حلم أربكان.. ما قصة صهر أردوغان مع أسطورة "الدرون" التركية؟

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الفنيون الأتراك سيكونون في المستقبل، قادرين على تولي ذلك بأنفسهم" بعد قرابة ربع قرن من الزمان، تحقق حلم رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، على يد مهندس شاب يدعى سلجوق بيرقدار، استطاع أن يحقق طفرة في تاريخ العسكرية التركية، بتطويره طائرات "الدرون" المقاتلة، التي أحدثت نقلة نوعية للمعارك التي يخوضها الجيش التركي في الشمال السوري مؤخرا.

مقولة أربكان في يناير/ كانون الثاني 1996، جاءت في سياق رفض إسرائيل تزويد أنقرة بـ10 طائرات مسيرة (دون طيار)، وتحديث 54 طائرة تركية من طراز "F-4"، مشترطة على حكومة أربكان، أن تسمح لطائراتها بالتحليق فوق شمال العراق، وهو ما رفضته أنقرة حينها. 

ووسط كم هائل من التحديات التي تواجهها تركيا على جميع الأصعدة والمستويات، شهدت الصناعة العسكرية تطورا ملحوظا، بدا ذلك جليا في المعارك المستعرة التي دخل فيها الجيش التركي خلال السنوات الأخيرة، بداية من القتال ضد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا)، والتنظيمات المصنفة إرهابية، إلى القتال ضد جيش النظام السوري.

سلجوق بيرقدار

بدأت قصة المهندس "سلجوق بيرقدار" عام 2005، عندما استطاع إقناع المسؤولين الأتراك بحضور عرض طائرة بدون طيار قام بصناعتها، وكان الإنجاز الحقيقي في ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 حينما اختبر إطلاق صاروخ من طائرته التي اخترعها قبل 10 سنوات.

ولد بيرقدار، في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1979، وبعدها بـ37 عاما تزوج من سمية، الابنة الصغرى للرئيس أردوغان.

درس بيرقدار الهندسة الكهربائية في جامعة إسطنبول التقنية، ثم حصل على شهادة الماجستير من جامعة بنسلفانيا الأمريكية، وماجستير آخر من معهد "ماساتشوستس" للتكنولوجيا، وفي 2007 عاد إلى تركيا ليبدأ مسيرته في تصنيع المركبات الجوية من دون طيار وتطوير خوارزميات الملاحة الجوية.

حاليا، يترأس بيرقدار، الفريق المسؤول عن تصميم الطائرة من دون طيار في عموم البلاد، وكذلك يعمل في شركة "بيركار" التي يمتلكها والده رجل الأعمال "أزدمير بيرقدار".

وفي عام 2015 نجح بيرقدار في إجراء عرض ناجح للطائرات بدون طيار الأكثر تطورا من طراز "بيرقدار TB2"، التي جذبت انتباه الجيش التركي بشدة، بعد أن نجحت خلال تجارب الأداء في إصابة هدف على بُعد 8 كيلومترات باستخدام صاروخ مُوجَّه تركي الصنع أثناء تحليقها على ارتفاع يبلغ 4 كيلومترات.

بيرقدار "TB2"

في تقريرها المنشور 7 فبراير/ شباط 2019، ذكرت وكالة الأناضول التركية الرسمية، أن أنقرة احتلت المركز السادس عالميا في تصنيع الطائرات العسكرية المسيرة (بدون طيار) وذلك بعد الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وباكستان وإيران.

وفي عام 2007 بدأت الشركة التركية للصناعات الدفاعية "بيكار" المرحلة الأولى بتطوير نموذج الطائرة المسيرة "بيرقدار TB2"، وأجرت أولى رحلاتها في يونيو/حزيران 2009، عقب ذلك أبرمت الشركة التركية، اتفاقا لتطوير المرحلة الثانية من المشروع تحت إشراف بيرقدار.

نظام الطائرات المسيرة "بيرقدار TB2"، يشمل ست مركبات جوية، ومحطتين أرضيتين للتحكم والسيطرة، و3 محطات للبيانات الأرضية، ومحطتين للفيديو، إضافة إلى معدات الدعم الأرضي.

وتُصنف "بيرقدار TB2" ضمن الطائرات العسكرية التكتيكية، التي تقدم مهام المراقبة والهجوم، إذ يمكنها التحليق على ارتفاع "20 ألفا إلى 27 ألف قدم" نحو 8 آلاف متر، وحمل معدات بوزن 150 كيلوغراما، والطيران حتى 25 ساعة متواصلة.

بالإضافة إلى تميزها بإمكانية إجراء مهام الاستكشاف والتدمير الفوري، للأهداف خلال الليل والنهار. إذ تعمل على تزويد مراكز العمليات للقوات المسلحة التركية بمعلومات دقيقة، فهي مزودة بكاميرا تبلغ دقتها 1.8 مليار بيكسل، فضلا عن كونها قادرة على استهداف التهديدات المحددة بذخائر وصواريخ محمولة على متنها.

وفي 21 يونيو/ حزيران 2019، تمكنت الطائرة بدون طيار التركية "بيرقدار TB2" من تحطيم رقم قياسي في تاريخ الطيران التركي، ببلوغ ساعات طيران وصلت إلى 100 ألف ساعة، وأصبحت العمود الفقري لقوات تركيا الجوية بفضل قدراتها التقنية المرتفعة.

تدمير الأسد

في كلمة ألقاها أمام الجموع، بتاريخ 3 مارس/ آذار 2020 بالعاصمة أنقرة، قال الرئيس أردوغان: "كبدنا النظام السوري أكبر خسارة في تاريخه، وخسائر النظام البشرية والمادية حتى الآن ما هي إلا بداية، وإذا لم ينسحبوا إلى الخطوط التي حددتها تركيا في أقرب وقت ممكن فلن يبقى لهم رأس فوق أكتافهم، وسنؤكد لهؤلاء الغافلين أننا دولة كبيرة لا تنحني".

وشدد أردوغان: "تركيا لا تعتمد في كفاحها على دولة أو مؤسسة معينة، بل تعتمد على إمكاناتها وقدراتها وسواعد جنودها وشجاعتهم".

وفي تعليقه على عملية "درع الربيع" التي بدأت عقب اعتداء قوات النظام السوري على الجنود الأتراك، وقتل العشرات منهم بمحافظة إدلب، قال الرئيس التركي: "واجب علينا دحر وتدمير من تسبب في استشهاد جنودنا".

ومنذ ذلك الوقت تعمل الدرونز التركية، على ضرب أهداف متعددة لجيش الأسد، وألحقت به خسائر فادحة بحسب التصريحات الرسمية للحكومة التركية.

في 2 مارس/ آذار 2020، أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار تحييد 2557 عنصرا للنظام السوري في إطار عملية "درع الربيع"، بجانب تدمير مقاتلتين و8 مروحيات وطائرتين مسيرتين و135 دبابة و5 منصات دفاع جوي، و16 مضاد طيران، و77 عربة مدرعة، و9 مستودعات ذخيرة.

كما نقلت وكالة بلومبيرغ الألمانية عن مدير برنامج مكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط، الخبير الأمني الأمريكي تشارلز ليستر، قوله: إن "ما تفعله الطائرات المسيرة التركية من تدمير نظام الدفاع الجوي لجيش النظام السوري، وتسجيل لقطات فيديو للتدمير أمر غير مسبوق". 

وأشارت إلى تغريدة كتبها ليستر على تويتر، مشيرا إلى لقطات فيديو التقطتها طائرة بدون طيار تركية دمرت نظام الدفاع الجوي للجيش السوري "هذا شيء لم تفعله سوى إسرائيل علنا حتى الآن".

وأضاف: أن "تركيا تشن حملة جوية تديرها بالكامل طائرات بدون طيار مدعومة بالمدفعية الصاروخية الثقيلة".

وفي 1 مارس/ آذار 2020، عن طريق "الدرونز" قام الجيش التركي باستهداف اجتماع لقيادات كبار في النظام السوري وأخرى من حزب الله ليقتل 10 من قادة الاجتماع ويصيب 10 آخرين، كما قصفت تلك الطائرات المسيرة، عشرات المواقع لميليشيات نظام الأسد في ريفي حلب وإدلب على مدار الليلة الماضية، مع قصف مدفعي تركي متزامن معها.

وذكرت وسائل إعلام إيرانية أن 21 مقاتلا من لواءَي "فاطميون" و"زينبيون" قتلوا أثناء المواجهات المسلحة الأخيرة في إدلب.

وفي خضم تلك التحولات الطارئة في مسار المعارك داخل الأراضي السورية، وظهور القوة التركية بهذا الشكل، لا يمكن تجاوز أن الطائرات المسيرة التركية ذات الفعالية الواضحة في الميدان، كانت نتاج تاريخ طويل من التجهيز، والتخطيط حتى الوصول إلى تلك الوضعية. 

طائرة "العنقاء"

كانت تركيا على موعد في 2010، مع أول ظهور لطائرة "أنكا" أو "العنقاء"، حيث بدأت أنقرة صناعة طائرة مسيرة محلية الصنع، لتحل محل طائرات هيرون الإسرائيلية، وهي من المركبات الجوية من دون طيار والتي تصنعها شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية. 

لم يكن بعد التجسس الإسرائيلي وحده، هو الدافع لإقدام تركيا على تلك الخطوة، حيث كانت أنقرة تعتمد على الولايات المتحدة في تزويدها بصور من طائرات درون طراز بريديتور الأمريكية حول تحركات مقاتلي حزب العمال الكردستاني.

بعد فترة رفضت واشنطن، تزويد الأتراك، بذلك النوع من الطائرات بدعوى خشيتها من أن تشكل تلك الطائرات مشكلة أمنية لإسرائيل، رغم أن أنقرة هي الأخرى عضو في حلف الناتو تماما مثل واشنطن، وهو ما أغضب تركيا مرة أخرى، وجعلها تسرع الخطى لإنجاز ذلك المشروع القومي، لتصبح فيما بعد واحدة من أهم الدول المنتجة، والمطورة للدرونز، بل وصل الأمر إلى تصديرها إلى دول أخرى.

كان تطوير قدرة الصناعات الدفاعية التركية، على رأس خطة الرئيس أردوغان، وفي سبيل ذلك وضع إصلاحات دستورية لهذا الغرض تم إقرارها خلال الاستفتاء على الدستور التركي في أبريل/نيسان عام 2016، وبموجبها تم منح سلطة الإشراف على صناعة الدفاع والمشتريات الدفاعية للرئاسة، ليكتمل بذلك الإطار القانوني لمشروع "أردوغان" لإنتاج الأسلحة محلية الصنع، ومنذ ذلك الوقت حظي مشروع الطائرات المسيرة "الدرونز" التي تشمل "بيرقدار TB2" و"العنقاء" تطورا ملحوظا.

وفي 15 مايو/ آيار 2019، كشف موقع إنترسبت الأمريكي أن "تركيا دخلت العصر الثاني لصناعة الطائرات المسيرة (الدرون)، وباتت تنافس دولا مثل الولايات المتحدة وبريطانيا كأكبر منتج ومستخدم لهذا النوع من الطائرات الفتاكة".

وحسب تقرير الموقع الأمريكي فإن "تركيا ولجت عصر الدرونات الأول على الطريقة القديمة حيث اشترت 6 طائرات غير مسلحة من شركة "جنرال أتومميكس" الأمريكية عام 1996، واستخدمتها ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جنوبي شرقي البلاد.

وذكر موقع إنترسبت أن "تركيا في عام 2006، اشترت 10 طائرات درون طراز (هيرون) من إسرائيل، لكن الأخيرة ماطلت لمدة 5 سنوات لكي تسلم أنقرة تلك الطائرات.

حينها اتهمت أنقرة الإسرائيليين بتعمد تخريب آلات وأجهزة تصوير تلك الدرونات، فأعادتها إلى إسرائيل لإصلاحها، ومرة أخرى أخذ الأمر سنوات عدة لتقوم تل أبيب بالمهمة.

لكن الأمر الحاسم للأتراك أن طائرات هيرون، كان يوجهها في بادئ الأمر أفراد إسرائيليون، ما دفع المسؤولين في أنقرة إلى الارتياب من أن الصور التي تلتقطها تُرسل سرا إلى المخابرات الإسرائيلية، وعلى هذا الأساس لم تكن طائرات هيرون المسيرة الحل الذي تنشده تركيا.

خارج الحدود

في 1 يناير/ كانون الثاني 2019، أعلن الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو، عن توقيع صفقة لاستيراد طائرات بدون طيار من تركيا. وأكد أن "بلاده ستستورد طائرات مسيرة من تركيا، من طراز "بيرقدار TB2" التكتيكية والعملياتية، وذات الخواص التكنولوجية العالية.

كما لفت إلى أنه يمكن تزويد هذه الطائرة المسيرة، بقذائف صاروخية عالية الدقة، لتدمير المركبات المصفحة، والتحصينات العسكرية، والأهداف البحرية.

وفي 7 فبراير/ شباط 2019، قامت تركيا بتسليم قطر، 6 طائرات بدون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2"، ضمن صفقة وقعت بين الجانبين عام 2018.

وكانت الصفقة قد تمت بين القوات المسلحة القطرية وشركة "بيكار" التركية لصناعة الطائرات، على هامش معرض ومؤتمر الدوحة للدفاع البحري "ديمدكس 2018"، وتضمنت 6 طائرات بدون طيار، ومحطات تحكم، فضلا عن الأدوات والمعدات التقنية واللوجستية الخاصة بهذه الطائرات، وتم تسليمها إلى القوات المسلحة القطرية.

وضمن الصفقة نفسها، أنهى فريق قطري مكون من 55 شخصا، دوراته التدريبية في تركيا لاستخدام الطائرات، على يد فريق من مهندسي وخبراء شركة "بيكار".

وفي نهاية الدورة التي استمرت 4 أشهر، تخرّج جميع أفراد الفريق القطري، منهم قائد للطائرات بدون طيار المسلحة، وموظفي صيانة، وغيرها من المهام المتعلقة بطائرات "بيرقدار TB2".

وفي العام 2019، قدمت تركيا ما لا يقل عن 12 طائرة من طراز "بيرقدار TB2" إلى حكومة الوفاق الوطني الليبية المُعتَرف بها دوليا لمساعدتها في صد الهجوم الذي شنَّه الجنرال "خليفة حفتر" وميليشياته على طرابلس.