بسبب سوء الأوضاع المعيشية.. إلى أين تتجه كرة الغضب في تونس؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "لوموند" الفرنسية الضوء على موجة الانتقادات القوية التي يواجهها الرئيس التونسي قيس سعيد بعد أكثر من أربعة أشهر على تفرده بسلطة البلاد.

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، حين شرع سعيد في اتخاذ قرارات، منها: تجميد البرلمان، وإقالة رئيس الحكومة، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، ما اعتبره كثيرون "انقلابا صريحا على السلطات المنتخبة".

ويتبنى سعيد مقاربات أمنية في التعامل مع المعارضين لقراراته الانقلابية والرافضين للأوضاع المعيشية الصعبة، ما تسبب في حالة احتقان اجتماعي بعموم البلاد.

منعطف حرج

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنه مع معدل نمو ضعيف وعجز آخذ في الاتساع، دخلت تونس إلى منعطف حرج على المستوى الاقتصادي.

ويتزامن ذلك مع توجه الحكومة التونسية للمرة الرابعة خلال عشر سنوات إلى صندوق النقد الدولي، من أجل الحصول على المزيد المساعدة المالية.

وتختبر هذه الظروف الرئيس سعيد، الذي يسيطر على كل سلطات البلاد.

ولفتت إلى أن سعيد حتى ولو ظل متقدما في استطلاعات الرأي، فسيتعين عليه التعامل مع نفاد الصبر المتزايد في بلد بحاجة إلى الإصلاح.

وتعرض اقتصاد تونس إلى ضربات موجعة، على خلفية الإغلاق العام بسبب جائحة كورونا، ما تسبب في تراجع مداخيل السياحة والاستثمارات الخارجية.

وتتوقع الحكومة التونسية عجز موازنة 7.94 مليارات دينار (2.85 مليار دولار) في كامل 2021، بما يعادل 6.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

انفجار اجتماعي

ونقلت "لوموند" عن وزير المالية السابق فاضل عبد الكافي رئيس حزب آفاق تونس، قوله إن "الآلاف من الشركات الصغيرة والمتوسطة على وشك الإفلاس بعد الأزمة الصحية".

وأضاف: "المستثمرون الأجانب ما زالوا حذرين في مواجهة الوضع السياسي غير المستقر خاصة مع عدم وجود خارطة طريق واضحة".

وهو مايتجلى في الإعلان عن إضراب عام في الأيام القليلة المقبلة في مدينة صفاقس جنوب شرقي البلاد، احتجاجا على أزمة النفايات المتفاقمة منذ شهور.

كما بدأت نقابات العاطلين عن العمل في التحرك ضد قرار الرئيس سعيد إلغاء العمل بالقانون عدد 38، الذي يعد بتوظيف العاطلين عن العمل في القطاع العام، ممن تخطت بطالتهم عشر سنوات.

ووصف سعيد هذا القانون بأنه "وهمي ومضلل"، حيث تعهد بإيجاد حلول بديلة في بلد تمثل فيه فاتورة رواتب موظفي الدولة ما يقرب من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد ارتفع عدد المظاهرات الاجتماعية إلى 789 بعد أن كان 442 في أغسطس/ آب 2021، بحسب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

ومع استمرار تزايد هذه الاحتجاجات في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، يشير المنتدى إلى خطر حدوث "انفجار اجتماعي كبير، يغذيه عجز الرئيس وحكومته عن تلبية سقف التوقعات المرتفعة للغاية التي ذكرها سعيد في 25 يوليو".

وأشارت الصحيفة إلى أن الغموض في تصريحات قيس سعيد يزعج القوى النقابية ويغذي تيار المعارضة داخل الطبقة السياسية.

وإضافة إلى المظاهرات التي نظمها نشطاء وأنصار حزب النهضة (أكبر كتلة بالبرلمان المحلول)، تحشد باقي المعارضة أيضا تظاهرات مناهضة للحكم الفردي لسعيد.

خيبة أمل

ولفتت الصحيفة الفرنسية إلى تظاهر رئيسة الحزب الحر الدستوري (معادي للثورة) عبير موسي، ضد سعيد، مع أنصارها في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

وتنتقد موسي بانتظام سعيد في مداخلاتها الإعلامية، بينما تطالب بحل البرلمان والدعوة السريعة لإجراء انتخابات مبكرة.

على الجانب الآخر، أصبحت أحزاب اليسار القومي، التي كانت في الأصل مؤيدة للرئيس، أكثر خجلا في دعمها، لا سيما منذ القرار بشأن مشروع القانون 38 الذي دعمه البعض منهم أثناء التصويت عليه.

وتعليقا على ذلك، نقلت الصحيفة عن الباحث في العلوم السياسية محمد ضياء الهمامي قوله إنه "يمكن أن ينتهي الخطاب العدائي من قبل النخب بالتأثير على الرأي العام الذي كان حتى الآن متساهلا للغاية مع رئيس الدولة".

وأوضح الهمامي أن خيبة الأمل السائدة من عدم وفاء سعيد بوعوده تهدد بقلب التيار ضده.

كما تكسب المعارضة أيضا قسما من المجتمع المدني، الذي أعرب مرارا عن مخاوفه من تراجع الحقوق والحريات.

حيث نددت عدة جمعيات بالقيود المفروضة على الوصول إلى مختلف التظاهرات التي خرجت في الأشهر الأخيرة.

ففي تقرير نشر في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021،  بمناسبة مرور مئة يوم على انقلاب سعيد، ندد "التحالف من أجل الأمن والحريات"، وهو ائتلاف جمعياتي، بانتهاكات عديدة بسبب قرارات سعيد.

مثل محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية، أو الاعتداء على الصحفيين والنشطاء الذين رفعوا شعارات تتحدث عن  "إفلات الشرطة الدائم من العقاب".

فيما يلخص لمين بنغازي، المنسق بمنظمة "محامون بلا حدود" غير الحكومية الوضع بحزن، قائلا: "هناك مظالم كثيرة تثير أسئلة عديدة حول تركيز السلطات بيد سعيد".

وأضاف أن "كل هذه الظواهر العارضة تظهر أننا اعتدنا على أن يحكمنا رجل واحد، وأننا نفقد مرة أخرى مكانتنا كمواطنين، كما كان الحال في عهد زين العابدين بن علي (1987-2011)".

أوضاع صعبة

وأظهر البارومتر السياسي الشهري انخفاضا بنسبة 10 بالمئة في شعبية سعيد ليصل إلى 72 بالمئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

واعتبرت الصحيفة أن التونسيين يتشككون بشكل متزايد في أن الوضع الاقتصادي سوف يتحسن مع انقلاب سعيد.

وأظهرت بيانات حديثة نشرها المعهد الوطني للإحصاء أن تخفيض قيمة العملة التونسية أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 6.3 بالمئة.

وحتى الآن، لم يتم الاتفاق رسميا على أي قرض إنقاذ أو تمويل مع أي مانحين، ولا تزال تونس في حالة من الجمود المالي.

ويبدو أن سعيد يفقد الدعم من الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد أن حل وزارة الشؤون المحلية، ووضع البلديات المنتخبة ديمقراطيا تحت سيطرة وزارة الداخلية.

وصرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية بالبلاد)، نور الدين الطبوبي أنه كان ضد برنامج  سعيد القائم على الحكم من خلال المجالس المحلية.

وأكد أنه "لا توجد حياة سياسية بدون أحزاب، بدون ديمقراطية، وبدون صندوق اقتراع".

وفي تصريحات حديثة، دعا حكومة سعيد إلى مصارحة الشعب بأوضاع البلاد الصعبة، وتحمل المسؤولية في البحث عن حلول لها.