صحيفة إيطالية ترسم خريطة انتشار مليشيا فاغنر الروسية في إفريقيا

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

ذكرت صحيفة إيطالية أن مرتزقة شركة "فاغنر" الروسية موجودون على الأقل في نصف البلدان الإفريقية، التي يتمتع أغلبها بالموارد الطبيعية التي "يطمع الكرملين في استغلالها".

وقالت صحيفة "نيغريسيا" إنه "من الواضح أن روسيا تهدف إلى توسيع وتعزيز نفوذها في القارة الإفريقية وتوظيفها أيضا كواحدة من الجبهات البارزة في إطار المنافسة مع العالم الغربي".

وأوضحت أن "موسكو أبرمت اتفاقيات مع العديد من البلدان الإفريقية في القطاع العسكري، ولا سيما لتوريد الأسلحة، كما دعمت في بعضها ميلاد صناعة حرب محلية على غرار السودان الذي يعد ثالث أكبر منتج للأسلحة في القارة بعد مصر وجنوب إفريقيا".

بوابة السودان 

ووفقا لتقرير صدر عام 2014 عن منظمة "مسح الأسلحة الصغيرة" السويسرية، تؤكد "المراجعة الفنية للأسلحة المنتجة في السودان أنها تستند إلى تصميمات صينية وإيرانية وسوفييتية". 

كما أكد تقرير نشر في فبراير/شباط 2009 من قبل مركز الأبحاث والتحليل الأميركي "جيمس تاون" أن السودان يمثل أيضا الدولة الأولى التي تجلت فيها رغبة روسيا في استعادة مكانة بارزة في القارة باستخدام بيع الأسلحة على وجه التحديد.

وأشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن النشاط الروسي في القارة "تكثف بشكل كبير تحت رئاسة فلادمير بوتين".

وتعد القمة والمنتدى الاقتصادي الروسي الإفريقي عام 2019 في مدينة سوتشي على شواطئ البحر الأسود بمشاركة 43 دولة، أبرز الأحداث الدالة على ذلك حيث تم التوقيع على 92 اتفاقية ومذكرة اقتصادية.

وكان بوتين قد عبر في كلمته الافتتاحية عن استعداد روسيا لتقديم مساعدات وعقود تجارية "دون شروط سياسية أو غيرها على عكس ما تفعله الدول الغربية التي تستخدم الضغط والترويع والابتزاز".

قنوات غير رسمية

وأوضحت الصحيفة أن الكرملين "لا يستخدم القنوات الدبلوماسية والاقتصادية العادية فحسب لتحقيق أهدافه في القارة، بل يستخدم أيضا أساليب مختلفة". 

وفي هذا الصدد، كشف تقرير نشره موقع "ذي أفريكان ريبورت" في 29 يوليو/تموز 2021، أن موسكو "تعتمد الآن كلا من مجموعة فاغنر شبه العسكرية الخاصة، وقوة التلاعب التي تمارس من خلال شبكات التواصل الاجتماعي".

وأشارت "نيغريسيا" إلى أن "مجموعة فاغنر ظهرت لأول مرة عام 2014 في شبه جزيرة القرم، حيث دعمت الجيش الروسي الذي احتل شبه الجزيرة، ودخلت إفريقيا من بوابة السودان حيث رصدت طليعة المرتزقة الروس خلال موجة المظاهرات المناهضة للنظام عام 2013".

وشددت على أن وجودها تمدد وتعزز أكثر في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، إثر لقاء بوتين بالرئيس السوداني السابق عمر البشير الذي طلب صراحة الحماية من "التصرفات العدائية للولايات المتحدة".

وحاليا، تسجل المجموعة حضورها بطرق وأشكال مختلفة فيما لا يقل عن نصف البلدان الإفريقية بلغ عددها 23، وفق "مركز الإمارات للسياسات". 

وبينت الصحيفة الإيطالية أن انتشار مجموعة المرتزقة الروس تتركز في شمال القارة والقرن الإفريقي خاصة في جمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وليبيا وموزمبيق وتحديدا في منطقة كابو ديلغادو.

ولفتت الصحيفة إلى أن دعم فاغنر في ليبيا للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، "يثير مخاوف واشنطن بشكل خاص، لا سيما وأنها تعتبره مزعزعا للجهود الدولية من أجل السلام، فضلا عما يشكله من تهديد جدي للجناح الجنوبي لحلف الناتو". 

وصرح الكولونيل كريستوفر كارنز، المتحدث باسم "أفريكوم"، القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، مؤخرا أن "روسيا توظف مجموعات عسكرية خاصة ومقاولين عسكريين خاصين في دول إفريقية لإخفاء دورها المباشر".  

تعزيز المصالح

في المقابل، نفت موسكو دائما تورطها في الصراعات الإفريقية رغم غموض طبيعة مجموعة "فاغنر"، تلاحظ الصحيفة الإيطالية.

وكشف تحقيق نشرته هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 11 أغسطس/آب 2021، أن "المجموعة سرية للغاية ولا تمتلك أي وجود رسمي، إلا أنها وظفت إلى الآن ما لا يقل عن 10 آلاف عنصر بعقود قانونية".

وأجاب أحد المقاتلين السابقين للمجموعة، في حوار مع الهيئة البريطانية عن سؤال حول ماهية المجموعة بالقول: "إنها كيان يهدف إلى تعزيز مصالح البلاد خارج الحدود". 

وذكرت الصحيفة الإيطالية أن انتهاكات وجرائم المجموعة شملت أيضا المدنيين العزل، وفقا لما أظهره تقرير صدر مؤخرا عن منظمة "ذي سنتري" الأميركية سلط الضوء على ارتكابها لفظائع جماعية ضد المدنيين في جمهورية إفريقيا الوسطى.

وقالت الصحيفة الإيطالية: إن "نشر المجموعة في إفريقيا لا يقتصر بغاية التأثير السياسي فحسب، وإنما أيضا لاستغلال موارد البلدان التي تتدخل فيها". 

من جانبه، أكد المتحدث باسم القيادة الأميركية في إفريقيا، الكولونيل كريستوفر كارنز، أن عملياتها العسكرية ترتبط في كثير من الأحيان بعقود لاستخراج المعادن "التي من شأنها أن تقوض قدرة التنمية الاقتصادية للبلدان الإفريقية".

وأوضحت "نيغريسيا" أن تطور الوجود الروسي يتجلى في كل من السودان وإفريقيا الوسطى وأيضا في موزمبيق، خصوصا وأن منطقة "كابو ديلغادو" غنية بشكل خاص بالموارد المعدنية.

وفي هذا السياق، تلعب فاغنر دورا أساسيا، حيث تقدم خدمات مثل تدريب القوات العسكرية، وحراسة كبار الشخصيات الحكومية، بالإضافة إلى أنشطة الحرب الإلكترونية، إلى جانب مكافحة التمرد المسلح والسيطرة على مناطق التعدين، ومن ثم تسهيل إبرام عقود اقتصادية لشركات روسية غالبا ما تكون مرتبطة أو خاضعة لإدارة قادة المجموعة نفسها.

حملة منسقة

وأفادت الصحيفة الإيطالية بأن ذكر اسم الشركة يقترن باسمين رئيسين هما المؤسس، "دميتري فاليريفيتش أوتكين"، الضابط السابق في القوات الخاصة للجيش الروسي والمتعاطف مع النازية، و"يفغيني بريغوزين"، المالك أو الممول الرئيس، وهو رجل أعمال مرتبط ارتباطا وثيقا ببوتين.

ومول بريغوزين وأدار شبكة من الشركات مثل شركة "إيرا" العسكرية الروسية المختصة في مبتكرات التكنولوجيا ومقرها مدينة بطرسبورغ، وشركة "كونكورد للإدارة والاستشارات"، المتهمة بكونها مركز انطلاق حملات التضليل الروسية.

وبحسب موقع "ذي أفريكان ريبورت"، تنشط "إيرا" والشركات التابعة لها في إفريقيا أيضا بهدف الإعداد لاستبدال النفوذ المسلط على الدول المستعمرة السابقة بنفوذ روسيا.

وذكر في هذا الإطار أنشطتها في مالي المثيرة للمشاعر المعادية للفرنسيين، كما  حل ممثلو فاغنر في باماكو عام 2019 حيث أجروا اتصالات مع سياسيين وعسكريين مقربين لهم تلقوا تدريبات في روسيا، يتقدمهم "أسيمي غويتا"، الرئيس المؤقت الحالي للبلاد، ثم دعموا المظاهرات المناهضة لفرنسا والمؤيدة لروسيا في باماكو العاصمة وفي مدن أخرى.

تصعيد يشير إلى أن مالي قد تكون الدولة التالية التي ستعزز فيها مجموعة فاغنر وجودها، عسكريا واقتصاديا وهو ما يثير إلى جانب توسع المجموعة في تشاد، حيث تملك اتصالات مع بعض الجماعات المتمردة، مخاوف أجهزة المخابرات الفرنسية، تفيد الصحيفة.

ويرى "المركز الإماراتي للسياسيات"  وخبراء آخرون في الشؤون الإفريقية، أن "النشاط الروسي في القارة السمراء يعتبر حملة منسقة جيدا وطويلة الأمد برزت تداعياتها الآن وتؤدي إلى مزيد من العسكرة وعدم الاستقرار في القارة التي باتت تشكل جبهة تنافس جيوإستراتيجي في الوقت الراهن وفي السنوات المقبلة".