تمهيدا للأسوأ.. هكذا تتحايل أوروبا لـ"شرعنة" العنف مع اللاجئين وإغراق مراكبهم

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من موجات الهجرة واللجوء، أصبحت العديد من الدول الأوروبية أكثر تشددا في قبول القادمين الجدد هربا من الأوضاع الصعبة في بلدانهم.

وفيما اتجهت بعض الدول الأوروبية إلى تجييش حدودها البرية والبحرية في مواجهة آلاف المهاجرين لمنعهم من الدخول إلى أراضي التكتل، اتجهت دول أخرى إلى إجراء تغييرات على القوانين للحد من الظاهرة المتصاعدة.

وداخل حدود التكتل استطاعت بولندا إجراء تعديلات قانونية لحماية حرس الحدود من المساءلة عن الانتهاكات التي يمكن أن تقع مع طالبي اللجوء.

أما خارج حدود الاتحاد الأوروبي فتسعى المملكة المتحدة إلى إدخال بند في قانون الجنسية والحدود يمنح المسؤولين وحرس الحدود حماية قانونية من الملاحقة في حالة غرق أي مهاجر أو وفاته. 

الموت بردا

وسط اتهامات متبادلة بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، استغلت الأطراف أزمة المهاجرين لأغراض سياسية، تاركين أكثر من 4 آلاف مهاجر أغلبهم من أصول عراقية وأفغانية يصارعون البرد القارص وخطر الموت من التجمد بين حدود البلدين دون تقديم أي مساعدة لهم أو حلول لأزمتهم. 

وشهدت الأسابيع الأخيرة تزايدا في أعداد المهاجرين على الحدود البرية بين بيلاروسيا وبولندا بعد فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مينسك.  

ونقلت وكالة رويترز البريطانية في 21 يونيو/حزيران عن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل فرض التكتل عقوبات على بيلاروسيا تشمل حظر السفر وتجميد أصول 76 فردا بينهم وزيرا النقل والدفاع إلى جانب 8 شركات تابعة لحكومة بيلاروسيا. 

وتأتي الخطوة الأوروبية في محاولة للضغط على رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو بعد إجبار بلاده طائرة ركاب كانت متجهة من اليونان إلى ليتوانيا اللتين تنتميان للاتحاد الأوروبي على الهبوط قسرا في مينسك في 23 مايو/أيار 2021 واعتقال صحفي معارض وصديقته كانا على متن الطائرة.

واتهم الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا بتنظيم نقل الأشخاص من دول الشرق الأوسط وخداعهم للاعتقاد بقدرتهم على دخول أوروبا، كجزء من حملة لخلق حالة من عدم الاستقرار مع موجة جديدة من الهجرة الجماعية إلى التكتل كرد على العقوبات التي فرضتها أوروبا على النظام في مينسك.

وتركت الطريقة التي تعاملت بها كل من بولندا وبيلاروسيا المهاجرين محاصرين بين البلدين، ما جعل الكثير من منظمات الإغاثة تحذر من أزمة إنسانية تلوح في الأفق مع حلول فصل الشتاء.

وتشير بعض التقارير إلى وفاة ما لا يقل عن 11 شخصا من العالقين، معظمهم بسبب البرودة وانخفاض حرارة الجسم بين بولندا وبيلاروسيا.

ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تدفق المهاجرين على حدود بولندا بأنه هجوم هجين من قبل نظام استبدادي على جيرانه. 

وهددت فون دير لاين في تغريدة على تويتر في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بفرض مزيد من العقوبات على بيلاروسيا والدول التي تساعدها في الإضرار بالاتحاد الأوروبي على حد وصفها. 

وأشارت وكالة الأناضول التركية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أن أعداد اللاجئين الذين حاولوا العبور من بيلاروسيا إلى الاتحاد الأوروبي ارتفعت إلى 7935 شخصا خلال العام 2021 مقارنة بـ 150 شخصا فقط خلال العام 2020 وذلك وفق الأرقام الصادرة عن بروكسل.

تقنين العنف

تخطت الدول الأوروبية والحكومات عتبة جديدة من العنف تجاه المهاجرين واللاجئين فيما يتعلق بكيفية حراسة الحدود، وهو ما اعتبره البعض بأنه يعكس تطورات ضارة، ويشكل سابقة مقلقة لكيفية تعامل البلدان الغنية مع عمليات النزوح الحالية والمستقبلية. 

ومع تزايد أعداد المهاجرين خلال السنوات الأخيرة استخدمت الدول الأوروبية في كثير من الأحيان العنف في مواجهة اللاجئين بعد دفع الجنود بأعداد كبيرة إلى حدودها.

لكن خلال عمليات صد المهاجرين غالبا ما تقع الكثير من الانتهاكات التي أدت عمدا أو بدون قصد إلى وفاة العديد من النازحين إما على الحدود البرية أو خلال صدهم داخل المياه الإقليمية للدول. 

مثل هذه الانتهاكات كانت تواجه بانتقادات حادة من المنظمات الدولية ومطالبات بتنفيذ مواد القانون الدولي على المخالفين.

وهو ما أدى إلى إدخال بعض الدول تعديلات تمنح موظفي قوة الحدود حصانة من الملاحقة القضائية إذا فشلوا في إنقاذ الأرواح في البحر.

وفي مواجهة موجة النزوح الكبيرة أقر البرلمان البولندي في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تشريعا وصفه مدافعون عن حقوق الإنسان بأنه يهدف إلى إضفاء الشرعية على عمليات صد المهاجرين عبر حدوده في انتهاك لالتزامات البلاد بموجب القانون الدولي بحسب وكالة رويترز.

وقالت الوكالة إن جماعات حقوقية انتقدت الحكومة القومية البولندية بسبب معاملتها للمهاجرين على الحدود، واتهمتها بالقيام بعدة عمليات صد غير قانونية. 

وأشارت إلى أن التعديلات التي أدخلت على القانون تشمل إجراء يمكن بموجبه إصدار أمر لشخص يقبض عليه بشكل غير قانوني وهو يعبر الحدود بمغادرة الأراضي البولندية بناء على قرار رئيس حرس الحدود المحلي.

بالإضافة إلى ذلك، يسمح مشروع القانون لرئيس مكتب الأجانب بتجاهل طلب الحماية الدولية من قبل أجنبي تم القبض عليه فورا بعد عبوره الحدود بشكل غير قانوني.

ونقلت الوكالة عن عدد من المنظمات الحقوقية البولندية ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا قولهم إن القانون الجديد لا يضمن الإنصاف الفعال للأشخاص المهاجرين أو اللاجئين الذين يسعون للحصول على الحماية الدولية.

وتشير بعض التقارير الأجنبية إلى أنه بموجب القانون المعدل حديثا، سيجبر الأجنبي الذي تم إيقافه بعد عبوره الحدود البولندية بشكل غير قانوني على مغادرة الأراضي البولندية وسيتم منعه مؤقتا من دخول البلاد لفترة تتراوح بين ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.

سد المنافذ

كما سيكون للسلطات البولندية الحق في رفض طلبات لجوء مقدمة من أجانب جرى إيقافهم فور دخولهم بشكل غير قانوني، ما لم يكن قد وصلوا من بلد تتعرض فيها حياتهم وحريتهم للتهديد.

الخطوة البولندية ربما جعلت السلطات في بريطانيا تعيد النظر في القوانين الخاصة بها لتعلن وزيرة الداخلية بريتي باتيل أنها تسعى إلى إدخال بند في قانون الجنسية والحدود.

ومن خلال البند تحاول الوزيرة منح موظفي الحدود الذين ينفذون عمليات صد قوارب المهاجرين في القناة حصانة من الإدانة في حال توفي أحد طالبي اللجوء خلال تلك العمليات.

وبحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، تنص إحدى فقرات القانون على أن "الضابط المعني ليس مسؤولا في أي إجراءات جنائية أو مدنية عن أي شيء يتم القيام به في الأداء المزعوم للوظائف".

وأشارت الصحيفة في 13 أكتوبر/تشرين الأول إلى أن باتيل تتعرض إلى ضغوط من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون وأعضاء حزب المحافظين لوقف ارتفاع أعداد المهاجرين الذين يدخلون إلى المملكة المتحدة عبر قوارب صغيرة.

وأوضحت أن أكثر من 17 ألف مهاجر دخلوا إلى بريطانيا خلال العام 2021 باستخدام قوارب صغيرة وهو رقم يمثل أكثر من ضعف عدد العابرين في عام 2020. 

وتتمثل الأهداف المعلنة لمشروع القانون الذي ما يزال في مرحلة النقاش في إحدى اللجان البرلمانية، في جعل نظام اللجوء أكثر عدلا وردع الدخول غير القانوني إلى المملكة المتحدة وإبعاد الأشخاص الذين ليس لديهم الحق في الوجود في البلاد بحسب الغارديان.

وقالت الصحيفة إن أي شخص سيصل إلى المملكة المتحدة عبر طريق غير قانوني، يمكن أن يحكم على ادعائه بأنه غير مقبول، ويحكم عليه بالسجن لمدة تصل إلى أربع سنوات.

ونقلت عن محامي الهجرة، كولين يو، أن البند لم يضمن نجاحه في حماية الموظفين من المقاضاة بموجب القوانين البحرية أو المحلية. 

وأضاف يو: "كما أنه من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون من المعقول ترك شخص ما يغرق في البحر أو في قارب صغير ليس لديه ما يكفي من الوقود للوصول إلى اليابسة".

"جيش ظل"

وشدد المحامي المتخصص في شؤون الهجرة أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار تنص على أن كل دولة مطالبة بتقديم المساعدة لأي شخص يعثر عليه في البحر ويتعرض إلى خطر الضياع.

وقالت صحيفة الغارديان إن هذه ليست مشكلة اليوم فقط، ورجحت أن يكون ما جرى "بروفة" لكيفية تعامل الحكومات الأوروبية مع آثار أزمة المناخ في السنوات القادمة. 

وتشير آخر التوقعات الصادرة عن البنك الدولي في 13 سبتمبر/أيلول 2021 بأن 216 مليون شخص قد ينزحون داخل بلدانهم بسبب نقص المياه وفشل المحاصيل وارتفاع مستويات سطح البحر بحلول عام 2050. 

وأظهرت أن بعض هؤلاء قد ينتهي بهم الأمر إلى الهجرة خارج البلاد إذا واجهوا توقعات اقتصادية سيئة أو صراعا وعدم استقرار في الداخل. 

وكشف فريق دولي من الصحفيين الاستقصائيين في جنوب شرق أوروبا، أن كرواتيا واليونان تستخدمان "جيش الظل" ووحدات ترتدي أقنعة وملابس مدنية مرتبطة بقوات الأمن النظامية في تلك البلدان، لإجبار المهاجرين على العودة من حدودهم بحسب تقرير للغارديان البريطانية. 

وأشارت الصحيفة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إلى أنه في كرواتيا تم تصوير هذه الوحدات وهي تضرب الناس بالهراوات على الحدود مع البوسنة. 

وفي اليونان، يتهمون باعتراض القوارب في بحر إيجه ووضع الركاب على طوافات النجاة في المياه التركية.

واعتبرت الصحيفة أن الصدمة الأكبر هي أن ما تم الكشف عنه قوبل إلى حد كبير بعدم اكتراث من قبل مسؤولي الاتحاد الأوروبي الذين يساعد تمويلهم في دعم الدفاعات الحدودية في كلتا الدولتين. 

وقالت إن اثنتي عشرة دولة عضو تطالب الاتحاد الأوروبي بتعديل قواعده حتى يتمكن من تمويل المزيد من الإجراءات الوقائية، بما في ذلك الجدران والأسوار عند حدوده الخارجية.

وأضافت الغارديان: "تشير هذه القصص معا إلى أن صد وإجبار المهاجرين من أراضي الدولة حتى وإن جرى وضعهم في طريق الأذى أصبح ممارسة راسخة".

وأشارت إلى محاولة بعض الحكومات إيجاد طرق لجعل هذه الممارسة قانونية في الوقت الذي تعرض فيه اقتراح المملكة المتحدة لانتقادات شديدة من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، التي قالت إنه لا مفر من أنه "سيعرض الأرواح للخطر".