سعد الراوي لـ"الاستقلال": هذه الأسباب وراء استمرار التشكيك في نزاهة انتخابات العراق

منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

قال نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات السابق بالعراق، سعد الراوي، إن عدم معالجة الخلل في العمليات الانتخابية السابقة يشكل عقبة أمام نزاهة الانتخابات المقبلة، خاصة مع وجود أشخاص وأحزاب خارج نطاق القانون والمساءلة.

وتتولى مجالس المحافظات- المقرر أن تجرى انتخاباتها في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023- مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة ببغداد، وفقا للدستور.

وخلال حوار مع صحيفة "الاستقلال" أوضح الراوي، أن "النقطة الأساسية الأخرى، هي وجود أشخاص وأحزاب فوق القانون وخارج نطاق المساءلة، لذلك إذا لم تعالج مثل هذه المشكلات، فإننا سنبقى في أزمة نزاهة الانتخابات والتشكيك والطعن فيها".

ولفت إلى أنه "في ظل وجود ثقافة انتخابية ضعيفة ومراقبة أضعف، تبقى الشكوك والمشكلات قائمة بعد إجراء العملية الانتخابية، والتي تصل إلى آلاف الطعون، الأمر الذي يؤخر إعلان النتائج النهائية حتى الانتهاء والبت فيها كلها".

سعد الراوي، هو النائب الأسبق لرئيس مجلس المفوضين بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات بالعراق، فقد عمل في هذه المؤسسة الرسمية نحو ثمانية أعوام امتدت من 2004 إلى ‏‏2012، ويعمل حاليا خبيرا وكاتبا مختصا في الشؤون الانتخابية.

نزاهة الانتخابات

  • ما تزال قضية نزاهة الانتخابات تشكل التحدي الأكبر بالعراق.. ما الذي يضمن نزاهتها هذه المرة؟

في كل مرة تعاد نفس المشكلات الماضية لأننا لا نعالج أي خلل، وأعتقد أن السبب الرئيس في نزاهة الانتخابات، هو وجود منظومة انتخابية غير متكاملة وخارج المعايير الدولية في كثير من فقراتها.

وكذلك هناك فجوة كبيرة بين شركاء العملية السياسية في السلطات الثلاث (برلمان، جمهورية، حكومة) والأحزاب، ومفوضية الانتخابات، وهذا يؤشر إلى عدم اكتمال المنظومة القانونية.

قانون الانتخابات الذي جرت وفقه الانتخابات البرلمانية لعام 2021، كانت هناك مسودتين مختلفتان له واحدة من رئاسة الجمهورية والثانية من الحكومة، لكن البرلمان أقر قانونا وصوت عليه بمعزل عن الشركاء السياسيين.

النقطة الأساسية الأخرى، تتمثل في وجود أشخاص وأحزاب فوق القانون وخارج نطاق المساءلة، لذلك إذا لم تعالج مثل هذه المشكلات، فسنبقى في أزمة نزاهة الانتخابات والتشكيك والطعن فيها.

وكذلك هناك تدن في الثقافة الديمقراطية، وخصوصا الانتخابية، وموضوع مراقبة الانتخابات، لأن كل الأحزاب تعتقد أن المراقبة تحصل في يوم التصويت، وهذا فهم خاطئ لأنها تبدأ من صياغة القوانين التي يفرض أن تناقش وتصاغ من جميع الشركاء السياسيين.

  • هل قرار نشر 100 ألف كاميرا للمراقبة في داخل المحطات الانتخابية يحول دون عمليات التلاعب والتزوير في الأصوات؟

هذا أقر في قانون الانتخابات وليس رأي المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس مجلس الوزراء (محمد شياع السوداني) شكّل لجنة من المفوضية مع مجموعة المختصين لمتابعة تنصيب هذه الكاميرات ومتابعتها، وأعتقد أنها خطوة جيدة نحو نزاهة الانتخابات ومراقبتها بشكل مفصل.

  • في ظل غياب التصويت الإلكتروني بالانتخابات المحلية.. كيف يمكن منع التزوير في الانتخاب اليدوي؟

القانون أقر بوجود تصويت وعد وفرز إلكتروني وآخر يدوي، ووجود طريقتين لكلتا العمليتين يُعد مشكلة، فإذا وجد فرق نسبته 5 بالمئة في تطابق الأصوات مع النتائج فسنرجع إلى العد والفرز اليدوي وليس الإلكتروني.

تشريع الطريقتين يعد مشكلة في حد ذاتها، لذلك نحن بحاجة إلى حصر عملية التصويت والعد والفرز للأصوات بطريقة واحدة يثق بها كل شركاء العملية السياسية.

وحتى عندما تجرى محاكاة العملية الانتخابية قبل يوم التصويت يجب أن يحضر مع مراقبي الكيانات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، الأشخاص التقنيون، وذلك للتحقق من عملية نقل المعلومات عبر الأقمار الصناعية، وبالتالي يعطون المشورة بأن هذا العمل سليم ولا تشوبه أي مشكلة.

  • برأيكم هل التدابير المتخذة حاليا كفيلة لمنع بيع البطاقات الانتخابية واستخدامها لصالح أحزاب وكيانات سياسية؟

اليوم سيجرى التصويت حصرا بالبطاقة البايومترية، وهذه لا يمكن تزويرها ولا يمكن تصويت شخص مكان آخر، وهو شيء جيد في قانون الانتخابات الحالي، وقد يحدّ كثيرا من التشكيك الذي كان ينال العملية الانتخابية.

لكن الملايين لا يمتلكون هذه البطاقة حتى اليوم، وهذا يعد مشكلة بحاجة إلى مراجعة قانون الانتخابات وطرق تسجيل الناخبين وإكمال سجلاتهم، لأن الأخيرة تعد بمثابة العمود الفقري لأي انتخابات حرة ونزيهة. 

قانون الانتخابات

  • بعد اعتماد نظام سانت ليغو بقاسم انتخابي 1.7.. هل تلاشت فرص الفوز للمرشحين المستقلين والكتل الصغيرة؟

في ظل وجود 296 حزبا يتنافسون في انتخابات مجالس المحافظات، هناك عتبة انتخابية حتى تفوز مجموعة من القوائم الانتخابية تقدر بـ 5 أو 6 أو 10 بالمئة، وبالتالي يمكن لقائمتين أو ثلاث يشكلون حكومة المحافظة والآخرين يكونون في جانب معارضة.

لذلك بإمكان الكتل الصغيرة والمستقلين أن تأتلف فيما بينها وتشكل تحالفا كبيرا ويذهبون لإقناع المواطنين غير الراغبين في المشاركة بالانتخابات والذين ربما يصل عددهم إلى 60 بالمئة، وبالتالي هم يكونون الكتلة الأكبر إذا حصلوا على أصواتهم، ويكونون قادرين على تشكيل الحكومة المحلية.

  • هل نحن أمام عودة هيمنة القوى الكبرى على مقاعد مجالس المحافظات بسبب إلغاء الدوائر المتعددة؟

في انتخابات عام 2021 التي استخدمت فيها الدوائر المتعددة، كان ترسيم الدوائر الانتخابية خارج المعايير الدولية، لأنه يفترض أن يكون هناك تعداد سكاني وحدود إدارية لكل دائرة انتخابية.

بل ما حصل هو أنه هناك تداخل بين دائرة وأخرى، ولا يوجد عدد دقيق لعدد الناخبين في كل دائرة، وكانت بعض الدوائر منشطرة بين دائرتين انتخابيتين.

لا يتعلق موضوع هيمنة القوى الكبيرة على المقاعد بموضوع الدوائر المتعددة، لأن بعض القوى الجديدة التي كانت محسوبة على حراك تشرين (احتجاجات شعبية حصلت في أكتوبر 2019) حصلوا في محافظة ميسان على 120 ألف صوت وكان رصيدهم 5 مقاعد.

بينما التيار الصدري جاء بـ50 ألف صوت وحقق فيها 8 مقاعد، لذلك القوائم بحاجة إلى دراسة قانون الانتخابيات وكيفية الاستفادة من جميع فقراته.

  • ما الذي تراه مناسبا للحالة السياسية العراقية.. الدوائر المتعددة أم نظام الدائرة الواحدة؟

لا يوجد قانون خال من السلبيات أو كله إيجابيات سواء الدوائر المتعددة في البلاد أو نظام الدائرة الانتخابية الواحدة لكل العراق، لكننا لا نزال نفتقر إلى مشروع عراقي وطني، فإذا تحقق هذا يمكن لابن مدينة الأنبار (غربا) أن يصوت لمرشح في محافظة البصرة (جنوبا) أو كركوك (شمالا).   

لذلك نحتاج إلى مشاريع سياسية لهذه الأحزاب الكثيرة، وليس المشكلة في طريقة توزيع المقاعد وترسيم الدوائر الانتخابية.

فمعظم القوائم الانتخابية هي تجمعات غرضها الوصول إلى السلطة وليست صاحبة مشاريع سياسية وبرامج انتخابية وطريقة مثلى لاختيار المرشحين.

  • الأقليات في عموم محافظات العراق.. كيف ترى وضعهم في قانون الانتخابات المعتمد حاليا؟ 

طالما ليس لدى الأقليات سجل انتخابي يحصر أعدادهم، وأن يكون المرشحون حصرا من هذا السجل والتصويت كذلك، فإن تأثيرهم سيبقى ضعيفا وقد تستغلهم الأحزاب الكبيرة والنافذة في تلك المحافظة أو الدائرة التي خصص فيها مقعد أو أكثر لأي أقلية.

وعلى ضوء ذلك، أدعو إلى استحداث سجل ناخبين لكل أقلية حتى يصوتوا عليهم من كل العراق، وبالتالي نضمن حقوقهم بشكل أفضل، وتمثيلهم في مجالس المحافظات يكون دقيقا.

إعلان النتائج

  • في كل انتخابات تعد "المفوضية" بظهور النتائج خلال 24 ساعة لكن ذلك لا يحصل.. هل من عوائق تحول دون سرعة إعلانها؟

هناك نصوص في القانون الانتخابي سواء الذي اعتمد في انتخابات البرلمان عام 2021، أو الذي ستجرى وفقه انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة، تعلن فيه النتائج وفق الشريط الإلكتروني وهذه تكون نتائج أولية، لا نهائية.

العوائق تتمثل في أن هناك عد وفرز أصوات يدويا وآخر إلكترونيا، والعراق لا يزال يحبو ويتراجع عن الديمقراطية رغم مضي نحو 20 عاما على بدايتها في البلاد.

لكن في ظل وجود ثقافة انتخابية ضعيفة ومراقبة أضعف، تبقى الشكوك والمشكلات في الطعون بعد العملية الانتخابية، والتي تصل إلى الآلاف، الأمر الذي يؤخر إعلان النتائج النهائية حتى الانتهاء والبت فيها كلها.

هناك هيئة قضائية انتخابية من ثلاثة قضاة تنظر في كل هذه الطعون التي يقرها مجلس المفوضين للانتخابات، وهذه حالة غريبة، لأن الهند على سبيل المثال، التي لديها نحو 700 مليون ناخب والكثير من الأقليات، لا توجد أي شكوى أو طعن ضد العملية الانتخابية فيها.

في ظل أزمة الثقة بين القوى السياسية والعملية الانتخابية وضعف الرقابة أيضا، فإن الشكاوى في العراق تكون بالآلاف، وهو ما يؤخر من سرعة إعلان النتائج النهائية للانتخابات.

  • ما الذي يحتاجه العراق ليصل إلى التجربة التركية في احتساب الأصوات وعرضها أونلاين أولا بأول؟

هناك ثلاثة أطر بحاجة إلى إصلاحها في العراق حتى نصل إلى الدول الديمقراطية الحقيقية، أولها إصلاح الإطار القانوني كون القانون الحالي حجمه 25 صفحة، ويجمع فيه انتخابيات مجالس المحافظات والانتخابات البرلمانية، فالقانون الأسترالي على سبيل المثال 522 صحفة يفصل كل شيء فيه.

بينما قانون الانتخابات العراقي فيه غموض كبير، كما أن عدم توضيح أي فقرة من فقرات القانون ستفسر لصالح الفاعل السياسي، وهذا يعد مشكلة كبيرة، لذلك نحتاج إلى منظومة متكاملة يكون فيها كل شيء واضح.

الأمر الثاني، هو أن العراق لا تزال فيه الثقافة الانتخابية متدنية جدا، فالعشرات من المرشحين الذين نلتقي بهم لم يقرأ أي منهم قانون الانتخابات ولا نظام الحملات الانتخابية، فكيف سيخوض معركة وهو غير مسلح بمعلوماتها، وهذه مشكلة كبيرة.

الإطار الثالث، هو إدارة الانتخابات (المفوضية العليا) وضعف التواصل فيما بين أعضائها، وهذا يؤدي إلى بعض الشكوك والإخفاقات حتى في إعلان نتائج الانتخابات، كما حصل عام 2021.

بعد إصلاح هذه الأطر الثلاثة يمكن نصل إلى ما هي عليه الانتخابات في تركيا والسويد والبلدان الأخرى التي تشهد ديمقراطية حقيقية.      

  • هل تتعرض المفوضية العليا للانتخابات إلى ضغوطات من القوى السياسية بخصوص إعلان النتائج؟

المشكلة هي أن الضغوطات والشكاوى بحق عمل المفوضية العليا للانتخابات سببها الجهل الكبير في عملها حتى من قبل الكثير من الأحزاب والشخصيات المتنفذة.

لذلك العراق بحاجة إلى ثقافة انتخابية عالية عند السياسيين ومقبولة لدى الناخبين بشكل عام، وأيضا بحاجة إلى ديمومة التواصل بين شركاء العملية السياسية.

وأهمها السلطات الثلاث في البلاد (الجمهورية، البرلمان، الحكومة) ومفوضية الانتخابات والأحزاب السياسية، وهذا لا يزال مفقودا، وربما يكون سببا رئيسا في الطعن والتشكيك بوجود تدخلات وضغوطات في العملية الانتخابية.  

  • البعض يتحدث عن تدخل سفارات دول في عمل المفوضية العليا والعملية الانتخابية بشكل عام.. ما حقيقة ذلك؟

بشكل مطلق، لا يمكن أن تتدخل أي سفارة في نتائج الانتخابات أو عمل المفوضية العليا للانتخابات، وكل ما يمكن فعله هو مراقبة لبعض المراكز أو العملية الانتخابية بشكل عام.

نسبة المشاركة

  • لماذا تتراجع بشكل مستمر نسبة إقبال ومشاركة العراقيين في الانتخابات؟

المشكلة في العزوف الكبير لشريحة المثقفين، بسبب افتقار البلد لمشاريع سياسية عراقية، وأيضا غياب برامج انتخابية حكومية سواء محلية أو وطنية.

لذلك يجب أن يكون التثقيف للمشاريع والبرامج السياسية، وهذا مفقود في الوقت الحالي في معظم القوائم والأحزاب السياسية التي لديها مرشحون في الانتخابات البرلمانية والمحلية.

  • هل هناك نسبة معينة في تدني المشاركة تُعد بموجبها الانتخابات باطلة وغير مكتسبة للشرعية؟

لا توجد أي نسبة وفق المعايير الدولية تصبح بموجبها الانتخابات باطلة وغير شرعية، وهذا أيضا غير موجود في القانون الانتخابي ولا حتى في الدستور العراقي.

مهما تدنت نسبة المشاركة في الانتخابات فإنها لا تعد باطلة، وهذا ليس فقط في العراق، وإنما في عموم الدول، وليس هناك معيار دولي لموضوع نسبة المشاركة.

كلما زادت نسبة المشاركة، تكون لديها مقبولية أكثر في المجتمع الدولي، فالأخير قبل بمشاركة نسبتها 1 بالمئة في الأنبار عام 2005، و80 بالمئة في محافظة أربيل، سواء الأمم المتحدة وغيرها.

المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لن تسهم في زيادة نسبة المشاركة الانتخابات، لأنها رضيت وسكتت عن هكذا منظومة انتخابية عراقية معظم فقراتها خارج المعايير الدولية.

  • كثرة القوائم الانتخابية والأعداد الكبيرة للمرشحين.. هل تراها حالة صحية في العراق؟

أعتقد أنها حالة صحية، كما أنه يمكن تحديد هذه الأعداد بوضع عتبة انتخابية حتى 5 أو 10 بالمئة، وتقر في القانون.

وحتى في طريقة احتساب "سانت ليغو" نبدأ التقسيم فيه على 3، وبالتالي تكون القوائم الفائزة أقل وتشكل سريعا حكومة محلية أو وطنية.

  • كممارسة ديمقراطية.. كيف ترى الوعي الجماهيري بالعملية الانتخابية وحق المواطن العراقي في الانتخاب؟

نحتاج إلى توعية كبيرة خصوصا من قبل أعضاء الأحزاب السياسية، وكذلك مطلوب زيادة الثقافة الجماهيرية لدى كثير من الناخبين، لذلك أقترح إعادة افتتاح معهد الثقافة الانتخابية في مفوضية الانتخابات أو في رئاسة الوزراء.

وكذلك ضرورة أن تكون هناك مناهج في كل مراحل الدراسة متخصصة في الثقافة الديمقراطية حتى نزيد الوعي بها لدى عموم الشعب العراقي.