"دبلوماسية الخيزران".. هكذا تحاول إيران تمتين علاقتها بشيعة تايلاند

a month ago

12

طباعة

مشاركة

تركز إيران اهتمامها في تمتين علاقاتها مع تايلاند، المملكة الواقعة جنوب شرقي آسيا، وإن كان عبر أبناء الطائفة الشيعية في هذا البلد الذين لا تتجاوز نسبتهم 1 بالمئة من السكان.

فبينما تصف طهران علاقاتها مع بانكوك بأنها "ودية" وتسعى لتحسينها في أكثر من مجال بما فيها الاقتصادي تسير في خط مواز يركز على توثيق الصلات مع شيعة تايلاند.

تقوية الروابط

وفي تايلاند البالغ عدد سكانها 62.5 مليون نسمة، يشكل البوذيون الأغلبية، بينما حوالي 10 بالمئة مسلمون، فيما يشكل الشيعة 1 بالمئة فقط منهم.

ووصل الإسلام إلى تايلاند في القرن الثالث عشر، ويبلغ عدد المسلمين 8 ملايين نسمة ويعيش معظمهم جنوبا في ولايات فتاني، جالا، ناربيتوس وستول، وكذلك يوجدون في الأجزاء الشمالية والوسطى من البلاد.

ويوجد في العاصمة بانكوك مؤسسة "شيخ الإسلام" التي تعد أعلى سلطة دينية، كما أنها الوحيدة التي تتولى أمور تنسيق نشاطات المراكز الإسلامية المنتشرة في الولايات الـ75 والتي تتضمن افتتاح المدارس ومساعدة الفقراء ودعم تعليم الشباب. 

ويوجد في تايلاند أكثر من 4 آلاف مسجد و9 محطات تلفزيونية مخصصة لهم في العاصمة و500 مدرسة تدرس العلوم الدينية إلى جانب المناهج الدراسية العادية.

ويؤكد المسلمون في جنوب تايلاند الذين تختلف عرقيتهم وثقافتهم ولغتهم عن الأغلبية البوذية أنهم “يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية”.

وأجرى عضو جماعة المعلمين في حوزة قم العلمية الشيعية بإيران، جواد مروي، زيارة إلى تايلاند في أغسطس/ آب 2024.

وعن الزيارة، قال مروي: "من أجل خلق الوحدة الإسلامية، ذهبت في رحلة لزيارة جنوب تايلاند ومدن بانكوك وبوكيت وسيتون".

وأضاف: "لقد سافرت إلى 35 دولة على الأقل، والحمد لله، وضع المسلمين التايلانديين جيد".

ويقدر عدد الشيعة في بانكوك بـ40 ألف شخص، بينما يبلغون في عموم البلاد نحو مئة ألف، وفقا لمنصات تهتم بشأن المذهب الشيعي.

ويؤدي الشيعة في تايلاند طقوسهم واحتفالاتهم الدينية ويمارسون نشاطاتهم الدعوية في المذهب الشيعي. 

وفي 18 أغسطس 2024 قام شباب الشيعة في محافظة فاتالونغ بتوزيع الطعام والماء على المارة في شوارع المحافظة ضمن فعاليات دينية أقيمت هناك مرتبطة بالمذهب الشيعي.

وفي تايلاند مراكز أشبه بـ"الحسينيات" لدى شيعة العراق وإيران، يرددون فيها أناشيد شيعية ولطميات وما يسمى “مواكب العزاء” و"إحياء ذكرى الأربعينية".

وكثيرا ما يحث المواطنون التايلانديون الشيعة حكومتهم إلى إنشاء قنوات اتصال مع الحكومة العراقية لتسهيل سفرهم إلى مدينة كربلاء، لإحياء بعض الطقوس هناك.

"توسيع الأيديولوجية"

ووصل المنشد الإيراني ميثم مطيعي، المقرب من المرشد علي خامنئي، إلى بانكوك في 31 أغسطس 2024.

وذكرت وسائل إعلام قريبة من الحرس الثوري أن مطيعي سافر إلى تايلاند بناء على دعوة من الشيعة الأصليين في هذا البلد ولإلقاء تأبين في “مراسم دينية”.

ونشر مطيعي خلال زيارته صورا علق عليها بالقول: "في بانكوك يمكنك رؤية متجر صغير وبسيط للأطعمة الشيعية في الأزقة الخلفية".

وظهر مطيعي فيما يبدو داخل مركز شيعي ومعه شبان تايلانديون وأطفال وكتب على منصة "إكس" قائلا: "لم يتقبل الأطفال والمراهقون الشيعة في تايلاند اللغة الفارسية فحسب، بل تقبلوا أيضا الثقافة الإيرانية وحتى الأغاني الإيرانية. جنود المهدي المنتظر منتشرون في جميع أنحاء العالم".

وعلق موقع قناة "إيران إنترناشيونال" وهي محطة تلفزيونية فارسية مقرها بريطانيا، على زيارة مطيعي إلى تايلاند بقولها إنها "محاولة من النظام الإيراني لتصدير وتوسيع نفوذ أيديولوجية الشيعة إلى الخارج".

ويحتفي خامنئي بمطيعي، الذي يبدو أنه حاصل على درجة الدكتوراه ومنشد ديني، بصفته إحدى "معجزات" النظام، و"رمزا لكيفية اختراق الثورة للعالم الأكاديمي"، كما يقول المرشد الإيراني.

وقد حولته علاقاته الوثيقة بمكتب المرشد إلى أحد أبرز الشخصيات التي يستخدمها النظام الإيراني لعرض مواقفه، محليا ودوليا، وفق "إيران إنترناشيونال".

وفي حين تروج وسائل الإعلام التابعة للنظام الإيراني لرحلة مطيعي إلى تايلاند بصفتها "مهمة ثقافية ودينية"، يرى الكثيرون أنها مثال آخر على إستراتيجية النظام الأوسع نطاقا لتصدير أيديولوجيته تحت ستار التواصل الديني.

وتزعم إيران أنها تريد تخفيف العداء بين البوذيين والمسلمين ومنع كذلك ظهور تنظيمات أو حركات فكرية تسهم في تبني التايلانديون لأفكارهم.

وتقدم الحكومات الإيرانية ميزانيات ضخمة تخصصها المؤسسات الدينية للدعاية والترويج للمذهب الشيعي في الداخل والخارج.

علاقات تاريخية

وأرسلت إيران باستمرار آلاف الدعاة والشخصيات إلى مختلف دول العالم، في جهد مستمر للترويج للمذهب الشيعي، وتعزيز النفوذ السياسي لطهران في الخارج.

وضمن هذه الجزئية، حضر المستشار الثقافي الإيراني في تايلاند، مهدي زارع بي عیب، حفل افتتاح "مركز الدراسات الإيرانية" و"مركز تعليم اللغة الفارسية" بجامعة بانكوك في 24 أغسطس 2024.

وأضاف "بي عیب": "لم تكن إيران وتايلاند طوال تاريخهما تحت سيطرة قوة أجنبية، ويعد هذا الاستقلال والمقاومة ضد الهيمنة الأجنبية نقطة قوة لكلا البلدين".

واستطرد: "العلاقات التاريخية بين البلدين يمكن أن تكون أساسا متينا لتطوير المزيد من التعاون في المجالات الثقافية والتعليمية والدولية".

وتابع أن "افتتاح مركز الدراسات الإيرانية ومركز تعليم اللغة الفارسية في تايلاند يعد جزءا من هذا المسار المشترك القائم على الاحترام المتبادل والفهم الأعمق".

بدورها، قالت رئيسة جامعة بانكوك باتاما روب سوانکول: "رغم الاختلافات الثقافية والجغرافية، إلا أن البلدين متقاربان من حيث عدد السكان، ويمكن عدّ هذا التشابه بمثابة قوة لتعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك". 

ولطالما استخدمت إيران الدين كأداة لنشر نفوذها على مستوى العالم من خلال الترويج للمذهب الشيعي في دول شرق آسيا.

ومن أهم مؤسساتها في هذا المسعى "جامعة المصطفى الدولية"، وهي مركز ديني وتعليمي مقره في "قم".

وتأسست "جامعة المصطفى" بأمر من خامنئي عام 2008، وتعمل كأداة في التوسع الإيديولوجي. وتعمل في أكثر من 60 دولة، وتتلقى تمويلا كبيرا من الميزانية الإيرانية، أكثر من 23 مليون دولار في عام 2024 وحده.

ورغم ادعائها بأنها مؤسسة أكاديمية، فقد اتُهمت "جامعة المصطفى" بالعمل كقاعدة لقوة فيلق القدس، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني.

ومع ما يقرب من 40 ألف طالب أجنبي، كثير منهم ينحدرون من مناطق مزقتها الصراعات مثل أفغانستان وباكستان، لعبت هذه المؤسسة دورا رئيسا في تجنيد المقاتلين لحروب طهران بالوكالة.

وبما أن السياسة الخارجية لتايلاند تتبع تقليديا نهج "دبلوماسية الخيزران"، الذي يتميز بالمرونة والقدرة على التكيف مع الديناميكيات الدولية المتغيرة، فإن هذا الدولة العضو في الأمم المتحدة، تحتفظ بعلاقات دبلوماسية قوية مع إيران.

وضمن هذا السياق، يمكن التذكير بتشكيل شيعة تايلاند دورا بارزا حينما تواصل رئيس مجلس النواب التايلاندي، وان محمد نور، مع الطائفة الشيعية التايلاندية للتواصل مع إيران وحركة حماس؛ والتفاوض بشأن إطلاق سراح المحتجزين التايلانديين لدى المقاومة الفلسطينية عقب عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي أكتوبر 2023 أعرب سفير تايلاند لدى طهران، بيشيت بونساد، عن أمله في أن “تكون إيران مهتمة بتبادل قدراتها في المجالات العلمية والاقتصادية” مع بلاده.

وفي عام 2016، قالت وزارة التجارة التايلاندية إنها تهدف لزيادة حجم التجارة المشتركة مع إيران من 310 ملايين دولار إلي ثلاثة مليارات دولار بحلول 2021.

وتايلاند ثاني أكبر مصدر للأرز عالميا تستهدف تصدير 700 ألف طن من الأرز إلى إيران سنويا.

وكان وزير خارجية تايلاند، ماريس سانجيمبونجسا، قال في 26 يونيو/ حزيران 2024 إن "هدفي هو إقامة علاقات وثيقة مع إيران".

وخلال مشاركته بطهران في اجتماع وزراء خارجية دول حوار التعاون الآسيوي (ACD)، أضاف سانجيمبونجسا: "يمكننا تعزيز تعاوننا في مجال السياحة وتطوير المجالات التي ذكرتها، وشددت على أن البلاد تتجاوز السياحة الطبية والتبادلات الثقافية".