تردع إسرائيل واليونان.. ماذا تعرف عن مقاتلة الجيل الخامس التركية "قآن"؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

قبل سنوات وتحديدا عام 1996 رفضت إسرائيل تزويد تركيا بـ10 طائرات مسيرة (دون طيار)، وتحديث 54 طائرة تركية من طراز "F-4"، مشترطة على حكومة رئيس الوزراء (آنذاك) نجم الدين أربكان، أن تسمح لطائراتها بالتحليق فوق شمال العراق، وهو ما رفضته أنقرة حينها. 

رفض دولة الاحتلال واشتراطها على الأتراك بقي محفزا تاريخيا لهم، حتى إن أربكان قال حينها: "الفنيون الأتراك سيكونون في المستقبل، قادرين على تولي ذلك بأنفسهم". 

مضى الزمن وقطعت تركيا شوطا كبيرا في الصناعات الدفاعية، لا سيما صناعة المسيرات المقاتلة، التي حسمت بها كثيرا من المعارك، وحققت بها توازنا إقليميا ضد خصومها ومنافسيها. 

وفي 20 مارس/ آذار 2024، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن بلاده باتت بفضل المقاتلة الجديدة "قآن" واحدة من 4 دول قادرة على إنتاج مقاتلات الجيل الخامس.

وأضاف الرئيس التركي خلال حشد جماهيري لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم بولاية إسبرطة، أن أنقرة تأتي ضمن أول 3 دول في تكنولوجيا الطائرات المسيرة في العالم.

وأوضح أن "الصناعات الدفاعية التركية كانت تعتمد بشكل كامل على الخارج، لكنها اليوم زادت معدل التوطين فيها من 20 بالمئة إلى 80 بالمئة خلال نحو عقدين".

رحلة "قآن" 

بدأت بذور المقاتلة التركية "قآن" توضع فعليا عام 2010، بقرار من الحكومة، وذلك قبل عقد كامل من فرض العقوبات عليها في مشروع مقاتلة "F-35".

وقتها قررت أنقرة تعزيز استقلاليتها في مجال الصناعات الدفاعية والطيران والتوجه نحو المنافسة الدولية. 

وعليه باشرت شركة الصناعات الدفاعية التركية "توساش" العمل على التصاميم النظرية للمقاتلة "قآن" بداية من عام 2011، واستمرت حتى سبتمبر/ أيلول 2013.

وفي عام 2016 شهدت "قآن" طورا جديدا، عندما أدخلتها تركيا ضمن ما أطلق عليه المشروع "تي إف إكس" لإنتاج طائرات مقاتلة محلية الصنع.

وفي عام 2017، وقعت "توساش" صفقة مع شركة "بي إيه إي سيستمز" البريطانية بقيمة 125 مليون دولار للتعاون في إنتاج طائرة الجيل الجديد "قآن". 

وفي عام 2018 أطلق برنامج تصنيع "قآن" رسميا، ورسمت الخطة على أن تكون الرحلة التجريبية الأولى للطائرة عام 2026، لتدخل المقاتلة الخدمة عام 2032.

لكن حماس فريق المهندسين، والدعم الهائل الذي تلقوه من الرئاسة التركية، سرع عمليات التطوير والبناء إلى تنفيذ اختبارات التشغيل الأرضي الأولى للطائرة بنجاح. 

فخر تركيا

وشكل 21 فبراير/ شباط 2023 منعطفا بعد أن تمكنت المقاتلة "قآن" من تنفيذ أول عملية إقلاع ناجحة.

بعدها أعلنت الشركة التركية المنفذة للطائرة أنه يجرى التخطيط لتسليم أول 20 طائرة من هذا الطراز عام 2028.

وذلك لتنضم إلى أسطول القوات الجوية التركية، على أن يجرى تصنيع طائرتين كل شهر لتحل محل طائرات “إف-16” الأميركية.

وقتها أعرب أردوغان عن سعادته بنجاح أول تحليق للمقاتلة التركية، واصفا الحدث بأنه "فخر وإنجاز آخر للصناعات الدفاعية التركية".

وأعلن خلال مؤتمر صحفي بمدينة أفيون قره حصار أنه بإتمام هذه العملية "تكون تركيا تخطت مرحلة أخرى مؤثرة للغاية في طريق إنتاج مقاتلات حربية من الجيل الخامس".

ودحض أردوغان الشكوك حول صناعة الطائرة قائلا: "رغم الذين حاولوا تخريب مشروع قآن منذ اللحظة الأولى، وقالوا إننا لن نستطيع تصنيع هذه الطائرة، فإن طائراتنا المقاتلة الوطنية، والحمد لله، حلقت في السماء اليوم".

تقنيات مذهلة 

وأعلن رئيس وكالة الصناعات الدفاعية التركية، خلوق جورجون، أن الطائرة “قآن” ستجعل أنقرة تمتلك قدرات غير موجودة إلا في دول قليلة حول العالم.

بينما أورد موقع "آير فورس تكنولوجي" عبر تقريره في 24 فبراير 2024، عن "قآن" بأنها أول مقاتلة من الجيل الخامس، وتمتلك قدرات شبحية وهجومية فائقة.

وأنها ستحل مكان الأسطول الحالي من الطائرات المقاتلة من طراز F16 الأميركية، الموجودة في الخدمة مع القوات الجوية التركية.

كما تم تصميمها للهيمنة الجوية، فضلا عن قدرتها الفائقة للقيام بمهام متعددة.

وقد جرى تصنيعها من جسم خفي مصنوع من مركبات الكربون المتقدمة، ليعمل تصميمها الديناميكي الهوائي على تعزيز قدرات الطائرة فائقة السرعة.

ويبلغ طول "قآن" 19 مترا، وطول جناحيها 14 مترا، ومساحة الجناح 60 مترا مربعا، وارتفاعها 6 أمتار، وطولها 21 مترا.

وتكفي قمرة القيادة لشخص واحد، وتعمل الطائرة بمحرك مزدوج، مع قدرة عالية على المناورة، وانخفاض الرؤية للرادار.

فضلا عن قدرتها على حمل الأسلحة داخل الهيكل، والقدرة الفائقة على الحرب الإلكترونية.

وستوفر الطائرة درجة عالية من الوعي الظرفي وأنظمة الأسلحة المتقدمة، وتقنيات دمج أجهزة الاستشعار وإمكانية المراقبة المنخفضة.

كما تحتوي "قآن" على مجموعة إلكترونيات الطيران المتقدمة، إذ تمتلك شاشات متعددة وواجهات رسومية، وأنظمة بيانات بيئية وخرائط رقمية وأجهزة اتصال متطورة.

ويتم تثبيت ميزات أخرى مثل التعرف على الصوت، وأنظمة الصوت عالية الجودة والرؤية الاصطناعية في قمرة القيادة الذكية.

وتحتوي الطائرة على رادار نشط ممسوح إلكترونيا، وهو ما أدى مع جسم الطائرة الخفي إلى زيادة قدراتها الشبحية.

وتستطيع المقاتلة التركية ذات المحركين القيام بمهام "جو- جو"، وشن ضربات "جو- أرض"، والحرب الإلكترونية، في جميع الأحوال الجوية.

وجرى تهيئة الطائرة للتحليق لمسافة تزيد عن 3 آلاف كيلومتر، وبسرعة تبلغ 1.8 ماخ (مؤشر يبين معدل السرعة الحقيقية إلى سرعة الصوت)، والصعود إلى ارتفاع يصل إلى 55 ألف قدم.

الأنجح في العالم 

وفي حوار له مع موقع "تي آر تي خبر" التركي المحلي، في 23 مارس 2023، قال المدير العام لشركة  "توساش"، تيميل كوتيل، إن "مشروع المقاتلة الوطنية قآن يعد المشروع الأكثر نجاحا في العالم في مثل هذا الوقت القصير".

وأشار إلى أن أنقرة تركت وراءها عتبة حرجة للغاية نحو إنتاج طائراتها الحربية من الجيل الخامس.

وأضاف أن “قآن أحدثت بسرعة إنجازها ضجة كبيرة في العالم، وهي قادرة على محاربة جميع الطائرات الموجودة”.

وقارن كوتيل بين "قآن" و"إف-35" الأميركية، وذكر أن الأخيرة صممت بتقنية طورت قبل عقدين من الزمن تقريبا، أما الطائرة التركية " فصممت وتبنى وتطور بتقنية الوقت الحالي.

وأضاف: "بذل 17 ألف موظف في شركتنا جهودا كبيرة.. لقد شهدت هذا العمل على مدار سنوات، والنجاحات العظيمة التي تحققت جاءت من القلب لا العقل وحده، لقد جاء نجاحنا هذا من قلوبنا".

واستطرد: "منذ تعلم فريقنا الشاب هذه التكنولوجيا، تجاوزنا ألمانيا وفرنسا وإنجلترا".

ومن موظفيها الـ17 ألفا، خصصت “توساش” لمشروع المقاتلة الوطنية "قآن" 5 آلاف مهندس بالاختصاصات كافة، منهم 500 مهندس للبرمجة.

واختتم كوتيل حديثه بالقول إن "نظام الطائرة المحوسب يتكون من نحو 20 مليون سطر، ويضم مئات البرمجيات التي تعمل معا، لذلك يمكن عد المقاتلة حاسبا آليا طائرا".

توازن الردع 

وفي 21 فبراير 2024، أعلن رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركية فخر الدين ألطون، أن بلاده تعمل على زيادة قدراتها العسكرية، في معرض تعليقه على نجاح أول تحليق لمقاتلة "قآن" المحلية الصنع.

وصرح ألطون، لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، أنه "بفضل رؤية الرئيس أردوغان تتجه تركيا نحو مستقبل أكثر ثقة بالنفس في مجال الدفاع من خلال المشاريع المحلية".

وأضاف: "سنكون قادرين على ردع أعدائنا والمساهمة بشكل أقوى في أمن حلفائنا وشركائنا حول العالم". 

وفي 26 فبراير 2024، أدلى الخبير العسكري محمد علي الصمادي، بتصريحات لقناة "تي آر تي" التركية، قائلا "من خلال اطلاعي على برنامج المقاتلة قآن، فإنه بلا شك تعد فخر الصناعات العسكرية التركية، فهذا المشروع إستراتيجي لأنقرة، بصفتها دولة فاعلة في الإقليم".

وأكمل: "عندما نتحدث عن قآن فهي تقنية توازي ما هو موجود في برنامج إف-35 الأميركية، وإذا ما أخذنا بالموقع الجغرافي الجيوبوليتيكي لتركيا، وأن إسرائيل تمتلك هذه الطائرة (إف-35) وكذلك تمت الموافقة لليونان للحصول عليها، فعلى تركيا أن يكون لديها قدرات، حتى يكون هناك توازن في الردع". 

وفي تقريرها المنشور في 7 فبراير 2019، ذكرت وكالة “الأناضول”، أن أنقرة احتلت المركز السادس عالميا في تصنيع الطائرات العسكرية المسيرة (بدون طيار) وذلك بعد الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وباكستان وإيران.

ويذكر أن تركيا دخلت بقوة في مشروع المسيرات عموما عام 2007 عندما بدأت الشركة التركية للصناعات الدفاعية "بيكار" المرحلة الأولى بتطوير نموذج الطائرة المسيرة "بيرقدار TB2".

وأجرت أولى رحلاتها في يونيو/حزيران 2009، عقب ذلك أبرمت الشركة التركية، اتفاقا لتطوير المرحلة الثانية من المشروع تحت إشراف بيرقدار.

وفي 21 يونيو/ حزيران 2019، تمكنت الطائرة بدون طيار "بيرقدار TB2" من تحطيم رقم قياسي في تاريخ الطيران التركي، ببلوغ ساعات طيران وصلت إلى 100 ألف ساعة، وأصبحت العمود الفقري لقوات تركيا الجوية بفضل قدراتها التقنية المرتفعة.

وكذلك في 30 يوليو 2021، انطلقت المسيرة التركية "أك سونغور"، التي تعد الأثقل في صفوف أسطول الطائرات بدون طيار التركية، وخاضت رحلتها الأولى من العاصمة أنقرة، محملة بأقوى الذخائر الذكية والأشد تدميرا، مثل صاروخ "كي جي كي سيها 82"، بوزن 340 كجم.

وتوجهت الطائرة إلى ولاية سينوب البحرية، بواسطة التحكم بالأقمار الصناعية. وبحسب وكالة الأناضول التركية (رسمية)، نجحت "أك سونغور" في إصابة الهدف على ارتفاع 20 ألف قدم ومدى 30 كيلومترا.

وكانت "أك سونغور" أو "العنقاء-2" الملقبة بـ"دبابة السماء"، قد دخلت حيز الاختبارات في 21 مارس/ آذار 2019، عندما أعلنت شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية "توساش"، نجاح اختبار التحليق الأول لطائرة بدون طيار جديدة محلية الصنع. 

و"أك سونغور" هي الإصدار المتقدم من الطائرة "أنكا يو إي في"، ويمكن أن تطير لمدة 40 ساعة دون الحاجة إلى الإمداد أو أي شيء.