وتبادل بعض التنازلات بالنسبة لقائمة تشمل بعض المواد الفلاحية والغذائية والصيد البحري في إطار حصص.

الاتجاه المدمر

يقول المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية وهو منظمة غير حكومية أسست بعد العام 2011 "من نتائج اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي أن تونس خسرت ما لا يقل عن 2.4 بالمائة من الناتج المحلي الخام كما نتج عنه تبخر 55 بالمائة من النسيج الصناعي بين 1996 و2013، ويأتي مشروع اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي ليكرس هذا الاتجاه المدمر للاقتصاد التونسي وليذهب أبعد مما تدعو إليه منظمة التجارة العالمية".

الموقف المناهض لأليكا اشتركت فيه منظمات وطنية تونسية أكّدت على رفض الاتفاقية، والتحذير منها، إذ أكّد المجلس المركزي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري رفضه بشكل قطعي التوقيع على الاتفاقية في صيغتها الحالية، معتبرا تأهيل القطاع الفلاحي أولوية وطنية لا يمكن ربطها بملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي.

اتحاد الفلاحين قال في بيانه الصادر 20 فبراير/شباط 2019 إن "الاتحاد يحذر من عواقب هذه الخطوة التي تمثل خطرا ليس فقط على الفلاحة بل وكذلك على الاقتصاد والبلاد وعلى جميع التونسيين"، داعيا إلى أن "يخضع التفاوض حول الاتفاقية إلى مبدأ التفويض الشعبي من البرلمان والتفويض المهني من الفلاحين عبر منظمتهم إلى جانب مراجعة مقاييس الاتفاقية باتجاه حماية الأنشطة الفلاحية السيادية وصغار الفلاحين من خطر المنافسة".

في الوقت نفسه، أعلن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في كلمته يوم 1 مايو/آيار 2019 في احتفال اليوم العالمي للعمال أمام جمع غفير من النقابيين ببطحاء محمد علي بالعاصمة، رفض الاتحاد لـ"أليكا" قائلا: "لا للاأليكا.. لا للاستعمار الجديد ببلادنا"، واعتبر الطبوبي في وقت سابق في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء على هامش افتتاحه لأعمال الجامعة العامة للفلاحة إن "اتفاقية "الأليكا" ستنسف القطاع الفلاحي إذا ما تم إمضاؤها في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد".

وقال "أستغرب أن تهرول تونس لإمضاء اتفاق هو بالأساس خيار إستراتيجي وطني يشمل قطاعي الفلاحة والخدمات ولا يمكن الحسم فيه إلا بإشراك مختلف المنظمات الوطنية والمجتمع المدني وجميع مكونات الطيف السياسي حتى يكون خيارا يخدم المصلحة الوطنية".

معارضة حزبية

عدد من أحزاب المعارضة عبرت عن رفضها لاتفاق الأليكا، محذّرين من مخاطره على مستقبل عيش التونسيين، إذ قالت عضو مجلس نواب الشعب والقيادية في التيار الديمقراطي سامية عبّو في تصريح لإذاعة جوهرة إن رفضها لتمرير اتفاقية الأليكا من منطلق حرصها على مصلحة الفلاح التونسي ومصلحة البلاد ككل؛ لأن تمرير هذه الاتفاقية سيلحق ضررا كبيرا بالفلاح التونسي.

عبو أوضحت أنه "في حال ما تم تمرير اتفاقية الأليكا فلن يكون في تونس أي مربع صالح للعيش لأن التبادل الحر في المجال الفلاحي يعني السماح للفلاح الأجنبي الذي يتمتع بدعم مطلق من حكومته في الإنتاج بإغراق السوق التونسية بمنتجاته في المقابل لا يتوفر الفلاح التونسي على أبسط ظروف الإنتاج".

من جهته قال الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي وهو أحد مكونات الجبهة الشعبية المعارضة في تونس في تعليقه على الأليكا: "الدولة التونسية تتعرض لعملية وضع اليد من خلال اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق (الأليكا) مع الاتحاد الأوروبي".

وأوضح خلال ندوة نظمها الحزب بالعاصمة تحت عنوان "مخاطر اتفاق الأليكا على السيادة الوطنية"، "أن المفاوضات التي انطلقت منذ أكثر من سنة بين تونس والاتحاد الأوروبي ستؤدى إلى عملية إدماج قصري للاقتصاد الوطني في الفضاء الأوروبي، دون إنارة الرأي العام بخطورتها".

مضيفا بأن هذا الاتفاق يمثل خطرا على تونس وبمثابة "الاحتلال الناعم"، وهو نفس موقف بقية مكونات الجبهة الشعبية وباقي الأحزاب المعارضة التي شبهت هذه الاتفاقية باتفاقية باردو 1881 الذي انتصبت بموجبها الحماية الفرنسية على تونس إثر تدهور اقتصاد البلاد وعجزها عن تسديد ديونها الخارجية.

زاوية أخرى

هذا الاتفاق النادر بين الاتّحاد العامّ التونسي للشّغل والاتّحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة واتّحاد الفلاّحين وشبه إجماع داخل أوساط أحزاب المعارضة  والناشطين الاجتماعيّين وما يُعرف بمنظّمات المجتمع المدني، على رفض اتفاقية أليكا، قد يخفي زاوية أخرى ممّا قد تقدّمه هذه الاتفاقية لتونس من فرص في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد.

ففي ردّ على وصف هذا الاتفاق بالاستعماري، قال الناشط والباحث وليد حدوق في مقال لـ "ألتراصوت": "خلافًا للخطاب المُهيمِن لبعض التيّارات السياسيّة والفكريّة والذي يؤصّل لعلاقة تاريخيّة بين فتح الأسواق والاستعمار، فإنّه من المعلوم أنّ الاستعمار بصفة عامّة – والفرنسيّ منه على وجه التّحديد – إنّما أقام سلطانه على احتكار الإنتاج والتّجارة داخل المُستعمرات وتضييق المبادلات بينها وبين شركائها التّقليديّين من جهة والمراكز الاستعماريّة نفسها".

ويضيف حدوّق: "من المؤسف أن يستسهل البعض ربط كلّ دعوة لتحرير التّجارة والاقتصاد بالخضوع للهيمنة وضرب الاقتصاد الوطني إلى الحدّ الذي انحسرت معه أو انعدمت المواقف الدّاعمة لتحرّر التّجارة والأنشطة الاقتصاديّة من مُنطلق الانحياز الوطنيّ لقيم الكدّ والكسب وطلب الرزق".

الاتفاق سيسمح بنفاذ المنتجات التونسية بكل سهولة داخل الأسواق الأوروبية والتي تضم أكثر من 500 مليون مستهلك، كما ستساهم في تحسين ظروف الاستثمار والمناخ العام للأعمال بفضل إرساء أطر قانونية متقاربة ومشابهة لقوانين الاتحاد الأوروبي، مع ملاءمة تدريجية للاقتصاد التونسي مع المعايير الأوروبية والتي من شأنها الرفع من مستوى جودة المنتجات والخدمات التونسية الشيء الذي سيعود بالمنفعة على المستهلك التونسي ويسهل دخول المنتجات والخدمات التونسية إلى أسواق أخرى.

الكلمات المفتاحية