تحرير ود مدني من "الدعم السريع".. الفرح في السودان والحداد بالإمارات

تَعهد عبد الفتاح البرهان باسترداد الجيش كل شبر في السودان
"الفرح في السودان والعويل في الإمارات".. بهذه العبارة ومتشابهاتها أعرب ناشطون عن سعادتهم بتحرير الجيش السوداني، مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وسط البلاد، بعد نحو عام من سيطرة مليشيات الدعم السريع برئاسة محمد حمدان دقلو "حميدتي" عليها.
الجيش السوداني أعلن في 11 يناير/كانون الثاني 2025، دخول مدينة ود مدني المحاذية للعاصمة الخرطوم من الجنوب، وفرار مليشيات الدعم السريع "الجنجويد" منها، معلنا عثوره على مخزن ذخائر وصواريخ إماراتية هناك.
وقال الجيش إنه "حرر بعض الأسرى الذين احتجزوا في سجون الدعم السريع بود مدني لعدة شهور؛ حيث تم منعهم من الحصول على الغذاء والعلاج، معلنًا أن القيادة وجهت بتأمين ترحيلهم وتلقيهم الرعاية الصحية والغذائية، ومن ثم تسليمهم لذويهم".
فيما أكدت قوات درع السودان، المتحالفة مع الجيش، في بيان على صفحتها بـ "فيسبوك" انسحاب الجنجويد من ود مدني، عارضة مقطع فيديو يوثق احتفالات القوات النظامية داخل المدينة.
استرداد كل شبر
وبدوره، تَعهد رئيس مجلس السيادة بالسودان عبد الفتاح البرهان، بأن يسترد الجيش “كل شبر في البلاد سيطرت عليه قوات الدعم السريع”.
ووجه التحية لشركاء معركة الكرامة من القوات المشتركة (حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام) وقوات الأمن والشرطة".
كما حيا في منشور على حسابه بمنصة إكس، المقاومة الشعبية ومجموعات الإسناد الشعبي، قائلا: "عهد القوات المسلحة السودانية لشعبها بأن تستردّ وتطهّر كل شبر دنّسته الدعم السريع، التحية لشعبنا الذي صبر على أذى المليشيا الإرهابية".
وفي أول تعليق له بعد سيطرة الجيش السوداني على المدينة الإستراتيجية، اعترف حميدتي بالهزيمة، لكنه قال إنهم خسروا جولة ولم يخسروا المعركة، مضيفا أن “الحرب جولات وكر وفر”.
واستطرد في تسجيل صوتي نشره على حسابه على تلغرام: "نحن نقاتلهم منذ 21 شهرا وسنقاتلهم لـ21 عاما"، داعيا جنود "الدعم السريع" إلى أن تكون معنوياتهم عالية رغم خسارة ود مدني، وإعادة تنظيم الصفوف.
وتحدَّث حميدتي عن التحديات التي واجهت قواته، خاصة في مواجهة سلاح الجو، قائلا "ليس هناك رجل في العالم يستطيع أن يثبت أمام الطيران"، مضيفا: "في الأيام الأولى واجهتنا صعوبة مع سلاح الجو، لكن في النهاية تأقلمنا مع الأمر".
وبالمعنى ذاته، علَّق مستشار قائد قوات الدعم السريع، الباشا طبيق، على خسارة ود مدني، قائلا إن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب.
وأضاف في مقطع فيديو نشره على منصة إكس، أن قوات الدعم السريع "ستنتصر حتمًا، حتى لو استمرت الحرب مئة عام"، ودعا عناصره إلى عدم الشعور بالانهزام جراء خسارة معركة واحدة، مشيرًا إلى أن القضية لا تزال قائمة.
وبدأت الحرب بين الجيش السوداني والدعم السريع بالعاصمة الخرطوم في 15 أبريل/نيسان 2023، وامتدت لمعظم أنحاء البلاد، بسبب الصراع على السلطة؛ حيث تبادل الطرفان الاتهامات بالتعبئة العسكرية، مع سعي العسكر لحل تلك المليشيات.
وتسببت الحرب بدفع قرابة 15 مليون شخص للنزوح والفرار بحسب ما أفادت به منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وأصبح أكثر من 30 بالمئة من سكان السودان لاجئين في دول الجوار ونازحين داخليا، كما خلق الصراع في البلاد أزمة واسعة النطاق جعلت 64 بالمئة من السكان البالغ عددهم 47.5 مليون نسمة في حاجة لمساعدات غذائية.
وقبل أيام من انتصار الجيش السوداني، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على حميدتي، بالإضافة إلى 7 كيانات أخرى على علاقة بمليشياته.
وأوضحت الوزارة أن الخطوة جاءت بسبب ارتكاب قواته خلال حملتها في دارفور والجزيرة ومناطق القتال الأخرى قائمة طويلة من جرائم الحرب والفظائع الموثقة بما في ذلك عمليات القتل بدوافع عرقية والعنف الجنسي كسلاح في الحرب.
كما فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على 7 شركات وفرد واحد لارتباطهم بقوات الدعم السريع، أبرزها شركة "كابيتال تاب القابضة" ومقرها الإمارات، لأنها "قدمت الأموال والأسلحة" للمليشيا.
وأشارت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إلى أن قوات الدعم السريع ووكلاءها يرتكبون إبادة جماعية في الحرب الأهلية في السودان.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إن قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها واصلت شن هجمات مباشرة ضد المدنيين، وقتلت رجالا وصبية -حتى الرضع- بشكل منهجي على أساس عرقي.
وأشار في بيان أصدره في 7 يناير 2025 إلى أن قوات الدعم استهدفت بشكل متعمد نساء وفتيات من مجموعات عرقية معينة للاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي الوحشي.
مدينة إستراتيجية
وود مدني هي عاصمة ولاية الجزيرة وسط السودان، ومن أقدم مدنه، ويرجع تاريخ إنشائها إلى القرن الـ16 الميلادي في عهد مملكة الفونج.
وتقع على الضفة الغربية من النيل الأزرق في مساحة 750 كيلومترا مربعا، بين خطي العرض 14.33 و14.20 شمالا وخطي الطول 33.26 و33.38.
تحدها من الشمال مدينة الحصاحيصا، ومن الجنوب والغرب محلية جنوب الجزيرة، وشرقا محلية أم القرى، وتبعد نحو 180 كيلومترا جنوب الخرطوم.
وتربط المدينة العاصمة الخرطوم بميناء بورتسودان شرقي السودان وعددا من مدن ولايات البلاد عبر شبكة من الطرق البرية المعبدة.
عرفت مدينة ود مدني عند نشأتها بصناعة الأحذية ودباغة الجلود ومصانع النسيج.
ويقع في المدينة مشروع الجزيرة ويحتل مساحة 2.2 مليون فدان، وجزء من مشروع الرهد، وهو أكبر مشاريع مروية في السودان وينتج المحاصيل الأساسية في البلاد.
وتضم المدينة مصانع البسكويت والصابون ومحالج القطن، ويعمل عدد من سكانها في التجارة، كما يعمل قسم منهم موظفين بدواوين الدولة ومؤسساتها.
وتضم المدينة 5 أسواق هي السوق الكبير والصغير والشعبي والمركزي وسوق أم سويقو، المشهور ببيع الأسماك.
وأعرب ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم على حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس"، "فيس بوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ود_مدني، #ودمدني_تتحرر، #السودان_تنتصر، وغيرها، عن سعادتهم بالتطورات الميدانية غير المسبوقة منذ اندلاع القتال بين الطرفين.
وتحدثوا عن دلالات تقدم الجيش السوداني ميدانيا ودحره لقوات الدعم السريع ووقع ذلك على الدول الداعمة للجنجويد وعلى رأسها الإمارات، معربين عن استيائهم من العثور على ذخائر وصواريخ إماراتية بالمدينة المحررة.
مباركات وتهاني
وإعرابا عن السعادة بتحرير ود مدني، قال السياسي السوداني مني اركو مناوي: "اليوم كان يوما مميزًا حيث احتفلنا مع جماهير شعبنا العظيم بتحرير المدينة، لقد تجسدت في هذه اللحظات روح الوحدة والتضامن بيننا حيث اجتمعنا لنؤكد على قوة إرادتنا وعزيمتنا في مواجهة التحديات".
ووجه "التحية لأبطالنا الذين بذلوا الغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة".
وباركت الناشطة اليمنية توكل كرمان، تحرير ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة من مليشيات الجنجويد الإره ابية، موضحة أن الجزيرة بمثابة حلب لسوريا.
وبارك محمد حسن، للجيش السوداني استعادته كامل أرض ولاية الجزيرة في انتصار ساحق هزم فيه قوات الدعم السريع المدعومة من الإمارات "العبرية" والتي روّعت السودان كله.
وبشر بأن "السودان بقي على بُعد خطوة واحده من تطهير كامل أراضيه من مليشيات الدعم السريع المجرمة والقضاء عليها".
العزاء بالإمارات
وقال حسين الإسماعيل: “الفرح في الشام والسودان والعزاء في الإمارات لا سلمها الله”.
وتابع: "بعد شهر من سقوط (نظام بشار) الأسد.. تحرير ود مدني في السودان من الإمارات والحمدلله.. آل مكتوم وآل زايد لا بارك الله بكم".
وكتب أحد المغردين: "الفرح فى السودان.. والحزن فى عاصمة الليكود العربى أبوظبى".
وبشر الصحفي شريف الصيرفي، بانتصار الجيش السوداني على الإمارات والدعم السريع في "ود مدني، مشيرا إلى أن الطيران المصري يحلق في السودان.
وقال أيمن وادي: "لا أعرف كثيراً عن جغرافيا السودان، لكن الإمارات ومحور الثورات المضادة هناك يخسر وينهزم في أخبار اليوم.. يبدو أنها ستكون أول ارتدادات سقوط نظام الأسد في سوريا".
وتساءل: “هل سيفتح ذلك بابا لانكسار (اللواء الانقلابي خليفة) حفتر في ليبيا؟ وهل طرد الثورات المضادة من ليبيا والسودان سيحاصرها في مصر؟”
وأضاف: “اليوم سمعنا عن حركة عسكرية تأسست لتحرير مصر (حركة 25 يناير التي أطلقها البعض من سوريا).. هل ستجد في السودان وليبيا حاضنتها؟ ألنا موعد في بضع سنين في القاهرة؟”
مخططات الثورة المضادة
وتحت عنوان "السودان ينتصر"، أشار الباحث الأكاديمي في العلاقات الدولية عادل المنسي، إلى أن دخول العام الجديد سجل تساقط الثورات المضادة واحدة تلو الأخرى وللأبد بالنظر إلى ما قدمت يداها.
وأكد الكاتب رفيق عبدالسلام، أن انكسار عصابة حميدتي في عاصمة الجزيرة هو طالع خير على السودان والسودانيين والعرب أجمعين، لأنه يمثل اندحارا لقوى الضلال والشر التي تدعمهم بالمال والسلاح لبث الخراب والفوضى والانقلابات العسكرية وزرع المليشيات.
وقال إن كل خطوة باتجاه تعافي السودان هي سير نحو كسر الثورات المضادة وانتصار صوت الشعوب على رائحة النفط ومال الفساد والإفساد.
وعرض أحد المغردين، صورة ساخرة لحميدتي، وعلق عليها بالقول: "على ما يبدو هناك صفعة أخرى على وجه راعين الثورات المضادة بعد الضربة القاضية في سوريا"، مضيفا: "انصحكم بتوفير أموالكم لأنها ستذهب هباء وسترتد عليكم".
وتساءل الكاتب مصطفى عبدالسلام: "ماذا عن الداعمين لقوات الدعم السريع من دول المنطقة والذين يمدون تلك الفصائل المسلحة بالمال والسلاح في مواجهة الدولة السودانية، ويغذون حربا تمثل تهديدا حقيقيا للأمن القومي المصري؟".
سجون الجنجويد
وعرضت حسابات محلية صورا ومقاطع فيديو قالوا إنها توثق خروج أسرى من معتقلات مليشيا الدعم السريع في ود مدني، ويظهر على المعتقلين المحررين منها أعراض سوء التغذية والتعرض لانتهاكات ووضع صحي بالغ السوء حيث تبدت عليهم علامات المرض والجوع الشديد.
ونشر الناشط ياسر مصطفى مقطع فيديو يوثق لحظة تحرير معتقلين، قائلا: “صدق أو لا تصدق هذا ليس سجن صيدنايا في سوريا، هذه ليست سوريا الأسد، هذه سجون مليشيات الدعم السريع المدعومة من دولة عربية اسمها الإمارات في السودان ولاية الجزيرة وهؤلاء مواطنون مدنيون”.
ووصف الصحفي يوسف النعمة، مشاهد تحرير الأسرى بالمؤلمة، مشيرا إلى أنهم تحرروا بعد أن ظلوا لأكثر من عام تحت سطوة وانتهاكات الدعم السريع حتى أصبحوا عبارة عن هياكل عظمية.
وعلقت بنت خليفة على المقطع ذاته، قائلة: "كما خرج السوريون من معتقلات بشار الأسد وهم في حالة يُرثى لها، يخرج اليوم أهل مدني من معتقلات مليشيا آل دقلو الإرهابية".
وأشارت إلى أن الجيش السوداني حرر آلاف الأسرى والمخطوفين في مدني، ومعظمهم يعانون من أوضاع صحية متدهورة نتيجة التعذيب، وسوء التغذية، وغياب الرعاية الصحية.
وأعادت تيسير حماد نشر تغريدة بنت خليفة، قائلة: "هذه أفعال الجنجويد في الشعب السوداني بدعم محمد بن زايد ".
وأشار أحد المغردين، إلى تحرير أسرى من سجون مليشيا الدعم السريع الإماراتي في ود مدني عبارة عن هياكل عظمية، مؤكدا أن أغلب الأسرى المحررين هكذا.
وعرض محمد براهيمي، صورة تظهر الحالة السيئة التي بدا عليها الأسرى المحررون من سجون مليشيا الدعم السريع الإماراتي في ود مدني، قائلا: "ستحرق الإمارات كما حرقت أميركا قريبا لأن هذا زمان هلاك الجبابرة".
أسلحة إماراتية
وتنديدا بجرائم أبوظبي في السودان والعثور على مخزن ذخائر وصواريخ إماراتية في ود مدني بعد تحريرها، قال رئيس المركز القومي الإستراتيجي تاج السر عثمان: "تم دحر مرتزقة الجنجويد وبقيت آثار داعمتهم الإمارات شاهدة على إجرامها بحق الشعب السوداني".
واقترح الكاتب محمد الهاشمي الحامدي، على السودانيين الاحتفاظ بما غنموه من أسلحة الإمارات في مدني لأمرين.
الأول: استخدامها دليلا إضافيا على دعم الامارات للتمرد الارهابي في السودان وعلى حقه في الحصول على تعويضات ضخمة من أبو ظبي.
وأوضح أن الأمر الثاني، وضعها لاحقا في قسم خاص من المتحف الوطني السوداني، لتبقى دليلا ماديا ملموسا يُذكّر السودانيين جيلا بعد جيل بالدور التآمري التخريبي للإمارات وتورطها المباشر في دعم أخطر تمرد إرهابي مسلح استهدف الشعب والدولة في السودان خلال القرن الماضي.
وعلق أحد المدونين، على عثور أفراد الجيش السوداني على مخزن ذخائر وصواريخ إماراتية قائلا: لم يسلم شعب مسلم من شر هذه الدويلة المارقة".