“محور منزوع السيادة”.. كيف وصلت مقاتلات إسرائيل إلى الأجواء الإيرانية؟

يوسف العلي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

كشف القصف الإسرائيلي على إيران، أن دول ما يعرف بـ"محور المقاومة" منزوعة السيادة، ولا تمتلك القدرة للسيطرة على سمائها والتصدي لأي طائرات تخترق أجواءها، الأمر الذي أثار تساؤلا ملحا عن مدى تعمّد الولايات المتحدة الأميركية في خلق هذه الحالة بالمنطقة.

وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وجهت إسرائيل ضربات إلى إيران بعد هجوم شنته الأخيرة على الأراضي المحتلة مطلع الشهر نفسه، انتقاما لاغتيال زعيم "حزب الله" السابق، حسن نصر الله، ورئيس حركة "حماس" الأسبق، إسماعيل هنية، أثناء وجوده في طهران.

مسارات غامضة

استهداف إيران جرى دون اختراق أجوائها، ومع ذلك لم تكشف إسرائيل عن المسار الذي سلكه طيرانها من أجل تنفيذ ضرباتها ضد مواقع في الداخل الإيراني، وترك الأمر إلى التكهنات سواء من طهران أو الدول القريبة منها، لا سيما العراق.

وحتى الولايات المتحدة، التي تعد داعمة إسرائيل الأبرز في عدوانها على قطاع غزة ولبنان وباقي دول المنطقة، لم تصرح بأي تفاصيل يخص مسارات المقاتلات الإسرائيلية، رغم حديث مسؤولين أميركيين عن إبلاغ تل أبيب طهران بالضربة مسبقا.

وفي 26 أكتوبر، نقل موقع "أكسيوس" الأميركي عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين (لم تكشف هويتهم) قولهم إن رسالة إسرائيلية نقلت -خلف الكواليس- إلى الإيرانيين من خلال "أطراف ثالثة" عدة أوضحت مسبقا ما الذي ستهاجمه بشكل عام وما الذي لن تهاجمه.

وتبلغ المسافة بين إسرائيل وإيران نحو 970 كيلومترا، عبر الأجواء السورية والعراقية، بينما تظهر الخرائط العالمية المسافة الفعلية المعروفة بين القدس المحتلة وطهران تتجاوز الـ1700 كيلومتر جوي، وتصل المسافة برا إلى أكثر من ألفي كيلومتر.

وفي حال اتخذت المقاتلات الإسرائيلية مسار سوريا- العراق وصولا إلى الأراضي الإيرانية، فإنها لا بد لها أن تمر فوق مناطق تضم أنظمة دفاع جوية روسية وأخرى أميركية بشكل مكثف، فضلا عن تمركز العديد من المليشيات التابعة إلى إيران على الأرض.

أما إذا سلكت طائرات الاحتلال مسار جنوب الأردن من فوق أجواء البحر الأحمر، مرورا بالسماء العراقية، حتى تصل إلى إيران، فإنها بذلك تقطع مسافة أطول من المسار الأول، لكنها سبق أن سلكته عندما استهدفت المفاعل النووي العراقي عام 1991.

لكن الخيار الثالث للاحتلال، هو المرور فوق الأجواء الأردنية، وبعدها العراقية، للاقتراب من حدود إيران، وهذا يعد المسار الأقصر للطائرات الإسرائيلية، وصولا إلى الأهداف الإيرانية التي جرى استهدافها.

وما يعزز فرضية أن مقاتلات إسرائيلية قطعت الأجواء الأردنية، هو تداول أردنيين على مواقع التواصل مقاطع فيديو عن سماع أصوات طائرات حربية في أجواء الأردن، وذلك في الوقت الذي أعلن فيه بدء الهجمات على إيران.

لكن في اليوم نفسه، نفى الجيش الأردني، سماحه لأي طائرة عسكرية بعبور أجواء المملكة، مؤكدا في بيان أن "القوات المسلحة كانت تتابع عن كثب التصعيد العسكري الذي حصل خلال الساعات الماضية".

تضارب عراقي

على الصعيد الرسمي العراقي، بخصوص ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت أجواء بلاد الرافدين في توجيه ضربات إلى إيران، فقد نفى ذلك حسين علاوي المستشار الأمني لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني.

وخلال مقابلة تلفزيونية في 26 أكتوبر، قال علاوي إن "العراق لا يتعامل مع إسرائيل، بل هو في حالة عداء معها منذ عام 1948، ولا يمكن أن يسمح باستخدام أجوائه لضرب إيران".

وأشار إلى أن "الحكومة العراقية أدانت القصف الإسرائيلي لإيران بأشد العبارات"، مشددا على أن بلاده "تستخدم المسار الدبلوماسي لحل الأزمة في المنطقة".

لكن بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، أكدت خلال منشور عبر "إكس" في 26 أكتوبر، أن "طائرات تابعة للكيان الصهيوني هاجمت مواقع عسكرية إيرانية من الأجواء العراقية".

وألقت البعثة الإيرانية باللوم على الولايات المتحدة واتهامها بالتواطؤ، بالقول إن "المجال الجوي العراقي تحت احتلال وقيادة وسيطرة الجيش الأميركي. والنتيجة: التواطؤ الأميركي في هذه الجريمة مؤكد".

وفي اليوم التالي، أعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي، أن بلاده تقدّمت رسميا بمذكرة احتجاج إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة الانتهاك الصارخ الذي ارتكبه الكيان الصهيوني بخرق طائراته المعتدية أجواءَ العراق وسيادته.

وأكد في بيان أن "الكيان الصهيوني استخدم المجال الجوي العراقي لتنفيذ الاعتداء على الجمهورية الإيرانية في 26 أكتوبر ".

وأضاف أن "رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، وجه وزارة الخارجية بالتواصل مع الجانب الأميركي، بشأن هذا الخرق، طبقا لبنود اتفاق الإطار الإستراتيجي الثنائي، والتزام الولايات المتحدة تجاه أمن وسيادة العراق".

وأكد العوادي "التزام الحكومة الثابت بسيادة العراق واستقلاله وحرمة أراضيه، وبأنها تعمل على مختلف الصعد لمواجهة هذه الانتهاكات، وعدم السماح باستخدام الأجواء أو الأراضي العراقية للاعتداء على دول أخرى، خصوصا دول الجوار التي بينها علاقات احترام ومصالح مشتركة". 

وبين البيان الحكومي أن "هذا الموقف يعكس حرص العراق على اتباع سياسة الحفاظ على استقرار المنطقة، من خلال منع أي استغلال لأراضيه في صراعات إقليمية، ودعمه حلَّ النزاعات عبر الحوار والتفاهم المتبادل".

ووقع العراق والولايات المتحدة عام 2008، اتفاقية أطلق عليها اسم "الإطار الإستراتيجي"، تضمنت محاور عدة، من بينها تنظيم وجود القوات الأميركية في البلاد، إضافة إلى بنود تتعلق بتعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.

“منزوعة السيادة”

وبخصوص مدى مساهمة الولايات المتحدة في خلق بيئة خصبة لإسرائيل للمرور واستهداف إيران من دون دخول أجوائها، قال الباحث في الشأن العراقي، علي المساري، إن "أولى الخطوات كانت عدم السماح للعراق بشراء منظومة صواريخ دفاعية للتصدي لأي هجمات جوية".

وأوضح المساري لـ"الاستقلال" أن "العراق كان لديه منظومة دفاعية فرنسية، لكن المليشيات الموالية لإيران استهدفتها ظنا منها أنها تابعة للقوات الأميركية في البلاد، وذلك أثناء مرحلة استهداف الوجود الأميركي".

وأشار إلى أن "الطيران الحربي العراقي المتقدم، وتحديدا طائرات (إف 16) لايزال كل تحكمها بيد الولايات المتحدة، في حال أرادت الحكومة العراقية الإيعاز لها للخروج والتصدي لأي انتهاك جوي".

وأكد الباحث أن "الولايات المتحدة وإسرائيل تحاولان إبقاء العراق وسوريا منزوعي السيادة والسلاح المتطور، ولن يستطيع العراق تحقيق السيادة، فقد حاول لأكثر من مرة شراء منظومة (إس 300) الروسية، لكن واشنطن أفشلت ذلك".

وتابع: "واشنطن نفسها لن تعطي منظومة دفاعية إلى العراق في ظل حكومة وأحزاب سياسية حاكمة توالي إيران، وإذا أرادت بغداد مقاطعة الولايات المتحدة والتوجه نحو الصين وروسيا، فإن أموال النفط التي يصدرها كلها تذهب للبنك الفيدرالي الأميركي، لذلك البلد مكبل أميركيا".  

وفي السياق ذاته، قال الطيار العراقي المتقاعد، رياض الجبوري، إن طائرات الاحتلال الإسرائيلي ربما مرت عبر الأجواء العراقية قادمة من سوريا، مشيرا إلى "غياب الدفاعات الجوية العراقية التي لم تتمكن من رصد الطائرات الإسرائيلية الحديثة".

ونقل موقع "إرم نيوز" عن الجبوري في 26 أكتوبر، أن "المسافة أجبرت إسرائيل على استخدام طائرات لتزويد المقاتلات الحربية بالوقود، ما شكل عبئا إضافيا. هذا قد يكون السبب وراء تواضع الهجوم مقارنة بما كانت تهدد به إسرائيل".

وأعرب الجبوري عن اعتقاده بأن "اختراق المجال الجوي العراقي سيسهم في تصاعد التوترات، وقد يدفع الفصائل المسلحة لتكثيف عملياتها ويحرج الحكومة العراقية الساعية لتجنب التصعيد".

واستمر الهجوم الإسرائيلي على إيران نحو 4 ساعات، إذ بدأ في حدود الساعة الثانية قبل فجر يوم 26 أكتوبر، مع دوي أصوات انفجارات في طهران وخوزستان وإيلام، وانتهى وفقا لإعلان جيش الاحتلال في الساعة الخامسة والنصف فجرا.

وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية، أن الهجوم على إيران انتهى بعد شن ثلاث موجات من الضربات شملت عشرين موقعا، فيما كشفت صحيفة "معاريف" العبرية، أن 100 طائرة مقاتلة إسرائيلية شاركت في الهجوم.

وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية، أن "الهجوم نفذته طائرات حربية هجومية ودفاعية وطائرات تزويد بالوقود ويتم على موجات، وأن العديد من أسراب المقاتلات شاركت في الهجوم على إيران، ومن بينها (إف 35، إف 16، إف 15)".

وعل وقع الهجمات الإسرائيلية، أكد الجيش الإيراني خلال بيان له في 26 أكتوبر، مقتل أربعة من عناصره خلال التصدي للهجوم الإسرائيلي.