المسلمون تحت الحصار في طاجيكستان.. سياسات مؤلمة وقمع مطلق

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

دخل مسلسل قمع المسلمين في طاجيكستان حلقة جديدة، عبر اتخاذ خطوات جدلية إضافية في الدولة الواقعة بمنطقة آسيا الوسطى.

حكومة جمهورية طاجيكستان، المعروفة بسياستها القمعية وقسوتها ضد عموم المسلمين في البلاد، فرضت في 30 مايو/أيار 2024، قيودا صارمة على المظاهر الإسلامية.

خطوات قمعية

وفي خطوة جدلية ومثيرة، أصدر البرلمان الطاجيكي قانونا يحظر لبس البرقع والنقاب على النساء، بذريعة "دعم الثقافة والتقاليد الوطنية في مواجهة الثقافات الأجنبية ومكافحة التطرف الديني”.

ونص القانون الجديد على تغريم كل امرأة تلبس البرقع مبلغا قدره 3500 ساماني (عملة طاجيكستان)، أي ما يعادل 322 دولارا أميركيا.

وقد عُدّ أنه يمثل حلقة جديدة في مسلسل اضطهاد المسلمين الذي يمثل قضية حساسة ومعقدة، تلقى اهتماما دوليا ومحليا من قبل جماعات حقوق الإنسان.

والإجراءات الأخيرة في الدولة الآسيوية، امتداد لسنوات طويلة من القمع والتضييق على عموم المسلمين الذين يشكلون أغلبية السكان.

فلماذا يضطهد النظام الطاجيكي المسلمين؟ وما حجته في ذلك؟ وكيف يحاصر الإسلام كعقيدة وهوية هناك؟ وما ردود الفعل الداخلية تجاه ذلك؟

تقع دولة طاجيكستان في آسيا الوسطي، وتحدها من الشرق الصين ومن الجنوب أفغانستان ومن الغرب أوزباكستان ومن الشمال قرغيزستان.

تبلغ مساحتها الإجمالية 143.100 كيلومتر مربع، وعاصمتها مدينة "دوشنبه"، ويعد الإسلام هو الديانة الكبرى فيها، بحيث يمثل نحو 90 بالمئة من تعداد السكان.

وإضافة إلى المسلمين توجد أقليات إسماعيلية ومسيحية ويهودية، ويتحدث السكان اللغة الطاجيكية، كما يتحدث بعضهم الروسية، نظرا لسنوات الاحتلال الطويلة. 

استقلت طاجيكستان رسميا عن الاتحاد السوفيتي، في 9 سبتمبر/أيلول 1991، وأعلنت جمهورية مستقلة. 

ورغم أن الدولة عضو رسمي في منظمة التعاون الإسلامي، لكن حكومتها العلمانية بقيادة الرئيس إمام علي رحمون، اتخذت موقفا مناهضا للدين، وضيقت على عموم المسلمين، ووصل الأمر إلى حد الاضطهاد. 

وطاجيكستان بلد ينتمي إلى الطائفة الإسلامية السنية، ويتميز أهله بإخلاصهم للدين الإسلامي، واحترامهم للتقاليد والعادات النابعة من التعاليم الإسلامية، كما أنهم يحبون العلوم الشرعية، ويجلون ويبجلون رجال الدين والعلماء.

ومع ذلك، يتعرض المجتمع لحملات تشويه وقيود دينية ممنهجة من قبل السلطات بهدف تدمير القيم الدينية والهوية الإسلامية وقمع الحريات الشخصية والاجتماعية، بحسب ما يقول موقع "آسيا بلس" المختص بالشأن الطاجيكي.

أبرز المحظورات 

وعن أبرز الممنوعات، أضاف الموقع، في 31 مايو 2024، أنه يحظر على النساء ارتداء الحجاب، في المؤسسات العامة والمدارس، وحتى في المستشفيات من الضروري عدم تغطية الرأس.

أكثر من ذلك، أن القانون لا يسمح للمرضى الذين يرتدون الحجاب بدخول المستشفيات.

كما تتجول فرق (محاربة) الحجاب في الشوارع، وتهدد النساء المحجبات بغرامة قدرها 65 ألف سوموني طاجيكي (يعادل 5900 دولار أميركي تقريبا)، مع إجبارهن على كشف الرأس.

وحسب رواية موقع "آسيا بلس"، هناك حظر على تعلم الدين الإسلامي، فلا توجد دورات للعلوم الدينية في النظام التعليمي من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة. 

هناك جامعة واحدة فقط لديها كلية اللاهوت في العاصمة دوشنبه، ويوجد فيها عدد قليل جدا من المناهج المتعلقة بالعلوم الإسلامية مثل الفلسفة والقانون واللغة الطاجيكية. 

وفي الوقت نفسه، تمنع دراسة العلوم الإسلامية في الخارج منعا باتا، ويمنع توجيه دعوة للطلاب الطاجيكيين، لدراسة الدين في الدول الإسلامية. 

وإذا لم يمتثلوا، يجرى الضغط على الآباء للعودة ووضع أسمائهم في قائمة سوداء، واستدعاؤهم من وقت لآخر للاستجواب. لكن هناك مسألة أخطر تتعلق بقانون مسؤولية الوالدين في تربية الأبناء.

فمن أهم مواد هذا القانون أنه يجب على الوالدين منع الأطفال من الذهاب إلى المساجد وتعلم القرآن الكريم، وإلا فسيجرى رفع دعوى إدارية ضدهما، ولذلك منعت الأسرة من تعليم القرآن لأبنائها.

كما تمنع طاجيكستان فتح دورات القرآن الكريم، وتحرم تدريسه في المساجد، وتحظر إطلاق الأسماء العربية التي توارثها الشعب الطاجيكي منذ مئات السنين. 

وفي 10 مايو 2015 أقر البرلمان مشروع قانون يحظر الأسماء العربية، ونصت ديباجته على أن مكاتب السجلات لن تسجل الأسماء التي تعد غير صحيحة أو غريبة على الثقافة المحلية، بما فيها تلك التي ترمز إلى الأشياء والنباتات والحيوانات، وذات الأصل العربي. 

كما تضمن أنه إذا أخفق والدا الطفل في تسمية مولودهما، فإن وزارة العدل تعد قائمة بأسماء مقترحة.

مقاهٍ بدل المساجد 

وأيضا تحظر الدولة على الشباب والأطفال والنساء ارتياد المساجد، كما يراقب رجال الشرطة الداخلين والخارجين على الأبواب.

ومن المحظورات الشديدة في طاجيكستان، أن الحكومة تمنع على العائلات اصطحاب أطفالهم في الحج أو العمرة. 

وفيما يخص المظاهر الدينية، يحظر على الرجال المسلمين إطلاق اللحى، ويحاصر الشباب الذين يطلقون لحاهم في الشوارع ويجبرون على قصها ويتعرضون للتهديد الأمني.

وفي 21 يناير/ كانون الثاني 2016، أورد موقع "الحرة" الأميركي أن حكومة طاجيكستان أقدمت على حلق لحى 13 ألف رجل خلال سنة 2015، أما المواطنون الذين يريدون الخروج من البلاد بسبب الضغوط الدينية، فيجرى إدانتهم باتهامات كاذبة ويهددون بالسجن.

وفي بعض الأحيان تتعرض عائلات الأشخاص الذين لهم نشاطات دينية واسعة للتحذير، ويلصق بهم أنهم على صلة بمنظمات إرهابية.

وفي 23 مايو 2024، كتب صحفيان من طاجيكستان، هما إرشاد سليماني، وأمير إيسوف، تقريرا لموقع "أوزودي" المحلي، ذكرا فيه أنه خلال العام الأخير جرى إغلاق بعض المساجد بحجة عدم الحصول على التراخيص اللازمة.

أكثر من ذلك أن تلك المساجد بعد أن أغلقت، جرى تحويلها إلى ملاهٍ ليلية ومقاهٍ وأقسام شرطة أو مكاتب حكومية.

وأضاف التقرير أن الناس يمنعون من الصلاة في أماكن العمل، ويمنع فتح مساجد في المدارس والمراكز التجارية الكبيرة. 

وأولئك الذين يؤدون صلواتهم في أماكن العمل، مهددون بالفصل والغرامات، وإن كانوا أصحاب أعمال خاصة مثل محلات تجارية، فتكون أعمالهم مهددة بالإغلاق.

ويجرى متابعة من يتوجهون للحج والعمرة مع تقييد هذه الزيارات، كما يمنع من هم أقل من 18 عاما من أداء تلك المناسك.

وتمنع الحكومة الطاجيكية الأذان بالميكروفون في المساجد، بالإضافة إلى منع كثير من النساء من الصلاة فيها.

ويتم حظر كل الجماعات الإسلامية في البلاد، بما فيها الفرق الصوفية. وهناك حالات يجرى فيها عزل بعض الأئمة والدعاة، الذين لهم دور حقيقي في نشر الإسلام ولهم شعبية بين المسلمين.

ويستبدل هؤلاء بخطباء غير مؤهلين لمجرد أنهم يتبعون أوامر الدولة، حتى لو كانت مخالفة للدين.

بالإضافة إلى ذلك يمكن أن نتحدث عن تشويه صورة الإسلام في القنوات الرسمية بحجة أن المسلمين يمارسون السحر.

ويروي الصحفيان عبر موقع "أوزودي" أنه إذا استمر قمع وعرقلة الحرية الدينية بهذا المعدل، فإن طاجيكستان، ستصبح نسخة مصغرة مما حدث للإيغور في تركستان الشرقية على يد الحزب الشيوعي الصيني. 

حكم رحمون 

وبالحديث عن بداية وأسباب قمع المسلمين في طاجيكستان فإنه يرجع إلى مرحلة استقلال الدولة عن الاتحاد السوفيتي عام 1991.

كانت طاجيكستان في ذلك الوقت تمر بحقبة يطلق عليها "البيريسترويكا" أو الحرب الأهلية، حيث اندلعت مظاهرات عارمة تطالب باستقالة "قهار مخكاموف" السكرتير الأول للحزب الشيوعي الطاجيكي الذي انتخب في نوفمبر من العام نفسه، وعد أول رئيس في طاجيكستان.

فاجتمع أمام مبنى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ما يزيد عن 4 آلاف شخص ودخل بعضهم المبنى وأضرم النار فيه. 

وفي مساء اليوم نفسه رد المتظاهرون على إطلاق النار من قبل رجال الشرطة بحرق المحلات التجارية والدكاكين والأكشاك. 

وشهدت دوشنبه في 13 فبراير/شباط 1992 توقف عمل المواصلات في المدينة والسكك الحديد والمعاهد والمدارس وروضات الأطفال ومكاتب البريد، حتى سقط حكم "مخكاموف" الشيوعي.

في تلك الفترة تحديدا شهدت البلاد نهضة قوية للحركة الإسلامية، وصعد إلى السلطة بعد تفكك النظام "رحمون نابييف" وهو أحد الذين أطلق عليهم حينها "الشيوعيون الجدد" ويعد من أهالي مدينة لينين آباد. 

حينها شكل حزب النهضة الإسلامية نواة للمعارضة الطاجيكية القوية، وقد انضم إليه أيضا الحزب الديمقراطي. 

أما أنصار الرئيس نابييف من "الشيوعيين الجدد" فقد أصبحوا ممثلي النخبة الشيوعية وشكلوا أساس الدولة التي ستكون فيما بعد.

حينها تطور الصراع إلى حرب أهلية شاملة بين الشيوعيين والإسلاميين، وتمثلت في واقع الأمر بمواجهة بين شمال البلاد المتطور اقتصاديا والجنوب الزراعي الذي كان يقطنه كثير من أبناء الحركة الإسلامية. 

في عام 1992 شهد جنوب البلاد اشتباكات مسلحة بين أنصار رئيس الجمهورية مدعوما بفرق من الجيش الروسي وتشكيلات المعارضة من الإسلاميين. 

وأسفرت المواجهة عن تشريد ما يزيد على 140 ألف شخص، وأوكلت إلى فرقة المشاة الروسية المرابطة بالمدن مهمة حراسة الأهداف الإستراتيجية المهمة. 

ثم انتهى الأمر باستقالة الرئيس نابييف الذي هدد ضحايا الحرب الأهلية والإسلاميين بالإعدام رميا بالرصاص.

في أواخر سبتمبر 1992 دخلت قوات الجبهة الشعبية (الشيوعيين) المدعومة من قبل أوزبكستان وروسيا إلى مدينة كورغان تيوبه الطاجيكية بهدف الحيلولة دون أسلمة البلاد وصعود الإسلاميين إلى السلطة، الأمر الذي كان من شأنه أن يقضي على الشيوعيين وأنصار موسكو.

 وشهدت العاصمة الطاجيكية في ديسمبر/كانون الأول 1992 دخول وحدات الجبهة الشعبية في دوشنبه واضطر المعارضون الإسلاميون إلى الهروب نحو أفغانستان المجاورة وشرق البلاد. 

ثم تولى إمام على رحمون منصب رئيس الحكومة الجديدة، الذي قرر اضطهاد المسلمين عموما ومنعهم من أي دور سياسي، أو نفوذ اجتماعي. 

وفي مقابلة مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، في 30 مايو 2024، قال زعيم حزب النهضة الإسلامية المحظور في البلاد محيي الدين كبيري "شعب طاجيكستان يحكمه شخص واحد (إمام علي رحمون) وأسرة واحدة منذ 30 سنة". 

وأضاف: "هذا الشعب يعاني من ظروف حياتية صعبة، نصف القوة العاملة في طاجيكستان يشتغلون خارج البلاد تحت ظروف صعبة".

وأكمل: "طاجيكستان واحدة من 15 دولة فيها أعلى مستويات الفساد ومن أشد الدول فقرا، كما تنعدم فيها الحريات السياسية حيث إن الأحزاب محظورة ومصير الناشطين السياسيين والإعلاميين السجن أو الهجرة من البلاد".

وأشار إلى أنه بسبب سياسات رحمون، بدأت موجات عنف وتطرف قاسية تضرب الشباب.

وأكمل أن تقييد الحريات الدينية وغياب ممارسة العمل السياسي وفقدان الشفافية في الانتخابات، فرغت الساحة للفكر المتطرف كرد فعل من قبل شريحة من الشباب الذين يرون أنه لا مستقبل لهم. 

وتنبأ محيي الدين كبيري بأن تخطط جهات داخل طاجيكستان لإجراءات وممارسات من شأنها دفع الشباب إلى العنف.

وذلك بهدف تخويف دول المنطقة وجلب مزيد من الدعم الاقتصادي والأمني من روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، مستغلة الأوضاع الملتهبة في المنطقة وكون طاجيكستان تقع في جوار أفغانستان التي ينشط فيها تنظيم الدولة الخراساني.