أصابع الإمارات تمتد للمغرب.. كيف تحاول توظيف الإعلام لصالحها؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بطلب سيادي عاجل، قرّرت دولة الإمارات استدعاء سفيرها بالرباط علي سالم الكعبي، ولم تعلق المملكة المغربية على الموضوع كما لم تعلّل أبو ظبي قرارها، ليفتح باب التساؤل من جديد حول العلاقات الإماراتية المغربية في ظل استقطاب شديد تعيشه المنطقة.

هذا القرار الإماراتي يأتي في وقت يقوم فيه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، بجولة خليجية انطلقت من السعودية وشملت الكويت والبحرين وقطر، من دون الإمارات.

القرارات الدبلوماسية المتبادلة بين الرباط وأبو ظبي، تخفي وراءها خلافات متصاعدة بين البلدين قد تتجاوز العلاقات الثنائية، ومرتبطة بمحاولات الإمارات بسط نفوذها في المنطقة من جوانب متعدّدة، بدءا بليبيا التي رعت المغرب اتفاق الصخيرات بين فرقائه والذي أفشلته الإمارات بدعم هجوم حفتر على العاصمة طرابلس.

بدأ الدور الإماراتي المتصاعد في المنطقة، يمدّ أصابعه إلى داخل المغرب مستغلاّ أدواته الناعمة وعلى رأسها الإعلام الذي بدأت تخترق به المشهد الإعلامي المغرب وتطمح أبو ظبي إلى التوسع فيها.

موقع هسبريس "إماراتي"

يبدو أن الدرهم الإماراتي وجد طريقا له للتوغل في بعض المؤسسات الاعلامية المغربية ومنها مواقع الكترونية، ويظهر هذا من خلال الدعم الإماراتي السخي الذي وجد مساحات شاسعة في أحد المواقع الإخبارية الذي يعتبر الأول بالمغرب، إذ أصبح الموقع إماراتيا ويدار من مكاتب في أرقى أبراج دولة الإمارات.

كشف موقع مغرب "انتلجنس"، أنّ موقع "هسبريس" المغربي صار تحت حماية دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تدخر أي جهد مؤخرا لزعزعة استقرار المغرب، بحسب قول الموقع.

وتم تسجيل موقع "Hespress.com" مؤخرا تحت اسم نطاق "a.e"، المدرج ضمن النطاق الوطني لدولة الإمارات، ويشير بعض المراقبين إلى أن الموقع يخضع الآن للتشريعات الإماراتية وليست المغربية، مما يثير تساؤلات حول عقود بملايين الدراهم يستفيد منها الموقع، وهي موقعة مع بعض الوزارات المغربية كوزارتي الفلاحة والسياحة، وحتى مجلس المستشارين، كما أن الموقع يستفيد أيضا من الدعم العمومي الذي تمنحه وزارة الاتصال لوسائل الإعلام الإلكترونية المغربية.

ويعيش الموقع منذ أشهر أزمة غير مسبوقة إثر خلافات بين مالكي الشركة وبعض مؤسسيها الأوائل، حيث نشر الصحفي خالد البرحيلي وهو أحد مؤسسي الموقع تدوينة مطولة على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، انتقد فيها بكلمات لاذعة مسؤولي الشركة المصدرة لـ"هسبريس" وللموقع الرياضي "هسبورت" الذي كان مدير نشره ورئيس تحريره منذ العام 2013، ويملك أسهما فيه.

وقال البرحيلي إنه قدم استقالته من الشركة بسبب خلافات عميقة بينه وبين المسؤولين، أحدها أن من يعملون في الموقع أصبحوا "مثل حرّاس الإمارات من أن تقاس (تُمسّ) بمقال أو تعليق أو خبر طائش قد ينشر في الموقع"، مقابل كون "الشيء المباح هو توجيه السهام إلى قطر"، مؤكدا أن ما كاله من اتهامات للموقع لديه "إثباتات عنه، وحديث طويل يخصه ما زالت ذاكرة هاتفي تحتفظ به".

وأضاف الصحفي المغربي: "لا يمكن بالمطلق داخل هسبريس أن ُيكتب مقال رأي، أو خبر، أو تقرير، أو تحقيق، أو حتى فلاش خبري يتحدث بسوء عن الإمارات"، مشيرا إلى أنه خلال العام الماضي فقط "نشر أكثر من 193 مقالا إخباريا يمجد الإماراتيين، حتى إذا عطس الإماراتيون في دبي أو أبو ظبي فعلى هسبريس أن ينشر أنه خير عميم جاء إلى الأمة"، معلنا أن "المدير العام للموقع يعيش في دبي".

ويعتبر موقع "هسبريس"، أول صحيفة إلكترونية في المغرب، وهي صحيفة مستقلة تأسست في فبراير/ شباط 2007، ويديرها الصحفي أمين الكنوني.

واختارت مجلة فوربس في الشرق الأوسط، "هسبريس" كأول موقع إخباري إلكتروني في بلاد المغرب العربي، وفي المرتبة الثالثة على قائمة أقوى المواقع الإخبارية العربية للعام 2012.

قنوات فضائية

كشفت صحيفة "المغرب انتلجنس" أيضا أنّ الإمارات تستعدّ لإطلاق قناة تلفزيونية موجهة للمشاهد المغربي، حيث كلفت أبو ظبي التي تمول قناة "سكاي نيوز"، مواطنا إماراتيا يسمى أحمد الربيعة بإطلاق قناة "سكاي نيوز المغرب"، وحددت لهذه القناة، حسب تأكيدات للصحيفة مهمة واحدة هي تدمير صورة المغرب، البلد المنفتح الذي يقود حكومته "حزب العدالة والتنمية" منذ عام 2012.

وأكدت الصحيفة، أن المغرب يعتبر إطلاق قناة "سكاي نيوز المغرب"، دون التشاور معه وموافقته، عملا عدائيا موجها ضده، مضيفة: أما الرياض فهي على وشك إطلاق تلفزيون عام تحت مسمى "أم.بي.سي موروكو".

وكشف الإعلامي التونسي سمير الوافي على حسابه بـ"فيسبوك" عن قرب عودة مجموعة "أم بي سي" إلى تونس بقناة جديدة تنتج وتبث برامج ضخمة موجهة لتونس وبقية المغرب العربي، قناة "أم بي سي المغرب العربي" مثل "أم بي سي مصر"، وستظم ناشطين تونسيين بارزين ومنتجين تشتري منهم برامج تونسية، قناة تملك إمكانيات ضخمة بمقاييس عالمية وميزانية كبيرة للانتاج.

وليست هذه المرة الأولى التي يُتحدث فيها عن تدخل إماراتي في الإعلام المكتوب في المغرب، فقد نشر موقع "كود" المغربي الناطق باللهجة المغربية، في 27 فبراير/شباط الماضي، خبرا عن زيارة مريبة لعدد من مديري نشر صحف مغربية إلى الإمارات، في أواخر سنة 2017، بالتنسيق بين سفارة الإمارات في الرباط ووزارة الاتصال المغربية.

وبحسب موقع "كود"، فإن "الصحفيين المغاربة خضعوا للاستنطاق كلً على حدة، في حين وُبّخ أحد مديري الصحف المغربية بسبب تدوينة دافع فيها عن رئيس الحكومة المغربي السابق، عبد الإله بن كيران".

الأجندة المكشوفة

في شهر يناير/كانون الثاني 2019، هاجم رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران دولة  الإمارات، قائلا: "تلفزيون الإمارات طبّل لمسيرة ولد زروال (التي خرجت لإسقاط حكومته 2016) وكأنّها تخصهم، ومواقفهم معروفة في هذا الأمر"، مؤكدا أن "الإمارات فيها أشخاص يتحرشون بنا، خلفان وجه النحس، ودحلان المسخوط، يتحرّشون بنا ويتحدّثون عنا، ومع ذلك حين يستدعونني لحفلاتهم أذهب رغم أنه كان بإمكاني عدم الذهاب، وإذا سألني الملك كنت سأقول له إنهم تمادوا كثيرًا".

وكشفت أسبوعية "الأسبوع الصحافي" المغربية، أن مذكرة إماراتية غير رسمية أصدرت في 2017 وتستمر حتى عام 2018، تمنع بن كيران رئيس حكومة المغرب السابق، ورئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، من دخول دولة الإمارات.

هذا العداء الذي تكنّه الإمارات للإسلاميين في العالم ضاعف من العداء للمغرب، التي بدا أنّ مصالحها في المنطقة تتعارض مع أجندة الإمارات خاصّة بعد الدعم العسكري لهجوم اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس بما قد يهدّد أمن المنطقة المغاربية ككل.

وأكّد المحلل السياسي المغربي زهير عطوف، أن "هناك تراكمات أوصلت العلاقات بين المغرب والإمارات إلى هذا الحال، إلاّ أنّه لن يهدّد العلاقات الإستراتيجية بين البلدين التي وصفها بالعميقة والتاريخية".

وفي علاقته بالدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل الإعلام ضمن الأجندة الإماراتية، قال عطوف: "في علاقة بما راج حول دور وسائل الإعلام في المغرب، أتمنى ألّا يكون صحيحا لأننا أصبحنا أمام وضع مضطرب في المنطقة خاصّة ما يجري في ليبيا وآثار التدخل الإماراتي فيها"، مضيفا: "هذا الدعم لحفتر هو تهديد للمغرب ووحدته الترابية، حيث نعلم الدور الذي كان يلعب نظام القذافي في دعم جبهة البوليساريو".

وشدد المحلل السياسي المغربي على أنّ "الإمارات تمتلك قوى ناعمة ناشطة في المغرب عبر مؤسسات موجودة مثل مؤسسة مؤمنون بلاحدود، ولكن لا يمكن أن تقوم هذه القوى بأي تأثير في الوضع المغربي؛ لأنّ النظام الملكي مستقر والتحام غالبية الأحزاب والهيئات سيفشل أي محاولة لضرب استقرار المغرب ".

واختتم عطوف حديثه بالقول: "يمكن أن يكون هناك بعض التأثيرات، ولكن المواطن المغربي والمغاربي عموما أصبح يعي الدور الإماراتي الذي عليه نقاط استفهام كبيرة".