سيباستيان كورتس.. مستشار النمسا الذي اضطهد المسلمين وسقط بالفساد

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد "شعبوية مقيتة" تجاه المسلمين، سقط مستشار النمسا سيباستيان كورتس، بسلاح شعبه وأنصاره، بعد تظاهرات بالآلاف أمام مقر "حزب الشعب" الحاكم، وسط العاصمة فيينا، جراء "الفساد والخيانة".

كورتس، كان يُمنّي نفسه في بداية حكمه بإعادة أمجاد الإمبراطورية النمساوية القديمة، وأن تكون فيينا أحد أهم اللاعبين على صعيد السياسة الأوروبية، قبل أن ينهار مشروعه القومي على وقع اتهامات بالفساد أطاحت به من فوق كرسي المستشارية.

وتنفس مسلمو النمسا الصعداء بعد إزاحة "كورتس" الذي ضيق عليهم وحاصرهم بالإجراءات والقوانين التعسفية ومنع أنشطتهم، وذهب إلى أبعد من ذلك عندما تحالف مع قادة الاستبداد في الشرق الأوسط، مثل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، متجاوزا حقوق الإنسان، وقواعد الديمقراطية التي تبشر بها أوروبا.

سقوط صادم 

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلن كورتس (35 عاما)، زعيم حزب "الشعب"، استقالته من منصبه عقب حملة مداهمة مكتبه من قبل المدعين النمساويين الذين بدأوا التحقيق معه، ومع أعضاء فريقه المقربين بتهمة "الرشوة وخيانة الأمانة".

وتعرض كورتس لضغط قوي من قبل الشارع وحلفائه للتنحي من المسؤولية، ووجهت له اتهامات باستخدام المال العام في تمويل استطلاعات للرأي تخدم شعبيته.

والفضيحة التي هوت به، قامت على أساس أنه تم استخدام مخصصات لوزارة المالية بين العامين 2016 و2018؛ لتمويل "استطلاعات للرأي تم التلاعب بها جزئيا لخدمة مصالح حزب الشعب"، بحسب المدعين.

ويرتبط ذلك بالفترة التي تولى فيها كورتس، "الوزارة في الحكومة" (2010-2017) بزعامة "حزب الشعب"، ولاحقا مستشارية النمسا.

وأشار المدعون إلى أن الدفعات تمت إلى شركة إعلامية لم يتم الإفصاح عن اسمها، لكن يعتقد على نطاق واسع بأنها صحيفة "أوستر رايخ" الصفراء، مقابل نشرها تلك الاستطلاعات.

وتولى ائتلاف "حزب الشعب" و"الخضر" السلطة في يناير/كانون الثاني 2020، وسبق أن تعرض لضغوط عدة إثر تداعيات فضائح فساد وخلافات بشأن قضايا، بينها سياسة اللجوء.

وتم الإعلان عن فتح التحقيقات بحق كورتس، و9 أشخاص آخرين و3 منظمات، عقب عمليات تفتيش شملت وزارة المالية والمستشارية (رئاسة الوزراء)، ومكاتب لحزب الشعب اليميني، كما تم دهم منازل 3 من كبار مساعدي المستشار النمساوي.

سياسة تعسفية 

المستفيد الأكبر من إزاحة كورتس هم مسلمو النمسا، الذين تعرضوا على مدار سنوات حكمه لحملات قمع واضطهاد بالغة، إضافة إلى مجتمع اللاجئين والمهاجرين عموما، حيث اتخذ الحزب الحاكم وحلفاؤه "سياسة تعسفية" تجاه قضاياهم ووجودهم بشكل عام.

وعرف كورتس بهجومه المستمر على الإسلام، وصرح أنه "خطر على نموذج العيش الأوروبي، وأن تياراته تهدد الحرية". 

كما أعلن سابقا أنه "ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يتولى مكافحة الإرهاب الإسلامي، ولا سيما مكافحة القاعدة السياسية التي يستند إليها، بكل العزم والوحدة الضروريين". 

ويذكر أنه في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، شنت أجهزة الأمن النمساوية، حملة مداهمة شرسة بمناطق مختلفة من البلاد، شملت أكثر من 60 موقعا ومؤسسة على ارتباط بجماعة "الإخوان المسلمين" والمنظمات الإسلامية العاملة هناك، وألقت القبض على 30 شخصا.

وفي مايو/أيار 2021، نشرت الحكومة النمساوية عناوين أكثر من 620 مسجدا وجمعية إسلامية؛ إذ وحدت أنشطتهم ووضعتهم تحت الرقابة الصارمة، بحسب قرار وزارة الاندماج، فيما اعتبرته في سياق "محاربة الإسلام السياسي المتطرف".

لكن أخطر ما قام به المستشار المستقيل ضد المسلمين في بلاده، تدشينه "مرصد الإسلام السياسي"، في 16 يوليو/تموز 2020، والذي يعد أكبر دلالة على استهداف تلك الفئة دون غيرها من فئات مجتمع النمسا العريض.

المرصد اعتبر رأس الحربة التي اعتمدها حزب الشعب اليميني؛ لمحاربة الجالية الإسلامية الممتدة في أنحاء البلاد، ويعد وحدة علمية معنية بدراسة مفهوم الإسلام السياسي وما أطلقوا عليه "أبعاده الخطيرة على المجتمعات الأوروبية والمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية".

وبهذا أصبح قرابة مليون مسلم (عدد السكان نحو 9 ملايين) على الأراضي النمساوية، يواجهون خطر التضييق والعنصرية من قبل أحزاب اليمين المتطرف، لا سيما حزب "الشعب" الحاكم بقيادة كورتس، الذي جعل من محاربة ما أسماه الإسلام السياسي والهوية الدينية للمسلمين على رأس أولوياته.

أصغر رئيس

كورتس، ولد في 27 أغسطس/آب 1986 بالعاصمة فيينا وتلقى تعليمه في مدارسها وجامعاتها.

بدأ مسيرته السياسية عام 2003، عندما انضم لحزب "الشعب" وتدرج في المناصب القيادية في الحزب حتى تولى حقيبة وزارة الاندماج عام 2010، ويعتبر أصغر من شغل منصب رئيس وزراء للجمهورية النمساوية.

الغريب حينها أن كورتس كان الوجه التقدمي والليبرالي لحزبه في تلك الفترة، من واقع مسؤوليته عن مكتب الاندماج في وزارة الداخلية، وهو الموقف الذي سمح له بالتعرف على المجتمع بشكل جيد.

وعام 2013، تولى حقيبة وزارة الخارجية وهو في الـ28 من عمره، وكان لا يزال يدرس القانون في جامعة فيينا، واتسع الملف الذي يحمله ليشمل الاندماج الاجتماعي، وعمل بشكل متكامل مع مؤسسات المجتمع المدني من أجل قضايا اللاجئين والمهاجرين، ولكنه تغير طرديا مع استلامه قيادة الحزب، وتبنى موقفا مختلفا متناقضا كليا عن بداياته.

ولعب كورتس دورا مهما في إقرار البرلمان النمساوي عام 2015 لتعديلات مثيرة للجدل على قانون بشأن الإسلام.

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، خلال مؤتمر عقد في فيينا، تحت عنوان "كيفية تأمين الحياة اليهودية في أوروبا"، قال كورتس: "يجب ألا ندع أكبر عدد ممكن من الناس يهاجرون إلى بلادنا، لأن منع وصولهم أسهل كثيرا من عملية دمجهم، وأعتقد أن تدفق المهاجرين غير المنظم يكون دائما مشكلة لنا".

وأضاف: "خصوصا ذلك التدفق القوي القادم من الدول الإسلامية، يمكن أن يسبب مشاكل متعلقة بالفهم المختلف عن إسرائيل، ونشر الأفكار المعادية للسامية، التي لا نرغب في وجودها داخل مجتمعاتنا".

إلى غير رجعة

وعلى صعيد السياسة الخارجية فيما يخص الشرق الأوسط والدول الإسلامية، كانت العلاقة بين كورتس والنظام المصري بقيادة السيسي "متميزة" بالدعم الكامل والاتفاقيات المبرمة، والزيارات المتبادلة عام 2018، حيث مثلت النمسا بوابة عبور السيسي دائما إلى قلب أوروبا.

ولم يراع المستشار النمساوي حينها أن الجنرال المصري قاد انقلابا عسكريا في بلاده أودى بحياة الآلاف، فيما يقبع عشرات الآلاف بالسجون، في واحدة من أشرس انتهاكات حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة. 

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول 2018، زار السيسي النمسا، وخلال المؤتمر الصحفي أعرب كورتس عن سعادته بالزيارة وتطور التعاون مع القاهرة، مشيرا إلى أنه تم توقيع 10 مذكرات تفاهم فضلا عن وجود 600 شركة نمساوية تعمل في مصر.

وعلى النقيض، المستشار كورتس الذي أبدى تماهيا مع السيسي ونظامه القمعي، أظهر وجها مختلفا في مواقفه مع تركيا تحت مظلة رئيسها رجب طيب أردوغان، وفي 5 أغسطس/آب 2016، قال إن "تركيا غير مؤهلة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عقب حملة القمع التي تشنها أنقرة بعد المحاولة الانقلابية الأخيرة (15 يوليو/تموز 2016)".

وذهب إلى أبعد من ذلك في فبراير/شباط 2017، عندما أعلن أن بلاده لا ترحب بزيارة الرئيس أردوغان، في إطار حملته للاستفتاء حول قانون يعزز صلاحياته الرئاسية". 

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021، نشر موقع "بي بي سي" البريطاني تحليلا لمراسلته "بيثاني بيل"، قالت فيه: "رغم أنه لم يعد مستشارا، إلا أن كورتس سيظل شخصية رئيسة في السياسة النمساوية". 

وأضافت: "سيكون حاضرا في اجتماعات مجلس الوزراء كقائد لحزبه"، واستشهدت بقول رئيس حزب الديمقراطيين الاشتراكيين المعارض، "إنه سيحكم زمام الأمور بصفته مستشار الظل". 

فيما اعتبرت بيل أن "تحقيق الفساد وانهيار حكومته الائتلافية الأخيرة مع حزب "الحرية" اليميني المتطرف عام 2019، يعنيان أن الوقت ربما قد حان كي يترك كورتس السياسة تماما إلى غير رجعة".