مطلب شعبي.. لماذا تتلكأ المعارضة السورية في الانسحاب من لجنة الدستور؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

إعلان الأمم المتحدة فشل اجتماعات اللجنة الدستورية في نسختها السادسة في صياغة دستور جديد لسوريا، خلق حالة من الرأي العام بشأن ضرورة انسحاب المعارضة من اللجنة، لأنها "تؤدي في نهاية المطاف لتعويم نظام بشار الأسد، وفق الرؤية الروسية".

وقبل تشكيل اللجنة الدستورية لمناقشة الدستور مع النظام، كان التصور مبنيا من قبل الشارع السوري على أن الأسد يسعى لكسب الوقت من خلال قبوله بالدخول في اللجنة، وأنه لن يمرر دستورا لا يضمن بقاءه بأي صورة كانت في الحكم.

وتفجرت خلاصة عامة لدى السوريين، بأن الأوان قد حان لتقطع المعارضة علاقتها باللجنة الدستورية وتنسحب منها، أمام تعنت النظام على مدى جولاتها الست في تحقيق أي تقدم، وخروجها بـ"مناقشات صفرية".

خيبة كبرى

على مدار خمسة أيام، استمرت اجتماعات النسخة السادسة للجنة الدستورية، التي انطلقت في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، داخل قصر الأمم بمدينة جنيف السويسرية، لتختتم "دون تحقيق تقدم"، وفق مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسون.

وأعلن بيدرسون خلال مؤتمر صحفي عقده في مقر الأمم المتحدة بجنيف، أن "الجولة اختتمت بخيبة أمل كبرى، فهي لم توصلنا إلى أي تفاهمات أو أرضية مشتركة بين الأطراف السورية".

وشدد المبعوث الأممي في 22 أكتوبر/تشرين الأول 2021 على أن وفد النظام السوري "لم يقدم أوراقا في اليوم الأخير للاجتماعات، ما شكل خيبة أمل كبرى".

بدوره، قال رئيس وفد المعارضة في اجتماعات اللجنة الدستورية السورية في جولتها السادسة، هادي البحرة، إن نظام الأسد "رفض التوافق على أي مقترحات في اللجنة، حتى على مقترحات قدمها بنفسه".

بينما زعم الرئيس المشترك للجنة الدستورية من طرف النظام، أحمد الكزبري، أن "الوفد الوطني طرح مبادئ تعكس طموحات الشعب السوري وعمل كل ما يمكن لإنجاح الجولة".

وأكد مراقبون للشأن السوري أن وفد الأسد اتبع نفس الأسلوب في كل جولات اللجنة الدستورية الست منذ انطلاقها في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2019، والقائمة على تضييع الوقت والمماطلة وتحريف المناقشات بعيدا عن المبادئ الأساسية للدستور، إضافة إلى تمنعه عن الموافقة على كل ما جرى مناقشته في الجولة السادسة.

وفور إعلان المبعوث الأممي عن حدوث "الخيبة الكبرى" من نتائج اجتماعات اللجنة الدستورية في جنيف حول الدستور، تعالت الأصوات السورية التي تطالب وفد المعارضة بضرورة الانسحاب الفوري منها.

انسحاب المعارضة

وكتب العقيد السوري المنشق عن قوات الأسد، عبد الجبار العكيدي قائلا: "يذكرني ما حصل في جنيف من مسرحية هزلية تسمى مسار اللجنة الدستورية التي كانت روسيا قد كتبت فصولها وأخرجها المبعوث الدولي السابق ستيفان دي مستورا، بقصة رواها لي أحد الأصدقاء الحقوقيين ممن خدم في سلك القضاء العسكري في تسعينيات القرن الماضي".

وأضاف العكيدي في مقال رأي نشره عبر موقع "المدن" اللبناني، "تقول القصة إن رجلا ابتلاه الله بلعب القمار وكان دائم الخسارة، لدرجة أنه لم يعد يملك شيئا يراهن عليه، وفي إحدى الجولات طلب مقامروه الرهان على زوجته".

وتنتهي القصة التي أسقطها العقيد على حال اللجنة الدستورية بانتهاء لعبة القمار بـ"خسارة الرجل لزوجته".

وأشار العكيدي في مقاله إلى أنه "رغم كل المؤشرات التي تؤكد خطر استمرار اللجنة الدستورية، إلا أن وفد المعارضة ما زال مستمرا في هذه المقامرة، بل إن أعضاءه مصرون على اللعب وخسارة المزيد من الجولات على حساب دماء السوريين ومعاناتهم التي فاقت كل الحدود، رغم أن الجولات الست كانت نتائجها، ولحسن حظ السوريين، صفرا مكعبا".

من جانبه، نشر الكاتب السوري ياسر العيتي، تسجيلا مصورا بثه على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك" في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021، موجها كلامه إلى شباب الثورة حول "خطر اللجنة الدستورية".

وقال العيتي: "الثورة وصلت إلى منعطف خطير، إما أن تضيع مطالبها على طاولة البازارات بين الدول، وإما أن يتم استعادة نبض الثورة وبعدها الشعبي، وروحها من جديد".

ودعا العيتي جمهور الثورة السورية أينما كانوا "للنزول إلى الشارع، للمطالبة بإيقاف هذه المهزلة بعد دفع المواطنين مئات الآلاف من الشهداء، وبعدما استطاعوا انتزاع القرار الأممي 2254 والقاضي بانتقال سياسي يبدأ بهيئة حكم انتقالي".

وأضاف أن "مجموعة من المعارضة السورية أفرغت هذا القرار من محتواه، وسارت في التفسير الروسي لهذا القرار الذي هو عبارة عن لجنة دستورية".

واعتبر الكاتب السوري أن "المعارضة عمدت إلى اختطاف قرار الثوار"، مردفا: "نحن لم نخرج بثورة كي نكتب دستورا مع النظام، بل من أجل تغيير حقيقي في سوريا".

ورأى العيتي أن "النزول إلى الشوارع من جمهور الثورة ورفع لافتات تطالب بتطبيق القرار 2254 بدءا بهيئة حكم انتقالي؛ لأنها هي من تصنع البيئة الآمنة وفي ظلها يكتب الدستور ويجرى الاستفتاء عليه من قبل الشعب".

وألمح إلى أن "المعارضة حاليا لا تنصت إلى أحد، وهم وفقا لتصريحاتهم مستعدون للمضي في هذا المسار ولو لعشرات السنين"، معتبرا أن "كل النداءات التي توجه للمعارضة يرونها عواطف من أناس متأثرين بما يشاهدونه من أحداث في (محافظة) إدلب، وأن الخروج من اللجنة الدستورية لن يخدم الثورة ولن يوقف سفك الدماء".

ودعا العيتي كل "القوى الثورية السورية والكيانات التي ما زالت تحمل نبض الثورة أن تتواصل فيما بينها، للتنسيق والتخطيط من أجل حملة شعبية واسعة تستمر حتى تحقق هدفها، المتمثل بالمطالبة بتطبيق القرار الأممي 2254 بدءا من هيئة الحكم الانتقالي".

ووفق القرار الأممي 2254 الصادر عام 2015، والممهد لخارطة الحل في سوريا، فإن العملية السياسية تنطلق من أربع سلال تتمثل بالترتيب، بهيئة الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.

وما يزال الشارع السوري يأخذ على هيئة التفاوض المعارضة قبولها بتجاوز "هيئة الحكم الانتقالي" التي تسبق مسألة إعداد دستور جديد للبلاد.

وبدا جليا أن نظام الأسد أدخل المعارضة السورية في دوامة الدستور ومناقشته منذ تشكيل اللجنة الدستورية في سبتمبر/أيلول 2019.

تطبيق 2254

وقبل التسجيل المصور، حاول العيتي سرد وجهة نظره حول الرد على المقولة السائدة بأن "انسحاب المعارضة من اللجنة الدستورية لا يخدم الثورة"، وفند ذلك بقوله: "الانسحاب من اللجنة الدستورية لا يخدم روسيا، لأنه يطيح بتفسيرها للقرار 2254 الذي يفرغه من مضمونه القاضي بانتقال سياسي ويمسخه إلى دستور وانتخابات".

وأضاف أن انسحاب وفد المعارضة السورية "لا يخدم تركيا لأنه يقضي على تفاهماتها مع روسيا، واللجنة الدستورية في صلب هذه التفاهمات"، حسب تعبيره.

وشدد العيتي على أن الانسحاب من اللجنة كذلك "لا يخدم الدول العربية، لأنه من مصلحتها تعويم نظام الأسد والتطبيع معه، بدلا من انتقال سياسي حقيقي يحقق أهداف الثورة السورية ويغري الشعوب العربية بالمطالبة بحقوقها".

وكذلك: "لا يخدم الدول الغربية، لأن فشل اللجنة الدستورية يظهر عجزها في الضغط على النظام وحلفائه للالتزام بالقرار 2254".

ولفت العيتي إلى أن الانسحاب كذلك "لا يخدم النظام لأنه يحرمه فرصة شراء الوقت في إيهام المجتمع الدولي بقبول الحل السياسي، في حين يمضي في الحل العسكري ويستعيد المناطق الخارجة عن سيطرته شيئا فشيئا".

وزاد بالقول: "ولا يخدم المنتفعين من المعارضة، لأن بقاءهم في مناصبهم مرتبط بخدمة هذه الأطراف جميعا من خلال التمسك باللجنة الدستورية على حساب مصلحة السوريين وتحقيق أهداف ثورتهم".

وسبق لرأس النظام بشار الأسد، أن وصف مباحثات اللجنة الدستورية في جنيف بأنها "لعبة سياسية"، وذلك خلال لقاء مع وكالة "سبوتنيك" الروسية في أكتوبر/تشرين الأول 2020، الأمر الذي اعتبره الشارع "تصريحا واضحا عن عدم جدية النظام" في صياغة دستور جديد يمهد للعملية السياسية المنشودة في سوريا.

وأكد الشارع السوري أن توصيف الأسد بأن صياغة دستور جديد للبلاد هي "لعبة سياسية"، يرجع لكون النجاح في "اجتراح" دستور جديد للبلاد، سيقود لانتخابات برلمانية ورئاسية قادمة تضع رأس النظام خارج المعادلة السورية.

آراء ناصحة

وكتب المحامي عيسى إبراهيم عبر صفحته الشخصية بفيسبوك في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021 بما يخص اللجنة الدستورية قائلا: "الفهم الحيوي مطلوب في مسألة بقاء حضور اللجنة الدستورية في جنيف أو انسحابها، فهذه الصنمية في فهم عملية الحضور وعدم ترك الساحة فارغة هو مدخل غير موفق بالعمل السياسي".

واعتبر أن "تعليق الحضور من قبل اللجنة الدستورية بهذا الوقت هو بمنزلة حضور قوي لها بالعمل السياسي وبالعملية السياسية بمجملها، فلا عملية تفاوضية إلا بحضور طرفين، والحضور بهذه الطريقة وهذه الصيغة هو لمصلحة النظام وداعميه والدول الأخرى ومصالحها، ولا علاقة البتة لمصلحة شعبنا بذلك ولا يغطي ذلك ولا يبرره بعض التذاكي في التبرير".

فيما وصف الكاتب السوري غازي دحمان، الجولة السادسة من اجتماعات لجنة الدستور، بأنها "مجرد ثرثرات وجدالات يمارسها أشخاص فائضون عن الحاجة، يتناقشون بمسائل وقضايا لا تمت للدستور بصلة، فيما روسيا تتسول على هذه الاجتماعات شرعية لنظام الأسد وما تيسر من انفتاح تبديه دولة هنا ودولة هناك، كل بحسب إمكانياته وقدراته وما تجود به النفس".

وأضاف في مقال نشره بموقع "الحل" في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021: "تثبت الأوراق التي تقدم بها وفد النظام، كمبادئ دستورية، أن ما يريده الأسد من اللجنة، ليس مناقشة دستور يرضي السوريين كافة، وإنما وثيقة براءة من دم السوريين الذين قتلهم، ويطلب توقيعهم واعترافهم على حقه باستقدام المليشيات والمرتزقة لحماية كرسيه وقتل السوريين".

وختم دحمان بالقول: "ما أرادته روسيا بالفعل، تيئيس العالم من المطالبة بتغيير نهج تعامل النظام مع السوريين، ويبدو أن روسيا تجد لديها الوقت الكافي للتسلي بهذه الألعاب، وسط موت السوريين الكثيف جراء ظروفهم الحياتية التي لا يستطيع بشر تحملها".

وكانت الأمم المتحدة، أشرفت على تشكيل مجموعة مصغرة من اللجنة الدستورية، في سبتمبر/أيلول 2019، تضم 45 عضوا، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني السوري بالتساوي، وكلفت المجموعة بصياغة دستور جديد، وعقدت أول اجتماعاتها في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في جنيف، بحضور 150 شخصا.