"تجسس إسرائيلي" على الجزائر.. خشية صعودها أم مساندة للمغرب؟

إسماعيل يوسف | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في الأول من أكتوبر/ تشرين أول 2021 نشر موقع "مينا ديفينس" Mena Defense الفرنسي للشؤون العسكرية تقريرا يؤكد وقوع حادثة بحرية قرب مياه الجزائر الإقليمية تتلخص في مطاردة غواصة جزائرية لأخرى إسرائيلية.

في اليوم التالي، نفت وزارة الدفاع الجزائرية، ما نشر عن المطاردة المزعومة، تزامنا مع تنفيذ مناورات بحرية.

أكدت الوزارة أنه لم تقع يومي المناورة 29 و30 سبتمبر/أيلول 2021 أي حوادث، وأنها "تكذب بصفة قطعية مجمل هذه الأخبار التي تم تداولها من قبل هذه الوسائل الإعلامية".

عاد موقع "مينا ديفينس" ليؤكد في الثاني من أكتوبر/تشرين أول 2021 أنه لم يتكلم عن حوادث وقعت في اليومين اللذين أشارت إليهما وزارة الدفاع ولكن قبلها بيوم.

وبين الموقع أن الحادثة التي تطرق إليها كانت في 27 سبتمبر/أيلول، أي قبل بدء المناورات وأثناء إخلاء المنطقة البحرية تمهيدا لها.

وأوضح أنه "لم يحدث بالفعل أي شيء على الإطلاق خلال هذا التمرين العسكري ذاته، ولم يتم الكشف عن وجود تهديد".

لكنه أكد أنه "خلال تجهيز المنطقة للمناورة وإبعاد الملاحة التجارية لتجنب الحوادث وأعين المتطفلين، وقع حادث، تم رصد غواصة إسرائيلية من طراز دولفين بوسائل سلبية".

وبين أن "البحرية الجزائرية تعقبت الغواصة الإسرائيلية فأجبرتها على الصعود إلى السطح في المياه الدولية ثم مغادرة المنطقة".

ماذا جرى؟

بحسب ما تحدث قبطان بحري مصري لـ "الاستقلال" يجري كشف المركبات البحرية تحت الماء على طريق نوعين من الرصد.

الأول، باستخدام "الرادارات الإيجابية"، التي تصدر موجات صوتية، ترتد عندما تصطدم بأجسام المركبات الموجودة تحت الماء وتكشف موقعها لمركز الرصد الذي أطلق الإشارة.

والثاني، يعتمد على نظام "الرصد السلبي"، الذي يستخدم رادارات يمكنها التقاط الموجات الصوتية لرادارات الغواصات المعادية (موجات السونار)، أو رصد الضوضاء، الناتجة عن محركات المركبات البحرية، وتحديد أماكنها.  

"مينا ديفينس" نقل عن مصادره، أنه فور اكتشاف الغواصة الإسرائيلية "قررت القيادة الجزائرية تعقبها بالطريقة السلبية، بدون سونار لتفادي الكشف المتقاطع بواسطة غواصة دولفين".

قال الموقع الفرنسي إن القوات الجزائرية كشفت عن الغواصة الإسرائيلية دولفين باستخدام أنظمة الصوت الخاصة بالغواصة الجزائرية "كيلو".

لفت إلى أن "طائرات قلعة بني عباس لعبت دورا مركزيا في العملية، من خلال استخدام طائرتين مروحيتين سوبر لينكس مضادتين للغواصات، بينما أجبرت غواصتان جزائريتين الغواصة الإسرائيلية على الهرب شمالا.

وأوضح أن الغواصة الإسرائيلية "دولفين" ظلت عالقة في المياه الإقليمية، مما أدى إلى ظهور قائدها على سطح المياه كمؤشر على تخليها عن مهمة التجسس وابتعادها عن الساحل الجزائري.

أكد الموقع أن لديه أدلة على وقوع الحادث في 27 سبتمبر/أيلول، بدليل أنه ظهر على موقع FlightRadar24 السويدي (مختص بالأساس بتتبع حركة الطيران الدولي).

في اليوم ذاته تدخل سلاح الجو الجزائري المتخصص في الحرب المضادة للغواصات.

أكد أن تدخل هذا العنصر الجزائري يشير إلى حدوث "إنذار" بهذا الشأن، هو اكتشاف وجود الغواصة الإسرائيلية ومطاردتها كي تغادر المنطقة حيث كانت تتجسس على المناورة البحرية الجزائرية.

نقل "مينا ديفينس" عن مصادره أن "إرسال الجزائر غواصتي مشروع 636، وطائرات صائدة للغواصات من طراز Super Lynx Mk – 140 مجهزة بطوربيدات طراز MU90 كان من الممكن أن يرسل غواصة العدو إلى القاع".

تساءل: هل هذا الاهتمام الإسرائيلي المتجدد بالجيش الجزائري والتجسس عليه مرتبط بالتوترات بين الجزائر والمغرب وعلاقة تل أبيب بالرباط، أم أن هناك دوافع أخرى وراءه؟

وقد أكد "داركو تودوروفسكي" المحرر العسكري لموقع "بالكان ايست" الروسي واقعة تجسس غواصة إسرائيلية على الجزائر ومحاولتها "تتبع إطلاق تدريبي لصاروخ كروز Club-S من غواصة جزائرية".

كتب على تويتر: جرى اكتشافها وطاردتها غواصتان جزائريتان فطفت على السطح وتركت المنطقة، بعدما كانت تتجسس على المناورة البحرية الجزائرية.

اهتمت صحف إسرائيلية وجزائرية بالحادث وكتب المدير العام لهيئة الإذاعة الإسرائيلية السابق الصحفي يوني بن مناحيم عما نشر بشأن مطاردة قوات الجزائر البحرية لغواصة إسرائيلية دون أن يؤكد أو ينفي.

تجسس وغضب

بحسب مواقع متخصصة في الشؤون الدفاعية والعسكرية، فإن وجود الغواصة الإسرائيلية بالقرب من المياه الإقليمية للجزائر، كان بهدف اختبار ردود فعل القوات البحرية الجزائرية.

قالت إن التمرين الجزائري كان معقدا وشمل العديد من السفن الحربية، لذا كان فرصة للإسرائيليين لجمع معلومات استخبارية إلكترونية وبيانات حول عمليات الإرسال البحرية الجزائرية وتشفيرها.

موقع مينا ديفينس المتخصص في التحليلات العسكرية، أكد في تقريره في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن "أهداف الغواصة الإسرائيلية هي جمع معلومات استخبارية وتقنية عن الغواصة الجزائرية الجديدة دولفين".

وبين أن الغواصة الإسرائيلية ربما كانت تهدف لجمع معلومات استخبارية عن إطلاق غواصة جزائرية صواريخ "كاليبر" ومداها وتأثيرها.

خلال المناورات التي نفذتها البحرية الجزائرية، بالمنطقة العسكرية الثانية شمال غرب البلاد على الحدود مع المغرب، وشاركت فيها عدة سفن بما في ذلك غواصات 636، تم إطلاق صواريخ "كاليبر".

تشتهر غواصات 636 الروسية بأنها نسخة محسنة من الغواصة "كيلو" وبكونها هادئة بشكل خاص، وتمتلك الجزائر ستة منها مزودة بصواريخ كروز كاليبر كلوب-إس الروسية بمدى 300 كيلومترا.

لا توجد علاقات بين الجزائر وإسرائيل، حيث تدعم الأولى القضية الفلسطينية وترفض التطبيع، وتعادي تل أبيب.

يعتقد على نطاق واسع أن التجسس الإسرائيلي على الجيش والبحرية الجزائرية هو جزء من العداء بين الطرفين، ومحاولة لتعميق الشقاق بين الجزائر والمغرب.

وغضبت الجزائر من تطبيع جارتها المغرب مع تل أبيب 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، وانتقدت "الكيان الصهيوني" بسبب "نصيحة" إسرائيلية إلى الدولة المغاربية بالصمت وعدم اتهامها بالمسؤولية عن أزمتها الدبلوماسية مع الرباط.

وتزعمت الجزائر حملة لرفض عضوية "إسرائيل" في الاتحاد الإفريقي عقب الإعلان رسميا 22 يوليو/تموز 2021 عن انضمامها إليه (55 عضوا)، بصفة عضو مراقب.

وتقيم إسرائيل علاقات مع 46 من دول الاتحاد، ليس بينها الجزائر التي تعتبر من الدول العربية النادرة التي تدعم فلسطين وترفض التطبيع علنا وبقوة.

وفي 24 أغسطس/آب 2021، أجرى وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، جولة عربية وإفريقية لحشد الدول الإفريقية لرفض عضوية إسرائيل في الاتحاد.

وقال الوزير إن عدد الدول الإفريقية الرافضة لعضوية تل أبيب في الاتحاد "يتزايد".

علاقات متوترة

في معرض تبريرها قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، اتهمت الجزائر 24 أغسطس/آب 2021، إسرائيل، بأن لها دورا في ذلك، مشيرة إلى تصريحات أطلقها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد خلال زيارته الرسمية للرباط ضدها.

وكان "لابيد"، أعرب في 12 أغسطس/آب 2021 في الدار البيضاء عن "هواجس إزاء الدور الذي تلعبه الجزائر في المنطقة وتقاربها مع إيران، والحملة التي قادتها ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الإفريقي".

ردت تل أبيب على اتهام الجزائر لها بإفساد علاقتها مع المغرب، بوصف دبلوماسي إسرائيلي "الاتهامات الجزائرية" بأنها "لا أساس لها".

ودعا هذا الدبلوماسي الذي لم يكشف عن اسمه، الجزائر إلى "التركيز" على "مشاكلها" الاقتصادية، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية 24 أغسطس/آب 2021.

وفي 18 أغسطس/آب 2021 ألقت الجزائر باللوم في حرائق الغابات المدمرة على جماعتي "رشاد" الإسلامية و"ماك" الانفصالية الأمازيغية في منطقة القبائل.

وقالت إن "حركة استقلال منطقة القبائل (ماك) مدعومة من "الكيان الصهيوني"، في إشارة لاتهامها إسرائيل والمغرب.

ردت إسرائيل على الاتهامات الجزائرية لها باتهام السلطة الحاكمة بالسعي لـ "استخدام إسرائيل في صراعها مع المغرب لإبعاد النظر عن فشلها الداخلي".

ونشر موقع تلفزيون "آي 24 نيوز" الإسرائيلي 3 سبتمبر/ أيلول 2021 تقريرا لـ "وكالة الأخبار اليهودية" يؤكد فيه بروس مادي فايتسمان الباحث في مركز موشي ديان بجامعة تل أبيب، أن الجزائر "منزعجة للغاية" من تطبيع المغرب وإسرائيل.

ونقل عن أكاديميين إسرائيليين، أن الموقف الجزائري المتشدد تجاه إسرائيل والمغرب "يعكس ضغوطات يواجهها النظام من أجل تجديد شرعيته لدى المواطنين الغاضبين والمصابين بخيبة أمل".

قبل ذلك غضبت تل أبيب لإعلان لاعب الجودو الجزائري فتحي نورين انسحابه رسميا من دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 23 يوليو/ تموز 2021 بعدما أوقعته القرعة في مواجهة لاعب إسرائيلي، وفضل المقاطعة على التطبيع.

كما غضبت إسرائيل من إغلاق الجزائر في سبتمبر/أيلول، المجال الجوي أمام طائرات المغرب ومن ثم أمام الطائرات المتجهة إلى إسرائيل من الرباط.

وبدأت تلك التوترات في 24 أغسطس/آب حينما أعلنت الجزائر، على لسان وزير خارجيتها رمطان لعمامرة قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب بسبب ما أسمته تواصل "حملة عدائية ضدها"، فيما وصفت الرباط المبررات بالواهية.‎

هناك سبب آخر للتوتر الجزائري الإسرائيلي هو أزمة الغاز الجزائرية المغربية التي قد تخرج منها إسرائيل رابحة.

إذ إن أمام إسرائيل فرصة لتوسيع أسواقها للغاز على حساب الغاز الجزائري باستغلال علاقتها المتنامية مع المغرب.

ويمر أنبوب غاز جزائري عبر أراضي المغرب إلى جنوب إسبانيا، وسوف ينتهي أجل تعاقد الجزائر مع الرباط على استخدامه أكتوبر/ تشرين الأول 2021 وهناك مخاوف أن يكون ضحية توتر علاقات الجانبين.

فعبر هذا الأنبوب يمر 3 مليارات متر مكعب سنويا تذهب إلى إسبانيا، يضاف لها مليار متر مكعب إمدادات جزائرية للسوق المغربية سنويا، من إجمالي صادرات الجزائر البالغة 50 مليار متر مكعب سنويا.

حال عدم تجديد الجزائر عقد مرور الغاز عبر هذا الأنبوب إلى المغرب، ستفقد الجزائر أحد الخيارات اللوجستية الهامة لبيع الغاز، في وقت تبحث فيه إسرائيل عن أسواق جديدة للغاز المستخرج من حقولها قبالة سواحل البحر المتوسط.

قد تستغل تل أبيب الموقف والأزمة الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب، وتعرض على الرباط توقيع اتفاقية لتزويده بالغاز الإسرائيلي بدل الجزائري.

وقد تمتد العلاقات بين الجانبين في مجال الطاقة وتصل لإعادة تشغيل أنبوب الغاز المغربي الإسباني، لتزويد مدريد وأسواق مجاورة أيضا، ولكن بالغاز الإسرائيلي لا الجزائري.