قوات أوكرانية في السودان.. ما علاقتها بـ"الدعم السريع" ومرتزقة فاغنر؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

في ظل حالة الفوضى التي تشهدها السودان منذ محاولة مليشيا "الدعم السريع" بزعامة حمدان دقلو (حميدتي) الانقلاب على الجيش والسيطرة على البلاد، ودخول الحرب الأهلية بينهما شهرها الثالث عشر، ترددت أنباء عن وجود قوات أوكرانية في السودان.

عزز ذلك، نشر صحف أوكرانية أنباء عن وجود "قوات خاصة واستخبارية" أوكرانية في السودان تطارد مرتزقة "فاغنر" الموالية للجيش الروسي، في ظل الحرب الأوكرانية الروسية عقب غزو موسكو لها عام 2022، وحديثها عن انتصارات عليهم.

ثم بدأت صحف أميركية وأوروبية تنشر تفاصيل أكثر عن هذا التواجد الأوكراني في السودان.

الخطوط الأمامية

كما عزز هذه الأنباء لقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في مطار شانون بأيرلندا في 23 سبتمبر/ أيلول 2023.

وتعليق زيلينسكي على اللقاء بقوله عبر حسابه على منصة "إكس": "ناقشنا التحديات الأمنية المشتركة بيننا، وتحديدا أنشطة الجماعات المسلحة غير الشرعية التي تمولها روسيا"، في إشارة إلى "فاغنر".

طرح ذلك تساؤلات حول ما الذي يفعله جيش أوكرانيا في السودان؟ وما حجم هذه القوات؟ ومن أدخلها السودان؟، وما تداعيات ذلك على إطالة الحرب وخلق أبعاد دولية لها.

وسبق أن اتهم مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، الإمارات وتشاد و"فاغنر" بتقديم الدعم العسكري إلى "الدعم السريع"، وهي تصريحات نفتها أبوظبي وكذلك انجمينا، لكن الواقع على الأرض يؤكدها.

وفي 20 سبتمبر/أيلول 2023، انتشرت لقطات فيديو لسلسلة من ضربات الطائرات بدون طيار وعملية برية موجهة قيل إنها موجهة ضد مليشيا الدعم السريع التي تدعمها "فاغنر" قرب العاصمة الخرطوم.

وكشف تحقيق لشبكة "سي إن إن" أن "القوات الخاصة الأوكرانية" كانت على الأرجح وراء هذه الضربات الجوية الطائرات بدون طيار على أرض السودان، مثيرة احتمال أن تكون تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، قد انتشرت بعيدا عن الخطوط الأمامية، ووصلت السودان.

ونقلت شبكة "سي إن إن" عن "مصدر عسكري أوكراني" أن الهجمات الجوية من عمل "جيش غير سوداني"، وقامت به طائرات من النوع الذي يستخدمه الجيش الأوكراني ضد روسيا.

ولم تعلن أوكرانيا رسميا مسؤوليتها عن الهجمات، وبعد نشر هذا التقرير، قال ممثل المخابرات الدفاعية الأوكرانية، أندريه يوسوف، لشبكة "سي إن إن": "لا يمكننا تأكيد ذلك أو نفيه". 

لكن لوحظ أن هذه الضربات، جاءت بعد يومين فقط من قيام فاغنر بتسهيل وصول قافلة أسلحة كبيرة إلى السودان للدعم السريع في "قاعدة الزرق" جنوب غرب، قرب الحدود مع تشاد، وفقا لمصدر سوداني رفيع المستوى.

وقالت سي إن إن حينئذ إنها حصلت على صور أقمار صناعية أظهرت أكثر من 100 مركبة، بما في ذلك عشرات الشاحنات، في "قاعدة الزرق"، أوصلتها فاغنر للدعم السريع.

وأشارت إلى أن الهجمات شملت 14 ضربة مختلفة، على مواقع لأسلحة ومعدات قوات الدعم السريع، التي يُعتقد أن "فاغنر" دعمت بها القوات التي يقودها حميدتي.

وانتشرت فيديوهات على مدار أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2023، تؤكد وجود قوات خاصة أوكرانية في السودان، تنفذ عمليات ضد "فاغنر" العسكرية الخاصة الروسية وحلفائها المحليين من الدعم السريع.

عاجل :لقطات فيديو تؤكد وجود قوات خاصة أوكرانية في السودان. تنفذ القوات الخاصة الأوكرانية عمليات في السودان ضد شركة فاغنر العسكرية الخاصة الروسية وحلفائها المحليين من قوات الدعم السريع، الذين حاولوا القيام بانقلاب في أبريل. 
 

pic.twitter.com/NMcXfTNCMN

— Arab-Military (@ashrafnsier) October 6, 2023

تأكيد رسمي

لاحقا، أكدت صحيفة "كييف بوست" الأوكرانية في 5 فبراير/شباط 2024 نبأ وجود قوات أوكرانية في السودان، وذلك ببث مقطع فيديو قصير، قالت إنه وصلها من مصادر داخل المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية.

ويظهر في الفيديو مرتزقة من شركة فاغنر العسكرية الخاصة (PMC) يجري استجوابهم السودان، مع أفارقة آخرين ممن يحاربون مع مليشيا حميدتي.

وقال الجندي الروسي إنه من "فاغنر" وجاء إلى السودان قادما من جمهورية إفريقيا الوسطى، حيث يتمركز مقاتلون من الجماعة الروسية، "لإسقاط الحكومة السودانية (الجيش) بقوة قوامها نحو 100 فرد.

𝕏 قوات اوكرانية تستجوب قوات من فاغنر الروسية بعد اعتقالهم في السودان pic.twitter.com/QkFIqfamX3

— smallx (@Mo_smallx) February 5, 2024

ثم أظهر مقطع فيديو جرى تداوله في سبتمبر 2023 استهداف عناصر للدعم السريع في مدينة أم درمان والعاصمة الخرطوم، مصحوب بعمليات تصوير بدقة عالية، ما عزز الاعتقاد بأن القوات الخاصة الأوكرانية نفذت الهجوم.

📹 EXCLUSIVE: Videos Show Ukrainian Special Forces 'Cleaning Up' Wagner Fighters in Sudan

One of the videos purportedly shows Ukrainian operatives stalking the streets of the African city and engaging Wagner fighters at close range with RPGs. pic.twitter.com/wD5noCk3Kt

— KyivPost (@KyivPost) November 6, 2023

في اليوم التالي 6 فبراير/شباط 2024 نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا يتحدث عن معلومات ومقاطع فيديو تؤكد وجود قوات خاصة أوكرانية تعمل بالفعل في السودان لدعم الجيش ضد مرتزقة فاغنر المتحالفين مع الدعم السريع.

قالت إن أوكرانيا تنتهج إستراتيجية إجراء عمليات للقوات الخاصة داخل السودان ومثل روسيا في محاولة لتسجيل انتصارات دعائية ضد عدوها، وإظهار أنه لا يوجد مكان آمن بالضرورة من قواتها، رغم أنها نادرا ما تكون ذات أهمية عسكرية.

وذكرت "الغارديان" أن جزءا آخر من مقطع فيديو يُظهر عناصر من القوات الخاصة الأوكرانية خلال تفتيش مركبة عسكرية ليلا، ويزيلون بطاقة فاغنر من جندي يبدو ميتا في مقعده، لكن الصور مظلمة للغاية وغير واضحة بحيث لا يمكن تحديدها.

وبحسب الصحيفة، يعود تواجد قوات أوكرانية في السودان، إلى الدعم الذي كان يقدم للدعم السريع من قبل فاغنر، التي قامت أيضا بتعدين الذهب في البلاد واستخدمته لتمويل حرب موسكو في أوكرانيا.

عمل خطير

وكان آخر ما نُشر في هذا الصدد هو تحقيق لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 6 مارس/آذار 2024، يؤكد وجود قوات أوكرانية في السودان، لدعم الجيش في قتاله ضد الدعم السريع.

ورأت الصحيفة أن "ذلك دليل على أن خط الجبهة في الحرب بين أوكرانيا وروسيا يمتد حاليا إلى داخل إفريقيا".

وذكرت "وول ستريت جورنال" أنه عندما وجد البرهان نفسه محاصرا في العاصمة الخرطوم، اتصل بحليفه غير المتوقع زيلينسكي، الذي اقتنص الفرصة وأرسل قوات كوماندوز إلى السودان لنجدة البرهان.

ونقلت عن عسكريين أوكرانيين وسودانيين، تحليلهم أن هذه الخطوة حققت هدفين لزيلينسكي.

"الأول" رد جميل البرهان الذي زود كييف سرا بالأسلحة عندما شنت روسيا حربها على أوكرانيا عام 2022، دون أن تذكر الصحيفة الأميركية أي دليل على ذلك، و"الثاني"، "لإرهاق موسكو ورفع تكلفة الحرب عليها".

وقالت الصحيفة إن "معلومات هذا التحقيق تستند إلى مقابلات مع العديد من أفراد القوات الأوكرانية الذين قاتلوا في السودان، وكذلك مع جنود سودانيين، ولقطات فيديو من السودان اطلعت عليها".

وأكدت أنه "في غضون أسابيع قليلة من المكالمة الهاتفية، هبطت قوات خاصة أوكرانية في السودان وبدأ القتال لطرد الدعم السريع من الخرطوم، وفقا لعدد من الجنود الأوكرانيين المشاركين في العملية".

ونقلت عن ضابط أوكراني اسمه الحركي "برادا" وكان يقود أحد الفرق الأوكرانية في السودان: "من المستحيل تجاوز روسيا عن طريق القتال على قطعة أرض صغيرة وحسب، مثل خط الجبهة في أوكرانيا".

وأضاف: "إذا كانت لديهم مناجم ذهب في السودان، فنحتاج إلى أن نجعلها غير مربحة لهم".

ورفض الجنرال كيريلو بودانوف، الذي يقود الاستخبارات العسكرية الأوكرانية (HUR)، التعليق على سؤال "وول ستريت جورنال" ما إذا كان نشر قواته في السودان، لكنه "حدد الأساس المنطقي وراء إرسال قوات أوكرانية إلى الخارج".

وقال بودانوف إن "الحرب عمل خطير، نحن في حرب شاملة مع روسيا، ولديهم وحدات في مناطق مختلفة من العالم، ونحاول أحياناً مهاجمتهم هناك".

وأضاف: "حصلنا على كثير من الأسلحة من السودان في ذلك الوقت، دفعت الكثير من البلاد المال من أجل الحصول عليه، كانت لديهم مجموعة متنوعة من الأسلحة تستطيع العثور على كل شيء، بدءاً من الأسلحة الصينية وحتى الأسلحة الأميركية".

وتقول الصحيفة الأميركية إن الموجة الأولى من القوات الأوكرانية، التي يبلغ عددها نحو 100 جندي، وغالبيتهم من وحدة "تيمور" التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وصلت السودان في منتصف أغسطس/آب 2023.

وقد بدأت قوات أوكرانية في السودان في تدريب الجنود السودانيين على بعض التكتيكات التي ساعدتهم في التصدي للجيش الروسي الأكبر، لا سيما استخدام الطائرات المسيرة، وفق "وول ستريت جورنال".

وقال جندي ينتمي إلى وحدة تيمور التابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، إنه تعاون أيضاً مع القوات السودانية في زرع الألغام في طرق الإمدادات التي تؤدي إلى الخرطوم وأوضح أنه فخخ في إحدى العمليات شاحنة تعطلت بوسط الطريق.

وأوضح: "في الصباح التالي، عندما عبرت الشاحنة الصغيرة التابعة لقوات العدو والتي كانت تمتلئ بجنود المشاة والأسلحة، فجرناها"، وشاهدت الصحيفة الأميركية فيديو أعطاه لها عن هذه العمليات.

وبحسب الصحيفة، عاد فريق برادا إلى أوكرانيا في وقت سابق من هذا العام (2024) ولم تعلن أي من الفرق الأوكرانية عن أية خسائر في السودان.

ويعتقد مراقبون أن تأثير أوكرانيا في السودان بطائراتها المسيرة ثم وصول طائرات وعتاد إيراني كان له دور في الانتصارات الأخيرة لجيش السودان، واستعادته السيطرة على مناطق شاسعة من أم درمان، وهو أول تقدم كبير يحققه في الصراع. 

وينسب الخبراء هذه المكاسب بدرجة كبيرة إلى دقة الهجمات بالطائرات المسيرة، إضافة إلى انتشار وحدات النخبة في الجيش السوداني.

مرصود ومعروف

مصدر دبلوماسي سوداني سابق، بالقاهرة، أوضح لـ"الاستقلال" أن تواجد فاغنر في السودان "أمر ثابت ومرصود ومعروف".

وتعاونهم مع مليشيا حميدتي لنهب السودان وتمويل الحرب به، أمر مُثبت ضمن تحالف ثلاثي بين حميدتي وفاغنر والإمارات.

وقال إن زيارة نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار، إلى روسيا لطلب دعم موسكو في إيقاف الحرب، ربما لنقل رسالة واضحة بشأن تضرر السودان من فاغنر ولذلك ذهب لروسيا مباشرة ليطلب منها لجم المرتزقة.

وأوضح أن عقار زار روسيا مرتين في 30 يونيو/حزيران 2023، ثم 27 يوليو/تموز 2023، أي مرتين خلال شهر، على رأس وفد لحضور مؤتمر القمة الإفريقية الروسية، وهذه المرة تحدث بوضوح عن دور فاغنر في زعزعة أمن السودان بدعمها قوات حميدتي، بصورة غير مباشرة.

وتحدث في كلمته بوضوح عن "قضية ضبط ومراقبة التشكيلات شبه العسكرية والقوات غير الحكومية والتي تشكل تهديدا لوحدة وسلامة الدول في العالم وفي منطقة الساحل الافريقي على وجه الخصوص"، و"قضية وحدة المؤسسات العسكرية" وهي رسائل دبلوماسية لروسيا.

وهو ما يعني ضمنا، رد السودان، بالسماح لقوات خاصة أوكرانية باصطياد مرتزقة فاغنر وإجهاض مخططهم لدعم حميدتي بطلب من الإمارات، وفق قوله.

لكن الصحفية المتخصصة في الشأن السوداني، صباح موسي، أوضحت أن مالك عقار زار روسيا في 30 يونيو 2023، وطلب من المسؤولين المساعدة في إنهاء الحرب السودانية.

ورجحت لـ"الاستقلال" أن يكون هذا مؤشر على علاقات جيدة بين السودان وروسيا، بما يمنع فاغنر من دعم حميدتي، خاصة أن أنباء عدة ترددت عن مغادرة فاغنر السودان مع اندلاع الحرب الأهلية في أبريل/نيسان 2023.

وأشارت موسى إلى أنه "لا يوجد أي اتهامات داخلية في السودان عن وجود قوات أوكرانية استخبارية هناك، ولو فرض وكانت هناك مثل هذه القوات، يبقى السؤال لماذا أثارت صحف أميركا والغرب هذا الأمر، وما الذي يضير واشنطن من ذلك؟

ورجحت أن يكون وجود دعم روسي، عن طريق "فاغنر" للدعم السريع، من باب التنافس الأميركي الروسي في المنطقة، ورد أوكراني "إعلامي" على الغزو الروسي بأنها ستطارد موسكو أينما كانت.

لكن المفارقة، وفق صباح موسي، أنه لا يوجد بالمقابل دعم أميركي للجيش السوداني، بل هناك انقسام حاد داخل الإدارة الأميركية بين الكونغرس والخارجية حول طريقة معالجة الأوضاع في السودان.

وأوضحت أن الكارثة في السودان والتي أوصلت الأمور إلى هذا الحد، أن هناك استماتة من جانب الأميركان والغرب تجاه دعم تيار "الحرية والتغيير"، وهذا ما يعطيها قبلة الحياة في السودان إلى الآن.

أشارت إلى أن هذا الدعم الأميركي للحرية والتغيير، واضح من خلال المبعوث الأممي الألماني فولكر بيرتس، الذي أبعدته الخرطوم، وقالت وزارة الخارجية السودانية إن بيرتيس شخص "غير مرغوب فيه".

وكذلك سفير واشنطن السابق في الخرطوم، جون غودفري، الذي أعربت وزارة الخارجية السودانية، عن استيائها من منشور له عبر "إكس" تحدث فيه عن "طرفين متحاربين لا يصلحون للحكم" في السودان، واستقال وحل محله "دانيال روبنشتاين".

Yesterday marked 1 year since I arrived in Khartoum. Our effort with Sudanese and international partners to restore Sudan’s democracy was upended by war now devastating the country. A future built by the Sudanese people can only happen when civilians’ security is restored. The…

— Daniel Rubinstein (@USAMBSudan) August 25, 2023

و"الخلاصة أن الأميركان لا يدعمون الجيش بأي حال، صحيح لا يدعمون الدعم السريع، لكنهم مع سياسية إنهاك الطرفين" وفق الصحفية "صباح موسي".

ومع هذا لم يستبعد محلل سياسي مصري لـ"الاستقلال" أن يكون تواجد قوات خاصة أوكرانية على أرض السودان لضرب مرتزقة فاغنر الروس، بموافقة أميركية ضمنية "طالما سيكون مفيدا في مناكفة موسكو".

أو "بديل محتمل" عن الدعم الأميركي المحجوب عن الجيش السوداني من انقلابه على تيار "الحرية والتغيير" اليساري الذي شارك في الحكومة 25 أكتوبر 2021.

وتنفذ روسيا منذ سنوات خططا لزيادة نفوذها في إفريقيا، بعضها يقوم على استخراج الذهب وتدريب المقاتلين في عدد من الدول الإفريقية.

لكن إرسال قوات إلى إفريقيا بالنسبة لأوكرانيا، مشروع جديد وجريء، وهو جزء من إستراتيجية لتعطيل العمليات العسكرية والاقتصادية الروسية في الخارج، وجعل الحرب أكثر تكلفة بالنسبة لموسكو، حسبما يرى محللون.