لتجنب ضغوط إدارة ترامب.. ما حقيقة عزم الأردن إبعاد أحلام التميمي؟

يوسف العلي | منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية الأسيرة الفلسطينية المحررة أحلام التميمي إلى الواجهة مجددا، بعدما تناقلت وسائل إعلام محلية أنباء عن مطالبة السلطات الأردنية لها بمغادرة البلاد، بل إن بعضها تحدث عن تخيير الأخيرة بين ترحيلها أو تسليمها إلى الولايات المتحدة الأميركية.

وتتهم دولة الاحتلال الصحفية الفلسطينية، التي تحمل الجنسية الأردنية، أحلام التميمي، بالمسؤولية عن تفجير "مطعم ساور" الإسرائيلي في القدس المحتلة عام 2001، والذي أسفر عن مقتل 15 شخصا، بينهم مواطنان أميركيان، وحكمت عليها إسرائيل بالسجن مدى الحياة.

لكن أطلق سراح التميمي كجزء من صفقة تبادل الأسرى مقابل الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير سابقا لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس، جلعاد شاليط في أكتوبر/تشرين الأول 2011، وجرى ترحيلها مباشرة إلى الأردن.

والتميمي صحفية فلسطينية مولودة في مدينة الزرقاء بالأردن عام 1980، وغادرتها بعد أن انتهت من الثانوية العامة، وبدأت في دراسة الإعلام بجامعة بيرزيت في الضفة الغربية المحتلة، وتعد أول امرأة تنضم لكتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس.

أنباء متضاربة

وفي الوقت الذي كشفت فيه تقارير صحفية محلية وعربية عن إبلاغ الأسيرة المحررة أحلام التميمي بالرحيل من الأراضي الأردنية، نفت إحدى الشخصيات الرسمية في البلاد ذلك، ووصفت ما يجرى تداوله في هذا الموضوع بأنه "غير دقيق".

ونقلت وكالة "عمون" الأردنية، عن مصدر لم تكشف هويته في 3 فبراير/ شباط 2025، أن سلطات الأردن تواصلت مع حركة "حماس" التي تنتمي إليها التميمي وأبلغتها بضرورة مغادرة الأسيرة المحررة البلادَ بشكل فوري. 

وفي السياق ذاته، كشف موقع "مدار الساعة" الأردني أن التميمي التي تعمل في مركز دراسات بالعاصمة الأردنية عمّان لم تصل إلى مكتبها.

وأفادت صحيفة "العربي الجديد" نقلا عن مصادر لم تكشف هويتها في 2 فبراير، أن "عمّان أبلغت حماس رسميا في الدوحة بقرارها، وخيّرتها بأن تتولى موضوع إيجاد مكان للأسيرة المحرّرة أحلام التميمي أو أن الأردن سيسلمها إلى الولايات المتحدة".

وأوضحت المصادر أن “الأردن يرفض استقبال أيًا من الأسرى المحررين المبعدين من حَمَلة الجنسية الأردنية ضمن اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل”. 

وكانت سلطات الاحتلال قد أفرجت عن أسيرين اثنين يحملان الجنسية الأردنية ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق.

وبحسب الصحيفة، فإن "عائلة الأسيرة التميمي كانت طوال المدة الماضية تطالب حركة حماس بوضع ملف ابنتهم على طاولة المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن هناك محتجزين لدى الحركة يحملون الجنسية الأميركية والإسرائيلية".

وذلك في إشارة على ما يبدو إلى التفاوض على توقف الولايات المتحدة عن المطالبة بتسليمها.

لكن رغم حديث هذه التقارير عن مطالبة التميمي بمغادرة الأردن فورا، فإن الجهات الرسمية المعنية لم تعلق على الموضوع، سوى ما صدر من نفي عن رئيس البرلمان الأردني أحمد الصفدي أثناء جلسة برلمانية في 3 فبراير.

الصفدي وصف الحديث عن ترحيل المواطنة التميمي، بأنها "أخبار غير دقيقة"، وذلك في رده على سؤال لأحد أعضاء المجلس (الغرفة الأولى للبرلمان)، طالبا منه عدم فتح الموضوع، بالقول: "تابعنا ذلك، وأخبار غير دقيقة، ولا نفتح (موضوعها) أفضل".

وفي عام 2017، صادقت محكمة التمييز الأردنية، وهي أعلى هيئة قضائية في البلاد، على قرار لمحكمة استئناف عمان يقضي بعدم تسليمها.

وجاء قرار المحكمة حينها بشكل نهائي، بعد أن طالبت وزارة العدل الأميركية الحكومة الأردنية بتسليم التميمي.

وحدث ذلك بعدما وضع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) اسمها على لائحة "الإرهابيين" المطلوبين بتهمة المشاركة في تفجير المطعم الإسرائيلي عام 2001، الذي قتل فيه أميركيان.

وسبق للسلطات الأردنية أن رحّلت نزار التميمي زوج أحلام، وهو أيضا أسير محرر في صفقة تبادل للأسرى مع إسرائيل عام 2011، بعدما رفضت تجديد إقامته عام 2020.

"إرباك للمشهد"

وبخصوص تضارب الأنباء وتوقيت الحديث عن ترحيل التميمي، قال الكاتب والمحلل السياسي الأردني، حازم عيّاد: إن "المعلومات الواردة حتى اللحظة من جهات رسمية وحتى أمنية متداولة في الأردن لا تشير إلى أن هناك طلبا بالمغادرة بشكل رسمي، وإنما تلميحات سابقة".

وأوضح عيّاد لـ"الاستقلال" أن "العودة إلى طرح هذا الموضوع يبدو أنه يأتي بالتزامن مع الضغوط الأميركية وهي ليست من أطراف رسمية، وإنما من جهة الصحافة وتعبر عن مخاوف من إمكانية إثارة هذا الموضوع من الجانب الأميركي".

وأشار إلى أن “لوبي أميركي وجهات تسعى دوما إلى إثارة هذا الملف بين الحين والآخر، خصوصا مع كل حديث عن لقاء يجمع ملك الأردن عبد الله بن الحسين، والرئيس دونالد ترامب”.

وأردف: "لذلك هناك محاولة لإثارة هذا الموضوع ووضعه على الطاولة لخلق نوع من الضغوط على الجانب الأردني، ولإرباك المشهد السياسي الداخلي".

وأكد عيّاد أن "إثارة هذا الملف، تأتي عادة من اليمين الإسرائيلي وداعميه في الولايات المتحدة، ولكن لا تأكيد حتى من مصطفى نصر الله محامي التميمي، المسؤول عن ملفها، والذي أكد عدم صحة ما يجرى تداوله".

ولفت المحلل الأردني إلى أنه “في ولاية ترامب الأولى وتحديدا عام 2020 طلبت الولايات المتحدة من الأردن تسليم التميمي”.

وتوقع أن تكون عودة ترامب إلى السلطة اليوم "هي السبب الحقيقي لإثارة الموضوع مجددا، إلى جانب الضغوطات الأميركية وإيقاف المساعدات".

ويُعد الأردن حليفا إستراتيجيا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبموجب ذلك تقدم إليه الأخيرة مساعدات مالية سنوية بقيمة 1.45 مليار دولار، حسب آخر بيان يتعلق بالموضوع صادر عن وزارة الخارجية الأردنية في 19 سبتمبر/ أيلول 2022.

ولكن مع تولي ترامب السلطة في 20 يناير، أصدر قرارا بقطع المساعدات المالية السنوية التي ترسلها الولايات المتحدة إلى الأردن، وذلك ضمن قرار إيقاف جميع المساعدات الخارجية التي تمولها مع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).

وبين عيّاد أن "النقاشات غير الرسمية في الأردن، تتضمن تلميحات للأسيرة المحررة أنه يفضل أن تغادر أحلام التميمي البلاد إلى تركيا مثلا، أو أي جهة يمكن أن توفر لها غطاء، وبالتالي تتحرر عمان من بعض الضغوط التي تمارسها إدارة ترامب".

وشدد الخبير الأردني على أن “ملف الأسيرة المحررة هو قضية رأي عام أردني، وفق ما تظهر ردود الفعل في البرلمان ووسائل الإعلام والشارع”.

ولفت إلى أن هذا الملف "يصعب إخضاعه للضغوطات الأميركية، خصوصا وجود سند قانوني ودستوري يمنع تسليمها".

ومن ناحية قانونية، يؤكد عيّاد أن "هناك  قرارا من محكمة التمييز بعدم تسليم أحلام التميمي؛ لأن هذا يتعارض مع الدستور، كما لا يوجد اتفاقية تبادل للمطلوبين بين الولايات المتحدة والأردن".

"هدف آخر"

وفي المقابل، قال الكاتب الأردني، بسام البدارين، إن "الجدل المثار حول التميمي، يصلح كأداة قياس سياسية أو نموذج لاستنتاج ما يمكن أن يحصل لاحقا مع قائمة طويلة من أبناء حركة حماس الأردنيين والفلسطينيين بسبب لوائح الإرهاب الأميركية المصنفة".

وأضاف البدارين خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 3 فبراير، أن “الصفدي (رئيس البرلمان الأردني) ظهر أنه استكشف الموضوع سابقا، وعدّ هذه التقارير غير دقيقة، وهي صيغة تحاول لفت النظر إلى عدم صحة أنباء إبعاد التميمي”.

لكنها صيغة في الوقت ذاته قد لا تنفي مطالبتها بالمغادرة؛ أي البحث عن مكان آخر لأغراض تجنب الإحراج، وفق تقديره.

وبحسب الكاتب، فإن "الحكومة (الأردنية) لن تصدر بيانا بالحيثيات، والتميمي نفسها لم تعلق على التقارير، وحركة حماس تجاهلت المسألة لأسباب مفهومة".

وأشار إلى أن "الصيغة التي ناقش فيها جزئيا مجلس النواب مسألة مغادرة التميمي توحي ضمنا بأن الأردن لديه تصور مسبق عن قوائم بأسماء شخصيات تقول السلطات الفدرالية الأميركية إنها مطلوبة لها أو لإسرائيل".

ولفت البدارين إلى أن “السلطات من جانبها تعتقد وجود قائمتين من أردنيي حركة حماس الموجودين في الخارج وليس داخل فلسطين المحتلة”.

الأولى تضم أشخاصا عاديين وغير مطلوبين لجهات قضائية أو قانونية خارجية، والأخرى تضم مواطنين فلسطينيين ينتمون للحركة ويحملون أيضا الجنسية الأردنية، والأضواء لا تلاحقهم.

وتابع: "الأكثر أهمية أن الضوء الذي تسلط فجأة على ملف التميمي يأتي مع توقعات مراكز القرار المحلية بحدوث مواجهة قريبا في ظل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بعنوان إخراج حركة حماس من المعادلة في غزة والضفة الغربية".

ورأى البدارين أن “أحد التداعيات المفترضة لهذا التصور تقول إن إدارة ترامب ستهتم في حال الانتقال لإنجاز المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بتدشين مرحلة مطاردة حركة حماس سياسيا وماليا وقانونيا خارج فلسطين المحتلة”.

وبين أن هذا الأمر من شأنه أن يفتح المجال أمام سلسلة من الإشكالات في الساحة الأردنية وغيرها.

وتوصل الكاتب إلى أن "مغادرة أحلام التميمي أو غيرها بهذا المعنى، قد تصبح خطوة وقائية في سياق تجنب الإحراج، خصوصا عندما يتعلق الأمر بعناصر وكوادر في الحركة (حماس) يلاحقها الرادار الأميركي بكثافة واهتمام منذ سنوات".

وخلص البدارين إلى أن "الانطباع يتزايد حتى لدى أوساط حقوقية مسيسة بأن حملة أميركية شرسة قد تبدأ لاحقا لمضايقة أبناء حركة حماس والمتعاطفين معها، خصوصا في الدول التي ظهر فيها تأثير ملموس وحاضنة اجتماعية بعد أحداث 7 أكتوبر 2023".