بشرى أم خدعة.. ما دلالات إلغاء السيسي حالة الطوارئ في مصر بعد 18 تمديدا؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تلقي قصة المرشح السابق للبرلمان المصري الشيخ عزت غريب، الضوء على خطورة "قانون الطوارئ" الذي يستخدم ذريعة لتمرير الانتهاكات لدى الأنظمة العسكرية المتعاقبة.

ففي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ووفقا لقانون "الطوارئ"، سجن غريب ثلاث مرات ولمدد مختلفة، خرج بعدها إلى الحياة ليمارس عمله بمنطقة الشرقية الأزهرية بمدينة الزقازيق، وينال راتبه، ويترقى في المناصب بل ويترشح لعضوية "مجلس الشورى" المصري عام 2010.

لكن، بعد أن تقلد عبدالفتاح السيسي رئاسة النظام عبر الانقلاب، تعرض ذات الرجل للاعتقال في عهده مرتين.

لم يتمكن بعد الأولى من العودة إلى مقر عمله بالأزهر الشريف، ولا منبره كخطيب بالمكافأة بمساجد وزارة الأوقاف، ليجري اعتقاله ثانية ثم يخرج مجددا فاقدا عقله من شدة التعذيب، دون عمل أو راتب أو معاش بفعل مواد "قانون الإرهاب".

بشرى أم خدعة؟

ومع إعلان السيسي في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إلغاء حالة الطوارئ في مصر؛ استبشر قانونيون وحقوقيون بقراره، واعتبروه خطوة جيدة تتطلب خطوات أخرى لتخفيف معاناة المصريين.

ويعاني الشعب المصري من هذا القانون الممتد العمل به منذ 65 عاما والذي عملت به جميع الحكومات والأنظمة التي حكمت البلاد.

لكن آخرين اعتبروا الخطوة خدعة بلا تأثير إيجابي، مؤكدين أن السيسي وضع البديل الأشد والأنكى للقانون سيئ السمعة، وأنه فصل قوانين أكثر إضرارا بالحريات والحقوق بينها "الطوارئ" و"الكيانات الإرهابية" و"الإجراءات الجنائية" وغيرها، وهي ما طال بعضها الشيخ عزت غريب. 

السيسي، أعلن إلغاء مد حالة الطوارئ المفروضة، التي تم تطبيقها على كل البلاد منذ 2017، ومنذ 2014 بشبه جزيرة سيناء، ويجرى تمديدها كل ثلاثة أشهر بمجموع 18 تمديدا خلال أربع سنوات وستة أشهر، ليحكم بالحديد والنار في ظل قانون مجحف طالما طالب المصريون بوقف العمل به.

وقال السيسي، عبر حسابه بـ"فيسبوك": "يسعدني أن نتشارك معا تلك اللحظة التي طالما سعينا لها بالكفاح والعمل الجاد، فقد باتت مصر، بفضل شعبها العظيم ورجالها الأوفياء، واحة للأمن والاستقرار في المنطقة، ومن هنا فقد قررت، ولأول مرة منذ سنوات، إلغاء مد حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد".

المحامي الحقوقي أسعد هيكل، يعتقد أنه "قرار رائع، ومفاجئ"، مؤكدا أنه "سيكون له آثار إيجابية عديدة، وجيدة على بلادنا، خاصة للمتهمين الذين يحاكمون أمام محاكم أمن الدولة- طوارئ، حيث تحال قضاياهم الآن، لتُنظر أمام المحاكم العادية".

وعلى الجانب الآخر، قال الباحث والكاتب محمد فخري، إن "إلغاء مد حالة الطوارئ يظل أمرا شكليا ما بقي البطش والاستبداد وتجاهل تطبيق القانون والاحتكام إليه".

وأضاف عبر "فيسبوك": "قهر الأبرياء سيظل قهرا، بصرف النظر عن تفاصيل إجراءات القهر".

وعرفت مصر ما يسمى بـ"الأحكام العرفية" عام 1914 خلال الحرب العالمية الأولى على يد الاحتلال الإنجليزي، وبين عامي 1939 و1943 خلال الحرب العالمية الثانية، وأثناء حرب فلسطين 1948، ثم عقب حريق القاهرة يناير/ كانون الثاني 1952.

رئيس النظام الأسبق جمال عبدالناصر فرض حالة الطوارئ للمرة الأولى في مصر مع العدوان الثلاثي عام 1956، حتى رفعها خلفه أنور السادات، قبل وفاته عام 1981.

ليجرى تطبيقها مع تولي حسني مبارك الحكم ومقتل السادات لمدة 30 عاما، قطعها اندلاع ثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

ورغم أن المجلس العسكري الحاكم (2011- 2012) إبان الثورة عمل بها لنحو عام، لكنه رفعها مايو/ أيار 2012، ليجرى فرضها مجددا في أعقاب فض اعتصامي "رابعة" و"النهضة" أغسطس/ آب 2013.

وبعدها قرر السيسي، فرضها في سيناء نهاية 2014، لتشمل كل البلاد أبريل/ نيسان 2017.

قانون الطوارئ، الذي أقره دستور 2014، منح السيسي صلاحيات اتخاذ إجراءات استثنائية، وقيود على حرية الاجتماع والانتقال والمرور، وإحالة المتهمين لمحاكم أمن الدولة، وحظر التجول، ومراقبة الرسائل، والصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم ووسائل التعبير، وغيرها.

لم تكفه الطوارئ

ولكن، مع كل ما منحه قانون الطوارئ لحكام مصر يبدو أن السيسي لم يقنع بما فيه؛ فحشد ترسانة من القوانين البديلة والمعاونة، وأجرى تغييرا واسعا في نصوص القوانين ليمنح نفسه الحق في سلب حريات المصريين.

منظمة العفو الدولية وصفت هذا الوضع في سبتمبر/ أيلول 2018، بقولها إن "قمع حرية التعبير في عهد السيسي وصل مستويات مروعة، لم يشهد لها مثيل في تاريخ مصر الحديث".

وأضافت: "إدارة السيسي تعاقب المعارضة السلمية والناشطين السياسيين بتشريعات زائفة لمكافحة الإرهاب، وقوانين غامضة أخرى، تعتبر أي اعتراض بمثابة عمل إجرامي".

وفي ظل تلك القوانين، ضمت السجون المصرية في عهد السيسي أكثر من 60 ألف معتقل منذ نحو 8 سنوات.

إذ استخدمت قوات الأمن والنيابة العامة ومنصات القضاء في محاكمة معتقلي الرأي والمعارضين الذين يقبعون بمحبسهم في ظل ظروف صحية وإنسانية صعبة.

وبشأن هذه النقطة، قال الفقيه الدستوري المصري نور فرحات، إنه "لأول مرة منذ عقود ممتدة ستعيش مصر دون توقيع أوامر تصدر من سلطة الطوارئ بالتغول على الحقوق والحريات العامة والإحالة إلى قضاء استثنائي يصدر أحكاما غير قابلة للطعن".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، أكد أن هذه الخطوة الضرورية والمهمة تستلزم خطوات لا تقل عنها ضرورة لإعطائها مضمونا حقيقيا بحماية الحريات العامة ومبدأ سيادة القانون واستقلال القضاء .

ولفت إلى أن "الترسانة التشريعية حافلة بنصوص مخالفة للدستور ولأحكام المحكمة الدستورية وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان"، مطالبا بضبط "مواد التجريم في قانون الإرهاب والكيانات الإرهابية".

ودعا إلى مراجعة قانون العقوبات والتشريعات العقابية الأخرى لتفعيل حظر العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والرأي والتعبير، وكذلك قانون الإجراءات الجنائية بالعودة بالحبس الاحتياطي إلى ضوابطه.

وختم بالقول: "مرحبا بإلغاء حالة الطوارئ، وبخطوات تمنع تطبيع الطوارئ في التشريعات العادية".

الحقوقي المصري ناصر أمين، أكد أن "كل النصوص الاستثنائية التي تبيح القبض والتفتيش والحبس دون التقيد بقانون الإجراءات الواردة في قانون الطوارئ جرى نقلها إلى قوانين أخرى".

وأضاف عبر "فيسبوك": تلك القوانين "سارية ولا يتطلب تطبيقها إعلان حالة الطوارئ؛ مثل قانون مكافحة الإرهاب، وقانون الكيانات الإرهابية".

ولفت إلى أنه "وبالتالي مازال لدى السلطة التنفيذية السند التشريعي لعدم الالتزام بقانون الإجراءات الجنائية الطبيعي".

وهو ما ذهب إليه رئيس حزب "الخضر" المصري محمد عوض، بقوله إنه "قرار كان يمكن أن يستحق الاحتفال به، لولا تلك الغابة الكثيفة من التشريعات المستحدثة التي جعلت من التشريع المعتاد لا يختلف عن الطوارئ".

وفي السياق، بين الصحفي جمال سلطان، بأن "جميع الاعتقالات للمعارضين والمصادرات والمنع من السفر والإجراءات القمعية كافة في مصر هي بإمضاء القضاء والنيابة ولا صلة لها بحالة الطوارئ، والإخفاء القسري والتصفيات لا صلة لها بالطوارئ ولا بالقانون من أساسه".

وأضاف عبر "فيسبوك"، أن "الإعلان الاحتفالي برفع حالة الطوارئ قنبلة دخان للتغطية على الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، ورسالة للتسويق الخارجي، فقط لا غير".

ويرى المحامي والسياسي والبرلماني السابق ممدوح إسماعيل، أن "قانون الطوارئ أرحم ألف مرة من قانون الكيانات الإرهابية والإرهابيين الصادر عام 2015، وتعديلاته في 2017"، موضحا أن السيسي قدم من البدائل والقوانين والتغييرات الأخطر على الحريات من الطوارئ.

ويضيف لـ"الاستقلال": "إلغاء حالة الطوارئ إجراء شكلي؛ آثاره تتمثل بإلغاء لفظ طوارئ من محكمة الجنح والجنايات ويصبح للمتهم حق الطعن؛ وهو تحصيل حاصل مع قضاء تنطق أحكامه بالتسييس ويعلن قضاته انحيازهم ضد المتهمين حتى في ديباجة الحكم".

ويتابع: "منظومة القانون من شرطة، ونيابة، وقضاء، أعلنت انحيازها للانقلاب علانية ووقوفها ضد المعارضين، في مخالفة لأبسط قواعد عمل تلك المؤسسات المفروض انحيازها للعدالة والشرعية والقانون".

قوانين بديلة

إسماعيل، يشير إلى أن النظام حاول "إضفاء الشكل القانوني على منظومة الظلم، فأصدر القانون (8 لسنة 2015) المسمى بقانون (الكيانات الإرهابية والإرهابيين) في تعد صارخ على قواعد العدالة من تشريع سلطات واسعة للتنكيل بالمعارضين؛ لم تكن ذرة منها بقانون الطوارئ".

ويواصل المحامي: "زاد من الطغيان تعديل للقانون عام 2017، والذي أضاف بنودا لا يمكن لمنظومة عدل قبولها، كتعديل المادة (8) الذي يعطي للنائب العام حق التحفظ ومصادرة أموال أي شخص ولو لم يكن مدرجا في كيان إرهابي، كما يقولون ولا تم تصنيفه إرهابيا".

ويؤكد أن "هذا التغول كان موجودا، لكن بعرض الأمر على محكمة تعطي القرار، ولكن للإسراع في الظلم أعطى التعديل للنيابة هذا القرار، رغم أنها سلطة تحقيق، فلا يعقل في العدالة بكل العالم أن يكون الخصم هو الحكم".

ويوضح أنه "جرى تعديل فقرة بالمادة (7) ليجرى حظر أي نشاط أهلي أو دعوى لمن يتم إدراجه؛ وكل ذلك لم يكن موجودا بقانون الطوارئ ولا ذرة منه، ومعناه أن المعارض الذي يجرى إدراجه يُحظر عليه إطعام فقراء وعلاج مريض أو يدعو لذلك، في ديكتاتورية لم يفعلها أحد من قبل".

"وفي ظل قانون الطوارئ الذى حكم به حسني مبارك 30 عاما كان التطبيق يتوقف على حبس المعتقل فقط بدون مصادرة أمواله وأموال عائلته مع احتفاظه بوظيفته، وكان يخرج من محبسه ليمارس حياته"، وفق رصد البرلماني السابق.

ويضيف: "أما الآن في ظل قوانين مثلث الانقلاب عسكر وشرطة وقضاء فيتم حبس المعارض والاستيلاء على ماله ومال عائلته؛ وإن خرج حيا من السجن يتم منعه من التعامل مع المجتمع تماما".

 لذلك قانون الطوارئ أرحم ألف مرة من الظلم البشع الذى شرعه الشيطان فى القانون (8 لسنة 2015) الكيانات الإرهابية والإرهابيين، وفق تعبيره.

 وفي هذا الإطار يلفت المحامي الحقوقي أسعد هيكل، إلى أن هناك قوانين أخرى أكثر قيودا على العدالة من قانون الطوارئ، ضاربا المثل بقانون "الكيانات الإرهابية والإرهابيين"، مؤكدا أنها "تشددت بعض الشيء ووضعت عقوبات قاسية وإجراءات مؤثرة على ضمانات المحاكمات".

ويضيف لـ"الاستقلال": "ولكن تلك القوانين لا تمس جميع الناس مثل اختصاصات قانون الطوارئ، وتختص إلى حد كبير بمواجهة من يسلك سبيل الجرائم الإرهابية؛ وبالتالي لا داعي للتخوف من العمل بهذا القانون لأنه وغيره يطبق في نطاق ضيق".

ويختم بالقول: "نهنئ المجتمع المصري بإلغاء مد العمل بقانون الطوارئ، فهي خطوة جيدة ونتطلع إلى مزيد من الخطوات التي ترسخ أو تعيد أو تمهد لعودة الديمقراطية وحقوق الإنسان وممارسة حرية الفكر".

ويعتقد السياسي المصري مجدي حمدان موسى، أن "إلغاء مد الطوارئ بتلك الطريقة الغريبة يبعث على التساؤل والاندهاش، والأمر وراءه أشياء وأسرار لا نعلمها، ولكن لنشد بالقرار لأن الشعب المصري يعيش في ظل حكم الطوارئ لنحو 65 سنة".

ويضيف لـ"الاستقلال"، أن "هناك تشابها بين قانون الإرهاب والطوارئ خاصة في المادة (40) من قانون الإرهاب التي تتشابه مع المادة (3 ب) من قانون الطوارئ، ويمكن الاستعاضة بقانون الإرهاب عن الطوارئ".

  ويقول البرلماني المصري السابق محمد عماد الدين صابر، إن "رفع حالة الطوارئ بعد عسكرة الدولة ومناحي الحياة كافة، عبر كم كبير من القوانين التي صدق عليها مجلس النواب، يجعل من قرار رفع حالة الطوارئ بلا معنى".

ويلفت في حديثه لـ"الاستقلال"، إلى خطورة "قانون (التظاهر) بعهد الرئيس المؤقت عدلي منصور نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، والذي استندت إليه السلطة بمحاكمة والزج بآلاف المعارضين والناشطين بالسجون منذ 8 سنوات".

ويشير إلى أن "قانون (الكيانات الإرهابية)، الذي أصدره السيسي فبراير/ شباط 2015، أكثر القوانين عصفا بالحقوق والحريات، وتعقب المعارضين وإنزال العقاب بهم".

ويؤكد أن "تعديل قانون الحبس الاحتياطي عبر المادة (143) من قانون (الإجراءات الجنائية)، أتاح للقضاة تجديد أوامر الحبس الاحتياطي لأجل غير مسمى، للمتهمين".

بينما كانت المادة تنص على ألا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي 6 أشهر في (الجنح)، و18 شهرا وسنتين بالجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام أو المؤبد".

وتحدث صابر، عن "قانون المحاكم العسكرية" الصادر أكتوبر/ تشرين الأول 2014، موضحا أنه أتاح للنيابة العامة إحالة أي جرائم تقع في تلك الأماكن إلى النيابة العسكرية. 

ويلمح هنا إلى قانون "تنظيم الجمعيات الأهلية" الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، والذي فرض قيودا على منظمات العمل الأهلي، وجعلها تحت سيطرة الأجهزة الأمنية والحكومية.