نزوح واغتيالات.. تصاعد الاشتباكات في "سنجة" يثير قلق السودانيين

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أنباء متضاربة حول حقيقة الوضع في مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار جنوب شرق السودان، فبينما أعلنت قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو سيطرتها على المدينة، أكد الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان أن قواته متمسكة بمواقعها واستعادت سيطرتها.

في بيان على منصة إكس في 29 يونيو/حزيران 2024، أعلنت قوات الدعم السريع سيطرتها على الفرقة 17 مشاة التابعة للجيش في سنجة، ووضع يدها على مخزون وافر من العتاد العسكري في خطوة مهمة سيكون لها ما بعدها بسبب الموقع الإستراتيجي والأهمية العسكرية للفرقة. 

وفي اليوم التالي قال الناطق باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، إن "قواتنا في سنجة متمسكة بمواقعها، وتقاتل العدو بثبات ومعنويات عالية".

كما قال مصدر مطلع بالجيش السوداني إنه تمكن من استعادة السيطرة على مقر رئاسة الفرقة "17 مشاة" ومقر رئاسة "اللواء 67" وكل الأحياء الجنوبية والشرقية من مدينة سنجة.

وفي إفادات لقناة الجزيرة، قال المستشار الإعلامي لوالي سنار، إن الجيش يطارد قائد قوات الدعم بقطاع الجزيرة أبو عاقلة كيكل، وقائد قوات الدعم بقطاع سنار عبدالرحمن البيشي، بعد هروبهما إلى غابة كمبو ستة، مؤكدا أن قائد الفرقة 17 يدير المعركة من داخل مقر الفرقة في سنجة.

وردت مليشيا الدعم السريع بنشر مقاطع فيديو من داخل مقر الفرقة، مؤكدة أن قواتها تسيطر بالكامل على مدينة سنجة.

زيارة البرهان

وتجدر الإشارة إلى أن هجوم الدعم السريع على سنجة تزامن مع زيارة البرهان إلى مدينة سنار التي يفصلها عن سنجة حوالي 70 كيلومترا، واتهم ناشطون الجيش السوداني بسحب قواته من سنجة لتأمين زيارة البرهان ما سهّل سيطرة المليشيا على المدينة.

وفي أعقاب ذلك أعلنت منظمة الهجرة الدولية، مطلع يوليو/تموز 2024، نزوح أكثر من 55 ألفا و440 شخصا من مدينة سنجة والقرى المجاورة لها ومواقع مختلفة من مناطق أبو حجار والدالي بولاية سنار، جراء الاشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع".

وأوضحت أن نحو 50 ألف شخص نزحوا إلى مناطق بولاية القضارف (شرق)، فيما نزح 5 آلاف آخرون إلى مدينة الدمازين بالنيل الأزرق (جنوب شرق)، ونزح نحو 440 آخرين إلى مدينة الجبلين بولاية النيل الأبيض (جنوب)، قائلة إن الوضع لا يزال متوترا ولا يمكن التنبؤ به.

وبرزت حالة غضب واستياء بين الناشطين على منصة إكس من تضارب الأنباء حول وضع سنجة الآن والجهة المسيطرة على المدينة وحقيقة استعادة الجيش سيطرته عليها والكيفية التي سيطرت بها المليشيا عليها مع تلميحات لوجود خيانات في صفوف الجيش وبروز لدور إماراتي.

وتساءلوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #سنجة، #سنار، وغيرها، عن أسباب سماح الجيش منذ البداية للمليشيات بالاستيلاء على مدينة سنجة والوصول لها، والتمدد داخل المدينة والوصول للمقرات الوزارية والاحتماء بالمواطنين، ومن ثم تعلن استعادة سيطرتها وملاحقة قادتها.

وتداول ناشطون صورا ومقاطع فيديو تظهر نزوح المواطنين من مدينة سنجة وتبرز معاناتهم وصعوبة تنقلهم وشتاتهم، صابين جام غضبهم على مليشيا الدعم السريع، ومستنكرين فشل الجيش السوداني في ردع المليشيا وتركه يمارس القتل والاغتيال بحق رموز سودانية.

عاصمة سنار

وسنجة مدينة تقع في ولاية سنار بالسودان في الضفة الغربية لنهر النيل الأزرق على ارتفاع 439 مترا (1440 قدم) فوق سطح البحر وتبعد عن العاصمة الخرطوم بحوالي 360 كيلومترا (223 ميل) باتجاه الجنوب الشرقي، وعن مدينة سنار حوالي 60 كيلومترا، وهي عاصمة ولاية سنار.

وتتميز بتنوع بيئتها الطبيعية والسكانية وبثروتها الحيوانية ومواردها المائية، وفيها محطة أبحاث بيطرية وسوق كبير للمحاصيل أهمها الصمغ العربي، وفيها 5 ملايين فدان زراعة مطرية، و400 ألف فدان من الأراضي المروية بمياه النيل، وتتميز ببساتين الفاكهة المختلفة كالمانجو والليمون والجوافة والموز.

وبسيطرة الدعم السريع على سنجة فإن المليشيا تسيطر على ثامن عاصمة ولاية بعد سيطرتها على أجزاء واسعة من الخرطوم ومدني عاصمة ولاية الجزيرة، والجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور، وزالنجي عاصمة ولاية وسط دارفور، ونيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، والضعين عاصمة ولاية شرق دارفور، والفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، كما تحاصر الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور.

ووفق مراقبن فإن الدعم السريع تسعى في كل عملياتها للسيطرة على المناطق الحاكمة التي تمكنها من السيطرة على عدد من المناطق، وأن السيطرة على جبل موية الإستراتيجي أتاح لها الهجوم على سنجة وربك وسنار، والسيطرة على سنجة تتيح لها السيطرة على سنار والقضارف والدمازين وربك وكوستي.

سجال وتضارب

وتفاعلا مع التطورات قال أحد المغردين، إنه اتصل مع أحد الأصدقاء وهو ضابط برتبة رائد وتحدثوا في بعض النقاط المحورية، وقال له "نحن مستعدون تماما لهذه المعركة وقد أعددنا كل العدة لحرب المدن وأي قوة دخلت سنجة خلاص كأنها دخلت الكرشة".

فيما قال الصحفي أحمد بن عمر، إن سقوط سنجة هو مفتاح التحرك الذي اعتمد عليه الدعم السريع في حشده في الشهور السابقة، واليوم سقطت الدندر المدينة الحدودية مع شرق السودان (إضافة للقضارف) مما يمكن أن تتدفق موجة من التجنديد الحدودي والتجارة الحدودية والسلاح.

وكتب أحد المغردين: "مازالوا ينكرون سقوط سنجة حتى سقطت الدندر الإستراتيجية التي ستمكن الدعم السريع من وضع يده على منفذ حدودي جديد مهم".

ورأى أنس محمد أن المسألة ليست في تحرير الجيش لسنجة وإنما في كيفية دخول الدعم عاصمة ولاية بهذه السهولة، مطالبا بإقالة قادة الأجهزة النظامية بولاية سنار ومنهم اللواء ربيع عبدالله واللواء أحمد صبيرة ومحاكمتهم بالتقصير إذا لم يكن هناك خيانة.

وقال: "كونك تحرر سنجة دا ما إنجاز، لأنك لما تخلق مشكلة وتحلها دا ما إنجاز".

وألمح أحد المغردين، لوجود خيانات في صفوف الجيش السوداني، قائلا إن الحاصل في الجزيرة وسنجة وجبل موية فشل قيادي وليس ميدانيا.

وأكد أن الاختراق الاستخباراتي واضح سواء بالتواصل مع المليشيا أو خلافه لأن فجأة لقينا كيكل والبيشي جوه قيادة الفرقة.

وكتب المغرد أحمد: "للمرة الـ ٥٠٠ الحديث عن خيانة في الجيش السوداني وانسحاب الفرقة ١٧ للجيش السوداني من مدينه سنجة الإستراتيجية عاصمة ولاية سنار، أعقبه هروب جماعي للمواطنين من المدينة بعد تسلل عناصر الدعم لها مع عمليات سرقات واعتقال وقتل عشوائي تقوم بها المليشيات الإرهابية بحق المواطنين".

وقالت المغردة سلمى "يبدو أن الإمارات أرادت اختصار الطريق لتنفيذ مشروعها بعد فشل المليشيا في إنجاز مهمتها وتأخرها في ذلك لجأت للجيش بشراء الذمم داخل الحاميات العسكرية"، مؤكدة أن سقوط الحاميات العسكرية والولايات يتم بخيانة داخل الحاميات وبتنسيق مع المليشيا بإخبارهم بالقدوم وإعطائهم التعليمات بالهجوم ثم الانسحاب مع مقاومة هزيلة أو دون مقاومة. 

وأضافت أن ما حصل في سنجة باختصار شديد تم الاتصال على كيكل والبيشي المحاصر داخل جبل موية ولا ندري كيف محاصر وهو يتحرك كما يشاء ويريد _ جاءتهم التعليمات بالتحرك نحو سنجة لاستلام حاميتها وبالفعل قد كان، تحركوا ولم يجدوا مقاومة واستلموا بكل يسر الحامية وأمانه الولاية".

وردا على تضارب الأنباء حول ما يحدث في سنجة، أكد الصحفي أحمد البلال الطيب، أن معظم الأخبار والفيديوهات التي يتم تداولها حاليا بالوسائط حول ما يدور بسنجة، غير صحيحة وبعضها متسرع، مثل إعادة سيطرة الجيش على المدينة، أو السيطرة الكاملة للقوات المتمردة على المدينة.

وأكد أن معظم الفيديوهات المتداولة قديمة ومن مناطق أخرى، مثل مدني والمناقل، بعض آخر من خارج السودان، وهو أمر بالحروب الحديثة ليس بالمستبعد أو المستغرب، ٩٠% من الحروب الحديثة يتحكم الإعلام في تسيير دفتها عبر غرف إعلامية، يصرف عليها ملايين الملايين من الدولارات.

ونقل الطيب، عن مواطنين داخل المدينة بالجزء الغربي، إفادتهم بمعلومات مهمة، قالوا إن المليشيا المتمردة يتحصن بعضها بمستشفى سنار العام وسط المرضى والكوادر الطبية، وبمنازل قريبة منها، وبرئاسة الشرطة وجهاز الأمن ورئاسة الحكومة ومرافق حكومية أخرى متعددة.

وأشار إلى قول المواطنين إنهم لاحظوا وجود تعزيزات عسكرية كبيرة للجيش مرتكزة بمناطق قريبة من المواقع التى توجد فيها القوات المتمردة، ناقلا عن مصادر عسكرية قولها إن (الموقف لم ينجلِ بعد بصورة قاطعة، والاشتباكات مستمرة)، متوقعا أن توجه حكومة سنار بيانا تفصيليا حول الأوضاع الأمنية بالولاية عامة وسنجة خاصة.

وتحت عنوان "رب ضارة نافعة" قال الناشط الحقوقي النذير ابوسيل: "بإذن الله معارك سنار وسنجة تكون سبب في تحرير الجزيرة من دنس مرتزقة مليشيات آل دقلو الإرهابيين".

وأكد أن الواقع والحقيقة أن قوات البيشي تم ضربها في سنار وجبل موية وفزعت مليشيات من الجزيرة وجنوبها وتم استهدافها وتم أسر قائدها، مضيفا: "فقدت قواتنا المسلحة السودانية الباسلة (١٤) جنديا فقط بين شهيد وجريح نسأل الله أن يتقبل الشهداء ويضمد جروح الجرحى، وهلك مقابلها (١٧٠٠) مرتزق وجنجودي إلى جنهم وبئس المصير".

نزوح جماعي

وتسليطا للضوء على ما خلّفه دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة سنجة من تدمير للحياة والتسبب في موجة نزوح جماعي، عرضت هان أمين، صورا توثق نزوح أهالي سنجة إلي المجهول.

واستنكرت ما يقال حول سحب الجيش منها لتأمين زيارة البرهان لمدينة سنار؛ وتعجبت قائلة: "أمن الجنرال وضاع الأمن من المواطنين".

واستنكر رئيس الهيئة العالمية لأنصار النبيﷺ محمد الصغير، حدوث موجة نزوح جديدة من مدينة سنجة بولاية سنار، بعد اعتداءات وحشية من جرائم الدعم السريع في المدينة، عارضا مقطع فيديو يوثق نزوح المواطنين.

وقال الناشط الحقوقي أيمن أحمد، إنه في ساعة متأخرة من الليل، وعلى وقع خطوات الموت التي اقتحمت أبواب مدينة سنجة، كان الأهالي يعيشون لحظات من الرعب والهلع، لافتا إلى أن قوات الدعم السريع اجتاحت المدينة بشكل غير مسبوق، تاركة وراءها مشهدا مليئا بالدمار والخراب.

وأوضح أنه في تلك الليلة السوداء، بدأت رحلة نزوح جديدة، مثقلة بالآلام والأحزان، الأطفال يبكون دون توقف، يبحثون عن أمان ضائع في عيون أمهاتهم التي تفيض بالدموع، والشيوخ عاجزون عن التحرك، يتكئون على عكازاتهم وقد أثقلهم الزمن والجراح، أما الشباب، فتضيع خطواتهم بين الرغبة في الهروب وبين الحنين إلى أرض باتت مرتعًا للخوف.

وأشار إلى أن الشوارع التي كانت تضج بالحياة، أصبحت خالية إلا من صدى النداءات واليأس الذي يلتف حول أعناقهم كالأفعى، المنازل التي كانت تجمع الأحبة، أصبحت أطلالا تروي قصص الحنين والألم، لا طعام ولا ماء، فقط سير في دروب مجهولة، يحدوهم الأمل في النجاة والخوف من المجهول الذي ينتظرهم.

وكتبت الكاتبة سوسن سنادة: "كل يوم نزوح جماعي جديد وفيهم كبار سن ومرضي ونساء وأطفال المشي ما قادرين وبرضو عديمي الإنسانية لسه رافعين شعار الحرب.. في ناس يمكن ده النزوح الرابع ليهم كل همهم مأوي.. جارتي من أم درمان لمدني جات ضربة مدني مشوا سنجة وأسي حالتهم يرثي لها ومقطوع الاتصالات م عارفنهم مشوا وين".

قتل واغتيال 

وبرزت اتهامات ناشطين لمليشيا الدعم السريع باغتيال عضو الأمانة العامة لجماعة أنصار السنة المحمدية في سنجة الشيخ عبدالرحمن محمد عيسى، إذ أكد مكاوي المليك، قيام مليشيا دقلو الإرهابية بفعل ذلك في مواصلة سلسلة جرائمها ضد المدنيين الأبرياء في السودان.

وتوعد بأن هذه الأعمال الإجرامية لن تمر دون حساب، وستكون نهايتهم الحتمية الهلاك والمحرقة بإذن الله.

 

وقال المغرد الفاتح، إن مليشيا الدعم السريع متعددة الجنسيات الإرهابية تغتال الشيخ عبدالرحمن محمد عيسى عضو الأمانة العامة لجماعة أنصار السنة المحمدية بمدينة سنجة، مذكرا بأن المليشيا قامت أيضا باستهداف أيقونة الثورة الترس شوتايم بالفاشر واغتياله بعد أيام قليلة من حديثه عن جرائم المليشيا. 

ووصف عباس محمد آدم قوات الدعم السريع بأنها "مليشيا الجنجويد الإرهابية الغازية الإماراتية القحاطية الإسرائيلية"، مشيرا إلى اغتيالها عضو الأمانة العامة لجماعة أنصار السنة المحمدية.

واستنكر استاذ التخطيط الإستراتيجي محمد الهاد، مقتل فضيلة الشيخ عبدالرحمن محمد عيسى عضو أمانة جماعة أنصار السنة المحمدية بمحلية سنجة برصاص مليشيا الجنجويد مساء أمس، داعيا الله أن يغفر له ويرحمه ويتقبله شهيدا ويسكنه فسيح جناته بالفردوس الأعلى من الجنة بصحبة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.

واتهم عاصم محمد السيد، مليشيا الدعم السريع التي وصفها بمليشيا الغدر باستهداف كل من يقول كلمة الحق، دون أن تفرق بين أبناء الشعب فهي تقتل وتأسر كل من ليس معها من أهل الرأي والتأثير، مؤكدا أن هذا هو الحال في كل مدينة دخلتها. 

وترحم على الشيخ عبد الرحمن محمد عيسى رحمة واسعة، قائلا إن المليشيا قتلوه داخل داره وبين أبنائه وإن لله وإن إليه راجعون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا.

وأكد الناشط ياسين أحمد، أن المليشيا تركت الجيش في سنار وهاجمت سجنة التي بها قوات جيش محدودة لأن الغرض نهب المواطن، قائلا إن "المليشيا الآن مشكلتها معانا كمواطنين.. الجنجويد المرتزقة عبارة عن مواطنين غير صالحين قتلة سفاحين نهابين مسلحين".

وتساءل: "لماذا لا نكون مواطنين مسلحين ندافع عن أنفسنا؟"، قائلا: "ما ممكن تكون عندك عربية ومتاجر ومصالح وبيت وعرض وأرض وما تشتري لك قطعة سلاح أو قناصة أو تجازفها بأي شكل كان، ما ممكن ناس تتجمع من النيجر وتشاد وإفريقيا الوسطي ومالي وليبيا عشان تنهبك، وأنت ما قادر تتجمع مع جارك وأبناء حيك لتكوين مجموعة قتالية تحمي الحي".

وأضاف أحمد أن الجيش في سنجة شن هجوما مضادا واستعاد الفرقة بعد المغرب، وفي الصباح فقدها لكثرة الجنجويد، قائلا: "لو المجتمع كان مسلح وأي زول قتل أي جنجويدي مر به لأصبحت سنجة آمنة محررة".