"باقون".. صحيفة أميركية تطمئن أكراد سوريا بعد الانسحاب من أفغانستان
.jpg)
قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية إن القرويين في مناطق شمال شرق سوريا، الخاضعة لسيطرة قوات كردية مدعومة من واشنطن، عبروا عن خشيتهم من الانسحاب الأميركي من المنطقة في سيناريو مماثل لما حدث بأفغانستان.
ويعد توغل المركبات المدرعة التي ترفع الأعلام الأميركية والمدافع الرشاشة، في هذه القرى ذات الطرق الترابية والمنازل الخرسانية، مشهدا مألوفا في المنطقة شمال شرق سوريا.
وأثناء احتساء أكواب الشاي الساخنة، التقى ضباط الجيش الأميركي وحلفاؤهم في قوات سوريا الديمقراطية "قسد" التي يقودها الأكراد، مع رجال محليين للسؤال عن التهديدات الأمنية الآن بعد انسحاب عناصر تنظيم الدولة.
هل تبقى واشنطن؟
بعد الانسحاب الفوضوي للقوات الأميركية من أفغانستان، يقول القادة في هذا الجزء من سوريا: إنهم يخشون رحيل ما يقرب من 900 جندي أميركي، مدعومين بالقوة الجوية.
وهؤلاء الجنود ينفذون دوريات في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات متحالفة مع الولايات المتحدة والتي يقولون: إنها ضرورية لحمايتهم من القوى المعادية.
وقال بنكين حسين البالغ من العمر 45 عاما، وهو عاطل عن العمل في تل الذهب: "إذا انسحبوا، في اليوم التالي سنهاجم من كل الجهات، النظام من هذا الطريق وتركيا من هذا الطريق".
وبعد عقد من الحرب التي أشعلتها انتفاضة شعبية، أصبحت سوريا منقسمة الآن بين مجموعة من القوى الداخلية والخارجية بما في ذلك روسيا وإيران، اللتان تقدمان الدعم العسكري لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
أما تركيا فتدعم الجماعات المعارضة المسلحة، فيما لا يزال مقاتلو تنظيم الدولة نشطين أيضا، وفق الصحيفة الأميركية.
وخلال جولة أجراها مراسل وول ستريت جورنال للعراق وشمال شرق سوريا، أوضح الضباط الأميركيون أن وجود واشنطن أمر بالغ الأهمية لمواصلة الضغط على مقاتلي تنظيم الدولة ودعم حلفاء الولايات المتحدة في كلا البلدين.
ويجادل آخرون أن الوقت قد حان للخروج من المنطقة، ومن بين هؤلاء السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد.
وأكد فورد أنه نظرا لأن المنطقة التي يقودها الأكراد في سوريا لا تستطيع دعم وحماية نفسها، فإن المصالح الأميركية يجب أن تركز على الأولويات الأخرى والاعتماد على تركيا وروسيا لمحاربة تنظيم الدولة.
وقالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن: إنها مصممة على تقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط الأوسع، بعدما يقرب من 20 عاما من هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن والتي أدت إلى "غزو أفغانستان".
وفي العراق الذي غزته الولايات المتحدة في عام 2003، التزم البيت الأبيض بالفعل بسحب القوات المقاتلة بحلول نهاية العام 2021، على الرغم من أن القوات التي توفر التدريب والدعم لقوات الأمن العراقية - حوالي 2500 جندي في الوقت الحالي - ستبقى على الأرض.
ويقول ضباط عسكريون على الأرض في العراق وسوريا: إنهم ملتزمون بالبقاء في المنطقة وأن الانسحاب الأفغاني لن يؤثر على مهمتهم.
الكولونيل واين ماروتو المتحدث باسم التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة والذي زار القوات الأميركية في سوريا نهاية أغسطس/آب 2021 يقول: "ما زلنا هنا ملتزمين بدورنا ونحن نظهر هذا الالتزام".
لكنه أضاف أيضا: "أنت وأنا لا نستطيع أن نحدد ما سيحدث في المستقبل".
وتواصل المسؤولون الأميركيون مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة في سوريا خلال الأيام الأخيرة في محاولة لطمأنتهم بأن الولايات المتحدة ستبقى في المنطقة.
وتحدث القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود مع مسؤولي قوات سوريا الديمقراطية أواخر أغسطس/آب "لتأكيد التزام الولايات المتحدة بالحملة ضد تنظيم الدولة والاستقرار في المنطقة"، وفقا لتغريدة على حساب السفارة الأميركية في دمشق.
وتحتفظ الولايات المتحدة حاليا بسلسلة من القواعد الصغيرة المنتشرة في الصحراء في شمال شرق سوريا بهدف منع أي عودة لتنظيم الدولة.
وهي تشمل موقعا سكنيا يعرف باسم RLZ، ومخيما من المباني المنخفضة، ومهبطا ووحدات سكنية مسبقة الصنع تشبه حاويات الشحن.
كما أن هناك قاعدة مأهولة بأفراد الحرس الوطني من ألاباما المسؤولين عن تأمين "الجزء الحكومي" من سوريا بالقرب من الحدود مع العراق.
"عامل استقرار"
وتعد القوة الجوية الأميركية والدعم العسكري الآخر أيضا مصدرا مهما لاستقرار قوات الأمن العراقية التي انهارت عندما استولى تنظيم الدولة على جزء كبير من البلاد في عام 2014.
ويجادل المسؤولون الأميركيون بأنه من غير المرجح أن يحدث انهيار بهذا الحجم مرة أخرى، لكن القوات العراقية تتعرض لضغوط من مقاتلي تنظيم الدولة والمليشيات المدعومة من إيران.
وفي المقابل يخلق الوجود العسكري الأميركي أيضا مخاطر للحكومة في بغداد، حيث صوت البرلمان على طرد القوات الأميركية في العام 2020.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قرر في عام 2019، سحب قوات بلاده من سوريا قبل التراجع عن قراره بعد أسابيع.
في غضون ذلك، شنت تركيا عملية عسكرية ضد المسلحين الأكراد المتحالفين مع واشنطن، الذين تعتبرهم أنقرة تهديدا أمنيا داخل حدودها.
كما أرسلت روسيا قواتها المسلحة إلى نفس الجزء الشمالي الشرقي لسوريا لمراقبة اتفاق الهدنة، مما أدى إلى سلسلة من الاشتباكات بين الدوريات الروسية والأميركية في 2020، بما في ذلك اشتباك أدى إلى إصابة أربعة جنود أميركيين.
وبدعم من موسكو وإيران، تعهد النظام السوري باستعادة أجزاء من سوريا التي فقدها في أعقاب ثورة 2011 ضد الأسد، بما في ذلك مناطق في شمال شرق البلاد تسيطر عليها قوات قسد المدعومة من الولايات المتحدة.
ويتمثل القلق الرئيس للولايات المتحدة في أي علامة على إحياء تنظيم الدولة، خاصة وأن هذه القوة التي هيمنت على معظم أنحاء سوريا والعراق، لا تزال قائمة في كلا البلدين كمجموعة متمردة وأعلنت مؤخرا مسؤوليتها عن التفجيرات الانتحارية في بغداد التي أودت بحياة العشرات من الأشخاص.
كما أعلن فرعها الأفغاني عن مسؤوليته عن تفجير مطار كابول الذي أسفر عن مقتل حوالي 200 شخص في 26 أغسطس/آب 2021.
ويحافظ الجنود الأميركيون في شمال شرق سوريا على اتصال منتظم بالسكان أثناء محاولتهم تتبع نشاط التنظيم.
وبعد زيارة إحدى القرى في تلك المنطقة، دخل الجنود الأميركيون إلى محطة للنفط والغاز، وتحدثوا مع قادة محليين من قوات سوريا الديمقراطية وسط سحب من الدخان الأسود وبرك من النفط الخام على الأرض.
وقال النقيب فريدي تاول الذي قاد قافلة من المركبات المقاومة للألغام إلى المنطقة: "نحن نركز فقط على أمنهم".
لكن المسؤولين الأميركيين يعترفون بأن الدوريات العسكرية تلعب أيضا دورا مهما في ردع خصوم آخرين في المنطقة مثل إيران والمليشيات المتحالفة معها، والتي تقود عشرات الآلاف من المقاتلين في العراق وسوريا وتشكل تهديدا متزايدا.
وتحدث الكولونيل ماروتو عن الدوريات: "أود أن أقول إنها إشارة إلى جميع الأطراف الخبيثة والأعداء هنا في المنطقة".
وصعدت الجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران هجماتها على القواعد الأميركية في كل من العراق وسوريا في وقت سابق من العام 2021، وشنت هجمات صاروخية وطائرات مسيرة أسفرت عن مقتل وإصابة أفراد ومدنيين أميركيين.
وأقسمت المليشيات على طرد الولايات المتحدة من المنطقة، مكثفة من حملتها بعد مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020.
واضطرت القوات الأميركية أيضا إلى التكيف مع تهديد جديد يتمثل في طائرات بدون طيار رخيصة الثمن إيرانية الصنع، هاجمت القواعد الأميركية مرارا وتكرارا منذ مارس/آذار 2021.
وقال مسؤول عسكري كبير: إن الجيش الأميركي استخدم دفاعات جوية وطائرات مسيرة في مناطق بالعراق لا تخضع عادة لدوريات التحالف للضغط على المليشيات، وفق وول ستريت جورنال.