"الجيش الوطني السوري".. لماذا اندمجت قوات المعارضة تحت فصيل واحد؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تواجه الفصائل العسكرية السورية المعارضة المنضوية تحت اسم "الجيش الوطني السوري"، ويتركز وجودها في ريف حلب الشمالي، وبعض مناطق إدلب، التحدي الأكبر، وهو أن تصبح أكثر تنظيما من الناحية الهيكلية.

وتسير تلك الفصائل المدعومة من تركيا في اتجاه إعادة ترتيب بيتها الداخلي ومنع حالة الانقسام، عبر الدخول في تحالفات تجمع كبرى الفصائل مشكلة بذلك نواة صلبة لأي مشروع عسكري جامع في الشمال السوري.

ويحكم الشمال السوري اليوم قطبان عسكريان، الأول يتبع وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة (معارضة)، ويوجد في ريف حلب، والثاني يتبع معظمه لـ"هيئة تحرير الشام" ويتركز في إدلب.

ويسيطر القطبان على معبرين داخليين في الشمال، الأول يسمى "الغزاوية"، ويصل مدينة دارة عزة بمنطقة عفرين بريف حلب الغربي، والثاني، يسمى "دير بلوط" ويصل إدلب بريفي حلب الشمالي والغربي.

تحالف جديد

وفي خطوة جديدة ومتوقعة، انقسم الجيش الوطني السوري إلى ثلاث كتل رئيسة، بعدما أعلنت خمس فصائل كبرى 9 سبتمبر/أيلول 2021 تشكيل تحالف جديد حمل اسم "الجبهة السورية للتحرير"، وضم كلا من "فرقة السلطان سليمان شاه- فرقة المعتصم- فرقة الحمزة - فرقة صقور الشمال - الفرقة عشرين".

جاء الاندماج وفق بيان التشكيل المعلن، بهدف إنهاء ما سماه "حالة الفصائلية وتوحيد مكاتب الفصائل العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية تحت كيان واحد".

وكذلك دعم وتمكين المؤسسات الرسمية التابعة للحكومة المؤقتة كوزارة الدفاع، والشرطة العسكرية، والقضاء العسكري، والشرطة المدنية، بما يخدم النهوض بواقع المناطق المحررة.

فور إعلان الاندماج، أجرى قادة "الجبهة السورية للتحرير" تحركات مكثفة على كافة المستويات لهيكلة المكاتب الأمنية، والعسكرية، والإعلامية، وإلغاء الرايات الفصائلية بشكل كامل، وإزالتها من على كافة المقرات، واستبدالها براية "الجبهة السورية للتحرير"، وشعار الجيش الوطني السوري.

كما جرى إلغاء مسميات قطاعات الفصائل واستبدالها بقطاعات المسميات الجغرافية، كالقيادة الوسطى والمنطقة الشمالية والجنوبية.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أعلن من ولاية شانلي أورفا التركية والحدودية مع سوريا، توحيد "الجبهة الوطنية للتحرير" والجيش الوطني تحت سقف وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة.

ليكون بذلك الجيش الوطني مؤلفا من سبعة فيالق ويحتوي على نحو 80 ألف مقاتل. وأسندت وقتها قيادته للواء سليم إدريس بصفته وزيرا للدفاع في الحكومة.

وقال القائد العام الجديد لـ "الجبهة السورية للتحرير"، في تغريدة له على تويتر 14 سبتمبر/أيلول 2021: إن الارتقاء بالواقع العسكري والأمني أحد أهم أهداف التحالف الوليد.

وبعد هذه الخطوة التي تلقى تشجيعا محليا، أصبح الشمال السوري يضم ثلاث كتل عسكرية مقربة من أنقرة، وهي إلى جانب التحالف الجديد المذكور آنفا، هناك غرفة "عزم" التي شكلت منتصف يوليو/تموز 2021، من قبل عدد من فصائل الجيش الوطني السوري.

والثالثة هي "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تأسست في محافظة إدلب 28 مايو/أيار 2018 من اتحاد 11 فصيلا آنذاك من الجيش الحر، وقادها العقيد فضل الله الحجي، وهو القائد العام لفصيل "فيلق الشام" الذي يعد أكثر الفصائل قربا من تركيا.

لكن ما كان لافتا هو خروج فصائل من غرفة "عزم" بعد انضمامهم لها، والدخول مجددا في التحالف الجديد "السورية للتحرير"، وأبرزهم "فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه".

وقرأ الباحث في مركز جسور للدراسات عبد الوهاب عاصي، في تغريدة له على تويتر 23 أغسطس/آب 2021، ذلك الانسحاب المبكر بأنه نتيجة لعدم قبول الفصائل المذكورة "بتوزيع السلطة والموارد بناء على شروط "الجبهة الشامية والسلطان مراد".

وأضاف أن "الانضمام أو الانسحاب من (عزم) لا علاقة له بضبط الفوضى الأمنية أو ليس أولوية على أقل تقدير"، حسب تعبيره.

وتعيش مناطق الشمال السوري حالة استقرار نسبية من ناحية التصعيد العسكري، نتيجة اتفاقيات مبرمة بين روسيا وتركيا التي تنظر لها أنقرة على أنها مناطق نفوذ لها وتعمل على إصلاح البنية التحتية فيها وتطويرها خدميا وتنشيطها اقتصاديا.

وفي الوقت الحاضر تنحصر مهام معظم فصائل الجيش الوطني على ملاحقة المجرمين وتنفيذ المذكرات القضائية ومكافحة تجار المخدرات والمروجين.

لكن الكثير من الخبراء العسكريين ينظرون إلى الجيش الوطني على أنه لم يصل إلى الحالة التنظيمية كجيش موحد، لكون فصائله المشكلة منه ما تزال تأتمر بأمرة قائد كل فصيل.

بمعنى أن الحالة الفصائلية هي السائدة، في وقت توجد ضغوط شعبية تنادي بالتخلص منها لما فيه مصلحة جامعة لهذه القوة العسكرية التي تعتبر سدا أمام تقدم قوات النظام السوري وابتلاع مناطق جديدة وإخضاعها لنفوذه.

ولا سيما أن مناطق الشمال السوري يوجد فيها قرابة 5 ملايين سوري أغلبهم من النازحين الفارين من قصف النظام، هذا فضلا عن الأهمية الإستراتيجية للمنطقة الحدودية مع تركيا. 

وسبق أن أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في كلمة له خلال مناقشة موازنة وزارة الدفاع التركية لعام 2020، أن الجيش الوطني السوري، "ليس عشوائيا"، وأنه "يقاتل إلى جانب الجنود الأتراك"، مبينا أن له وزيرا للدفاع وقائدا للأركان يتبعان للحكومة السورية المؤقتة.

تعزيز المعارضة

تحالف "الجبهة السورية للتحرير" ينتشر في مناطق العمليات العسكرية الثلاث لـ "الجيش الوطني السوري"، التي أطلقها الأخير بدعم مباشر وإسناد جوي كامل من تركيا، وهي "درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام".

المنطقة الأولى تسمى منطقة عملية "درع الفرات" التي أطلقت في 24 أغسطس/آب 2016، في ريف حلب ضد تنظيم الدولة وطردته الفصائل بدعم تركي من عدد من المدن بريف حلب وعلى رأسها "جرابلس، الباب، أعزاز"، إذ جرى وقتها تحرير 2055 كيلومترا مربعا من الأراضي شمالي سوريا من يد التنظيم.

وأطلقت تركيا عمليتين عسكريتين حينما قررت قطع الطريق أمام محاولات قوات "ي ب ج" العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من التحالف الدولي، وصل شريط من القرى والمدن على الحدود السورية التركية مع بعضها تربط محافظات "الحسكة، الرقة، حلب"، لمنع قيام كيان كردي شمال سوريا على حدودها.

 الأولى بدعم من الجيش الوطني السوري، حملت اسم "غصن الزيتون" في 20 يناير/كانون الثاني 2018، جرى خلالها السيطرة على مدينة عفرين شمال حلب وتخليصها من عناصر حزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، ووحدات حماية الشعب الكردية.

والعملية الثانية أطلقت في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وسميت "نبع السلام" وتركزت في محافظتي الحسكة والرقة.

إذ جرى إبعاد قوات "ي ب ج" الكردية مسافة 30 كيلومترا عن الحدود التركية وبسط الجيش الوطني سيطرته على مساحة تزيد عن 4 آلاف كيلو متر مربع، بهدف إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.

ورغم أن التحالفات العسكرية الجديدة يؤكد قادتها أنها ليست بديلا عن الجيش الوطني بل تعمل في الإطار العام له، إلا أن أهدافا أبعد من ذلك تقف خلف تشكيل مثل هذه التحالفات وفي هذا التوقيت.

كما يخشى كثير من المراقبين أن تفضي تلك التحالفات لمزيد من الانقسام في حال الاختلاف على توزيع السلطة وحصر الموارد بيد فصائل دون الأخرى.

واستبعد المختص بالحرب الكيميائية السورية الرائد السابق طارق حاج بكري، في تصريح لـ "الاستقلال" حدوث "انقسام بين التحالفات الجديدة لكونها أعلنت الولاء الكامل للجيش الوطني وأنهم جزء منه، والالتزام بوزارة الدفاع أي الجهات الرسمية التي تعتبر هي الواجهة للثورة والمعارضة".

واستدرك قائلا: "التزام تلك التحالفات يعني تعزيز مؤسسات المعارضة وتصحيحها بحيث تكون الممثل الحقيقي للشعب السوري الحر الذي خرج مطالبا بإسقاط النظام المجرم".

ورأى حاج بكري أن "هذا تجمعا اندماجيا بالكامل، وهو أمر جيد عندما يتم إلقاء الفصائلية، كما أن وجود قيادة ومكاتب واحدة يعني تجميع قوى الجيش الحر، والمهم هو التطبيق لهذا الاتحاد بحيث يكون قراره واحد".

وألمح الرائد إلى أنه حسب معلوماته فإن التحالف الجديد "يسعى إلى تشكيل فريق قانوني وسياسي كامل من أجل تصحيح الأخطاء التي حصلت في الماضي نتيجة بعض الفوضى التي كانت منتشرة هناك".

وينادي كثير من الضباط المنشقين عن النظام السوري ويعتبرون من ذوي الاختصاص الأكاديمي، بضرورة تحويل الجيش الوطني السوري إلى مؤسسة عسكرية رسمية بديلة توازي مؤسسة النظام.

في هذا السياق، يرى الخبير العسكري والإستراتيجي السوري، فايز الأسمر، أن الجيش الوطني منذ أن شكل في عام 2017، لم توظف له المقومات الأساسية التي تدفعه للنجاح في أن يكون مؤسسة انضباطية فاعلة قادرة على قيادة وتخطيط الأعمال القتالية".

وفي مطلع سبتمبر/أيلول 2021، استقال وزير الدفاع في الحكومة "السورية المؤقتة" اللواء سليم إدريس من منصبه الذي تسلمه في 31 أغسطس/آب 2019.

وتزامنت استقالة إدريس مع ظهور التحالفات الجديدة على الساحة السورية المعارضة.

وهو ما دفع الأسمر لربط تلك الاستقالة بوجود "فرق وألوية لا تزال تحمل رايات الفصائلية المقيتة وبعيدة كل البعد أن يفكر قادتها فعليا في الاندماج في مؤسسة واحدة تقودها قيادة أكاديمية متخصصة"، حسب تعبيره.

واعتبر الخبير العسكري خلال حديثه لـ "الاستقلال" أن هذا "التشكيل الجديد جاء لتوحيد قوى هذه الفصائل لحماية أنفسهم ومصالحهم من أي حسابات أو أي تطورات مرحلية ميدانية قد تفرض مستقبلا من قبل غرفة عزم أو هيئة تحرير الشام".

وحول طبيعة الدور التركي في مثل هذه التحالفات العسكرية الجديدة، ولا سيما أن كل تلك الفصائل تتلقى الدعم الكامل من أنقرة، ذهب الأسمر للقول: "إن الأتراك لا يمانعون في أي إجراءات أو تشكيلات مثل هذه ويرحبون بها".

واستدرك: "أتصور أن لديهم اليقين والقناعة الأكيدة أن هذه التشكيلات هي وليدة إرادات وحالات انفعالية لم تنضج وغير قابلة للاستمرار؛ نظرا لطغيان المصلحة الفصائلية والشخصية للقاعدة وطغيانها على الصالح العام".