رغم تحالفهما لدعم الأسد.. لماذا تتنافس روسيا وإيران على "كهرباء سوريا"؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يركز النظام السوري على لفت النظر إلى العمل لإعادة تأهيل محطات توليد الكهرباء المدمرة بالكامل أو المتضررة في مناطق نفوذه حصرا، وذلك بدعم من حليفتيه روسيا وإيران.

واللافت أن قطاع الكهرباء في سوريا المنهار والذي يعجز النظام السوري على تحسينه إلى الآن، أخذ طابعا تنافسيا جديدا بين موسكو وطهران على الأراضي السورية.

تسابق كهربائي

تشي الوقائع الميدانية بأن الحراك الروسي الإيراني يسير في مضمار الحصول على عقود جديدة من النظام السوري بقطاع الكهرباء، والإيهام بأنهما يسعيان لتذليل المعوقات التي تعترض تنفيذ المشاريع بشكل عاجل.

وتقدر خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020، وفق أرقام حكومية، بـ 100 مليار دولار، فيما وصلت الخسائر المباشرة وغير المباشرة في القطاع النفطي إلى 95 مليار دولار، ولا سيما أن 70 بالمئة من محطات التحويل وخطوط نقل "الفيول" هي متوقفة الآن نتيجة تعرض المحطات لقصف مباشر.

ليس بجديد استحواذ كل من طهران وموسكو على عقود من حكومة النظام السوري برئاسة بشار الأسد في قطاع الكهرباء، إلا أنها كانت متركزة بشكل أكبر على قطاعات استثمارية أخرى.

لكن حليفتا الأسد عادتا للتوجه نحو قطاع الكهرباء بشكل مفاجئ والاستثمار فيه بشكل آجل، وليس بقصد تحسينه، بل كورقة ضغط سياسية تضمن دورهما على صعيد الحل السياسي مستقبلا.

وفي 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وقعت وزارة كهرباء النظام السوري عقدا مع شركة "بيمانير" الإيرانية لإعادة تأهيل محطة محردة بريف حماة باستطاعة 576 ميغاواط، وبلغت قيمة العقد 99 مليونا ونصف المليون يورو وبمدة تنفيذ 26 شهرا.

وتبع ذلك بأيام، وتحديدا في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، اتفاق روسيا ونظام الأسد على تعزيز العمل المشترك في قطاع الكهرباء وتذليل المعوقات التي تعترض تنفيذه، حيث أبدت موسكو استعدادها لتقديم سبل الدعم كافة لقطاع الكهرباء السوري.

كما اتفقت حكومة الأسد مع إحدى الشركات الروسية لإعادة تأهيل المجموعة البخارية الثانية في محطة توليد تشرين الحرارية بريف دمشق، وأوضحت أنها ستؤدي إلى رفد الشبكة باستطاعة إضافية بحدود 200 ميغاواط.

ويوجد 14 محطة توليد للكهرباء في سوريا قبل عام 2011، 11 منها تعمل على الوقود الأحفوري، والثلاث الباقية على الطاقة المائية.

ومنذ العام 2015 خرجت ثلاث محطات توليد من الخدمة، وهي محطة توليد حلب البخارية باستطاعة 1065 ميغاواط، ومحطة توليد زيزون في إدلب عام 2016 بطاقة إنتاج كانت 450 ميغاواط، ومحطة توليد التيم في دير الزور الغازية عام 2017 والتي كانت تبلغ طاقة إنتاجها 102 ميغاواط.

ويعول النظام السوري على إنشاء محطة توليد اللاذقية - الرستن في اللاذقية بقدرة إنتاج تبلغ 526 ميغاواط، وتزعم حكومة الأسد أن الجزء الأول من المحطة سيدخل عملية الإنتاج في الربع الأول من عام 2022 بقدرة إنتاج تبلغ 183 ميغاواط.

دعاية داخلية

ومنذ أواخر عام 2019 أعد النظام السوري دراسة تتضمن رفع توليد الكهرباء إلى 9 آلاف ميغاواط حتى عام 2023، ولهذا ربط اقتصاديون سوريون تسريع النظام عجلة التعاقد في مجال الكهرباء مع موسكو وطهران.

وأوضح هؤلاء أن النظام السوري يهدف إلى استعادة القدرة الإنتاجية للكهرباء أو تحسينها، بدعم من بعض الدول العربية بهدف انعكاس ذلك على الحل السياسي؛ لكون النظام استخدم الكهرباء سابقا وما يزال عبر قطعها كأداة عقابية وضغط ممنهج على الشعب.

يذكر أن النظام السوري يتبع خطة التقنين في التيار الكهربائي، إذ تصل ساعات القطع اليومي إلى 17 ساعة.

ويتذرع النظام بالنقص في مادتي الغاز التي تعتمد 70 بالمئة من المحطات عليه لتشغيلها، والفيول بنسبة 30 بالمئة كذلك، ويرمي عجزه في تأمين ذلك على الحصار الاقتصادي بموجب العقوبات الأميركية والأوروبية.

ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "الوطن" الموالية في 5 يوليو/تموز 2021 فإن إنتاج الطاقة الكهربائية انخفض من 49 مليار كيلو واط (في الساعة) منذ عام 2011، إلى 19 مليار كيلو واط في عام 2016، ثم ازداد إنتاج الطاقة إلى 27 مليارا خلال عام 2020 لازدياد كمية الغاز المورد إلى محطات التوليد.

وتقدر نسبة استطاعات مجموعات التوليد المدمرة أو المتضررة في سوريا بنسبة 50 بالمئة في كل محطات البلاد المختلفة.

والتسابق واللهاث الروسي الإيراني على كسب عقود جديدة في قطاع الكهرباء هو عملية ابتزاز تهدف إلى مزيد من الاستحواذ على العقود وإيداعها في صندوق إعادة الإعمار المؤجل، وخاصة أن لا فوائد آنية أو شهرية لحل مشكلة الكهرباء في مناطق الأسد.

ويرجع ذلك لأسباب كثيرة حسبما أوضح سمير الداوود، وهو مدير سابق لإحدى محطات الكهرباء بريف دمشق بقوله "إن أي محطة توليد تحتاج إلى عامين من العمل المتواصل لإعادة تأهيلها ووضعها في الخدمة، وهذا يعني أن طهران وموسكو تريدان أن تضمنا عقودا يمكن أن تتنازلا عنها مستقبلا كورقة سياسية أو حتى تسليم تأهيلها لشركات ربما أجنبية".

وذهب الداوود للقول: "إن تحسين وضع الكهرباء بسوريا هو قرار سياسي، وهذه العقود ربما لخلط الأوراق بمعنى أن حلفاء الأسد ما يزالون يفوزون بها، وهي دعاية داخلية لرئيس النظام بأنه يعمل على تأهيل هذا القطاع".

تنافس الحلفاء

ويعول النظام السوري على حدوث تحسن طفيف بالتيار الكهربائي من خلال دوره في استجرار كميات الكهرباء التي ينتجها الأردن ويوردها إلى لبنان عبر الأراضي السورية بموجب اتفاق مساعدة بيروت ضمن خطة أميركية.

وكان النظام السوري وافق على حصوله على كمية من التيار الكهربائي مقابل تمرير خطة واشنطن في أغسطس/آب 2021 لإنقاذ لبنان من أزمة إمدادات الكهرباء لنقص الوقود اللازم لتوليد الطاقة، التي دخلها منذ يونيو/حزيران 2021، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده.

ويقضي الاتفاق بأن يزود لبنان بكمية من الطاقة الكهربائية قدرها 150 ميغاواطا من منتصف الليل وحتى الساعة السادسة صباحا وبـ250 ميغاواطا من الساعة السادسة صباحا وحتى منتصف الليل.

ويرى كثير من المراقبين الاقتصاديين أن الاستثمارات الروسية تركز على الحصول على مشاريع جاهزة، كمشروع ميناء اللاذقية، لأن الروس يريدون تحصيل أموالهم التي دفعوها في تدخلهم بسوريا بالإضافة إلى نسبة من الأرباح، بينما الإيرانيون لديهم أطماع أبعد من اقتصادية تتعلق بالأيديولوجيا والمد الشيعي.

وهذا ما فصله المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف بقوله لـ "الاستقلال": "إن إيران نجحت في الاستحواذ على قطاعات حيوية ووقعت عقودا مع النظام أكثر من الروس، وجميعها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني، وهي بمثابة غنائم حرب مؤجلة".

وأضاف الشريف: "بالنسبة لإيران فجميع اتفاقياتها في سوريا ذات طابع دعائي أمام الشعب الإيراني المنهك اقتصاديا ولكي تعطي صورة على أنها تجني مكاسب استثمارية مقابل تدخلها العسكري المفرط والذي خسرت فيه مئات القتلى الإيرانيين".

ولفت الشريف إلى أن "عقود كل من إيران وروسيا حاليا في ظل انهيار النظام السوري وحاجته لوقوفهما معه، هو حجز مشاريع واستثمارات هامة في سوريا وتركها على الرف بعد ضمان كل الأمور القانونية المتعلقة بالعقود والاتفاقات الموقعة على اعتبار أنها قانونية والتي لا يمكن سحبها بالهين من بين يديهما إلا بتنازل منهما في حال حصول حل سياسي".

ومثلت سوريا أحد مواقع النفوذ الخارجية القليلة المتبقية لروسيا، ونقطة وصول هامة لها إلى المياه الدافئة في البحر المتوسط.

ولهذا تظهر تحركات الروس بسوريا على الصعيد الاقتصادي عبر محاولتهم الاستئثار على القسم الأكبر من الاستثمارات، بالأخص ما يتعلق بالنفط والغاز وإعادة الإعمار دون مراعاة مصالح الإيرانيين والاتفاقات الموقعة من جانبهم مع النظام السوري.

الحصة الأكبر

لكن في الوقت نفسه تمكنت إيران منذ عام 2012 من تفكيك اقتصاد الدولة السورية، وانتزاع حصص اقتصادية تعتبر من الثروات السيادية لسوريا، وكل ذلك لقاء دعمها المالي لمنع سقوط الأسد، ومقابل أموالها التي صرفتها في البلاد.

وبحسب ما قال عضو المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، مهدي عقبائي، لـ"الاستقلال"، فإن "النظام الإيراني أنفق ما يقرب من 100 مليار دولار من ثروات شعبه في سوريا لتعزيز سياساته التدخلية والإرهابية في المنطقة".

بينما يقدر اقتصاديون سوريون حجم الإنفاق العسكري الروسي منذ تدخلها في سوريا بنحو 7 مليارات دولار.

وتدخلت روسيا في 30 سبتمبر/أيلول 2015 بسوريا لمساندة بشار الأسد على استعادة قواته مناطق شاسعة في البلاد، كانت بقبضة الفصائل المعارضة.

وسبق أن قدم النظام السوري لدعم حكمه سلسلة طويلة من التنازلات، والتي شملت التخلي عن ميناء طرطوس لروسيا واللاذقية لإيران.

ومنح طهران وموسكو مطارات عسكرية وعقودا في آبار النفط وحقول الفوسفات، وفي الخدمات والبناء والمواصلات والزراعة والطرق والجسور، وكذلك في مشاريع البنى التحتية، إلى جانب عقود طويلة الأجل يصل بعضها إلى 50 عاما.

ونجحت روسيا في توقيع ما يقارب 40 اتفاقا وصفقة تجارية مع النظام السوري خلال العقد الأخير، بينما تفوق العقود والمشاريع الإيرانية مثيلتها الروسية.

إذ وقعت إيران مع النظام السوري خلال عام 2019 نحو 35 اتفاقية، منها توقيع 23 فقط في يناير/كانون الثاني من العام المذكور دفعة واحدة، وسبق ذلك عشرات العقود والمذكرات والتفاهمات.

وكانت صحيفة "قانون" الإيرانية اعتبرت في تقرير لها نشرته في يناير/كانون الثاني 2018، أن على العالم الإدراك بأن إيران هي من تحملت تكلفة بقاء الأسد في رئاسة سوريا، "ودفعنا ثمنا باهظا لذلك"، حسب تعبيرها.

وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك حينما وصفت بشار الأسد بأنه "بلا مبادئ، وناكر للجميل بسبب اتفاقه مع الروس حول تسليم ملف إعادة إعمار سوريا للروس بدلا من إيران".

وكثيرا ما طرح النموذج العراقي لتعامل إيران مع سوريا عبر تنشيط وجودها الاقتصادي ضمن "إستراتيجية طويلة الأمد"، والتي جرى تأطيرها ضمن اللجنة العليا الإيرانية السورية.

إذ إنه في كل لقاء تعطي إيران مزايا اقتصادية جديدة، بهدف إرسال رسالة إلى روسيا، بأنها تريد توسيع نفوذها بسوريا.