"خطر داهم".. لهذا تراجعت أحزاب تونسية عن دعم انقلاب قيس سعيد

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتم تونس في 25 سبتمبر/أيلول 2021، أسبوعها الثامن منذ إعلان الرئيس قيس سعيد تعطيل عمل البرلمان، وتجميعه للسلطات الثلاث في يده، في حركة اعتبرها "خطوة لإنقاذ البلاد من خطر داهم يهددها"، فيما يصفها معارضوه بـ"الانقلاب".

ما ميز الأسبوع الأخير، هو اتساع دائرة المعارضين لسعيد واستمرار "الحالة الاستثنائية"، وخاصة نيته تعطيل العمل بالدستور، وهو ما أثار حفيظة عدد واسع من الأحزاب السياسية حتى تلك التي سبقت وأيدت قراراته ليلة 25 يوليو/تموز 2021. 

هذه المعارضة، ترجمت بدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للتظاهر في 18 سبتمبر/أيلول 2021 بشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، استجاب لها مئات المواطنين من معارضي الانقلاب، ما أثار حفيظة رئيس الجمهورية الذي رد بعدها بأيام قليلة بخطاب متشنج اتهم المعارضين بـ"الخيانة والمخمورين والمأجورين".

الدعوات التي أطلقها عدد من الناشطين في بيان حمل توقيع "مواطنين ضد الانقلاب"، دعا إلى "التنظيم والتنسيق التلقائي تمسكا بالديمقراطية أسلوبا في التدبير العام ولجما للاستبداد وردعا لعصابات الفساد".

وتضمنت العريضة، شعارات التحرك التي لخصها في أربع نقاط، "يسقط الانقلاب على الدستور.. يسقط وضع الاستثناء.. لا للمحاكمات العسكرية.. الاستبداد حاضنة الفساد".

استعادة الشارع 

إثر خطاب سعيد مساء 25 يوليو/تموز 2021، جابت شوارع البلاد مسيرات سيارة احتفاء بقرارات الرئيس التي أعلن فيها تجميد البرلمان وإقالة الحكومة، بعد يوم شهدت فيه البلاد احتجاجات عنيفة في عدد من الجهات أدت إلى حرق عدد من مقرات حركة "النهضة". 

ومنذ خطاب الرئيس ليلتها لم تشهد البلاد أي تحرك احتجاجي معارض للانقلاب، سوى وقفة رمزية قامت بها "النهضة" وعدد من حلفائها مقابل مبنى البرلمان صباح 26 يوليو/تموز 2021.

لكن حراك 18 سبتمبر/أيلول 2021، يعتبر أول تحرك معارض لإجراءات الرئيس، سبقه تحرك حقوقي رفضا لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بعد عرض النائب المعتقل ياسين العياري بتهم "الإساءة لرئيس الجمهورية" بعد إدانته بتهمة "المس من معنويات الجيش الوطني". 

وقال أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك، لـ"لاستقلال" خلال المظاهرة الاحتجاجية: إن "هذه الوقفة هي بالأساس وقفة مدنية ولا تقف وراءها أحزاب ولا منظمات ".

وأكد ابن مبارك أن "هذا التحرك الاحتجاجي كان منتظرا ضد الانقلاب على الدستور والمسار الديمقراطي ولتوجيه رسالة لسلطة الانقلاب بأن الشارع التونسي متنوع وفيه آراء مختلفة وأنه ليس ملكا لأحد و حكرا على شخص معين".

وأشار الناشط السياسي المستقل إلى أن "الإصلاح ومقاومة الفساد يمكن أن تتم تحت المظلة الدستورية، وليس بقرار فردي، بإلغاء الدستور وحل المؤسسات ووضع الدبابات أمام المؤسسات السيادية سواء كان مقر الحكومة أو البرلمان".

وشدد ابن مبارك على أنه "لا يمكن في مناخ تسوده هذه النزعة العسكرية أن نتحدث عن إصلاح".

محاولات تشويه 

من جهته، أكد الناشط السياسي أمان الله الجوهري، أن "هناك مغالطة كبيرة يروج لها سعيد والماكينة الإعلامية المحيطة به ومليشياته الإلكترونية عبر الترويج بأن هناك اصطفافا ثنائيا يقسم التونسيين بين داعم للانقلاب، وجزء آخر داعم للفساد والمنظومة الحاكمة قبل 25 يوليو/تموز 2021". 

وأوضح الجوهري لـ"الاستقلال": "ما حصل في تونس انقلاب على الدستور، والديمقراطية توفر أدوات قانونية لمحاربة الفساد، ولا حل للديمقراطية إلا بمزيد من الديمقراطية، وأكبر دليل على إمكانية التغيير هو وصول سعيد للرئاسة عبر الانتخابات بعد منافسته لمرشحي الأحزاب في الانتخابات الرئاسية في دورها الأول والثاني".

واستدرك قائلا: "لكن قيس سعيد بعد 50 يوما من انقلابه، أكد أنه لا يحمل مشروعا لمحاربة الفساد ولا برنامجا لتغيير الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وهو فقط يبحث عن إرساء نظام سياسي على مقاسه بدستور يكتبه بيده، بالعودة إلى نظام فردي دون برلمان منتخب ناضل التونسيون من أجله منذ 9 أبريل/نيسان 1938".

وأكد الناشط السياسي أن "لا حل للخروج من هذه الأزمة إلا بالعودة إلى الشعب، والإجابة عن سؤال ما يريد الشعب تأتي عبر صناديق الاقتراع وليس عبر ما يريده الرئيس، بانتخابات تشريعية ورئاسية، لأن سعيد فقد شرعيته بعد أن انقلب على الدستور وخرق أحكامه التي أقسم على احترامها بعد فوزه بالرئاسة".

ما أكده الداعون للوقفة الاحتجاجية وعدد كبير من الذين نزلوا لوسط العاصمة تونس صباح 18 سبتمبر/أيلول 2021، أن هذه الوقفة "مجرد بداية لحراك شعبي أوسع في ظل تواصل نفس الإجراءات واستمرار حالة العبث بمؤسسات الدولة والانقلاب على الدستور". 

وتجددت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي للنزول إلى الشارع في 25 سبتمبر/أيلول 2021، بمناسبة مرور شهرين على انقلاب سعيد.

وما ضاعف من حالة الغضب وتجدد الدعوات، توجه سعيد بكلمة  مباشرة للمواطنين من ولاية سيدي بوزيد بثها التلفزيون الرسمي مساء 20 أيلول/سبتمبر 2021 ، قال فيها: إنه اختار أن يلقي كلمته "من مهد الثورة لا من مدارج المسرح البلدي"، في رد على الوقفة الاحتجاجية التي نظمت قبالة المسرح البلدي بشارع الحبيب بورقيبة.

وأضاف سعيد أن "هذه المسرحية مخرجها معروف وفاشل والممثلون هم من أسوأ الممثلين (دون توضيح)"، وأضاف مهددا "سيأتي اليوم الذي سيكشف فيها عن الحقائق كاملة، ليعرف من خلالها الشعب عديد الحقائق".

جبهات معارضة 

خطاب سعيد المتشنج أثار موجة جدل واسعة بين التونسيين، كغيره من الخطابات التي يكشف فيها تدريجيا عن نواياه التي لم يفصح عنها منذ انقلابه، كان آخرها وأهمها حديثه عن وضع أحكام انتقالية دستورية تمهد لتعديل الدستور وتغيير النظام نحو نظام رئاسي يوسع من صلاحيات رئيس الجمهورية.

هذا الموقف جعل من دائرة المعارضين للرئيس تتسع لتشمل عددا من الأحزاب من بينها أحزاب كانت داعمة لإجراءات الرئيس، حيث عبرت في بيان مشترك 14 سبتمبر/أيلول 2021، عن "رفضها المطلق لكل دعوات تعليق الدستور"، مطالبة سعيد بالالتزام بتعهداته باحترام الدستور وباليمين الذي أداه قبل تولي مهامه على رأس الدولة".

كما أكدت ذات الأحزاب وهي التيار الديمقراطي، آفاق تونس، الأمل، الجمهوري، والتكتل، رفضها لحالة الجمع بين السلط والانفراد بالقرار واستغرابها من استمرار الفراغ الحكومي.

وطالبت الأحزاب بضرورة تكليف رئيس حكومة يتمتع بالكفاءة والاستقلالية وقادر على الاستجابة للانتظارات الاجتماعية والاقتصادية وحل الأزمة المالية العمومية؛ لتجنيب البلاد مخاطر الإفلاس.

في الوقت نفسه، دعت 5 أحزاب أخرى في بيان نشروه 17 سبتمبر/ أيلول 2021، المؤسسة العسكرية إلى عدم الانخراط في الصراعات السياسية والالتزام بدورها في الدفاع عن الوطن واستقلاله ووحدة ترابه، داعية القضاء العسكري كذلك إلى التخلي عن محاكمة المدنيين والتصريح مستقبلا بعدم اختصاصه في القضايا المتعلقة بالمدنيين.

ووقع على هذا البيان كل من حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري وحزب حراك تونس الإرادة وحزب الإرادة الشعبية وحركة أمل وعمل وحركة وفاء الذين دعوا أيضا السلطة القضائية إلى "الإيمان بأن لا سلطان عليها إلا القانون والاضطلاع بدورها في ضمان الحقوق والحريات وإقامة العدل وإقرار علوية الدستور وسيادة القانون"،.

وأكدت الأحزاب الموقعة أن هذا البيان جاء بعد "استمرار هذا الوضع وما ترتب عنه من تعطيل مؤسسات الدولة بما في ذلك التي تستمد شرعيتها من الشعب مباشرة، وأمام غياب التدابير التي من شأنها تأمين السير العادي لدواليب الدولة".