يتجاوز عمرها مئات السنين.. لماذا يقيم الأسد حفلاته الصاخبة بمواقع تاريخية؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

في ظاهرة جديدة، لجأ النظام السوري إلى تأجير المواقع التاريخية والأثرية في العاصمة دمشق لإقامة حفلات زفاف باذخة لتحقيق العائد المادي، في وقت يعاني فيه من عجز اقتصادي مستمر منذ أكثر من عقد.

وتقتصر تلك الحفلات على حيتان المال ورجال الأعمال المقربين من نظام بشار الأسد؛ نظرا للتكلفة العالية والشروط التي تفرضها وزارة الثقافة لمنح الموافقة لإقامتها، والتي يصعب على المواطن العادي تلبيتها.

المعالم التاريخية

وأقيم في قلعة دمشق وهي أكبر معلم أثري بالعاصمة في 23 أغسطس/آب 2024، حفل زفاف أديب مصلح وهو رجل أعمال وصاحب منتجعات في اللاذقية وطرطوس بينها منتجع الرمال الذهبية.

وبحسب مواقع سورية معارضة، يعد مصلح واجهة اقتصادية لمتنفذين آخرين بنظام الأسد، وهناك شكوك في سرعة حصوله على هذه الامتيازات والأموال ليحظى بموافقة أمنية تخوله بإقامة حفل زفافه في موقع تاريخي.

اللافت أن كمية الألعاب النارية التي أطلقت من داخل قلعة دمشق أثارت هلع الناس ومخاوف لدى تجار دمشق لا سيما أن المنطقة تقع فيها أشهر أسواق العاصمة، حيث يخشى من اندلاع حرائق بسببها.

وقد بدأت مثل هذه الحفلات تثير استنكار أهالي العاصمة كونها تمس برمزية المواقع التاريخية.

كما أن تلك الحفلات كشفت الوجه الحقيقي لأذرع نظام الأسد المالية الذين يديرون اقتصاد البلد ويشكلون واجهات لأصحاب النفوذ ومسؤولي النظام.

ونقل موقع "شام" المعارض عن الإعلامية الموالية لنظام الأسد "علا الباكير"، قولها في 23 أغسطس 2024 "إن ترخيص الزفاف بأماكن أثرية يحولها إلى أماكن تافهة".

بينما قال مراسل وزارة الداخلية "محمد الحلو" إن "المشروب والأعراس والحفلات لها أماكنها الخاصة"، وانتقد إقامة الزفاف في الأماكن التاريخية.

وكانت وزارة الثقافة تنظم فعاليات في باحة قلعة دمشق التي أضيفت إلى قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1979.

لكن هذه هي المرة الأولى التي يسمح فيها بإقامة حفل زفاف ونصب ديكورات ومعدات إضاءة خاصة بالحفل ضمن الأروقة الأثرية للقلعة.

وقلعة دمشق واحدة من أعظم المعالم الأثرية وأكبرها في المنطقة القديمة من العاصمة.

وتشكل القلعة نموذجا لفن العمارة العسكرية، وتتميز عن معظم القلاع في سوريا كونها شيدت على أرض منبسطة وليست على التلال والجبال.

وقد شيدت على يد السلاجقة في نهاية القرن الحادي عشر في ظل الحاكم تتش أرسلان، واستمرت هذه القلعة حوالي 130 عاما.

واستطاع القائد الإسلامي نور الدين الزنكي أن يسيطر على دمشق عام 1154، ويجعل منها عاصمة أكبر دولة إسلامية آنذاك.

إذ أقام في قلعتها بعد أن أعاد بناءها، وعزز دفاعاتها حيث تضم العديد من العناصر الدفاعية كالأبراج والمرامي والرواشن والخندق وغيرها.

ولهذا فإن تحويل مثل هذه المعالم إلى قاعة مناسبات خاصة بشكل متكرر قد يعرض هيكلها الداخلي للضرر نتيجة استخدام جدرانها وأعمدتها في نصب بعض المعدات واللوجستيات الحديثة، كما قال الموظف السابق في وزارة الثقافة السورية وائل السمير.

وأضاف السمير لـ "الاستقلال": "قد تؤثر عمليات تثبيت المعدات على متانة الأحجار فضلا عن الخشية من اتجاه الحكومة لإحداث تغييرات من أجل تسهيل إقامة الحفلات بهدف العائد المالي".

وبدأت ظاهرة تأجير الأماكن الأثرية المدرجة على قائمة التراث الإنساني، كصالات لإقامة الحفلات والأفراح في مناطق النظام السوري بالتنامي.

 فقلعة دمشق بالأساس مغلقة أمام الجمهور حيث لا يُسمح لأحد بدخولها دون موافقات حكومية وأمنية، بزعم أنها مكان أثري.

بينما تعمد وزارة الثقافة لتأجير الأماكن الأثرية لإقامة حفل زفاف لأبناء رجال المال والأعمال.

الحفل الباذخ

إذ سمحت تلك الوزارة بإقامة حفل زفاف غيا حفيدة غازي كنعان وزير داخلية النظام السوري السابق من 2003 - 2005، على عاصم الأسد، أحد أفراد العائلة الحاكمة داخل خان أسعد باشا الواقع في مدينة دمشق القديمة في 20 أغسطس 2024.

وأثار الحفل الباذخ استياء واسعا بين السوريين الذين يعيشون ظروفا اقتصادية صعبة، حيث بدا وكأنه استعراض للثراء في خان تاريخي وسط دمشق.

وعكس هذا الحفل الفجوة الكبيرة بين المقربين من نظام الأسد وبين النسبة العظمى من السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر.

وخان أسعد باشا بني بين عامي 1751 و1753 لغاية اقتصادية وتجارية لأن دمشق في ذاك العصر كانت محطة تجارية مهمة. 

ويعد خان أسعد باشا من أعظم وأجمل الخانات في الشرق من حيث مساحته وطرازه المعماري الإسلامي، ويقع جنوب الجامع الأموي.

وجاء بناء الخان على أنقاض قصور أموية ومحلات ودكاكين بطلب من والي دمشق آنذاك أسعد باشا العظم على مساحة تتجاوز 2500 متر مربع بهدف اعتماده مقرا أساسيا للتجار.

إذ كانت دمشق إحدى أهم محطات طريق الحرير ليكون من أعظم خانات عصره بهويته المعمارية التي اعتمدت طراز "الأبلق" حيث تتناوب الحجارة البيضاء والسوداء.

لكن هذه الرقصات التي تحدث الآن فوق التاريخ السوري، تبدو مستهجنة كونها تستبيح التاريخ فضلا عن المخاطر التي تهدد سلامة تراث يتجاوز عمره مئات السنين ويعاني من قلة الترميم والاعتناء لا سيما على مدى الـ 14 عاما الأخيرة.

وتزعم وزيرة الثقافة في حكومة الأسد لبانة المشوح: “أن أي مواطن مهما كانت صفته يحق له أن يتقدم بطلب للحصول على موافقة لإقامة فعالية ما أو حتى حفل زفاف في قلعة دمشق ولا يعنينا أن يكون رجل أعمال”.

وتابعت في تصريح لموقع صاحبة الجلالة نهاية يوليو 2024: "المهم أخذ الموافقات المطلوبة ودفع الرسوم التي يتم تحديدها حسب العقد بين طالب الموافقة والمديرية العامة للآثار والمتاحف".

 وأضافت قائلة: “على سبيل المثال قد يتعهد الطرف الذي يريد إقامة هذا الحفل بترميم جزء من القلعة أو أن يدفع الرسوم ويرمم”.

وبينت أن "البدل النقدي أو الرسوم يتم دفعها في البنك المركزي ولا تتقاضى الوزارة أي ليرة".

لكن ما يحصل الآن وفق السمير، هو أن "وزارة الثقافة نسفت شروط استئجار الأماكن الأثرية في سوريا بهدف تحقيق عوائد مادية وإرضاء غرور المتنفذين وأصحاب السلطة".

وأوضح أنه “بهدف حماية الآثار من التشويه والإخفاء يمنع إشعال النار أو استخدام المكبرات الصوتية ذات الاهتزاز العالي التي ستؤثر على البنيان”.

 ونوه إلى أن “هناك عقوبات تصل للسجن 5 أو 10 سنوات لكل مواطن خرب أو أتلف أو هدم معلما تراثيا”.

و"حتى إنه هناك عقوبات تصل للسجن لأشهر لكل من شوه أثرا تاريخيا مرقما سواء بالحفر أو بالكتابة أو بطلاء الدهان أو بغير ذلك من الوسائل كون هذا الإرث التاريخي له قيمة وطنية وإنسانية تعبّر عن حضارة البلاد وعراقتها".

منهكون معيشيا

اللافت أنه كثيرا ما تحدثت تقارير لوسائل إعلامية موالية للنظام في الفترات الماضية، عن أنه لا مكان للفقراء وأصحاب الدخل المحدود في مهرجان "ليالي قلعة دمشق"، التي تشرف عليه وزارة الثقافة بسبب ارتفاع أسعار التذاكر.

وتراوحت أسعار تذاكر حفلات ليالي قلعة دمشق بين 75 ألف ليرة سورية للدرجة الثالثة و100 ألف ليرة للدرجة الثانية و300 ألف ليرة "VIP" (21 دولارا أميركيا).

وللمفارقة فإن راتب الموظف في مناطق نظام الأسد يبلغ 25 دولارا شهريا، في وقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية في العاصمة منذ بداية عام 2023 حتى مارس/أيار 2024 لما يزيد على 200 بالمئة بالمتوسط. 

ويعادل الدولار الأميركي الواحد في سوق الصرف نحو 14500 ليرة سورية.

وتكاد دمشق ترسم صورة جامعة ومصغرة عن أوضاع الأهالي المعيشية الصعبة في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد جراء استمرار الانهيار الاقتصادي وشدة القبضة الأمنية. 

فدمشق اليوم، تحول فيها أبناء الطبقة المتوسطة من الموظفين والعاملين في القطاعات العامة والخاصة إلى عوائل تعيش بالمجمل تحت خط الفقر.

حتى إن سكان العاصمة باتوا يعترفون عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي، وعدم مقدرتهم على شراء الخضار أحيانا، علاوة عن العجز التام في تأمين الاحتياجات الضرورية من الطعام.

وأمام هذه الحالة لسكان دمشق، برزت خلال السنوات الأخيرة حالات البذخ المالي في إقامة حفلات الأعراس من قبل مسؤولين ووزراء في نظام الأسد.

فقد أقيم حفل زفاف ابنة وزير داخلية النظام السوري الحالي محمد خالد رحمون من رجل الأعمال السوري المقرب من النظام علي وهيب مرعي في فبراير/شباط 2022.

وأقيم حفل زفاف مرعي على هبة رحمون، في منتجع هوليداي بيتش في طرطوس الذي تملكه والدة العريس، وحضرته شخصيات سياسية ورجال أعمال من المقربين من النظام السوري. 

ووصف رواد مواقع التواصل الزفاف بالأسطوري"، وأن ملايين أنفقت في هذا الحفل الضخم، وأحياه المغني اللبناني عاصي الحلاني، وقيل إنه تقاضى 250 ألف دولار بدل إحيائه، إلى جانب فنانين آخرين. 

واتهمت صفحات موالية للنظام السوري، حينها العريس بأن لديه تاريخا من التجاوزات والفساد والصفقات المشبوهة، مشيرة إلى وجود قضية مفتوحة باسم "مرعي" ووالدته جراء صفقة لحوم جاموس فاسدة دخلت إلى سوريا.

وقد استنكر حينها السوريون هذا البذخ المالي الهائل ولا سيما أن الوزير خرج قبل يوم من الحفل ليعلن للمواطنين رفع الدعم الحكومي عن شريحة واسعة من السوريين في مناطق النظام التي تزداد فيها الحالة المعيشية وعجز كبير عن تأمين الاحتياجات اليومية.