سباق تشكيل الحكومات بالسودان.. أبعاد المعركة الموازية بين الجيش والدعم السريع

"السودان يواجه منعطفا جديدا وخطيرا لا يقل خطورة عن المعركة العسكرية الدائرة"
بعد 5 أيام من مداولات قوبلت برفض حكومي وحزبي واسع، وقعت مليشيات الدعم السريع وقوى سياسية وحركات مسلحة سودانية، بالعاصمة الكينية نيروبي، ميثاقا سياسيا لتشكيل حكومة موازية للسلطات في السودان.
وشارك في التوقيع عبد الرحيم دقلو عن قوات الدعم السريع، وجوزيف توكا عن الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، وعن حركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي إدريس.
كما وقع رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمه ناصر، والقيادي بالحزب الاتحادي الأصل إبراهيم الميرغني.
وفي بيان، أكد الميثاق السياسي الموقع أن دواعي تشكيل حكومة وحدة وسلام هو "إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، وإيصال المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، والحفاظ على وحدة السودان الطواعية".
وأشار إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى “استرداد مسار الحكم المدني الديمقراطي، واستعادة الحقوق الدستورية لكل المواطنين دون تمييز، وإنهاء تعدد الجيش وتأسيس جيش جديد، واسترداد النظام الاقتصادي والمصرفي (...)”، وفق زعمه.
ونص الميثاق على أن يكون الحكم في السودان "ديمقراطيا تعدديا، وأن يكون نظام الحكم لامركزيا يقوم بالاعتراف بحقوق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية".
وجاء إنشاء هذا الكيان الموازي للمجلس السيادي العسكري الحاكم في البلاد بقيادة عبد الفتاح البرهان، في إطار الحرب الدائرة منذ أبريل/نيسان 2023.
واجتمع المؤيدون لإنشاء الحكومة الموازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع المتمردة، في العاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 20 إلى 23 فبراير/ شباط 2025.
ويتكون ذلك الوفد من حوالي 20 حزبا سياسيا ومنظمة مجتمع مدني مقربة من قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، وكذلك من المنشقين عن تنسيقية "تقدم" التابعة لرئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك.
أما هدف الاجتماع فكان التحضير لإنشاء الكيان الموازي بغرض توفير ثقل مضاد لقائد الجيش البرهان، الذي أعلن إنشاء حكومة انتقالية في بورتسودان.
وأيضا كان الاجتماع يهدف إلى مباغتة التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” بقيادة حمدوك.

ممهدات التأسيس
وبدأ التمهيد لتأسيس الكيان السياسي الموازي التابع للدعم السريع، عندما انقسمت تنسيقية "تقدم" إلى تحالفين بعد خلاف حول تشكيل حكومة في المناطق التي تديرها مليشيات الدعم السريع.
وفي العاصمة الكينية "نيروبي" تجمع بعض أعضاء التنسيقية في 10 فبراير، من قادة دارفور وشخصيات بارزة من شرق السودان في مؤتمر حول العضو السابق في مجلس السيادة الانتقالي محمد حسن التعايشي، والذي يتوقع أن يرأس هذه الحكومة الموازية.
لكن قبل ذلك، دخل التعايشي في مفاوضات مع العديد من قادة دارفور والمجتمع المدني على شروط الميثاق السياسي والدستور المؤقت، لتشكيل ما أطلقوا عليها "حكومة السلام".
وحضر الاجتماع الهادي إدريس يحيى زعيم “حركة جيش تحرير السودان- المجلس الانتقالي”، نائب رئيس تنسيقية "تقدم" قبل حلّها.
كما حضر رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر ووزير العدل السابق في حكومة حمدوك السابقة، نصر الدين عبد الباري، المرشح مستقبلا لرئاسة الوزراء.
وشهد انضمام رئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" عبد العزيز الحلو، لمعسكر الحكومة الموازية اهتماما واسعا؛ بسبب قوة نفوذه وعدد قواته، ورفضه السابق الانحياز لأي من طرفي الصراع.
وقال الحلو، خلال كلمته بالمؤتمر: "إن الرفيق حميدتي، جرد المركز الحاكم للسودان (قاصدا مؤسسات الحكم في الخرطوم) من جميع الأدوات التي استخدمها منذ استقلال البلاد".
وتابع: "لم تجد النخبة في الخرطوم، الحلول للتعامل مع حميدتي ووصفه بالأجنبي وحرضوا على ضربه".
وتتخذ قوات الحلو من منطقة كاودا بجبال النوبة بولاية جنوب كردفان مقرا لها، ويحكمها هذا الشخص بعيدا عن الحكومة المركزية في الخرطوم منذ 2011.
التغلب على حمدوك
وشارك في مراسيم المؤتمر أكثر من 500 شخص يمثلون الطيف السياسي والمجتمعي والقوى المدنية والمسلحة، من بينهم 50 من زعماء وقيادات الإدارات الأهلية في دارفور وكردفان ووسط البلاد، بحسب صحيفة الشرق الأوسط السعودية.
كذلك شارك في ترتيبات الحكومة الموازية في نيروبي، تحالف القوى المدنية المتحدة "قمم"، وهو الجناح السياسي لقوات الدعم السريع في السودان، ورئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر.
ورغم معارضة معظم القادة الآخرين لهذا التجمع السياسي، خاصة المرتبطين بمؤسس حزب الأمة الصادق المهدي، فمن المتوقع أن يلعب برمة ناصر دورا محوريا في الحكومة المستقبلية.
ولم يعلن بعد الاتفاق على هذا التحالف الجديد ويرجح أن يكون ذلك خارج كينيا؛ حيث ترغب السلطات المحلية في إظهار الحياد الدبلوماسي.
ويتضح ذلك من إلغاء مؤتمر صحفي لقوات الدعم السريع بنيروبي في 13 يناير/ كانون الثاني 2025، في اللحظة الأخيرة، بعد ضغوط على الحكومة الكينية.
وتأتي هذه الخطوة للتغلب على الأغلبية التي حشدها حمدوك في التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” القريب من الجيش السوداني.
إذ شارك حمدوك في حوار أديس أبابا في 21 فبراير، بمبادرة من محمد بن شمباس رئيس لجنة الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى لحل النزاع في السودان.
وفي أديس أبابا، أجرى حمدوك العديد من الاتصالات على هامش قمة الاتحاد الإفريقي، لمناقشة ملف الحرب في السودان خلال اجتماع رؤساء الدول في مجلس السلم والأمن الإفريقي.

انتقادات لكينيا
وبالتزامن مع الاجتماع الذي جمع كثيرا من الخصوم والحلفاء في آن واحد بين قوى سياسية وحركات مسلحة، تحت رعاية قوات من الدعم السريع المتمردة بكينيا، لتأسيس السلطة الموازية، أعلن البرهان "رفضه أي حلول تأتي من الخارج".
وبدورها استنكرت الحكومة السودانية في بورتسودان استضافة كينيا للاجتماع، وعدت ذلك "تشجيعا لتقسيم الدول الإفريقية وخروجا عن قواعد حسن الجوار".
وقالت وزارة الخارجية السودانية: "إن احتضان قيادات المليشيا والسماح لها بممارسة النشاط السياسي والدعائي العلني، في وقت لا تزال ترتكب فيه جرائم الإبادة والمجازر ضد المدنيين على أساس إثني ومهاجمة معسكرات النازحين، هو تشجيع لاستمرار كل هذه الفظائع ومشاركة فيها".
في حين أكدت كينيا عبر وزارة خارجيتها أن هذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها المجموعات في السودان إلى الدول المجاورة لإيجاد حلول لأزماتها.
ولم تكن انتقادات كينيا من السودان فقط، بل من الداخل أيضا، حيث يواجه الرئيس الكيني وليام روتو انتقادات واسعة النطاق بسبب رعايته لذلك المؤتمر.
ورأى موخيسا كيتويي وهو سياسي كيني والأمين العام السابق لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، أن "ما يفعله روتو هو تخلٍّ متهور عن الحذر التقليدي والنهج الكيني في الدبلوماسية".
وأضاف لوكالة الأنباء الفرنسية: "يحاول روتو إضفاء الشرعية على عصابة إجرامية (قوات الدعم السريع) كانت تعمل على تقطيع أوصال الناس". ووصف هذه الخطوة بأنها "غير مسؤولة على نحو إجرامي".
انعكاسات خطيرة
ومع اقتراب الإعلان عن الحكومة الموازية المدعومة من الدعم السريع، رأى السياسي السوداني عمر الخضر أن البلاد “تواجه منعطفا جديدا وخطيرا لا يقل خطورة عن المعركة العسكرية الدائرة”.
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أن “هذه الخطوة، التي يقودها محمد حسن التعايشي تحت نظر حميدتي، وعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية الموالية للدعم السريع، ليست مجرد إعادة ترتيب للأوراق السياسية”.
بل "تمثل تهديدا مباشرا لوحدة السودان واستقراره، وقد تكون مقدمة لمشروع تقسيم البلاد إلى كانتونات قائمة على أسس عرقية وإثنية، في ظل تدخلات خارجية مشبوهة".
وتابع: "ما يثير القلق في هذا المشروع ليس فقط تداعياته الداخلية، بل أيضا الأيادي الخارجية التي تدفع به إلى الأمام، فقد أصبحت كينيا مركزا لدعم قوات الدعم السريع سياسيا؛ حيث توفر منصة دبلوماسية لتمرير أجندتها".
وأوضح: "الحكومة الكينية سبق أن ألغت مؤتمرا صحفيا لقوات الدعم السريع في اللحظة الأخيرة، تجنبا لإظهار انحيازها العلني، لكن استمرار الاجتماعات في نيروبي يثير التساؤلات حول دورها الحقيقي".
وهنا تحدث السياسي السوداني عن دور الإمارات، قائلا: "على الجانب الآخر، تأتي الدولة الخليجية كلاعب رئيس في تمويل وتسليح الدعم السريع، مما يثير شكوكا حول نواياها في السودان".
لا سيما أن تقارير متكررة أكدت تقديم أبوظبي دعما غير مباشر لحميدتي، سواء عبر الإمدادات العسكرية أو الغطاء الدبلوماسي.
وبالتوازي مع ذلك، تحظى هذه التحركات برضا إسرائيلي؛ حيث تسعى تل أبيب لضمان نفوذها في السودان من خلال دعم أطراف تسهم في إضعاف الجيش السوداني، الذي كان في فترات سابقة أقل تعاونا معها مقارنة بالدعم السريع.
وشرح خضر مدى خطورة السيناريو الذي تشهده السودان، مبينا أن هذا النموذج يعكس تفكيك الدولة إلى كيانات شبه مستقلة.
إذ يتحول غرب البلاد إلى منطقة خاضعة لقوات الدعم السريع وحلفائها، بينما تظل مناطق أخرى تحت سيطرة الجيش أو القوى المدنية المتحالفة معه.
ومع وجود الدعم الإماراتي والتدخلات الإقليمية، يصبح هذا المخطط أقرب إلى إعادة إنتاج نموذج "الكانتونات" الذي شهدته بعض الدول التي مرت بحروب أهلية طويلة، على غرار ليبيا أو سوريا سابقا.
وتابع أن انعكاسات تفكك السودان على دول الجوار قائمة، فلن يكون المتضرر الوحيد، بل سيمتد أثره إلى الدول المجاورة، خاصة مصر وليبيا وتشاد؛ حيث تعتمد القاهرة على الخرطوم كحاجز إستراتيجي يمنع انتشار الفوضى جنوبا.
وبين الخضر أن أي تفكك في السودان سيؤدي إلى موجات نزوح جماعي وأزمات أمنية قد تؤثر على استقرار الحدود الجنوبية لمصر.
أما ليبيا، فمع وجود قوات الدعم السريع كطرف نشط في النزاعات الليبية، فإن انفصالها عن السودان سيفتح الباب أمام مزيد من التدخلات في الأزمة الليبية، مما يعقد المشهد الأمني هناك.
وعن تشاد تحدث قائلا: إنها تواجه بالفعل توترات على حدودها مع السودان، وتنامي قوة الدعم السريع قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها، خاصة مع وجود امتدادات قبلية بين البلدين.
ولفت الخضر إلى أن تشكيل حكومة موازية ليس مجرد تطور سياسي، بل خطوة ستكون لها تداعيات كارثية على المنطقة بأسرها.
لذا، فإن أي حل للأزمة السودانية يجب أن يكون قائما على الحفاظ على وحدة الدولة ومنع أي محاولات لتقسيمها، وإلا فإن المنطقة بأكملها ستواجه مستقبلا غير مستقر، كما شدد السياسي السوداني.
المصادر
- السودان: «سلطة موازية» في مناطق «الدعم السريع» خلال أيام
- السودان يستنكر استضافة كينيا اجتماعا لقيادات الدعم السريع ونيروبي ترد
- عبدالعزيز الحلو: حميدتي جرد نخبة الخرطوم من كل الأوراق
- "حكومة الدعم السريع".. ضغط سياسي أم اتجاه لتقسيم السودان؟
- السودان ينتقد كينيا لتوفير منصة لقوات الدعم السريع لإعلان حكومة تمثلها