تقارب إيران والسعودية.. كيف ينعكس على تشكيل الحكومة في العراق؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في ظل تزايد المؤشرات على إحراز الغريمين الإقليميين السعودية وإيران تقدما على طريق تطبيع علاقاتهما المقطوعة منذ أكثر من خمس سنوات وتخفيف حدة المواجهة بينهما في الشرق الأوسط، تدور التساؤلات حول مدى انعكاس ذلك على تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.

العراق أنهى انتخاباته البرلمانية المبكرة في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، التي أظهرت تصدر التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر بأكثر من 70 مقعدا، إضافة إلى إحراز تحالف "تقدم" بزعامة السياسي السني محمد الحلبوسي، المرتبة الثانية بواقع 43 مقعدا.

ترحيب وتحذير

بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية المبكرة، يترقب العراقيون تشكيل حكومة جديدة قادرة على التعامل مع المشاكل والأزمات العديدة التي يمر بها البلد، وسط تحذيرات أطلقها زعيم التيار الصدري من تدخل جهات خارجية في تشكيل الحكومة المقبلة.

وقال مقتدى الصدر خلال خطاب تلفزيوني في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2021، إنه "سينهي استخدام السلاح خارج إطار الدولة"، وتعهد بـ"تحسين الوضع الاقتصادي والصحي والتعليمي"، معلنا عن "ترحيبه بكل السفارات" في البلاد.

وأضاف الصدر، أن "كل السفارات مرحب بها ما لم تتدخل في الشأن العراقي وتشكيل الحكومة"، وهدد بأن "أي تدخل سيقابل برد دبلوماسي أو شعبي يليق بالجرم"، بحسب تعبيره.

وتابع زعيم التيار الصدري، قائلا: "لن نسمح بالتدخلات على الإطلاق ومن الآن فصاعدا يجب حصر السلاح بيد الدولة، ويمنع استخدامه خارج هذا الإطار، وإن كان ممن يدعون المقاومة".

وعلى ما يبدو فإن الصدر يذكر بمحاولات الولايات المتحدة والسعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى للتدخل في تشكيل الحكومة العراقية عام 2018، والتي انتهت بتقارب بين تحالف "سائرون" التابع للتيار الصدري و"الفتح" بقيادة هادي العامري، والمجيء بعادل عبد المهدي رئيسا للحكومة.

وفي الأول من أغسطس/ آب 2018، كشف السياسي العراقي مشعان الجبوري خلال تصريحات صحفية عن تفاصيل اجتماع جمع وزير الدولة لشؤون الخليج العربي السعودي سابقا ثامر السبهان، مع قادة سنة عراقيين في العاصمة الأردنية عمان للضغط عليهم باتجاه تأييد إعادة تسمية حيدر العبادي رئيسا للحكومة.

وقال الجبوري إن اجتماع السبهان حضرته شخصيات سنية، وهي كل من: "جمال الكربولي الراعي الرسمي لحزب الحل، صالح المطلك نائب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وأحمد الجبوري محافظ صلاح الدين".

وأضاف أن "الهدف من الاجتماع هو تشكيل كتلة سنية في البرلمان العراقي المقبل تحظى بدعم سعودي، حتى تخوض المفاوضات الجارية حاليا مع الأكراد والشيعة لتشكيل الحكومة المقبلة".

وعن دعم شخصية بعينها لرئاسة الحكومة، قال الجبوري إن "السبهان أبلغ الحاضرين أنهم أحبوا التعامل أو التعاون مع رئيس الحكومة (السابق) حيدر العبادي، حسبما فهمنا من بعض الحاضرين بالاجتماع".

وفي المقابل، لخص قائد الحرس الثوري الإيراني آنذاك اللواء محمد علي جعفري، إلى أي مدى وصل تدخل بلاده في تشكيل ليس الحكومة العراقية فقط، وإنما اختيار الرئاسات الثلاث في البلد (الجمهورية، البرلمان، الحكومة).

وقال جعفري خلال تصريحات صحفية تناقلتها وسائل إعلام إيرانية في أغسطس/آب 2021 إن "إيران غلبت الولايات المتحدة في العراق 3 صفر"، أي أنها تمكنت من تعيين الرئاسات الثلاثة وفق رؤيتها وليس عبر هوى أميركا وحلفائها.

انعكاسات إيجابية

وبخصوص التقارب الحالي بين إيران والسعودية ومدى انعكاسه على تشكيل الحكومة العراقية، قال المحلل السياسي العراقي أثير الشرع إن "تقارب وجهات النظر والمباحثات بين الإيرانيين والسعوديين وصلت إلى مراحل متقدمة جدا، فهناك ما جرى إعلانه وما لم يعلن عنه، وبالفعل طهران أكدت الحوار يمضي باتجاه فتح ممثليات دبلوماسية بين البلدين".

ورأى الخبير في الشأن العراقي لـ"الاستقلال" أن "هذا التقارب وتحسن العلاقات بين البلدين سينعكس بشكل إيجابي على العراق، وخصوصا على موضوع تشكيل الحكومة المقبلة، بحكم وجود رضا من هذه الأطراف بالجهات التي ستشكل الحكومة العراقية".

ولفت إلى أن "التقارب والتوافقات بين السعودية وإيران من شأنها أن تبعد التجاذبات عن تشكيل الحكومة العراقية، وهذا بالتأكيد سيعجل في أن ترى الحكومة النور مبكرا، لأنه لم يعد هناك تخوف من الحديث عن وجود شخصيات تميل إلى محور (بعينه) كما كان يوصف في السابق".

وفي المقابل، قال المحلل السياسي العراقي، غانم العابد، خلال تصريحات صحفية في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "دول الخليج وحتى تركيا نوعا ما تعتبر لاعبا من الخط الثاني في موضوع تشكيل الحكومة العراقية، لأن تشكيلها هو صراع بين إيران والولايات المتحدة".

وأوضح العابد أنه "عقب الانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2018، كان كلام طهران واضحا، بأنها تغلبت على واشنطن 3 مقابل صفر، بمعنى أنها تمكنت من تشكيل رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة في العراق".

وأشار الخبير السياسي العراقي إلى أن "ذوبان بعض الخلافات بين هذه الدول قد يخفف من حدة المشاكل بالعراق، لكن دول الخليج ليست اللاعب القوي في موضوع تشكيل حكومة العراق، وقد تدعم سياسيين من هنا أو هناك، لكن حتى الآن لم تصل إلى مرحلة أنها تتمكن من تشكيل الحكومة".

ونوه العابد إلى أن "العراق اليوم قوة اقتصادية كبيرة، ومن مصلحة كل الدول أن يكون لها وجود فيه، وأن مصالح هذه الدول تجبرها على التعامل مع رئيس الحكومة المقبلة أيا كان، المهم ما يتفق عليه العراقيون".

وتمر مسألة تشكيل الحكومة العراقية في مراحل عدة وفق الدستور العراقي الصادر في عام 2005.

وحسب تلك المراحل فإنه بعد إعلان النتائج النهائية من المفوضية العليا للانتخابات والمصادقة عليها، يدعو رئيس الجمهورية (برهم صالح) البرلمان الجديد إلى الانعقاد خلال 15 يوما من إعلان النتائج.

وينتخب البرلمان رئيسا جديدا له ونائبين لرئيس المجلس خلال الجلسة الأولى بالأغلبية المطلقة، وجرى العرف السياسي في البلاد أن يكون رئيس المجلس من العرب السنة وله نائب كردي وآخر شيعي.

وتنص المادة (55) من الدستور العراقي على أن "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائبا أول ونائبا ثانيا بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر".

وبعد 15 يوما من اختيار البرلمان رئيس الجمهورية، يكلف الأخير مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر عددا بتشكيل الحكومة الجديدة، حسب نص المادة (76) من الدستور العراقي.

وكان من المقرر أن تنتهي ولاية الرئيس الحالي برهم صالح في العام 2022، لكن إجراء الانتخابات المبكرة سيعجل بنهاية فترته في حال انعقاد البرلمان دون خلافات سياسية.

وأيضا يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.

على الطاولة

وبحسب مراقبين، فإن ما يشير إلى أن احتمالية مناقشة الملف العراقي على طاولة المحادثات بين إيران والسعودية، هو أن الحوارات تجري في بغداد أساسا، إضافة إلى ما صرح به المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بأن جولات المحادثات "بحثت عددا من الملفات المشتركة والإقليمية".

وقال خطيب زادة إن الحوار مع السعودية "يمكن أن يؤدي إلى ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة"، لافتا إلى أن "المفاوضات بين طهران والرياض لا تزال خلف الأبواب المغلقة ونحن على تواصل مع الجانب السعودي بشكل مستمر والمفاوضات وصلت إلى مرحلة جدية أكثر".

وأجرى مسؤولون سعوديون وإيرانيون جولات من المباحثات خلال الأشهر الماضية في بغداد، وتحدث الجانبان أخيرا بإيجابية عن هذه المحادثات.

وأكد وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 4 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أن "جولة رابعة منها عقدت في نهاية أيلول/سبتمبر 2021".

وأفاد دبلوماسي أجنبي في الرياض (لم يكشف عن هويته) لوكالة "فرانس برس" في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بأن "الطرفين شبه اتفقا في آخر جولة محادثات في بغداد على تهدئة التوتر بينهما والحرب بالوكالة الدائرة في المنطقة".

وقبل ذلك، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في 8 أكتوبر/ تشرين الأول أثناء وجوده بالعاصمة اللبنانية بيروت إن حوار البلدين على "الطريق الصحيح. وقد تمكنا من التوصل إلى نتائج واتفاقات، لكننا ما زلنا بحاجة إلى محادثات إضافية".

وأضاف عبد اللهيان، قائلا: "سيعلن الطرفان تطبيق هذه الاتفاقات في الوقت المناسب. ونحن نرحب بمواصلة المحادثات وبالنتائج التي تفيد الطرفين والمنطقة".

ولوحظ منذ مدة أن الإعلام الحكومي السعودي خفف من حدة لهجته تجاه إيران.

وأذاعت قناة "الإخبارية" الحكومية في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تقريرا بدأته بتصريحات سابقة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان قال فيها "كل ما نطمح به أن تكون لدينا علاقة طيبة ومتميزة مع إيران".

وجاء في التقرير المعنون "نحو بناء الثقة" أن "المملكة طالما اختارت طريق السلام والحوار لحل الخلافات البينية".

وأشار إلى أن "أربع جولات من الحوار المباشر والصريح تعقد عليها المنطقة بأسرها آمالا لتكون نقطة بداية للاستقرار".